سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : قد تعلق بعضهم في هذه البدعة بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه لما سئل عن صوم يوم الإثنين قال : ( ذلك يوم وُلدتُ فيه ، وبُعثتُ فيه ، وأُنزلَ عليَّ فيه ) - عليه الصلاة والسلام - ، وهذا لا حجة فيه لأحد لو عقل أهل البدع ، فإنه يدل على شرعية صومه فقط ، وليس فيه الاحتفال بالمولد .
والنبي - صلى الله عليه وسلم - صام الإثنين والخميس ، وقال : ( إنهما يومان تُعرض فيهما الأعمال على الله ، وإني أحب أن يُعرض عملي وأنا صائم ) .
فصوم يوم الإثنين يوم عظيم ، أنزل الله عليه فيه ، وولد فيه ، وهو يوم تعرض فيه الأعمال على الله - عز وجل - ، فالذي عظمه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصوم ، فمن يريد تعظيمه بالصوم فعليه بالصوم كما شرع الله ذلك ، يوم الإثنين يوم فاضل ، ويوم الخميس يوم فاضل ، تعرض فيهما الأعمال على الله - عز وجل - ، فإذا صامه الرجل كما صامه النبي - صلى الله عليه وسلم - فهذا حسن ومشروع ؛ لكن أين الاحتفال !؟
هل احتفل به النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه !؟
تعظيمه بالصوم الذي شرعه الله ، لا في غيره .
وبعضهم يتعلق بأن النصارى واليهود يعظمون أنبياءهم بالأعياد ، ويقولون : كيف لا نعظم نبينا !؟
وهذا من الجهل الكبير ، نبينا - صلى الله عليه وسلم - حذرنا أن نتشبه بأعداء الله اليهود والنصارى ، ونهانا أن نقلد اليهود والنصارى في أعيادهم وفيما هم عليه من الباطل ، وقال : ( لتتبعن سَنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه - يحذرنا - قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فَمَنْ !؟ ) .
وفي لفظ : ( قالوا : يا رسول الله ، فارس والروم ؟ قال : فَمَنْ !؟ ) . أي : هم أولئك الذين أحذركم من اتباعهم وتقليدهم .
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - حذرنا من تقليد اليهود والنصارى ، والتشبه بهم في عوائدهم وأعيادهم ، فإذا أوجدوا أعيادًا لعظمائهم أو لأنبيائهم أو لعيسى - عليه الصلاة والسلام - ، فليس لنا أن نقلدهم في باطلهم ، وليس لنا أن نتشبه بهم ، ولا نعمل أعمالهم ، بل نتبرأ من ذلك وننتهي عن ذلك ، ونعلم أنهم قد ابتدعوا في دين الله ما لم يأذن به الله ، وأن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - نهانا أن نقلدهم أو نتشبه بهم .
فالدعوة إلى أن نوجد عيدًا للمولد مثل ما للنصارى معناه : دعوة للتشبه بالنصارى ، ومعناه : دعوة إلى تقليد النصارى وأشباههم من اليهود بما أحييتم من البدع .
هذه حجة داحضة ، وحجة فاسدة ، ما لها مصادمة فيما قاله النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والمعارضة لما حذر منه - عليه الصلاة والسلام - ، فهو حذرنا أن نتشبه بأعدائنا ، وحذرنا أن نقلد أعداءنا ، فكيف نتشبه بهم في الأعياد ؟!
ثم هذه الأعياد مهما كانت فهي محل الشر والفتن ، ومحل البدع ، ومحل الغلو والإفراط والزيادة في دين الله ، فوجب منعها لكونها بدعة ، ولما يترتب عليها في كثير من الأحيان وفي كثير من البلدان من شرور كثيرة والغلو والإفراط والرأي الباطل .
ورسولنا - عليه الصلاة والسلام - بحمد الله لم يزل يُذكر - عليه الصلاة والسلام - ، ولم يزل يُدعى إلى سنته - عليه الصلاة والسلام - ، ليس في حاجة إلى الاحتفال بالمولد ، فهو لم يُنس حتى يذكر بمولده - عليه الصلاة والسلام - ، مولده يُدرس في المدارس ، والسيرة تُدرس في المدارس والمعاهد والجامعات والمساجد ، لم يُنس - عليه الصلاة والسلام - ، فسيرته وشريعته وأحكامه ودينه كله يُدرس في المدارس وفي المعاهد وفي الكليات وفي المساجد ، يُعلم ويُدرس بين الناس ، وذكره لم يزل في اليوم والليلة ، في الأذان والإقامة والصلوات : أشهد أن محمدًا رسول الله في الأذان خمس مرات في اليوم ، وفي الإقامة خمس مرات كل يوم على رؤوس الأشهاد : أشهد أن محمدًا رسول الله، لم يُنْس بحمد الله ، بل يُذكر على المنابر وفي المساجد وفي الدروس وفي التحيات ، في الصلاة مرتين : الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء ، وفي الفجر مرة واحدة ، وهو : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدًا عبد الله ورسوله .
فالرسول لن ننساه بحمد الله ، وليس بحاجة إلى إحداث موالد ، إنما يأتي بالموالد من نسي أصحابه ، ونسي من يجعل له مولدًا فيخلد فيه ذكره ، في مولده الذي فعل ، وبدعته التي أحدث ، أما نبينا - صلى الله عليه وسلم - فلا يُنسى بحمد الله ، فالمسلمون يذكرونه ، ويشهدون له بالرسالة ، ويصلون عليه دائمًا - عليه الصلاة والسلام - ، ويتبعون سنته ، بل يعظمون أمره ونهيه ، ويدرِّسون سيرته وشريعته في مساجدهم ومدارسهم ومعاهدهم وحلقات العلم في كل مكان بحمد الله يوجد فيها مسلمون .
