نشأة الأزجال:إن فن الموشحات حين احتضن بعض
العبارات العامية أو الأعجمية في خرجته و
أحيانا في كيانه و بنائه,إنما
كانت تشكل الحلقة الوسطى بين الشعر الفصيح و الشعر
العامي الذي اصطلح
على تسميته بالزجل.
وهناك وجهات نظر تشير إلى أن الزجل و الموشح
ظهرا في وقت واحد,إلا أن
المنطق لا يؤيد هذا حيث أن النصوص الزجلية
التي وصلت إلينا قد كتبت بعد أن كانت
الموشحات و قد احتلت مكانتها
العتيدة و ثبتت قواعدها و رسختها في المجتمع الأدبي
الأندلسي و الفارق
الزمني بين ظهور الموشحات على يد عبادة بن ماء السماء صانع الموشحات
الرقيقة
الذي
أقام منادها و قوم ميلها و سنادها و بين ظهور الزجل
على يد
أبي بكر محمد بن عيسى بن قزمان
إمام أهل الزجل المنظوم
بكلام عامة الأندلس حيث
أن عبادة توفي سنة 422ه و ابن قزمان
توفي سنة 555ه(1).يعرض لنا أحمد الرباط في
كتابه:
العقيدة
الأدبية في السبعة فنون معنوية حكاية تقول:(أن
أول
من تناشد به الشيخ أبو بكر بن قزمان و قيل لما أنه كان في الكتاب و
كان مراهق
السن,فدخل على شيخه الفقيه غلام جميل الصورة حسن الوجه حلو
الجانب فنده عليه ابن
قزمان و أجلسه بجواره ثم صار يحييه بالسلام و
يوادده بالحديث فبص الفقيه ففهم و
عرف ما في ضمير أبي بكر من الحب
للغلام فعبس الفقيه في وجه أبي بكر و أمر إلى
العريف بضربه,فضرب العريف
ابن قزمان فلما فرغ العريف من ضربه,أخذ أبو بكر لوحا و
مسك القلم و قد
كتب هذا الوزن و هو أول أوزان الزجل:
الملاح أولاد أماره
و
الوحاش أولاد نصاره
و ابن قزمان جا يغفر
ما قيل له الشيخ
غفاره
فقال الفقيه:هجيتنا يا ابن قزمان بكلام مزجول يعني
مقطع,فسموه زجلا(2).
أما عبد العزيز الأهواني يرى أنه استعمل
قبل ابن قزمان و في نوع من الشعر
الشعبي غير الزجل,يقول: و لعل لفظ
الزجل كان في الأصل يطلق على نوع الشعبي ثم أطلق
على النوع التشبيه
بالتوشيح لفظ (هزل)ثم اختلط اللفظان فيما بعد.(3)
أما الأسماء
التي يعرف بها الشعر في المغرب:
1- الملحون
6- الشعر
2-
العلم الموهوب 7- القريض
3- السجية
8- لوزان ( أي الأوزان)
4-
لكلام
9- اللغا(و هي في الأصل اللغة)
5- النظم أو النظام
10-
العلم الرقيق
11- لكريحة
أنواعه:
قسمها
صفي الدين الحلي إلى أربعة أقسام معتمدا التفريق بينها بمضمونها المفهوم
لا
بالأوزان و اللزوم حيث قال:(و
قد قسمه مخترعوه إلى أربعة أقسام يفرق بينها
بمضمونها المفهوم لا
بالأوزان و اللزوم,فلقبوا ما تضمن الغزل و النسيب و الخمري و
الزهري:
زجلا,
و ما تضمن الهزل و الخلاعة :بليقا,و ما تضمن الهجاء و الثلب:قرقيا,و
ما
تضمن المواعظ و الحكمة:مكفرا ,و لقبه مشتق من تكفير الذنوب )(1).
