(تعليقات على الموضوع )
نظرة عامة :
نسمع أو نقرأ بين فترة وأخرى عن شاب تحول إلى فتاة بعد عملية جراحية .. وذلك في مجتمعاتنا أو في بقية دول العالم . ويرافق تلك الأخبار عادة تضخيمات إعلامية وآراء متنوعة مثيرة ..
كما نجد حولنا بعض الذكور من الأطفال الصغار أن شعورهم طويلة ولانكاد نميز أنهم ذكور من شكلهم أو تصرفاتهم..
ومن الناحية الطبية النفسية هناك اضطراب نفسي سلوكي يسمى " اضطراب الهوية الجنسية " حيث يحدث للمريض ( أو المريضة ) عدم رضا عن هويته الجنسية الطبيعية التي ولد بها ، وهو يحاول أن يتمثل باستمرار وبأساليب متعددة شكل وصفات وسلوكيات الجنس الآخر . وهذا الاضطراب نادر عموماً وليس شائعاً ، وهو يصيب الذكور أكثر من الإناث بعدة أضعاف .
ويبدأ هذا الاضطراب عادة منذ سن مبكرة ، من عمر سنتين إلى أربع سنين ، حيث يميل الطفل الذكر إلى اللعب بألعاب الإناث مثل الدمى (باربي وفلة وغيرها ) والاهتمام بمظهر شعره وثيابه بما يشبه الإناث من خلال التسريحة والشرائط وغير ذلك .. إضافة لتقليده لحركات الإناث وأساليبهم وتصرفاتهم المتنوعة . وفي حال الطفلة الأنثى التي تعاني من هذا الاضطراب نجدها تميل إلى الألعاب الجسدية الخشنة والمضاربات واللعب بألعاب الذكور مثل المسدسات والسيوف وغير ذلك والظهور بمظهر ذكوري في الشكل والسلوك والاهتمامات ..
وجوهر هذا الاضطراب هو انحراف في تمثل الطفل لهويته الجنسية الطبيعية ، وهو لايتقبل جسده وأساليب السلوك العامة المرتبطة بجنسه ، وهو غير راض عن جسده وهويته الطبيعية ، وهو يسعى باستمرار لتقليد الجنس الآخر وتمثل صفاته ورغباته وأساليبه. وفي مرحلة البلوغ والمراهقة والشباب يستمر الاضطراب عند نسبة كبيرة منهم ، وتزداد معاناتهم داخل الأسرة وفي المجتمع .. وبعضهم يلجأ إلى استعمال أدوية هرمونية للتأثير على جسمه ومظهره بما يتناسب مع شكل الجنس الآخر .. كما يلجأ بعضهم إلى طلب تغيير الجنس جراحياً ..
وتزداد في هذه الفئة عموماً الخيالات الجنسية المثلية وكذلك الممارسات الجنسية المثلية .
الأسباب :
لاتزال أسباب هذا الاضطراب غير واضحة أو محددة بشكل دقيق .. والنظريات القديمة تحدثت عن خلل هرموني ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أنه لايوجد اضطراب في مستوى الهرمونات الذكرية في حالات الأطفال أو الكبار الذكور الذين يعتقدون ويشعرون أنهم إناث.. ومستويات هرمون الذكورة لديهم طبيعية عادة . وكذلك في حالات الإناث اللاتي يشعرن أنهن ذكور .. ومستويات الهرمونات الأنثوية والذكرية ضمن الحدود الطبيعية عادة .
وقد طرحت إحدى النظريات دور عزلة الطفل أو الطفلة وعدم توفر أقران في أعمار مشابهة من نفس الجنس مما يؤدي إلى نقص في تمثل الصفات والسلوكيات المناسبة لجنس الطفل .
وتؤكد نظريات التعلم على أن اضطراب الهوية الجنسية ينتج عن سوء تمثل للجنس الموافق ، أو تناقض وعدم ثبات في التشجيع على التمثل الصحيح للجنس الموافق .
