كانت ممارسة الطب في بلاد اليونان، منذ القرن الثامن قبل الميلاد، تحتكرها أسرة كهنوتية تنتمي إلى ملك قديم يدعى صقلاب Essculape. ونظراً لما اشتهر به من براعة في شفاء المرضى فقد أنزله اليونانيون منزلة الآلهة. وأقاموا له معابد عرفت باسم اسكلبيون Asklepeion. وكان الكهنة من أفراد أسرته يقومون بخدمة المرضى، كما كانوا يعلمون أولادهم معالجة المرضى بطريقة المخاطبة بالإشارات، أما إذا اضطروا للتدوين فكانوا يلجؤون إلى الألغاز، حتى لايفهم أحد سواهم تشخيص الأمراض، وطرق المداواة، وتحضير العقاقير والأدوية.
بقيت هذه الأسرة مسيطرة ومنتشرة في أرجاء اليونان إلى أن ظهر منها رجل يدعى أبقراط Hippocrate ولد في جزيرة قو Cos نحو سنة 460 ق.م، ومارس فيها الطب حتى توفي 377 ق.م.
كان أبقراط طبيباً يتمتع بأخلاق عالية، وتضحية واستقامة، فأتاح الفرصة لتعلم الطب وممارسته، لكل من تتوافر لديه الصفات الضرورية، والتي يجب أن يتحلّى بها الطبيب، ويقول ابن أبي أصيبعة، في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء، أن أبقراط صنّف ماينيف على ثلاثين كتاباً، إلا أن مايدّرس منها، وهي ذات الأصل الصحيح والترتيب الجيد، هو اثناعشر كتاباً.
ومنذ القرن الثالث قبل الميلاد ظهرت في مدينة الاسكندرية مدرسة مشهورة بالطب، قامت بدراسة مايسمى بالمجموعة الأبقراطية، ووضعت مؤلفات فيها انتقادات وتعليقات على مؤلفات أبقراط، وشروح للمفردات والمصطلحات الواردة فيها. ولم يبق لنا من تلك المؤلفات إلا ماكتبه إروتيان Erotian، طبيب الامبراطور نيرون (ت 68م)، وماكتبه جالينوس، طبيب الامبراطور مارك أوريل (ت 180م).
لقد قام الطبيب ماكس مايرهوف بتحقيق كتاب إروتيان ونشره 1918م، أما كتاب جالينوس وعنوانه: "كتاب جالينوس في الأسماء الطبية التي استعملها الأطباء، وعلى أي المعاني استعملوها"، فيقول العالم والمستشرق مانفريد أولمان، في كتابه "الطب في الإسلام"، إن الأصل اليوناني لكتاب جالينوس مفقود، إلا أن حنين بن إسحاق أشار إليه في أحد مؤلفاته، وقال إنه يملك نسخة مخطوطة منه، وإنه ترجم ثلاثة أقسام منه إلى السريانية، وترجم ابن أخته حبيش القسم الأول منه إلى العربية. وهذا القسم يوجد منه نسخة مخطوطة، محفوظة في مكتبة ليدن، عثر عليها الدكتور مايرهوف، ونشرها أيضاً 1926م.
وتقول الدكتورة غادة الكرمي، في معجمها "كتاب التنوير في الاصطلاحات الطبية" إن لجالينوس مؤلفاً آخر عنوانه: "في التعريفات الطبية"، يعطي توضيحات موجزة لمعاني المفردات الطبية، الشائعة الاستعمال في علم المداواة. وإن في طبعة كون Kuhn لمؤلفات جالينوس تعريفاً للأوزان والمكاييل.
لقد كان للعلماء والأطباء والمترجمين العرب والمسلمين الفضل في نشر وحفظ التراث العلمي لجميع الأمم ذات الحضارة القديمة، من هنود ويونان وفرس وسريان. ويقول أبو الريحان البيروني، في كتابه "الصيدنة في الطب"، في معرض حديثه عن المعاجم التي استفاد العرب منها: (وفي أيدي النصارى، ويعني السريان، كتاب يسمونه "يُشّاق شماهي" أي تفسير الأسماء، ويُعرف أيضاً باسم "جهار نام" بمعنى أن كل واحد مما فيه (من المصطلحات) مسمّى بأربع لغات، وهي: الرومية (اليونانية) والسريانية والعربية والفارسية. وكنت وجدت له نسخة بالخط السوري، وليس فيه من الآفات المؤدية إلى التصحيف، فنقلت أكثر ما فيه).
ثم يقول : (ولهم كتب تسمى لكسيقونات Lexicons، تشتمل على غرائب اللغات، وتفسير المشكل منها.
وعندي لكسيقون لزيج بطليموس، مكتوب بالخط السرياني، ثم بعينه بالعربي مع تفسيره. وإليه أرجع في مطالبي. ووجدت من كل واحد من كتاب الحشائش (لديسقوريد)، المنسلك بتصاويره، وكناش أوريباسيوس، مكتوباً عند الأدوية أساميها بالخط اليوناني، فنقلتها منها.. ولو ظفرت بباقي الكتابين لتمّ الأمر).
لقد قام البيروني المتوفى نحو سنة 443هـ/1051م، بتأليف كتاب الصيدنة في أواخر أيامه. وهو معجم مفسّر يضم أسماء العقاقير، أو الأدوية المفردة، بأسمائها باليونانية والهندية والفارسية والعربية، مرتبة حسب حروف المعجم، ويزيد عددها على (1200) دواء.
ويصف البيروني في نهاية مقدمة كتابه، حالته الصحية وماكان يعانيه من عمله المرهق، والناتج من ضعف السمع والبصر. ولقد لقي المعونة من أبي حامد أحمد بن محمد النهشعي، الذي كان مميزاً باللغة، ومبرزاً بالطب، مطلعاً على كتب القدماء والمحدثين، ومتولياً العمل بالبيمارستان. وكان يأتي للبيروني بنماذج من تلك الأدوية. ليطلّع عليها فيصفها عن عيان.
من المعلوم أن الرازي توفي سنة 313هـ/ 925م، أي قبل وفاة البيروتي بـ(126) سنة. وحينما استعرض البيروني في مقدمة كتاب (الصيدنة)، أسماء أصحاب المراجع العربية التي اعتمد عليها عند تأليف كتابه المذكور قال: (لقد كنت طالعت لأبي بكر الرازي كتابيه في الصيدلة والإبدال، ولكن لم أفز منهما بالكفاية، فأضفت بعض مافيهما إلى ما اجتمع عندي...). ولكن بالحقيقة لايكوّن كتاب الصيدلة والإبدال إلا جزءاً من موسوعة الحاوي التي تتألف من (23) جزءاً، منها ثلاثة أجزاء خصصها الرازي للكلام على الأدوية المفردة، وخصص كتاب الصيدلة للكلام على الأدوية المركبة.