و
هذا ليس التقسيم النهائي بل إنهم اختلفوا فيه,و البليق هو من اختراع
المصريين
لميلهم إلى الفكاهة الساخرة.(2)
يقول ابن القزمان في مقدمة
ديوانه:(و لقد كنت أرى الناس يلهجون بالمتقدمين
و يعظمون أولئك
المقدمين,يجعلونهم في السماك الأعزل ,و يرون لهم المرتبة العليا و
المقدار
الأجزل, و هم لا يعرفون الطريق و يذرون القبلة و يمشون في التغريب و
التشريق,يأتون
بمعان باردة,و أغراض شاردة,و ألفاظ شياطينها غير ماردة,و بالإعراب و
هو
أقبح ما يكون في الزجل,و أثقل من إقبال الزجل...).(3).و هو من هذه المقولة
لابن
قزمان يتضح لنا أن هناك من شعراء الأندلس من تقدموه,و حاولوا
نظمه,و إن كانوا لم
يبلغوا فيه مبلغه أو يجيدوه إجادته .و بالتالي يمكن
القول أن الزجل الذي نشأ في
بيئة الأندلس.(4).نوعان:
1- زجل
العامة:
أو ما يسمى بالأغنية الشعبية العامية و التي تنبع و تخرج تلقائيا من خلال
الزجال
العامي بسبب تجربة شخصية مر بها أو من وحي حدث عام أو موقف معين,و من هنا
تشيع
و انتشر ينقلها العامة من الناس و يتغنون بها فرادى و جماعات.
و
إن كنا نرى أن للمثقفين و
المتعلمين شعرهم الخاص المتمثل في القصائد و
الموشحات التي لا تصل إليها أفهام و
عقول و ألباب العامة فإن لهؤلاء
العامة شعرهم الخاص بهم متمثلا في أغانيهم الشعبية
التي هي مظهر
لنفسياتهم و حالتهم العقلية و آرائهم الاجتماعية و آدابهم و أخلاقهم.
و
لمتتبع منشأ الأغنية الشعبية
يراها ترجع إلى ما قبل اختراع الموشحات في
أواخر القرن 3 م.و لعلها برزت بالأندلس لما
شاعت و انتشرت لغة التخاطب
غير المعربة بين العامة و عندما اخترعت الموشحات,تأثرت
ببعض أشكالها ثم
تطورت بذلك و سميت بالزجل.و ما يؤيد كلامنا هذا قول ابن خلدون:(و
لما
شاع فن التوشيح في أهل الأندلس و أخذ به الجمهور لسلاسته و تنميق كلامه و
ترصيع
أجزائه ,نسجت العامة من أهل الأمصار على منواله و نظموا في طريقته بلغتهم
الحضرية
من غير أن يلتزموا فيها إعرابا,و استحدثوا فنا سموه بالزجل)(5).
2- زجل
الشعراء
المعربين:يتضح لنا أنه جاء بعد زجل العامة مباشرة و لعل سبب ظهور هذا
النوع
من الزجل قبل عصر ابن قزمان كان سبب الرغبة في أن تنتشر أزجالهم المصطنعة
بين
الطبقات المثقفة كنوع من الطرافة,أو بالرغبة في أن يعرفوا لدى العامة
معرفتهم
لدى الخاصة,و هذا من خلال وضع أزجالهم للغناء بها كما نراه في
عصر الحاضر حيث
نشاهد الشعراء المعاصرين يضعون الأزجال العامية للغناء,و
ربما كان من دوافع نشأته
لدى بعض الشعراء المعربين أنهم وجدوا أنفسهم
لا يقعون مع فحول الشعراء المعاصرين
لهم في شيء فسلكوا اتجاه الزجل
ليتميزوا بينهم.(1)
و من الملاحظ و المتتبع لهؤلاء
الشعراء
المعربين يجدهم في مراحلهم الأولى من نشأته و خاصة من اصطنع الزجل اصطناعا
أنهم
لم يستطيعوا أن يتخلصوا فيه من الإعراب,و هذا الشيء عابه عليهم ابن قزمان
حين
قال:(إنهم يأتون بالإعراب و هو أقبح ما يكون في الزجل )و
لم يشهد ابن قزمان لأحد
من الزجالين الذين جاءوا قبله بإجادة الزجل و
التفوق فيه إلا لزجال واحد هو الشيخ
أخط بن نمارة و ذلك لسلاسة طبعه و
إشراق معانيه و تصرفه بأقسام الزجل و
قوافيه.(2)
و قد أطلق
ابن قزمان على هؤلاء
الزجالين الذين جاءوا قبله في مقدمة ديوانه
*المتقدمين
* و قد ظهروا في القرن 5 م في عصر ملوك الطوائف.و للعلم
فملوك الطوائف
يتشبهون في حياتهم الأدبية بخلفاء الأمويين في قرطبة و خلفاء المشرق
من
حيث رعايتهم للشعر المعرب و تشجيع شعرائه و من أجل ذلك لم ترج عندهم أزجال
هؤلاء
الزجالين و منيت بالكساد.