ويبدو أن الأهل والبيئة المنزلية الأولى لها دور هام في تطور نظرة الطفل عن نفسه وتمثله لهويته الجنسية الطبيعية بشكل صحيح وسليم .. ويمكن للأهل أن يشجعوا سلوكاً جنسياً لايتوافق مع جنس الطفل .. ومثلاً عندما يلعب الطفل الذكر بدمية أو يلبس ثوباً نسائياً أو حذاء نسائياً ، ثم يجد الضحكات الإيجابية والابتسامات ممن حوله فإن هذا السلوك يمكن له أن يتكرر ويصبح سلوكاً مرغوباً فيه ..
وهناك تفسيرات عديدة لسلوك الأهل الخاطئ .. ومنها بعض المعتقدات الشعبية المتوارثة والغريبة والمرتبطة بقضايا العين والحسد .. في حال الطفل الذكر الجميل .. حيث يلجأ الأهل لإطالة شعره وإظهاره بشكل أنثوي خوفاً من الحسد !!!
ويمكن للأم أن تساهم في اضطراب ابنها الذكر من خلال علاقتها الخاصة به .. وهي تشجعه على أن يكون مثلها بدلاً من أن يشبه أبيه وذلك من خلال علاقة اندماجية مرضية معه.. ويحدث ذلك بسبب الصراعات الزوجية والأسرية وتشكيل المحاور والجبهات داخل الأسرة .
كما يلعب ابتعاد الأب عن الأسرة في حالات السفر المتكرر أو الانفصال أو غيره من الأسباب .. دوراً سلبياً في تمثله من قبل أبنائه الذكور .. وكذلك في حال ضعف شخصية الأب أو اضطرابه وفشله المهني أو الاجتماعي ..
وبالطبع فإن الأساس الطبيعي لنمو وتطور الهوية الجنسية السليمة هو تمثل النماذج الموافقة جنسياً بدءاً من الإسم إلى الشكل والمظهر والسلوكيات والاهتمامات والصفات العامة ..
والحقيقة أن عمليات النضج والنمو التي يمر بها الأطفال تمر بعدة مراحل وهي تستمر في مرحلة المراهقة ومابعدها .. ونظرة الفرد عن نفسه وتقييمه لها تمر بتطورات وتغيرات وقلق وتناقضات متعددة ، وتلعب ظروف التنشئة التربوية والاجتماعية دوراً رئيسياً في الوصول إلى درجة صحية كافية من الثقة بالنفس وبالجسد وبالمكانة وبالتقدير المناسب له ، وبما يتناسب مع الذكورة أو الأنوثة .
العلاج :
يعتمد العلاج في حالات الأطفال على ضبط السلوك المضطرب ومنعه وعقابه .. وأيضاً على التوقف عن تشجيع السلوك المضطرب بشكل واضح وحازم من قبل الجميع في بيئته . ويفيد أسلوب المكافأة والتشجيع المتكرر على السلوك الطبيعي المتناسب مع الجنس وبشكل تدريجي وفقاً لتفاصيل كل حالة .
ومن الضروري التنبه للصراعات داخل الأسرة ومشكلات الأم النفسية والعملية ، وتفيد الجسات الأسرية للتخفيف من مشكلات الأسرة وتوجيه الجهود بشكل إيجابي وبناء .
وفي حالات الكبار يفيد العلاج النفسي والسلوكي في تعديل نظرة الفرد عن نفسه وفي تبنيه لهويته الجنسية الطبيعية .. وتمثل الجهود العلاجية نوعاً من إعادة التعلم وبشكل تدريجي ..وينصح بوجود معالج رجل في حالة الشاب الذي يعاني من الاضطراب مما يساهم في تبنيه لصورة المعالج الايجابية والمتفهمة من نفس الجنس مما يسهل عملية إعادة تمثل الهوية الجنسية الطبيعية، وفي حالة الشابة الأنثى ينصح بوجود معالجة أنثى لتسهيل إعادة التمثل .