بقي كتاب الحاوي على شكل أوراق متفرقة مودعة لدى شقيقة الرازي بعد وفاته. ولما كان الوزير محمد بن العميد (ت360هـ/971م) محباً للعلم ومقدراً للعلماء، سعى للحصول على تلك الأوراق بعد بذل الأموال، ثم كلّف بعض تلاميذ الرازي القيام بتنسيقها وترتيبها ونسخها. ونظراً لخضامة هذه الموسوعة، وثمنها الباهظ، كانت النسخ المخطوطة من أجزائه نادرة الوجود، وموزعة في عدة مكتبات عالمية. وفي سنة 1338هـ/1958م استطاعت دولة الهند الحصول على أجزاء كتاب الحاوي كلها . ثم باشرت مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن طباعة العدد الأول، وانتهت من طبع الجزء الأخير سنة 1390هـ/1971م.
ومما لاشك فيه أن الفضل الأكبر، في إحياء التراث الطبي العربي القديم، يعود إلى الطبيب محمد بن زكريا الرازي، ذلك لأنه استطاع أن يجمع في كتابه "الحاوي" مقتطفات ومصطلحات من مؤلفات يونانية وفارسية وسريانية، بعد أن ترجمها إلى اللغة العربية، يوحنا بن ماسويه، وحنين بن إسحاق ومدرسته، إلى جانب المؤلفات الطبية والنباتية، التي ظهرت في صدر الدولتين الأموية والعباسية، ومنها كناش أهرن القس الذي ترجمه إلى العربية ماسرجويه الخوزي، وفردوس الحكمة الذي ألفه علي بن سهل رابن الطبري، وكتب النبات التي ألفها عبد الملك بن قريب الأصمعي (ت216هـ/831م) وأبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (ت282هـ/895م). ومن مميزات كتاب الحاوي أنه يضم عدة معاجم، فمنها معجم بأسماء الأمراض، ومعجم بأسماء الأدوية المركبة، ومعجم بأسماء الأدوية المفردة، ومعجم بأسماء الأطعمة والأشربة، ومعجم بأسماء الأوزان والمكاييل.
لقد صنف الرازي مجموعة كبيرة من المؤلفات في الطب والفلسفة والكيمياء، ومنها مؤلف في الطب متوسط الحجم عرف باسم كتاب المنصوري لأنه أهداه إلى المنصور بن إسحق بن أحمد بن أسد صاحب خراسان، وقال في مقدمته: "إني جامع في كتابي هذا جملاً وجوامع ونكتاً وعيوناً في صناعة الطب، متحرياً في ذلك الاختصار والإيجاز، وذاكراً فيه حفظ الصحة، ومعالجة الأمراض وتوابع ذلك.." وقام بتحقيق هذا الكتاب الدكتور حازم البكري الصديقي، ونشره معهد المخطوطات العربية التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم سنة 1408هـ/ 1987م.
ونظراً للشهرة التي حظي بها هذا الكتاب أشار الأمير أبو زكريا يحيى بن أبي محمد، وهو أول ملوك الحفصيين في تونس (حكم من سنة 625-647هـ/ 1228-1249م)، إلى الشيخ الفقيه الحكيم أبي جعفر أحمد بن محمد بن الحشاء، بتأليف معجم يفسر فيه الألفاظ الطبية واللغوية الواقعة في كتاب المنصوري للرازي.
وقام بعد ذلك المستشرقان (كولان ورونو) بتحقيق نسخة مخطوطة من ذلك المعجم، الذي دعاه ابن الحشاء (مفيد العلوم ومبيد الهموم)، وطبعه معهد العلوم العليا المغربية برباط الفتح 1941م.
بيّن ابن الحشاء الطريقة التي سار عليها، عند وضعه هذا المعجم، فقال: "هذا تفسير الألفاظ الطبية واللغوية الواقعة في الكتاب المنصوري خاصة، وهي مبوبة على حروف المعجم، بحسب استعمال أهل بلاد المغرب لها. واعتمدت في كل لفظ على أول حرف منه خاصة، زائداً كان لوصلٍ أو غيره أو أصلياً، سوى ماأذكره. من المعلوم أن الصواب، في وضع الألفاظ اللغوية، أن يُعتمد في تبويبها على الأصول دون الزوائد وهو الأكثر في استعمال اللغويين، ولكن لما كان الغرض في هذه المقالة تنبيه المبتدئ، وكان ذلك مما يعسر عليه بنيت الأبواب، التي تقع فيها الألفاظ، مزيدة في أولها.. إلا أنه لما كانت حروف المضارعة، وصيغة الأمر في الأفعال، مما يكثر تكرارها، وكان ردّ الأفعال إلى مصاردها مما لايعسر على المبتدئ، رددتها كلها إلى مصادرها...".
وبلغ عدد الألفاظ والمصطلحات الواردة في هذا المعجم (1227) بين اسم وفعل وصفة...
علماء الكوفة والبصرة يضعون نواة المعاجم العلمية العربية:
وظهر في بلاد الرافدين، بين القرنين الثاني والخامس للهجرة، مجموعة من علماء اللغة العربية، وكان منهم الكوفيون ومنهم البصريون. وكان الكوفيون يحترمون كل ماسمع من كلام العرب، متى وثقوا من سماعه صحيحاً، ويستشهدون به. فعاب البصريون عليهم ذلك، ووصفوهم بعدم التقيّد بضوابط الدِّقة والفصاحة.
أما البصرويون فكانوا أسبق من الكوفيين في جمع ألفاظ اللغة، ووضع قواعد لها، والحرص على تطبيقها. وكانوا يلجؤون في ذلك إلى المنطق والفلسفة، في حين أن قواعد اللغة ليست منطقية دائماً، لأن اللغة كائن حي، فهي وليدة البيئة التي تنشأ فيها.
-لقد اهتم هؤلاء العلماء بموضوع خلق الإنسان والحيوان، والحشرات والنبات. وكان من أوائل من كتب في "خلق الإنسان" النضر بن شميل (ت203هـ/818م)، والأصمعي (ت213هـ/228م)، وابن قتيبة (ت276هـ/889م)، وأبو إسحاق الزجّاج (ت310هـ/922م).. وكان آخر من كتب في هذا الموضوع جلال الدين السيوطي (ت911هـ/1505م)، الذي استوعب الكثير مما صنّفه الأوائل، ووضع كتاباً دعاه "غاية الإحسان في خلق الإنسان".
-لم يبق من هذه المصنفات إلا القليل، وأولها "كتاب خلق الإنسان" للأصمعي. وهو يتألف من مقدمة وثلاثة أقسام وخاتمة. تكلم في مقدمته على الولادة والحمل والسن، ثم تناول الوصف العام للإنسان، وفصَّل في أجزائه مبتدئاً بالرأس ومنتهياً بالقدم. وختم موضوعه بالكلام على الصفات الخَلقية والخُلقية للإنسان.
-وفي موسوعة "المخصّص لابن سيده" الأندلسي (ت458هـ/1066م)، وفي السفر الثاني منها، بحوث كثيرة تتعلق بصفات أعضاء جسم الإنسان ووظائفه، وقد سار فيها على نهج الأصمعي.
أما ابن قتيبة (ت276هـ/889م) في كتابه "أدب الكاتب" فقد خصص فصلين للكلام على عيوب الإنسان وأمراضه، وبيّن الفروق بين المترادفات من الألفاظ والمصطلحات.