هذه نبذة بما يتعلق بالمولد وبدعة المولد ، وليس هذا خاصًا بمولده - صلى الله عليه وسلم - ، بل جميع الموالد كلها بدعة ، من البداية بدعة ، ومما أحدثه الناس أيضًا تقليدًا لأعداء الله : أن بعض الناس يجعلون مولدًا لبنته ، ولأمه ، ولأبيه ، ولنفسه ، ويقول : هذا مولد فلان . ويجعل وليمة ، وعزيمة ، هذا من التأسِّي بالنصارى واليهود ، وهذا لا أصل له ، هذه من البدع المنكرة ، فليس لدينا موالد ، نحتفل بها ولا تعظَّم ، لا للأولياء ، ولا للأنبياء ، ولا لغيرهم ، بل هي مما قلد فيه الناس الأعاجم من النصارى واليهود وأتباعهم .
وعلينا أن نتبع ولا نبتدع ، والله - جل وعلا - يقول : ( وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) . [ التوبة : 100 ] .
هذا جزاء من اتبع الأولين من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإحسان ، وسار على نهجهم ، جزاؤه أن الله يرضى عنه ، ويدخله الجنة سبحانه وتعالى .
فعلينا أن نتأسى بهم ، ونسير على نهجهم .
وقال - جل وعلا - : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) . [ الأحزاب : 21 ] .
فنتأسى بالرسول - صلى الله عليه وسلم - وبأتباعه بإحسان من أصحابه - رضي الله عنهم - وأرضاهم ، ومن سار على نهجهم ، وليس لنا أن نحدث في الدين ما لم يأذن به الله ، وليس لنا أن نقلد أعداء الله فيما أحدثوا في دين الله ، بل علينا أن نعظم أمر الله ونهيه ، وعلينا أن نبادر بأمر الله ، وأن ننتهي عن نهي الله ، وندعو الناس إلى دين الله وشريعة الله ، وأن نحذرهم فيما ابتدعه الناس في دين الله من الموالد وغير الموالد ، هذا واجب على أهل العلم والإيمان في كل مكان وزمان .
ولا بد أن منكم من يسمع في الإذاعات بدعًا كثيرة ، نسمع المولد في هذا الشهر ، والاحتفال في أماكن كثيرة ، وتسمعون أيضًا في أوقات أخرى بدعة رجب ؛ الإسراء والمعراج ، وبدعًا أخرى في أوقات أخرى يبتدعها الناس ، فالناس عندهم بدع كثيرة .
فينبغي أن يعلم المؤمن أنه ليس لنا إلا عيدان : عيد الفطر وعيد الأضحى ، هذه أعياد المسلمين : فيها الاجتماع على صلاة وذكر ، وعبادة لله - عز وجل - .
عيد الفطر : بعدما يسر الله لنا صيام رمضان ومنَّ علينا بصيامه وقيامه جاءت صلاة العيد ، والفطر في عيد الفطر شكراً لله - عز وجل - على ما أنعم به سبحانه وتعالى من نعمة الصيام والقيام .
ولنا عيد الأضحى بعدما منَّ الله على المسلمين بحج بيته الحرام ، وما شرع لهم في أيام العيد من الذكر والتكبير ، وما حصل في أيام الحج من إكمال الدين ، وتمام الدين ، حيث أنزل سبحانه في يوم عرفة : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ) . [ المائدة : 3 ] .
فجائزة النحر شكرًا لله - عز وجل - على ما أنعم به من نعمة الإسلام ونعمة إكمال الدين ، وما شرعه الله لنا في أيام الحج من العبادات ، وفي عشر ذي الحجة من الذكر والتكبير والتعظيم لله عز وجل ، هو عيد مثل الأيام ، وهي أيام الحج كلها أعياد ، كلها أيام ذكر ودعاء ، وأيام تقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، يوم عرفة ، وأيام التشريق كلها عيد للمسلمين ، فيها الاجتماع على طاعة الله ، من الوقوف بـعرفة ، ومزدلفة ، ومن رمي الجمار ، ومن ذبح الهدايا ، ومن ذكر وتكبير ، كلها قربات لله سبحانه وتعالى ، وكلها فضل من الله علينا - جل وعلا - .
أما أعياد جديدة تستحدث وتبتدع فليس لها أصل في دين الله - عز وجل - ، ولا يجوز إقرارها ، ولا الدعوة إليها ، ولا الرضا بها .
والله المستعان . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ونسأل الله - عز وجل - أن يرزقنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه ، وأن يعيذنا جميعًا من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، وأن يعيذنا من البدع جميعًا ، وأن يهدي المسلمين لاتباع سنة نبيه ، والاستقامة على دينه .
والحذر مما أحدثه المحدثون ، والله - جل وعلا - أمرنا بالاستقامة على دينه ، وحذرنا من البدع والمخالفات ، فعلينا أن نستقيم على دينه : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) . [ آل عمران : 31 ] .
ويقول سبحانه : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) . [ الحشر : 7 ] .
إنه تعالى جواد كريم .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وأصحابه أجمعين .