وفي عدد من الحالات الشديدة يمكن إجراء عملية جراحية .. وقد وجدت الدراسات الأولية أن الجراحة علاج ناجح ورافق ذلك حماس ودعاية وأفكار خاطئة.. ولكن بعد زيادة أعداد الحالات التي تم علاجها جراحياً من خلال تغيير الجنس تبين أن هناك مشكلات نفسية واجتماعية كبيرة .. ومنها ازدياد حالات الانتحار والاكتئاب لدى المرضى المتحولين جنسياً .. وأيضاً ازدياد المشكلات الإدمانية ومشكلات الطلاق والدعارة وغيرها .. وبعضهم لم يستطع أن يتكيف مع جسده الجديد وطلب إعادته لوضعه السابق .. وهذا غير واقعي طبعاً بعد استئصال الأعضاء الجنسية الخارجية للذكر والتكوين الجراحي لأعضاء جسدية شبيهة بالأنثوية ..
خاتمة :
مما لاشك فيه أن الوقاية خير من العلاج دائماً .. وحالات اضطراب الهوية الجنسية الشديدة ليست سهلة في علاجها والتعامل معها ..
وهناك حالات أخرى متنوعة من عدم الثقة بالنفس من الناحية الجنسية عند الجنسين ، وهي واسعة الانتشار ويجب تفريقها عن اضطراب الهوية الجنسية .. وفيها أن الشاب غير واثق برجولته وأنه غير جذاب للجنس الآخر ، وأنه غير جميل أو قصير القامة أو غير ذلك من عقد النقص المرتبطة بالأمور الجنسية .. وكذلك بالنسبة للفتاة حيث تشعر بأنها غير جميلة أو بدينة وأنها غير محبوبة .. وكل ذلك مرتبط بالقلق الطبيعي الاعتيادي والذي يزداد في مرحلة المراهقة عادة ..وربما يخطر ببال الشاب أو الشابة أنه (ها) شاذ جنسياً في حال تعلقه وحبه لشخص من مثل جنسه أو إذا راودته خيالات شخصية غير مقبولة .. وكل ذلك مفهوم واعتيادي ويحتاج إلى مزيد من الثقافة الجنسية الطبية وتعديل بعض الأفكار الخاطئة عن نفسه وسلوكه وبناء الثقة بالنفس والتطور الإيجابي للمهارات والقدرات الشخصية في مختلف الميادين ..
ولابد من التأكيد أن مشاعر القلق السابق ذكرها والأفكار المصاحبة لها حول الثقة بالنفس من الناحية الجنسية، لا تدل على الاضطراب المرضي في الهوية الجنسية ولاتؤدي إلى عدم الرضا عن الجسد والرغبة في التحول إلى الجنس الآخر .. والقلق هنا نسبي ولايطال جوهر الهوية الجنسية .
وفي بعض الحالات من الأشخاص الذين لديهم " اضطراب الشخصية الحدودية " والتي تتصف بتغير هويتها واهتماماتها ونشاطاتها بين فترة وأخرى .. يمكن أن تبدو هذه الحالات وكأنها تعاني من " اضطراب الهوية الجنسية " لفترة محددة ولكنها تتراجع عن سلوكياتها وتعود إلى هويتها الجنسية الاعتيادية .
كما يمكن لبعض الأشخاص من " الشاذين جنسياً " من الجنسين ، أن تظهر لديهم رغبات لتغيير ملامحهم وهويتهم الجنسية الجسدية ظناً منهم أنهم سيصبحون أكثر قبولاً من نفس الجنس .. وعادة ماتخف هذه الرغبات بين فترة وأخرى .
والجدير بالذكر أن المجتمع الحديث قد شهد تغيرات في تركيبته التقليدية وفي أنماط السلوك الذكوري والأنثوي وفي الأدوار المرتبطة بكل جنس .. وهناك بالطبع حقوق متشابهة وواجبات متشابهة للجنسين يجب تأكيدها .. وهناك تغيرات في الشكل والملبس أصبحت شائعة ومقبولة مثل الشعر القصير للجنسين وثياب الجينز والأحذية الرياضية وغيرها.. ولكن لايعني ذلك إغفال الفروقات ونقاط الاختلاف بينهما أو تركها غامضة أو مشوشة في المجال التربوي أو الاجتماعي .. ومنها الهوية الجنسية الطبيعية والفروق الجنسية والشكلية بين المرأة والرجل التي لايمكن تغييرها.