ومن المؤلفات القديمة المهمة، والتي كشف عنها الغطاء حديثاً، كتاب "خلق الإنسان لأبي إسحاق إبراهيم بن السَريّ الزجَّاج". لقد قام بتحقيق نسخة مخطوطة من هذا الكتاب الدكتور والتدقيق فيها إبراهيم السامرائي، ونشره في مجلة المجمع العلمي العراقي سنة (1382هـ/1963م).
ويقول الدكتور السامرائي إن الزجّاج استفاد من كتاب الأصمعي، كما استفاد من غيره. لكنه لم يهتم بالشواهد الشعرية الكثيرة كالأصمعي. وذكر الأبواب التي أغفلها الأصمعي في كتابه وهي: باب الأذن وصفاتها، وباب الأست، وباب الفرج. كما جاء بفوائد كثيرة لم تكن موجودة في كتاب الأصمعي.
علم النبات في خدمة الطب: كان أبو حنيفة أحمد بن داوود الدينوري (ت282هـ/ 895م) من أوائل من بحث في نباتات الجزيرة العربية ووصفها وصنّفها . لقد كان عشاباً ماهراً وعالماً بخواص نباتاتها المفيدة والضارة، والصالح منها لتغذية الإنسان والحيوان ومداواتهما. ألف كتاباً ضخماً في علم النبات، جمع فيه كل ماقيل عنها في مؤلفات من سبقه من علماء اللغة العربية، ومنهم أبو عمرو بن العلاء، وأبو زياد الكلابي، والأصمعي، والفرّاء، والكسائي، واللحياني وغيرهم، إضافة إلى ماورد على لسان الشعراء العرب ورواتهم. وكتابه موسوعة تتألف من ستة أجزاء، جعلها على شكل أبواب. وبيّن فيها علاقة النبات بالإنسان والحيوان.. ويقول عبد القادر البغدادي، في كتابه "خزانة الأدب" إنه رأى نسخة كاملة منه في ستة مجلدات كبيرة، ولكن المستشرق برنهارد ليفين يقول إنه لم يصل إلينا من ذلك الكتاب سوى الجزأين الثالث والخامس. لقد عثر هذا العالم على نسختين مخطوطتين، الأولى محفوظة في مكتبة جامعة يال Yale بالولايات المتحدة، وتضم الجزء الثالث من كتاب أبي حنيفة، والثانية محفوظة بمكتبة جامعة استامبول، وتضم قسماً من الجزء الخامس. ثم قام بعد ذلك بتحقيقهما ودراستهما، وأصدرهما في كتاب طبع سنة 1394هـ/ 1974م.
يضم الكتاب الذي أنجزه المستشرق ليفن ثلاثة عشر باباً، وهي: باب الرعي والمراعي- باب الجراد- باب الكمأة- باب الصمغ- باب الدباغ- باب الزناد- باب الوان النيران- باب مايُصبغ به- باب الروائح- باب المساويك- باب الحبال- باب العسل والنحل- باب القِسيّ والسهام. وتتضح من عناوين هذه الأبواب الفوائد التي يمكن أن يحصل عليها، كل من الإنسان والحيوان، من عالم النبات.
لقد استفاد من كتاب أبي حنيفة كلّ من ألف في علم العقاقير، بدءاً من البيروني وانتهاءً بابن البيطار.
العصر الذهبي للطب العربي: امتد هذا العصر من القرن التاسع حتى القرن الثاني عشر للميلاد، وظهر فيه مجموعة من الأطباء العرب والمستعربين، بحثوا وألفوا في جميع فروع الطب والصيدلة. ووضعوا موسوعات ظلت حتى عصر النهضة المراجع الأساسية لطلاب العلم. واشتهر من هؤلاء: علي بن سهل رابن الطبري مؤلف كتاب فردوس الحكمة، وأبو بكر الرازي مؤلف كتاب الحاوي، وعلي بن العباس الأهوازي مؤلف كتاب كامل الصناعة، وأبو منصور القمري مؤلف كتاب غنى ومنى وكتاب التنوير في الاصطلاحات الطبية، والشيخ الرئيس ابن سينا مؤلف كتاب القانون. أما في المغرب العربي فقد اشتهر أبو القاسم الزهراوي صاحب كتاب التصريف لمن عجز عن التأليف، وأبو مروان عبد الملك بن زهر مؤلف كتاب التيسير في المداواة والتدبير. وسنكتفي فيما يلي بالكلام على طبيبين من مشرق العالم العربي وطبيبين من مغربه.
أبو منصور القمري صاحب أول معجم طبي عربي: وهو طبيب من أهالي بخارى، يدعى أبو منصور الحسن بن نوح القمري والمتوفى نحو سنة (390هـ/999م). ذكره ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء فقال: "كان سيّد وقته، وأوحد زمانه، مشهوراً بالجودة في الصناعة الطبية، فاضلاً في أصولها وفروعها، جيد المداواة، متميزاً عند الملوك في زمانه. حدثني الإمام شمس الدين عبد الحميد بن عيسى الخسروشاهي أن الشيخ الرئيس ابن سينا كان قد لحق به وهو شيخ كبير، وكان يحضر مجلسه، ويلازم دروسه، وانتفع به في صناعة الطب". ثم قال:
ولأبي منصور القمري من الكتب كتاب "غنى ومنى"، وهو كناش حسن (أي كتاب موجز)، قد استقصى فيه ذكر الأمراض ومداواتها على أفضل مايكون. ولخّص فيه جملاً من أقوال المتقنين لصناعة الطب، وخصوصاً ماذكره الرازي متفرقاً في كتبه".
ولكن الحقيقة أن هنالك كتاباً آخر ألفه أبو منصور القمري، عنوانه "التنوير في الاصطلاحات الطبية"، لم يذكره ابن أبي أصيبعة في كتابه. ولهذه الكتب عدد من النسخ المخطوطة موزعة في مكتبات العالم. وقد ذكر العالمان بروكلمان، وسزكين تسع نسخ مخطوطة منها، وهي تحمل عناوين مختلفة، منها: "مصطلحات في الطب"، "ورسالة في حدود الأمراض"...
كتاب التنوير معجم صغير الحجم، عدد المصطلحات فيه (343) مصطلح، وهي موزعة على عشرة أبواب، وتضمّ الموضوعات الآتية:
الباب الأول: في أسامي العلل الحادثة من الرأس إلى القدم.
الباب الثاني: في أسامي العلل الحادثة في سطح البدن.
الباب الثالث: في أسامي الحميات وتوابعها.
الباب الرابع، في أسامي أعضاء البدن ومايجري مجراها.
الباب الخامس: في أسامي الطبائع ومافي معناها من ألفاظ.
الباب السادس: في أسامي الأشياء المستعملة في العلاج.
الباب السابع: في أسامي الأطعمة والأشربة.
الباب الثامن: في الألفاظ الواردة في الاقرباذينات.
الباب التاسع: في أسامي الأوزان والمكاييل.
الباب العاشر: في اتخاذ الأشياء التي لابد منها كل يوم.
لقد حقق كتاب التنوير ودرسه سيدتان، بصورة منفردة، وبآن واحد تقريباً وهما: الدكتورة غادة الكرمي والأستاذة وفاء تقي الدين. ونشرت الدكتورة الكرمي هذا الكتاب بعد تحقيقه عن طريق مكتب التربية العربي لدول الخليج بالرياض. ونشر مجمع اللغة العربية بدمشق كتاب التنوير الذي حققته الأستاذة تقي الدين، وذلك في عام 1411هـ/ 1991م.