أدواره:
بعد
إطلاعنا على نوعين من الزجل نلاحظ أنها تمثل دورين من تطوره:
الدور
الأول:الأغنية الشعبية التي تأثرت إلى حد ما ببعض أشكال الموشحات ,و
أطلق
عليها اسم:الزجل العامي.
و دور زجل الشعراء المعربين الذين
ظهروا في القرن الخامس في عصر ملوك
الطوائف .
الدور الثالث:
فهو دور زجالي القرن6م,الذي شهد نهاية عصر ملوك الطوائف و
بداية عصر
المرابطين في الأندلس,و بالتالي فملوك المرابطين كانوا لا يتقنون اللغة
العربية
ولا يجيدونها و بالتالي فشعراء القصائد و الموشحات لم يلقوا منهم تشجيعا و
من
ثم ازدهر الزجل في هذا القرن و من أشهر زجاليه:أبو بكر بن قزمان,أبو الحسن
المقري
الداني,يخلف الأسود...و في منتصف القرن 6م توفي أبو بكر بن قزمان و زالت
دولة
المرابطين التي عايشها و حلت محلها دولة الموحدين و كانت بداية تأشير
للدور
الرابع من أدوار الزجل.(1)
الدور الرابع:و قد امتد هذا
الدور إلى غاية المائة السابعة و قد تصدر
الحلبة في هذا العصر: احمد بن
الحاج المعروف باسم:مدغليس الزجالين.و قد ذكره
المقري في كتاه نفح
الطيب و قال عنه:(كان مدغليس هذا مشهورا بالانطباع و الصنعة في
الأزجال,خليفة
ابن قزمان في زمانه و كان أهل الأندلس يقولون:ابن قزمان في الزجالين
بمنزلة
المتنبي في الشعراء,و مدغليس بمنزلة أبي تمام,بالنظر إلى الانطباع و
الصناعة,فلبن
قزمان ملتفت إلى المعنى و مدغليس ملتفت إلي اللفظ,و كان أديبا معربا
لكلامه
مثل ابن قزمان ,و لكنه لما رأى نفسه في الزجل أنجب اقتصر عليه)(2).
ظهر
بالإضافة إلى مدغليس زجالون آخرون:ابن جحدر الإشبيلي (ت638ه) الذي فضل
الزجالين
في فتح ميورقة بالزجل الذي أوله :
من عاند التوحيد بالسيف
يمحق***أنا بري ممن يعاند الحق.(3)
و منهم اليعيع تلميذ ابن
جحدر و صاحب الزجل المشهور الذي أوله:
يا ليتني أن رايت
حبيبي***أقتل أذنو بالرسيــلا
ليش أخذ عنق الغزيــــل***و سرق
فم الحجيلا(4)
و أبو بكر الحصار صاحب الزجل الذي مطلعه:
الذي
نعشق مليح***و الذي نشرب عتيق(5)
و للعلم فان الزجل لم
يرزق بزجال آخر كبير خلاف ابن قزمان و كمدغليس مثلا,و
هذا راجع إلى تلك
المأساة و الظروف التي حاطت بالأندلس و شغلت تفكير الناس و هي
تساقط
المدن الأندلسية في أيدي الإسبان,و لعله يكون السبب ذاته الذي أدى إلى
ميلاد
نزعة التصوف بالأندلس في هذا القرن ثم إلى ظهور الأدب الصوفي فيما
بعد على أيدي
رجاله أمثال:محي الدين ابن العربي (ت638ه) و ابن سبعين و
تلميذه ابي الحسن
الششتري(ت688ه) وهذا الأخير أول من استخدم الزجل في
التصوف كما أن محي الدين
العربي هو أول من استخدم الموشح فيه.(1)
الدور
الخامس:نلاحظ تطور الزجل الأندلسي الذي كان في المائة الثامنة,حيث
ذكر
ابن خلدون و بإيجاز أهم زجالي هذا العصر:
صاحبه الوزير أبا عبد
الله بن الخطيب و شهد له بأنه إمام النظم و النثر في
الملة الاسلامية
غير مدافع,ثم تحدث عن محاسن أزجاله ثلاث مقطوعات قصيرة في الخمر و
التصوف,و
منها على طريقته الصوفية التي نحى فيها منحى السشتري قوله:
بين
طلوع و بين نزول***اختلطت الغـــزول
و مضى من لم يكـــــن***و
بقي من لم يزول
ثم ذكر ابن خلدون زجالا آخر عاصر ابن الخطيب و
كان إماما لهذه
الطريقة-التصوف-و هو محمد بن عبد العظيم من أهل وادي آش
قوله في قطعة زجلية
مطلعها:
حل المجون يا أهل الشطارا***مذ
حلت الشمس في الحمل
و اورد لنا ابن خلدون انه- محمد بن عبد
العظيم - عارض بهذه القطعة زجلا
لمدغليس مطلعه:
لاح الضياء و
النجوم حيارى***فقم بنا ننزع الكسل(2)
ثم يتابع لنا ابن خلدون