ولابد من تأكيد أن الذكر والأنثى كل منهما يحمل في داخله صفات وأدوار وهرمونات مختلطة ولكن بنسب تزداد وفقاً للجنس التشريحي الذي يحمله كل منهما .. ولابد من تصالح هذه الجوانب العميقة وتكاملها .
وأخيراً فإن الثقة بالنفس من الناحية الجنسية ترتبط بالثقة بالنفس عموماً وبصفات الجسد ومهاراته ، وهي ترتبط بالذكاء وبمجمل المهارات والصفات الشخصية والخلقية والفكرية والاجتماعية وغير ذلك .. ولابد من تنمية هذه الثقة باستمرار والحفاظ عليها ، ولابد من زيادة الوعي الجنسي والنفسي بما يساهم في المزيد من الصحة النفسية والاجتماعية ..
وفيما يلي عدد من النصائح النفسية التربوية العامة :
1- تأكيد انتماء الطفل لجنسه من خلال تشبيهه بالأب أو بالأخ أو بالخال أو العم أو غيره من الذكور .. وكذلك بالنسبة للبنت وأمها وغيرها من الإناث . وفي حال التشابه الكبير في الوجه أو البشرة أو العينين أو غير ذلك .. بين الذكر وأمه أو أخته ، لابد من إيجاد فروقات عنهن والتأكيد عليها .. وأيضاً البحث عن نقاط تشابه مع الأب وبقية الذكور في الشكل والجسد والسلوك . وكذلك الحال بالنسبة للبنت التي تشبه أخيها الذكر أو أبيها جسدياً .
2- الابتعاد عن تشجيع كل مايشوش تمثل الهوية الجنسية الطبيعية .. ولاسيما في مرحلة الطفولة مثل إطالة الشعر بشكل زائد بالنسبة للذكر وتقصير الشعر بشكل زائد بالنسبة للأنثى .
3- تشجيع تمثل الطفل بالسلوك الموافق لجنسه باستمرار .. ولابأس في الاكتشاف والتجريب والتعرف على الجنس الآخر وسلوكياته وتصرفاته وألعابه ضمن إطار حب المعرفة وتوسيع المدارك .. ولابد من التنبه إلى خطورة مثل هذه السلوكيات وضرورة ضبطها والابتعاد عنها في حال تكرارها واستمرارها .
4- مشاركة الطفل أو الطفلة في انتقاء الألعاب والهدايا والملابس .. والتنبه إلى مدلولاتها وارتباطاتها بالهوية الجنسية المناسبة .
5- التأكيد على اختلاط الطفل بأقرانه والتعلم منهم ، وأن الاختلاط بين الجنسين لايعني اختلاط الهوية الجنسية وتشويشها ، بل يعني التشابه في الحقوق والواجبات والتعلم المفيد عن الآخر .
تم النشر في 16/4/2008
تعليق على الموضوع :
أنا مصححة للجنس (ترانسكس ذكر-إلى-أنثي) , و عمري 26 عاماً. أفضل إستخدام اللفظ "مصححة" عن "متحولة" لأسباب سأشرحها.
قرأت مقالتكم على الموقع الرئيسي و عنوانها "اضطراب الهوية الجنسية عند الأطفال والمراهقي" و لدي بعض التعليقات عما ورد فيها من آراء و النظريات المطروحة التي أختلف معها بشدة.
على عكس ما ذكرتم أن قد تكون للنشأة سبباً لإضطراب الهوية , يؤمن الكثير من الترانسكس أنهم طالما كانوا مدركين بأنهم ينتمون للجنس الآخر , و كما ذكرتم , في هذه الحالات تظهر الميول الطبيعية منذ الصغر كاللعب بألعاب الجنس الآخر و التصرف تلقائياً (ليس تمثلاً) بالجنس الآخر , تماماً كما الحال مع حالات الإنترسكس (التداخل الجنسي البيولوجي).