وقام الأستاذ الدكتور نشأت الحمارنة بكتابة بحث دقيق عن المعجميات الطبية بين العامين (1985-1991)م ونشره في عدة أجزاء من المجلدات (60-66) من مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، وبين فيه تأثير كتاب التنوير في المؤلفات الطبية العربية، والتي ظهرت بعده، وهي:
1-"كتاب مفيد العلوم ومبيد الهموم" لابن الحشاء.
2-"كتاب حقائق أسرار الطب" للسجزي.
3- "كتاب بحر الجواهر" لمحمد بن يوسف الهروي.
4- "كتاب الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" لابن البيطار.
6- "كتاب المعتمد في الأدوية المفردة" لابن رسول الغساني.
كتاب القانون لابن سينا:
مؤلف هذا الكتاب هو الشيخ الرئيس أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، ولد في قرية أفشنا بالقرب من بخارى في تركستان سنة (370هـ/980م). له عدة مؤلفات في الطب والفلسفة ومختلف العلوم، ويعد كتابه "القانون في الطب" أشهر مؤلفاته على النطاقين العربي والأجنبي، واستمرت هذه الشهرة خلال فترة دامت أكثر من خمسة قرون. لقد حُقّق هذا الكتاب وشُرح وطُبع في الهند وطهران والقاهرة وروما، كما تُرجم إلى اللغتين اللاتينية والعبرية. وكان جيرار الكريموتي أول من ترجمه إلى اللاتينية في مدينة طليطلة خلال القرن الثاني عشر للميلاد. وفي أوائل القرن السادس عشر قام المستشرق أندريا الباغو بإعادة ترجمته، بعد أن مكث في الشرق مدة ثلاثين سنة، تعلم خلالها اللغة العربية، فجاءت ترجمته أفضل مماسبقها، ثم قام بجمع المصطلحات العلمية، الواردة في القانون، وجعلها على شكل معجم طبع في عام 1527م.
يتألف كتاب القانون من خمسة كتب أو أجزاء، تكلم ابن سينا في أولها على تعريف الطب وأغراضه، والأمزجة والاخلاط، وتشريح الجسم ووظائف الأعضاء. وخصص الكتاب الثاني للكلام على الأدوية المفردة، متجنباً ذكر ماكان عسر الوجود في الأسواق. وبلغ عددها (750) عقاراً تقريباً، مرتّبة أسماؤها حسب حروف أبجد. وفي الكتاب الثالث عدّد الأمراض التي تصيب أعضاء الجسم، مع بيان أسبابها وأعراضها وعلاجها. وفي الكتاب الرابع بحث عن أنواع الحمّيات وطرائق معالجتها، وبحث آخر عن الجراحة الصغرى. أما الكتاب الخامس والأخير، فيُطلق عليه اسم أقرباذين ابن سينا، لأنه يضمّ أسماء الأدوية المركبة، وطرائق تحضيرها، إضافة إلى الأوزان والمكاييل المستعملة في البلاد العربية والإسلامية، وهي مقتبسة من كنّاش الساهر، وكنّاش يوحنا بن سرابيون.
لقد سعت الأستاذة وفاء تقي الدين، منذ عام (1413هـ/1993م) لجمع مصطلحات الصيدلة والعقاقير، وتفسيرها، والموجودة في كتاب القانون، لجعلها على شكل معجم. وبدأت بنشر مقدمة لهذا المعجم في الجزء الثاني من المجلد (68) من مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق. وبيّنت في تلك المقدمة مميزات كتاب القانون وأجزاءه، ونسخه القديمة، المخطوطة والمطبوعة. واستعرضت أخيراً أهم المؤلفات الطبية والصيدلية التي استفاد منها ابن سينا عند تأليف كتابه، والمؤلفات المماثلة التي ظهرت بعده.
العصر الذهبي للطب العربي في بلاد المغرب والأندلس:
بدأ هذا العصر منذ القرن الثالث الهجري، الموافق للقرن العاشر للميلاد. ففي مدينة القيران، وخلال حكم الأمراء الأغالبة ظهر ثلاثة أطباء مشهورون، وهم إسحاق بن عمران، وإسحاق بن سليمان، وأبو جعفر أحمد بن الجزار.. ولكل واحد من هؤلاء الأطباء مؤلف بالأدوية المفردة. وكان أجودها "كتاب الاعتماد في الأدوية المفردة" لابن الجزار، وهو بمثابة معجم مرتب بأسماء تلك المواد. ولابن الجزار مؤلف آخر اسمه "كتاب البغية في الأدوية المركبة" سار في تأليفه على نسق أقرباذين ابن سينا، الموجود في الجزء الخامس من كتاب القانون.
أما في بلاد الأندلس، فقد بدأ العصر الذهبي للطب العربي خلال حكم الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر، (300-350هـ/912-961م). وكانت مصادر علم الأطباء في ذلك العصر المؤلفات الطبية التي كانت ترد إليهم من دمشق وبغداد. وفي سنة 337هـ/ 948م، وصل إلى قرطبة نسخة مخطوطة من كتاب ديسقوريدس باللغة اليونانية، هدية من امبراطور بيزنطة إلى الخليفة الناصر. وبما أنه لم يكن يوجد في قرطبة من يتقن تلك اللغة لذلك أرسل الخليفة رسالة إلى الامبراطور يطلب فيها إرسال ترجمان يحسن اللغتين اليونانية واللاتينية، فأرسل إليه الراهب نقولا سنة (339هـ/ 950م).
التفّ حول نقولا مجموعة من الأطباء، وكان منهم من يعرف اللاتينية، فصار نقولا يخرج معهم إلى أطراف قرطبة تعرفوا عن كثب بعض نباتات ديسقوريد، كما عرفوا أسماءها باللغات اليونانية واللاتينية والعربية والبربرية. وهكذا نشأت في الأندلس مدرسة علماء النبات والأدوية المفردة. وكان من أوائل أعضائها الطبيب سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل، وهو الذي وضع كتاب "في تفسير أسماء الأدوية المفردة" كما يوجد له "مقالة في الأدوية المفردة التي لم يذكرها ديسقوريد". وكان آخر أفراد هذه المدرسة الصيدلي العشاب ضياء الدين ابن البيطار، الذي ألف كتاب "الجامع لمفردات الأدوية والأغذية" وهو أكبر معجم في هذا المجال.
وإلى جانب هذه المؤلفات الطبية الهامة ظهر في الأندلس موسوعتان الأولى في مدينة الزهراء بالقرب من قرطبة، وهي من تأليف أبي القاسم الزهراوي (ت404هـ/1013م) والثانية في إشبيلية وهي من تأليف أبي مروان عبد الملك بن زهر (ت558هـ/1162م).
أبو القاسم خلف بن عباس الزهراوي:
وهو يعد من أكبر علماء الأندلس الذين أسهموا بتطوير علم الجراحة وصنعة الصيدلة. ألف كتاباً دعاه "التصريف لمن عجز عن التأليف"، وانتهى منه أواخر القرن العاشر للميلاد. يشتمل هذا الكتاب على ثلاثين مقالة، تضم تقريباً علوم الطب المعروفة في ذلك الوقت. وكل مقالة فيه يمكن اعتبارها كتاباً مستقلاً، لضخامتها وتناسق موادها.