كلامه عن الزجل الأندلسي بعد أن أعطى مثالين عن
زجالين عاشوا في هذه
المائة حيث يقول:(و هذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن
العامة
بالأندلس من الشعر و فيها نظمهم,حتى إنهم لينظمون بها في سائر البحور
الخمسة
عشر لكن بلغتهم العامية,و يسمونه الشعر الزجلي,مثل قول شاعرهم:
دهر
لي نعشق جفونك و سنيـــــــــن***وإنت لا شفقة ولا قلب يليــــــن
حتى
ترى قلبي من أجلك كيف رجع***صنعة السكة بين الحداديــــــــن
الدومع
ترشرش و النار تلهـــــــــب***والمطارق من شمال و من يمين
خلق
الله النصارى للغـــــــــــــــــزو***وأنت تغزو قلوب العاشقيـــــــن)
ثم
يتطرق ابن خلدون للحديث عن زجال ثالث ممن أبدعوا في زجلهم في هذا العصر
و
المجيدين له قوله:(و كان من المجيدين لهذه الطريقة لأول هذه المائة
أبو عبد الله اللوشي)ثم يورد
له قصيدة زجلية طويلة من 51 بيتا مطلعها:
طل
الصباح قم يا نديمي نشربو***و نضحكو من بعدما نطربو (3).
إن الزجل الأندلسي
مثله مثل
الموشحات من حيث تناوله لموضوعات الشعر التي تناولتها القصيدة
المعربة حيث قالوا
في :الغزل و المدح و الوصف و الخمريات و المجون و
التصوف...و غير ذلك من فنون
الشعر التقليدية المعروفة :
1-الغزل:
ان غرض الغزل يتصدر و
يتقدم جميع الأغراض و يستقل بالعديد من القصائد
حيث يقوم الشاعر بوصف محبوبته
مفصلة الأجزاء مكتملة الأبعاد مبتدئا
بشعرها الفاحم و عينيها الفاتريت و منتهيا
إلى ساقها الذهبي الممتلئ و
خلخالها.
و من الأزجال التي بنية على
الغزل وحده كزجل ابن
قزمان يقول فيه:
هجرن حبيبي هجـــــــــر***وأنا
لس لي بعد
صبــــــر
لس حبــــــــــي إلا
ودود***قطع لي قميص من صدود
و
خاط بنقض العهــــــود***وحبب
إلي السهـــــــــــــر
كان
الكستبان من شجون***والإبر
من سهام الجفــــون
و كان المقص
المنــــون***والخيط
القضا و القـــــــدر(1)
و لس بمعنى:ليس.
و يقول
الجيلاني امتيرد في
خدوج:
خدوج ابديعت لجمــال***خدوج
ارقيقت
لحروف
خدوج امنارت لفضال***خدوج
انهايت لعطــوف
خدوج
مالها
مثيــــــــل***فبنات اليوم ابلجميــــــع
اخليلا و
ايما
اخليـــــل***طاعة و خليلها امطيـــع(2)
و من الأزجال
ما يمتزج فيها
موضوع الغزل بوصف الخمر و التعلق بها كزجل لأبي بكر
الحصار الذي يقول فيه:
الذي يعشق مليـــــــح***والذي
يشرب
عتيـــق
المليح ابيض سميـــن***والشراب
أصفر رقيق
لا
شراب إلا قديـــــم***لامليح
إلا وصــــــــول
إذ تقول روحك
يزيد***لش تخالف
ما تقـــــول؟
و الدنان كل يــــــوم***لا
ملول
ولا بخيـــــــــل
من زياره بعد قــــــد***رجع
بحل
صديـــــــــق(3)
لش = لماذا؟
بحل أو بحال = مثل أو
شبيه
-المدح: إن المدح
لا
يأتي في الأزجال الأندلسية وحده و إنما يكون فيها كثيرا ممتزجل بموضوع آخر
أو
أكثر و ممن تميز بالمدح و جاءت أكثر أزجاله فيه مدغليس.و من أزجاله
في المدح زجل
بدأه بمقدمة غزلية أجرى فيها جدالا بينه و بين النسيم يقول
فيها:
لقد أقبلت يا نسيم
السحــــــــــــر***بروائح قد
بورت للمســـــــــــوك
توقد أنفاسك الذكية
شمـــــــــــــع***في
قلوبنا متى ما نستنشقـــــــوك
و منها:
إنما حقا لش
وصلت
ضعيـــــف؟***قال لي:دار ما دار لك إذ ودعوك
لما جالي
الفراق
وودعتهـــــــــــم***لبسوني النحول كما لبســـــــــوك
ذكر
الله من قد ذكرت
بخيـــــــــر***كذا يضا سمعتهم يذكــــــــــروك
قلت:من
حق يذكروني
المـــــلاح؟***قل لي:كيف لي؟نعم و ينتظروك
قلت:عن
كان ترجع لهم
عن قريب***قل لهم عني يضا إن سألـــــــوك
.......
ولا
يرموني في الهوى
بالملــــــــل***ولا أت يضا بالكذب يرمـــــوك
أي
زمان بعد؟قل:هو
قد كان يجــي***إنما هو في قرطبة مملــــــــوك
لأبو
يحيى سيد
الأمـــــــــــــــــــرا***و فريد الزمان وزير
الملـــــوك(1)
و من الأزجال
النادرة الفريدة من نوعها التي
بنيت على المدح وحده,زجلا لابن قزمان يمدح فيه
القاضي بن الحاج و يرسم
له و لمجلسه فيه صورة واقعية بعيدة عن المبالغة و قام بحصر
معاني المديح
في حلبة القضاء ,قال ابن قزمان في ذلك:
وصل المظلوم الحق و
انتصف غني و مسكين
يحضر الإنكار و الإقرار و يقع الفصل فالحين
اجتمع
فيه الثلاثة: الورع و العلم و الدين
فيزول الحق إذا زال و يدوم
الحق إذا دام
******
و ترى طالب و مطلوب لس ترى
زوار وجلاس
إلا إن كانت ضرورة كلمة كلمتين فلا باس
مرآت
يا قاضي الجماعة جزاك الله خير عن الناس
إن مذ كنت أت حاكم
عرفت شروط الأحكام
******
أي نهار نراك في دارك و أت
قد جلست للناس
و الخصام يعطي و يمنع و الزحام و حر الأنفاس
و
أنت تحكم في المناكح و الغصب والدين و الأحباس
و المواريث و
الجنايات و النظر فأموال الايتام(2)
فالحين- فأموال:في
الحين-
في أموال
و قد يأتي المدح
ممتزجا
بوصف الطبيعة و الشراب و الغزل,و من ذلك قصيدة للأديب عبد الله اللوشي
تتكون
من 51 بيت يمدح فيها أحد سلاطين بني الأحمر و مطلعها:
طل
الصباح قم يا نديمي نشربو
و نضحكوا من بعد ما نطربو(1)
و
من أزجال المديح أيضا
ما كتبه أبوعبد الله بن خاطب,معاصر ابن قزمان في
مدح القاضي ابن أضحى الهمذاني
الغرناطي المتوفي سنة 540ه.و من الملاحظ
على أن هذا الزجل على عامية لفظه أقرب إلى
النفس فهما و أيسر عليها
استيعابا و فيه يقول ابن خاطب:
الله ساقك و لم يسوقك أحد***و
اجتمعت أصداف أخير من وعد
وفر الله مشي ذك الأميـــــــــــــال
و
الرقاد الردي و شغل البــــــال
و كفى الله المؤمنين
القتــــــــال
إلى أن يقول:
طال حديثك على المدن و
القرى
قاضي يعطي عطية عطية الأمرا
رد غرناط مكة
الشعـــــــــــــــــرا
فترى فيها أهل كل
بلــــــــــــــــــد.(2)
3-الهجاء:و هو الطرف
المناقض
للمدح,و هذا أمد طبيعي أن يطرق الزجال غرض الهجاء ,إن شعراء الفصحى في
الأندلس
قد أسرفوا في فحشهم حينما طرقوا هذا الموضوع ,فمن المتوقع أن يكون
الزجالون
أكثر منها في الفصحى,لكن ذلك لم يمنع من وجود أهاجي زجلية سماتها خفة
الروح
و النكتة البارعة مع اصطناع السخرية اللاذعة حينا و الفكاهة
الخفيفة حينا آخر.
و من هذا النوع من
الأهاجي الزجلية ما
أنشأه أبو علي الدباغ في هجاء طبيب:
إن ريت من عداك***يشتكي من
تلطيخ
وتريد أن يقبـــــــر***احمل للمريـــــــخ
قد
حلف ملك الموت بجميع إيمان
ألا يبرح ساعة من جوار دكــان
ويريح
روح و يعظم شـــــــــان
و يواصل كلامه إلى
غاية:
احتباس أيدي
العار بحبال التوبيخ
قوة تتنفى من عطاه تنقيـــــــــــا
ويرى
أكباده في الطيس مرميـــا
تبري أنياط و تقع ملويـــــــــــــا
.............
وبدا
يتناثر بالعفن و التزنيـــــــــخ
الوزير أبجعفر قد كثر
تبجيلــــــك
وآش يقول البربر حين يرو تعجيلك
سو
الأدب علمنا ذا الدواء أديلـــــك
الطفل يتقدم للقبر قبل
الشيــــــــــخ.(1)
4-الوصف: هو من أهم
الفنون التي
تناولوها من خلال أزجالهم و أكثروا القول فيه حيث قاموا بوصف الطبيعة
في
الأرض و السماء,و هم في ذلك يقتفون أثر شعرائهم ووشاحيهم من حيث تصويرهم
لطبيعة
الأندلس الجميلة و التغزل يمحاسنها و مفاتنها .
و من
أفضل النماذج
في هذا الغرض زجل رقيق لمدغليس حيث يصف الطبيعة و يموج
بالحركة و الأصوات و العبير
و الألوان و من ذلك قوله:
ثلاث
أشيا
فالبساتيـــــن***لس تجد في كل موضع
النسيم والخضر
والطير***شم
و اتنزه و اسمـــــع
قم ترى النسيم
يولــــول***والطيور عله
تغـــــرد
والثمار تنثر
جواهـــــر***في بساط من الزمــرد
شبهت
بالسيف
لمــــــــا***شفت الغدير مــــــدرع.(2)
5-الخمريات:
و من
أزجالهم في وصف الخمر و التغني بها,زجل لابن قزمان يعترف فيه أن
الحياة إنما هي في
اللهو و الشراب و العشق,و أن غير ذلك في الدنيا لا
قيمة له ولا يساوي شيء في نظره
حيث يقول في زجليته:
دنيا هي
كما تراها فاجتهد و اربح زمانك
كل يوم و كل ليلة لا تخلي
مهرجانك
و اشتفي عليه من قبل أن يجيء الموت في شانك
لس
ذي عندك مصيبةو الدنيا حيا؟
******
ساع دون شريب
عندي لا شكل ولا ملاحة
و أش يوم بلا رقاعة و أش يوم بلا وقاحة؟
لس نعد اللذ لذه ولا
يذ الراح راحة
حتى تدخل شفة الكاس بالشراب بين شفتيا.(1)
الشكل:الحسن
آش:أي
شيء
يذ:بتشديد الذال أو تسكينها :تؤدي أحياذا معنى (أيضا) و هي
هنا بهذا
المعنى.
-و من الخمريات الخالصة ما أنشأه أبو بكر
بن صارم الاشبيلي الذي عرف
بالزندقة و كان يتردد على الديارات تردد
الشعراء عليها و يغرق نفسه في دنان
الخمر,و يغمس فكره في الخلط و
الهذيان,فمن ذلك قوله:
حقا نحب العقار فالدير طول النهار نرتهن
خلع
أنا لس قدا عن فــــــــــــلان
نشرب بشقف القدح كف
ما كان
للدير
مر و تراني
عيــــــــــــان
قد التويت
فالغبار وماع
كانون
بنار فالدكان
و مذهبي فالشراب
قديــــــــــــم
و
سكرا من ه المنى و
النعيــــــم
و لس لي صاحب ولا لي
نديــــم
فقدت
أعيان
كبار و اخلطن مع ذا
العيار الزمن
لا تستمع من يقول
كان
و كـــــان
و انظر حقيق الخبر و
العيــــــان
بحال
خيالي رجع ذا
الزمــــــــان
فأحلى ما يوريك
ديار غيبها و
اخرج جوار اليمن.(2)
6- الزهد و الحكمة: فيتمثل جانب التجرد
عند الزجال المغربي في شعري الزهد و
الحكمة, يقصد منها إلى الكشف عما
ينفعل في نفسه من ضيق بحال الدنيا و سلوك الناس و
إلى وعظهم و ارشادهم
عساهم يحسنون هذا السلوك ,وقصائده في ذلك تعرف ب:
الوصاية
,التوبة,القلب,الطبايع,الموعظة
و النفسية,و ما إليها مما يوحي بروح التأمل و
التنبيه.
فمن
خلال هذه النظرةللحياة و الناس يحاول الشاعر الشعبي أن يكون إيجابيا
فيقدم
بعض النصائح التي يمكن أن تجنب الوقوع في مخالب الدنيا و سهاوى الزلات و
من
هذه النصائح عدم مطاوعة النفس و الهوى و الشيطان فهم أعداء يقول ابن
علي في
الوصاية:
والنفس لهوا والشيطان أعدا لا تطاوعهم
واش
من عاقل يا من يا فهيم فعـــــــــــده.(3)
- التصوف: تناول
الزجالين التصوف و سبب تناولهم هذا يرجع إلى بوادر مأساة
الأندلس الكبرى
كانت قد بدأت تلوح في الأفق,بتساقط المدن الأندلسية في أيدي
الإسبان
,فشغل الناس أكثر بهذا الخطر الداهم عن كل شيء ,فأدى هذا السبب لميلاد
نزعة
التصوف بالأندلس في القرن السابع,ثم إلى ظهور الأدب الصوفي فيما بعد على
أيدي
الزجالين الصوفيين,من أشباه محي الدين ابن عربي المتوفي سنة (638ه)
و هو ابن سبعين
و تلميذه أبي الحسن الششتري .(1).الذي ولد في الأندلس و
عاش فيها صباه و شبابه ,ثم
رحل إلى افريقية و المشرق و مات في مصر سنة
688ه,و هو أول من تكلم عن التصوف و
استخدمه في الزجل و قيمة هذا الشاعر
الكبير تتمثل في غزارة أدبه الصوفي المنوع
الأشكال وفي أنه الناقل
الحقيقي للزجل من الموضوعات الدنيوية المحسة كالعشق الحسي
و الغزل في
الغلمان و الخمر إلى جو سام هو تمجيد الله و الهيام في حبه و من أزجاله
في
التصوف:
لله هاموا الرجال***في حب الحبيب
الله الله
معي
حاضر***في قلبي قريب
إدلل يا قلبي و افرح
حبيبك حضر
و
اتنعم بذكر مولاك
و قص الأثــر
و اتهنى و عش مدلل
بين
البشـــــر
دعوني دعوني نذكر
حبيبي***بذكرو نطيب
الله
الله
معي حاضر***في قلبي قريب
*****
أش نعمل في
ذي
القضيا و أنا عبدكم
نراني نخلع عذاري
على
حبكـــــــــم
و روحي و أش ما بقي
لي نهبه لكـــم
اسمعوا
اسمعوا يا
أهل المحبه***حبيب مجيب
الله الله
معي
حاضر***في قلبي قريب
*****
من وهب روحو لمولاه
ربح
و انتفــــع
و منه للسلم العالي
طلع و ارتفــــــــــع
و
اتمسك بأهل التصوف
ولاذ و استمع
وشاهد وشاهد معنى
الجمال***والحسن
العجيب
الله الله
معي حاضر***في قلبي قريـب.(2)
أشهر الزجالين:
لقد
ظهر في الأندلس زجالون كثيرون و إن لم يصل عددهم إلى نصف عدد
الوشاحين,من
اهم الزجالين نذكر:
زجالي القرن 6 ميلادي:
1- أبو
بكر محمد بن عيسى بن عبد الملك بن قزمان.(ت555ه)
2- عيسى
البليدي
3- أبو عمر بن الزاهر الاشبيلي
4- أبو الحسن
المقري الداني
5- يخلف الاسود
من منتصف القرن
السادس الى غاية المائة السابعة :
1- أحمد بن الحاج المعروف
باسم مدغليس
2- ابن الزيات
3- ابن جحدر الاشبيلي (ت
638ه)
4- أبو علي الحسن بن أبي نصر الدباغ
5- أبو
بكر الحصار
6- أبو عبد الله بن خاطب
7- أبو بكر بن
صارم
8- أبو عبد الله ابن محمد بن ناجية اللورقي
و
هؤلاء الزجالين الثلاث الأواخر ظهروا بإشبيلية
9- أبو زيد
الحداد البكازور البلنسي
10- أبو الحسن علي بن محمد الشاطبي
11-
أبو بكر بن عمير المغربي
12- أبو عبد الله بن حسون
13-
أبو الحسن سهل بن مالك إمام الأدب
14- يحي بن عبد الله البحبضة
أما
عن زجالي المائة الثامنة:
1- عبد الله بن الخطيب
2-
محمد بن عبد العظيم
3- أبو عبد الله اللوشي(1)
أوزان الأزجال:
تتفق
القصائد الزجلية المستحدثة مع القصائد المعربة التقليدية في التزام
الوزن
الواحد و القافية الواحدة و المطلع و المصرع ولا تختلف عنها في شيء غير
اللحن
و الإعراب و اللغة.
- و عن ذلك يقول صفي الدين الحلي :(و
أول ما نظموا الأزجال جعلوها قصائد
مقصدة و أبياتا مجردة في أبحر عروض
العرب بقافية واحدة كالقريض لا تغايره بغير
اللفظ و سموها القصائد
الزجلية).كذلك يقول ابن خلدون :(إنهم
نظموا بلغتهم العامية
في سائر البحور الخمسة عشر و سموه الشعر الزجلي,و
أي القصائد الزجلية).(1).
الأشكال و الأوزان:
و من
حيث الأشكال و الأوزان تتفق الأزجال مع الموشحات في الأجزاء الأساسية
التي
تبنى عليها من مطلع و أغصان و أسماط و أقفال و أدوار و خرجة ثم تختلف هي
عن
الموشحات في البعد عن تعدد بعض الأجزاء و التقليل من قوافي الفقرات
الداخلية ثم في
التزام خرجة واحدة عامية دائما.
و لم يقف
تأثر الأزجال بالقصيدة
العربية عند شكلها الخارجي و أوزانها و إنما
تجاوز ذلك إلى سائر تقاليدها الفنية
الموروثة فأغراض القول واحدة و
افتتاح المديح بالنسيب واحد و ذرائع الانتقال من
النسيب إلى المديح
واحدة و المعاني التي طرقها الزجالون في شتى الأغراض و أساليب
التعبير
البيانية التي استخدموها كالتشبيه و ضروب المجاز تذكر في جملتها بمعنى و
أساليب
الشعراء المعربين.(2)
لمحة
مختصرة عن ابن قزمان:هو أبو بكر محمد بن عيسى بن عبد
الملك بن قزمان
المعروف بابن قزمان الأصغر، عاش أصداء ما تبقى من عهد
ملوك الطوائف، وكامل
العهد المرابطي، وصدر العهد الموحدي بالأندلس،
وتوفي عام (555هـ/1086م)، ينتمي
لأسرة حازت المجد والشرف في الثقافة
والسياسة والدين، توزَّع إنتاجه
الأدبي بين الشِّعْر والنثر والموشح
والزَّجل، وبرع في فن الزَّجل إلى حد
وصفه بأنَّه زعيم الزجَّالين
وإمامهم، وأنَّ منزلته بين الزجَّالين بمنزلة
المتنبي بين الشُّعراء، له
ديوان ضخم سماه "إصابة الأغراض في ذكر
الأعراض"، نال اهتِمام
المستشرقين والمستعربين الذين اعتبروه جسرًا بين الشرق
والغرب، وأصدروا
بهذا الصَّدد عدَّة نشرات أهمها:
- نشرة المستشرق النرويجي
"جونزبرج"
ونشرها ببرلين 1896م.
- نشرة المستشرق التشيكي "ممنوعل 1933م".
- نشرة
المستشرق الفرنسي "كولان
1933م".
- نشرة المستشرق الإسباني "إميليو
غرسية
غومس1972م".
- نشرة المستعرب الإسباني "فيذيريكو
كورينتي 1980م".
بالإضافة
إلى الزجل له موشحة واحدة ذكرها
صفي الدين الحلي في كتابه
"العاطل
الحالي والمرخص
الغالي"، ومقطوعات شعرية وردت في مصادر مختلفة، وكتابات
نثرية أهمها
مقدمة الديوان، ورسالتان في "الذخيرة في محاسن الجزيرة"
لابن بسام،
ومثلهما في "الإحاطة في أخبار غرناطة" لابن الخطيب (1)