أحب أضيف أنني نشأت نشأة سوية و إسلامية محافظة كذكر , و لم يكن لذلك أي تأثيراً على هويتي الجنسية الأنثوية و التي كنت مدركة بها منذ الثالثة أو الرابعة من العمر. و كما أوضحت والدتي لي, كان الجميع يظنونني بنت بسبب مظهري و تصرفاتي الأنثوية, حتى الرابعة من العمر , حيث كان لأبي دور كبير في محاولة جعلي ذكراً, حيث كان يفرضني لأقص شعري و ما يفترض بي أن ألبسه و طالما كنت أكرهها , خصوصاً الصوف الذي كان يضايق بشرتي الناعمة و الحساسة.و مع مرور السنين إزدادت الأمور سوئاً و بدأ الإكتئاب يغمرني و يسيطر على تفكيري و أدائي الدراسي رغم أنني كنت من الأوائل و كنت أبكي كل ليلة و لا أستطيع النوم وأنا أدعو الله بأن يوهبني بمعجزة , أن أستيقظ و أصبح في جسد فتاة الذي يلائم هويتي و إدراكي بنفسي. كانت أحياناً تراودني أفكار لا إرادية للإنتحار أو بتر العضو الذكري بنفسي , و لكن لم يمنعني من ذلك إلا الإيمان بالله سبحانه و تعالى و أن الله لم يخلق داء إلى و له دواء , و على الرغم من عدم إدراكي بحتى ما تسمى حالتي , كنت أعلم أنني إذا أخبرت والدي أو حتى طبيب عربي في هذا السن المبكر (10-12 سنة) قد يظنونني جننت أو مسني الجن , و لكنني كنت مؤمنة بأنني يوماً سأجد الحل لمشكلتي , ربما في الخارج , لتصحيح ذللك الجسد الذي ولدت به , و لم أكن مخطئة في أياً من الإفترضين. و زاددت الحالة سؤاً مع البلوغ عند السادسة أو السابعة عشراً , و زادت معها الرغبة لا إرادياً بالإنتحار.
و لكني إستطعت إقناع والدي بإكمال دراستي الثانوية بالخارج (بشرط الإقامة مع أقارب) و مرت السنين و لم أريد العودة للوطن إلا إذا إستقليت و ووجدت حلاً لمشكاتي , و فعلاً , في الرابعة و العشرين إستطعت فعل هذا , من خلال طبيبة مختصة في الهوية الجنسية و أمراض النساء بأمريكا , و تدريجياً مع العلاج الهرموني بدأت بإستعادة نفسي و روحي و إعدة الوئام بين عقلي و جسدي , و أصبحت أكثر إيجابية و قدرة على التعايش , و أشعر كل فترة بالسعادة أكثر بينما يتغير مظهري و جسدي و يخاطبني الناس تلقائياً بصفة الأنثي. و لكن لم يكن لي الحظ للمكوث بالولايات المتحدة أكثر من ذلك و أضطررت للعودة قبل إجراء جراحة التصحيح الجنسي.