اتبع الزهراوي في المقالتين الأولى والثانية منهاج ابن سينا، المعاصر له، من حيث تقسيم الطب إلى ثلاثة أقسام: العلم بالأمور الطبيعية- العلم بأسباب الأمراض- العلم بعلاماتها ودلائلها. ثم الكلام على الأمراض التي تصيب جسم الإنسان، عضواً عضواً، ثم الأمراض التي تصيب الجسم كله وهي الحميات، مع الكلام على طرائق معالجتها.
أما في المقالات التي تلي ذلك فقد تكلم الزهراوي على الترياق، وعلى مختلف الأشكال الصيدلية المعروفة في زمنه، مع شرح أسمائها وطرائق تحضيرها. وأخيراً قام بتقسيم الأدوية إلى زمر بحسب تأثيرها الدوائي.
ويستدل القارئ لهذه المقالات على أن الزهراوي لم يكن ناقلاً ومقتبساً لعلوم الصيدلة، بل كان ممارساً لتحضير الأدوية ومتقناً لصناعتها. فقد وصف قالباً من الخشب فيه ثقوب أسطوانية الشكل تملأ بالمساحيق بعد مزجها، ثم تضغط بمكبس فتخرج على هيئة أقراص.
قسم الزهراوي المقالة الثامنة والعشرين إلى ثلاثة أبواب وهي:
الباب الأول: في تدابير الأحجار المعدنية، من غسل وتكليس وإحراق. كما ذكر صفات بعض المعادن وأكاسيدها.
الباب الثاني: في تحضير العقاقير النباتية، من جمع وتجفيف وادخار، وعصر وتلبيب. كما تكلم عن الزيوت واللعابات.
الباب الثالث: عدد فيه أسماء بعض العقاقير ذات المنشأ الحيواني، وذكر طرائق تحضيرها وحفظها.
حازت هذه المقالة شهرة واسعة في أوربا، فترجمت إلى اللاتينية تحت اسم كتاب التدبير Liber Servitoris وطبعت في مدينة لندن 1471م، وأصبحت النواة الأولى لعلمي الكيمياء والصيدلة والعقاقير.
وقسم الزهراوي المقالة التاسعة والعشرين إلى خمسة أبواب، تكلم في الباب الأول على أسماء العقاقير النباتية بخمس لغات هي: العربية واليونانية والسريانية والفارسية والبربرية، وجعلها على شكل معجم.
وفي الباب الثاني ذكر الأدوات والأجهزة التي يستعملها الصيدلي في صيدلته أو معمله. ومنها الأنبيق والأتّال، والفرن المنقلب اللهب والقناطير وغيرها.. ووصف العقاقير النباتية في الباب الثاني، وذكر منشأها، وبديل كل عقار يتعذّر وجوده بالأسواق. وفي الباب الرابع تكلم على أعمار الأدوية المفردة والمركبة، أي مدة حفظها، ومنشئها ومصدرها الجغرافي. وخصّص الباب الأخير للكلام على الأوزان والمكاييل، وأسمائها أو نسبة بعضها إلى بعض واستعمالها. وتعدّ المقالة الثلاثون من أشهر مقالاته، وهي تضم بحثاً مستفيضاً بالجراحة، إضافة إلى تسع لوحات رسمت فيها بدقة الأدوات الجراحية المستعملة في مختلف العمليات الجراحية وعددها (170) أداة.
أبو مروان عبد الملك بن زهر الإيادي: وهو أحد أفراد أسرة اشتهرت بممارسة الطب، وخاصة بالتوليد وأمراض النساء. عمل طبيباً خاصاً للملك أبي محمد عبد المؤمن، مؤسس دولة الموحدين. له مؤلفات عديدة من أشهرها "كتاب التيسير في المداواة والتدبير". ونظراً للشهرة التي نالها هذا الكتاب فقد ترجم إلى اللغة العبرية ثم اللاتينية، تحت اسم Facili Adjumentum، وكانت آخر طبعة له 1574م.قام بتحقيق هذا الكتاب المرحوم الدكتور ميشيل الخوري، الأستاذ في المعهد الطبي العربي بدمشق. وقامت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بنشره 1983م يتألف كتاب التيسير من جزأين، تكلم ابن زهر في أولهما عن حفظ الصحة، ثم بدأ بذكر علاج أمراض الرأس والصدر والبطن.
أما الجزء الثاني فخصصه للكلام على أمراض أسفل البطن، وختمه بذكر الحميّات والبحاري والأمراض الوبائية وعلاجها.
وبما أن المرحوم الأستاذ الخوري قد توفي قبل أن ينجز طبع هذا الكتاب، لذلك تولى الأستاذ الدكتور عبد الكريم اليافي مراجعة الكتاب على أصوله، ووضع بعض الحواشي له. كما قام الأستاذ الدكتور مختار هاشم بوضع جدولين في نهاية الكتاب، يضم الأول المصطلحات الطبية الواردة في الكتاب، ويضم الثاني مفردات الأدوية والأغذية الواردة فيه.
خمود نشاط التأليف في علوم الطب والصيدلة وأسبابه:
مرت على البلاد العربية الإسلامية مجموعة من الكوارث البشرية والحضارية والبيئية، منذ القرن الخامس الهجري، الحادي عشر للميلاد، فأدت إلى انحطاط مختلف العلوم، بمافيها علوم الطب والصيدلة. لقد بدأ الصليبيون حملتهم الأولى على بلاد الشام في عام (490هـ/1096م)، فاستولوا على إنطاكية والرها والمعرّة. ثم تابعوا سيرهم فاستولوا على القدس بعد عامين.
وقد ساعد على سرعة تقدم تلك الحملة عدم التعاون بين السلاجقة الحاكمين في سورية مع الفاطميين الذين كانوا يحكمون مصر في ذلك الحين.
كان عماد الدين زنكي أميراً على الموصل، فهب لنجدة أهل الشام، فدخل حلب سنة (522هـ/1128م)، ثم غزا اللاذقية واستعاد الرها. لكنّ أتباعه قتلوه في قلعة جعبر سنة 541هـ/1146م)، وكان ابنه نور الدين إلى جانبه فأخذ خاتمه وتوجه إلى حلب فملكها، كما توجه أخوه سيف الدين غازي إلى الموصل فملكها أيضاً.
كان نور الدين قد أسر بنفسه أحد ملوك الفرنج، فاستشار أمراء الجيش بقتله، أو بقبول الفدية، ولما اختلف الأمراء في الرأي، استحسن نور الدين قبول الفدية، فأخذها وبنى بها البيمارستان الكبير بدمشق، وذلك سنة (549هـ/1154م). واشترط أن تكون الخدمات فيه مقصورة على الفقراء والمساكين، دون النظر لديانتهم. أما الأدوية التي يعزّ وجودها في الأسواق، فلايمنع من أخذها من يحتاج إليها غنياً كان أو فقيراً.
كان البيمارستان النوري منذ إنشائه مقراً لتعليم الطب وممارسته. وقد ذكر ابن أبي أصيبعة في كتابه "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" أسماء عدد كبير من الأطباء الذين عملوا فيهن وسيرتهم كان منهم الرئيس مهذب الدين الدخوار، وتلميذه موفق الدين ابن أبي أصيبعة، صاحب كتاب الطبقات. وكان أكثر أولئك الأطباء من البارزين في ممارسة الطب، ولكن لم تكن لهم مؤلفات تضم إنجازات قيمة في هذا العلم، باستثناء علاء الدين بن النفيس، الذي صنف عدة مؤلفات منها. كتاب المهذّب في الكحل المجرّب، كتاب الموجز في الطب، كتاب شرح تشريح القانون، وقد سجل فيه أعظم اكتشاف طبي عربي، وهو وصف الدورة الدموية الصغرى.
لقد عانت البلاد العربية والإسلامية خلال الحروب الصليبية كثيراً من الويلات، فأدى ذلك إلى انتشار الفقر والجهل والمرض.. وظهر عجز الطب التقليدي في علاج كثير من الأمراض، واختفت العقاقير الثمينة المستوردة فارتفعت أثمانها وعزّ وجودها، لهذا اضطر كثير من المرضى إلى اللجوء إلى المنجمين والمشعوذين ليعالجوهم بالتعاويذ والرقى والحجب، لذلك سعى الطبيب داود الأنطاكي في بعض مؤلفاته إلى الجمع بين الطب التقليدي الذي أرسى دعائمه أبو بكر الرازي وابن سينا، وبين الطب الشعبي. وكان ذلك من الأسباب التي دعت أعداءه من المتزمتين لذمّه والطعن في عقيدته.
احتل الطبيب المصري داود عمر الأنطاكي الضرير، المتوفى في مكة سنة (1008هـ /1599م) مكانة مرموقة في القطرين المصري والسوري، خلال الحكم العثماني، تكلم عنه المؤرخ محمد أمين المحبيّ الدمشقي، في كتابه "خلاصة الأثر في تراجم أهل القرن الحادي عشر" فقال: (هو الحكيم والطبيب المشهور، رأس الأطباء في زمانه، وشيخ العلوم الحكيمة، وأعجوبة الدهر".
صنّف داود الانطاكي مجموعة من المؤلفات الطبية أشهرها "تذكرة أولي الألباب والجامع للعجيب العجاب". وهي تعدّ من الموسوعات الطبية العربية التي كانت ولم تزل من أهم المراجع التي يعتمد عليها عند ممارسة الطب الشعبي، لذلك يطلق عليها اسم تذكرة العطارين. وهي تتألف من مقدمة وأربعة أبواب وخاتمة.
تكلم في المقدمة على العلوم بصورة عامة، وعلى مكانتها وصلتها بعلم الطب، والصفات التي يجب أن تتوافر في من يرغب أن يمارس مهنة الطب. وتكلم في الباب الأول على كليات هذا العلم والمدخل إليه.
وفي الباب الثاني بحث في المعالجة بالأدوية المفردة والأدوية المركبة. وتكلم في الباب الثالث على طرائق تحضير العقاقير ونوعية تأثيرها ودرجاته، ومايتعلق بها من اسم وماهية ونفع وضرر، ومقدار وبديل. وعدد أسماء مايزيد على عشرين عالماً وطبيباً، ممن اشتهرت مؤلفاتهم بعلم العقاقير، وكان آخرهم رشيد الدين الصوري. ومن المستغرب أنه لم يتعرض لذكر ضياء الدين بن البيطار، ولم يبين فضله في هذا المجال، علماً أن أكثر ماورد في كتابه قد سبق ذكره في كتاب "الجامع لمفردات الأغذية والأدوية" لابن البيطار. وفي الباب الرابع تكلم داود الأنطاكي على الأمراض وععلى أسبابها وأعراضها وطرائق معالجتها. وخصص الخاتمة للكلام على نكت وغرائب وقصص عجيبة.
مما لاشك فيه أن الباب الثالث من تذكرة داود يعد أهم أبوابها، ذلك لأنه يضم مالا يقل عن (1700) موضوع عن الأدوية المفردة والمركبة. وتكلم الأنطاكي في هذا الباب، ولأول مرة، على نبات البن، الذي ظهر في اليمن خلال القرن التاسع للهجرة/ الخامس عشر للميلاد، فقال: شجرة البن يُغرس حبّها في شهر آذار، وينمو ويقطف في آب، يطول ساقه نحو ثلاثة أذرع، وهو في غلظ الإبهام. له زهر أبيض، يخلف ثمراً كالبندق، وربما تفلطح كبذرة الباقلاء. إذا قشر انقسمت بذرته إلى نصفين. أجوده الرزين الأصفر، وأردؤه الأسود. جُرّب لتجفيف الرطوبات والسعال البلغمي والنزلات وإدرار البول. يجلب الصداع، ويُهزل ويُورث السهر.
لقد طبعت تذكرة داود الأنطاكي عدة مرات. وفي آخر كل طبعة يوجد قسم من الكتاب أطلق عليه اسم ذيل التذكرة، وهو غير موجود في المخطوطات القديمة. ويشكل بعدد أوراقه ثلث حجم الكتاب الأصلي. ويقال إن أحد تلامذة المؤلف قد قام بتأليفه. ويوجد في ذيل التذكرة بحوث تتعلق بالعلوم الخفية وهي: دعوة الكواكب والتنجيم، علم الحرف، السيمياء، ماوراء الطبيعة، التعافين، النيرتجات، الأوفاق، الرقى...
المعاجم الطبية في العصر الحديث: ظهر في أوربا خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد تيارات أدبية وفنية وعلمية، وكان لها تأثير عميق في المجتمع الأوربي وأدت لما يسمى بعصر النهضة. ولم ينج من تلك التيارات علم الطب التقليدي، الذي استمد أصوله من المؤلفات العربية التي ترجمت إلى اللغة اللاتينية، منذ أوائل القرن الحادي عشر. ويعد الطبيب السويسري باراسلز Paracelse حامل لواء هذا التيار.
كان باراسلز أستاذاً للطب والكيمياء في جامعة بال بسويسرا. وخلال أحد الأعياد الدينية وقف أمام باب الجامعة وطلب من تلامذته أن يأتوا بما لديهم من كتب الطب والكيمياء، فضمها إلى كتاب القانون لابن سينا ورمى بها إلى النار قائلاً: أنت يا ابن سينا وأنتما يارازي ويا جالينوس، وأنتم أيها العرب والأغريق، ليس علماً ماكتبتموه، وليس علماً ماابتدعتموه.
ألف باراسلز (المتوفى 1511)، كتاباً عنوانه "الطب الجديد الكيميائي" اعتمد فيه على معالجة الأمراض بالمواد الكيميائية. بينما اعتمد الطب التقليدي، الذي نشره الأطباء العرب والمسلمون، على المداواة بالنباتات الطبية بصورة خاصة.
كان باراسلز يعتقد بأن على الطبيب أن يكون على علم بتأثير الكواكب في جسم الإنسان، فهنالك سبعة كواكب تؤثر طوالعها على أجهزة جسم الإنسان، فكل كوكب يساعد على تشخيص ومعالجته، العضو الذي ينتمي إليه، فالشمس تؤثر القلب، والقمر بالدماغ، والزهرة بأجهزة التناسل، والمريخ بالمرارة وعطارد بالرئة وزحل بالطحال والمشتري بالكبد. أما العناصر المعدنية وأملاحها التي تفيد في معالجة تلك الأمراض فهي: الذهب للقلب، والفضة للدماغ، والنحاس للزهرة، والحديد للمرارة، والزئبق للرئة، والرصاص للطحال، والقصدير للكبد.
لقد افترض باراسلز وجود عنصر خامس، إضافة إلى العناصر الأربعة التي يتألف منها الكون هي، الماء والهواء والتراب والنار، ودعا ذلك العنصر بالروح الخامس وهو جسم طيار، موجود بجميع العناصر، وإليه يعزى التأثير الدوائي. وللحصول عليه لابد من تقطيرها، وجمع السائل المتقطر، وهو المستعمل بالمداواة.
ظهر بعد باراسلز بضعة أطباء ألمان وسويسريون، اعتنقوا آراءه ووضعوا مؤلفات طبية وأقرباذينات باللغة اللاتينية. ومن أشهرهم كرولّليوس المتوفى سنة 1609م/ 1018هـ)، وقد ألف كتاب الكيمياء الملكية Chimica Basilica، ودانييل سينارتوس المتوفى سنة 1637م ،1047هـ، وهو مؤلف كتاب الممارسة الطبية Practica medicinne.
الطبيب صالح بن سلوم الحلبي يترجم ويشرح مؤلفات باراسلز وأقرانه:
كان الطبيب صالح بن سلوم الحلبي أحد أعلام الطب في مدينة حلب. ففيها تعلم الطب وأتقن ممارسته، وفيها تولى مشيخة الأطباء. ونظراً للشهرة التي حازها، فقد استدعي للعمل في اسطمبول، حيث عمل طبيباً خاصاً للسلطان محمد بن إبراهيم خان، ورئيساً لأطباء المملكة العثمانية سنة (1656م ،1067هـ).
لقد تعلم ابن سلوم اللغة اللاتينية، كما يرجح منذ ما كان في مدينة حلب. ذلك لأن هذه المدينة كانت منذ القديم المركز التجاري الرئيسي لبلاد الشام. وكانت تقطن فيها جاليات أجنبية تتعاطى التجارة الخارجية، كما كانت فيها قنصليات لبعض البلاد الأوربية، وارساليات تبشيرية منذ أوائل العهد العثماني. وهذا ما ساعد ابن سلوم على متابعة التيار الطبي الجديد، الذي جاء به باراسلز وأقرانه، والمتعلق بالمداواة بالمركبات الكيميائية المعدنية، فقام بترجمة وتصنيفهما:
الأول: دعاه "الطب الجديد الكيميائي"، ولخص فيه نظريات باراسلز في علم المداواة الجديد.
والثاني: دعاه "الكيمياء الملكية" وهو ترجمة كتاب أشعالد كرولليوس الذي مرّ ذكره.
ومما ألفه ابن سلوم أيضاً في العلوم الطبية كتابان أحدهما باللغة العربية وعنوانه "غاية الاتقان في تدبير بدن الإنسان" ويوجد نسخة مخطوطة منه محفوظة في مكتبة الأوقاف الإسلامية بحلب (رقمها 1282 احمدية).
والكتاب الثاني ألفه باللغة التركية، وعنوانه "غاية البيان في تدبير بدن الإنسان" وقد قام بترجمته إلى العربية محمد بن شريف الحلبي. وفي المكتبة الظاهرية بدمشق أربع نسخ مخطوطة منه، اثنتان باللغة التركية، واثنتان بالعربية. والنسختان الأخيرتان بخط المترجم. ويعود تاريخ النسخ لعام 1259هـ للأولى، و1262هـ للثانية.
كتاب غاية الاتقان في تدبير بدن الإنسان:
قام بتحقيق هذا المخطوط ودراسته الدكتور محمد كمال شحادة، الأستاذ المحاضر في معهد التراث العلمي العربي بحلب. ويعود إليه الفضل في الكشف عن مؤلفات صالح بن سلوم الحلبي وترجماته، في دراساته لنيل درجة الدكتوراه في تاريخ الطب العربي.
يتألف كتاب غاية الاتقان من أربع مقالات وهي:
المقالة الأولى: في الأمراض الحادثة من الفرق إلى القدم.
المقالة الثانية: في الأمراض التي لاتختص بعضو دون عضو، وهي الحمّيات.
المقالة الثالثة: في العلل الظاهرة على سطح البدن.
المقالة الرابعة: في السموم ونهش الحيوانات السامة.
وفي هذا المخطوط ملحق يتضمن كتابين: الأول الطب الجديد الكيميائي الذي ابتدعه باراسلز، والثاني كتاب الكيمياء الملكية لكرولليوس.
عدد صفحات المخطوط مع الملحق (743) صفحة، قياس (16×25سم)، وعدد الأسطر (29) سطراً.
يمتاز كتاب غاية الاتقان بوجود عدد كبير من أسماء الأمراض، وأسبابها وأعراضها وطرائق معالجتها، بالإضافة إلى وجود عدد كبير من الوصفات الطبية وطرائق تحضيرها، مما يجعله أشبه مايكون بمعجم طبي وأقرباذين صيدلاني.
من الملاحظ أن الطبيب صالح بن سلوم قد سعى، عند تأليف كتاب غاية الاتقان، للجمع بين طرائق المداواة التقليدية التي عرفها ومارسها الأطباء العرب والمسلمون، وبين الطب الكيميائي الجديد، الذي جاء به الطبيب السويسري باراسلز وأنصار مدرسته من الأطباء الألمان.
فمن الأدوية الكيميائية التي أتي على ذكرها في كتابه (ملح الطرطر) وقد استعمله للتليين والتبريد، كما ذكر الزاج الأبيض وهو (كبريتات التوتيا)، استعملها ممزوجة بالسمن كمادة مقيئة، تخلص الجسم من الخلط المتعفن الذي يصادف في المعدة والكبد. واستعمل الإثمد وهو (كبريت الانتموان) كمادة معرّقة.
ويعود الفضل لصالح بن سلوم في الكشف عن تاريخ ظهور الداء الافرنجي (السفلس)، الذي ظهر لأول مرة في إسبانيا عام (904هـ 1498) عقب عودة الحملة التي أرسلها ملك إسبانيا إلى بلاد العالم الجديد (أمريكا)، فعاد منها جنوده وهم مصابون بهذا المرض الجنسي. ولعلاج هذا الداء الخبيث يلجأ ابن سلوم لتنقية البدن بالفصد والاستفراغ، ويعطى المريض قليلاً من الزئبق بشكل حبوب أو دهون. أويعالج بأبخرة الزئبق الناتجة من تسخين مزيج من مسحوق الزنجفر (كبريت الزئبق) مع صمغ البطم والكندر والمصطكى، في حيّز مغلق صباحاً ومساءً، بعيداً عن أنف المريض.
كتاب قاموس الأطباء وناموس الألبا:
وهو من تصنيف مدين بن عبد الرحمن القوصوني، الطبيب والأديب والمؤرخ المصري. ولد وعاش وتلقّى العلم بالقاهرة، وأخذ الطب عن الشيخ داود الأنطاكي، ولما برع بممارسة الطب واشتهر أمره ولي مشيخة الطب بمصر بعد السريّ أحمد، الشهير بابن الصائغ، والمتوفى سنة
(1036هـ/ 1626م).
صنف الطبيب مدين القوصوني عدة مؤلفات، وهي تنمّ عن ميوله الأدبية والتاريخية والطبية. ويعد كتابه قاموس الأطباء وقاموس الألبا أجود مؤلفاته وأشهرها . وموضوعه الأمراض: شرح أسمائها، وطرق معالجتها بالأدوية المفردة والمركبة وبأنواع الأغذية. وقد فرغ من تأليفه في شهر ربيع الآخر 1038هـ/ 1628م).
يتألف هذا الكتاب من جزأين، يوجد نسخة مخطوطة حسنيي، ومحفوظة من كل منهمافي المكتبة الظاهرية بدمشق.وقد قام مجمع اللغة العربية بدمشق بين عامي 1979-1980 بتصوير هاتين المخطوطتين وطبعهما بطريقة الأوفست. كما قام المرحوم الدكتور حسني سبح، رئيس المجمع بوضع مقدمة له. وكان من جملة ماقاله: إن هذا الكتاب لم ينج من شوائب التصحيف والتحريف، إلا أن جل ذلك مما لا يتعذر على القارئ المتدبر أن يهتدي إلى وجه الصواب فيه. ولكن أخطر من ذلك أن الناسخ سها فيما يظهر فأسقط بعض الأبواب والفصول، وطائفة من المفردات...
رتب القوصوني معجمه حسب ترتيب القاموس المحيط، فجعله أبواباً، وقسم كل باب إلى فصول. ورتب المفردات بحسب الحرف الأخير من أسماء الأبواب، وبحسب الحرف الأول من أسماء الفصول. ويضم هذا المعجم بجزأيه مالا يقل عن ألفي مدخل كتبت باللون الأحمر. وكل مدخل يدل على اسم دواء مفرد من أصل حيواني أو نباتي أو معدني، مع ذكر صفاته وتأثيراته الدوائية، والأدوية المركبة منه، يضاف إلى ذلك أسماء أعضاء جسم الإنسان وماتصاب به من أمراض. وكانت أهم مراجعه: معجم تاج اللغة وصحاح العربية للجوهري، كتاب العين للخليل بن أحمد، والجامع لمفردات الأدوية والأغذية لابن البيطار.
معجم الشذور الذهبية في الصناعة الطبية:
كان الطبيب الفرنسي الدكتور أنطوان برتلمي كلوت قد عينه الخديوي محمد علي الكبير سنة (1825م/ 1251هـ) مديراً للشؤون الطبية، ورئيساً للمشفى العسكري في أبي زعبل بمصر فسعى لتحويل المشفى المذكور إلى مدرسة طبية لتعليم أبناء القطر المصري، وذلك بالاستعانة بأساتذة فرنسيين. وكانت أكبر صعوبة واجهته هي تأمين التفاهم بين الأساتذة الذين يجهلون اللغة العربية والطلاب الذين يجهلون الفرنسية.
فاستعان الدكتور ببعض المثقفين المسيحيين، ممن كانوا يحسنون العربية والفرنسية، وتم تعيينهم بصفة مترجمين، مع التزامهم دارسة الطب على نحو نظامي، ليكونوا أكثر قدرة على فهم المصطلحات الفرنسية ومعرفة مايقابلها باللغة العربية. وكان الأستاذ الفرنسي يملي دروسه على الطلاب بوساطة المترجمين الذين كانوا يهيئون المحاضرة وترجمتها قبل ذلك. مكث الدكتور كلوت في مصر عام (1860م/ 1277هـ)، وقد سعى خلال تلك المدة لإيفاد بعثات من الطلاب المتخرجين في المدرسة الطبية للتخصص في فرنسا. وكانت أولى تلك البعثات التي أوفدها محمد علي باشا سنة (1832م/ 1248هـ) وبعد ثلاث سنوات دراسية عاد أكثر الموفدين وتم تعيينهم في هيئة التدريس بمدرسة الطب بمصر، وبما أن التعليم في تلك المدرسة استمر باللغة العربية لذلك كان على كل فرد من أعضاء تلك الهيئة أن يسعى لترجمة أحد المؤلفات الفرنسية المتعلقة باختصاصه.
لقد ظهر في ذلك الوقت في فرنسا معجم طبي موسّع عنوانه قاموس القواميس الطبية وهو يشمل المصطلحات الطبية إلى جانب مصطلحات العلوم الأخرى موزعة في ثمانية أجزاء. قام بتأليفه العالم الفرنسي فابر Fabere، وجلب كلوت نسخة منه إلى مصر، فتعاونت هيئة التدريس في مدرسة الطب على ترجمة هذا المعجم إلى اللغة العربية تحت إشراف الدكتور بيرون، أستاذ الكيمياء، والذي كان يتقن تلك اللغة. كما كُلِّف بعض علماء الأزهر، ومنهم الشيخ عمر التونسي، استخراج المصطلحات الطبية، وتعريفها وشروحها، والمنتشرة في أمهات كتب الطب العربي، ومنها القانون لابن سينا، وكامل الصناعة للمجوسي، والتذكرة لداود الأنطاكي. وتم إنجاز ترجمة هذا المعجم سنة (1849م/ 1266هـ).
بقي هذا المعجم محفوظاً في الخزائن حتى سنة (1910م/ 1328هـ). وفي ذلك العام كلفت نظارة المعارف المصرية كلاً من الدكتور أحمد عيسى والدكتور فارس نمر الإشراف على طبعه. ولكن هذا العمل لم يتم بسبب تحول تدريس العلوم في مصر من اللغة الفرنسية إلى اللغة الانكليزية، وذلك عام (1897م/ 1315هـ).
ترجمة معجم كليرفيل الفرنسي للمصطلحات الطبية:
في عام (1903م/ 1321هـ) تأسست في دمشق أيام الحكم العثماني مدرسة لتدريس علوم الطب باللغة العثمانية. وكانت الحكمة من إنشائها الوقوف في وجه المدرستين الطبيتين اللتين أنشئتا في بيروت، وهما الكلية الأميركية البروتستانتية (1866م/ 1283هـ) والكلية الفرنسية اليسوعية سنة (1883م/ 1301هـ). وهناك سبب آخر لإنشاء هذه المدرسة وهو أن الدولة العثمانية قد كلفت أمر اللواء خير الدين باشا وضع دراسة عن الأوضاع والحاجات الصحية للمنطقة التي تقرر أن يمر فيها الخط الحديدي الحجازي. وكان في نص تقريره أن تلك المنطقة بحاجة إلى مراكز صحية وإلى أطباء، ومن المستحسن أن يكون هؤلاء الأطباء من أهل تلك المنطقة.
معجم المصطلحات الطبية لكفرفيل:
في عام (1903م/ 1321هـ) أنشئت في مدينة دمشق مدرسة للطب والصيدلة، بقرار من السلطان عبد الحميد الثاني. وكان مقرّها في قصر زيور باشا، الكائن في منتصف شارع الصالحية. أما لغة التدريس فيه فكانت اللغة العثمانية. وهذه اللغة