و إختلف الأمر عند عودتي إلى مصر عندما أدركت نظرة المجتمع و أكثر الأطباء و رجال الدين لأمثالي , و بدلاً من أن يتقبلنا المجتمع و يتعاطف معنا لهذا الإبتلاء العظيم من الله سبحانه و تعالى , ينفر منا أو يلقي علينا أصابع الإتهام و يهيننا و يحقرنا , غير مدرك بالظلم الذي يقترفه , و كأننا مرضى عقليين أو وباء في المجتمع. و على الرغم من ذلك , لا يرجع أحدنا أدراجه أو يطلب إعادته لوضعه السابق كما تذكرون , فذلك أشبه بالإنتحار , و منطقياً , لن تتغير نظرة المجتمع لشخص تحول ثم أرتد , فلما العناء ؟
العيب ليس بنا , و لكن العيب بالمجتمعات العربية , التي تعتبر الجنس موضوع محرم , و تغلق أعينها و أذهانها عن مشاكل واقعية تتعلق به لأنه موضوع "حساس" و أنه من العيب الحديث به , و تفرق بين الرجل و المرأة كأنهم مخلوقين من فصيلتين مختلفتين. فيقول البعض "أعوذ بالله" عندما يسمع عن ذكر "تحول" (أو صحح) إلى أنثى , ناسين قول الله تعالى "في أي صورة ما شاء ركّبّك". هل يصح أن نسخر من المتأخرين عقلياً أو المولودون بتشوهات خلقية لطبيعة خلقهم؟
قد يتقبل البعض فكرة شخص ولد بكلا الأعضاء (إنترسكس) أن يصحح جنسه, و لكن يزالوا يستخدمون المسميات الغير صحيحة أو لائقة كـ "التحول". و لكن الكثير من هؤلاء ينظرون نظرة سيئة للترانسكس و يظنونهم مريضين عقلياً أو شواذ أو مغيري لخلق الله. و هل إستئصال السرطان لإنقاذ حياة الإنسان تغيير لخلق الله؟
و هناك الآخرين الذين يتهمونهم بالتشبه بالنساء أو الرجال , على الرغم من الفرق الشاسع بين "التشبه" و الإنتقال الكامل (transition) للجنس الآخر و العيش الدائم فيه. أسئل نفسي في بعض الأحيان لم ذكر هذا الحديث و لم تذكر في القرآن , و أشك في صحته. فمثلاً كان من المعروف أن السيدة عائشة كانت تجدل للرسول (ص) شعره الطويل , و أنه (ص) كان يكحل عيناه , و لكن في مجتمعاتنا في هذا الزمان قد يُنظر للرجل الذي يطّول و يجّدل شعره و يكّحل عيناه نظرة سيئة و قد يتهم بالتشبه بالنساء. و لذا أعتبر هذا الموضوع شائك , لإختلاف الثقافات بين مجتمع و آخر و نظرته إلى ما هو "رجولي" و ما هو "أنثوي"
و لكن أيضاً أمرنا أن نأخذ بالأسباب , فلم يكتفي الرسول (ص) بالرقية عندما أصابته الحمى , و لكن أيضاً كان يصب الماء على رأسه , آخذاً بالأسباب.
و هنا آتي لأهم نقطة لدي: هل نرفض الإعتراف بمرض أو حالة تطلب العلاج المادي بسبب أننا لا نراها؟ هل كان الطب لا يعترف بالسرطان قبل إكتشافه بعض أن قتل العديد من مرضاه؟
قد أثبتت الأبحاث في أواخر التسعينيات أن هناك فوارق بين مخ الترانسكس و جنسه البيولوجي , و لذا يكون التشخيص الكروموسمومي للجنس غير كافياً أو غير صحيحاً في هذه الحالات. و قد قمت بترجمة مبسطة و وجيزة لتلك الأبحاث على موقعي , و إليكم الرابط:
http://ar.tgegypt.com/?p=21و هناك أيضاً نساء كاملي الأنوثة يولدون بكروموسومات XY و تسمي النساء بهذه الحالة AIS - Androgen Insensitivity Syndrome , فلا تستعجبون
و لذا لا أصنف الترانسكس كمرض نفسي , و لكن كتشوه خلقي. نحن لسنا مرضى , نحن مشوهون خلقياً و حلنا الوحيد هو تصحيح الجسد , فأرجو الأطباء النفسيين الذين يعتبروننا "مخنثون زائفون" أن يراجعوا رأيهم و أن يكفوا عن محاولة ردنا إلى الجنس البيولوجي الخاطىء الذي ولدنا به (conversion therapy) , فعصر تلك الأساليب إنتهي بالخارج منذ عقود طويلة.
هنالك قسم مخصص لإضطراب الهوية الجنسي في الدليـل التشخيصي والإحصائي المعدّل للأمراض العقلية الإصدار الرابع DSM-IV-TR (Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders)