فضيلة العلامة محمد آمان بن علي الجامي : الحمد لله رب العالمين ، وصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته على ذاك النبي الكريم والرسول الأمين ، و على آله وأصحابه أجمعين ، وبعد : حديثي معكم - أيها الإخوة - حديث يتمناه كل مسلم ؛ فمن منا لا يرغب ولا تتوق نفسه بأن يكون وليًا من أولياء الله تعالى .
ما من مسلم إلا وتتوق نفسه ليكون وليًا من أولياء الله تعالى ، الناس أمام الله بين ولي وبين عدو لا ثالث لهما ، وكل منا نتمنى بتوفيق الله تعالى أن نكون من أوليائه .
لدي حديث شريف حديث قدسي يخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحكيه عن ربه ؛ فيقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يحكي عن ربه سبحانه و تعالى : ( من عادى لي وليًا ؛ فقد آذنته بالحرب ) .
( من عادى لي - انتبهوا لهذه الإضافة - من عادى لي وليًا ؛ فقد آذنته بالحرب ) . قبل أن نعرف إلى ما ، أو نخوض فيما أشرت إليه ؛ كيفية اكتساب الولاية : كيف يكون الإنسان وليًا لله ، فلنعرف من الولي !؟
لئلا يختلف الناس في تعريف الولي ، تولى الله سبحانه وتعالى بنفسه تعريف الولي : ( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ) . [ يونس : 62 - 63 ] .
وصف الولي بوصفين اثنين :
• المؤمن التقي الذي يخاف الله ويراقبه ، ويعظم الله ويعظم تعاليمه وشرعه .
• ويعظم رسوله ويوقره ويتبع سنته ويقف عند حدوده هذا هو الولي .
الوَلاية - بفتح الواو - لا الولاية : الولاية سلطان ، الولاية بمعنى المحبة .
الولاية - أيها الإخوة - أمر مكتسب ليست كالنبوة . النبوة بالاصطفاء الله هو الذي يصطفي من شاء من عباده ليكون نبيًا رسولاً واسطة بينه وبين عباده في التبليغ والتعليم والهداية ، أما الولاية فأمر مكتسب .
كيف تكتسب الولاية !؟
يقول الله سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي : ( ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي من أداء ما افترضته عليه ) .
أول ما تبدأ - أول خطوة - لتسير إلى الله ولتكون ولي الله تؤدي ما افترضه الله عليك . ما افترضه الله عليك أمران اثنان : فعل وترك .
• فعل ما أوجبه الله عليك جميع ألوانه .
• وترك ما حرمه الله عليك .
هذا أول السلم تمتثل جميع المأمورات ، وتجتنب جميع المنهيات .
بعد ذلك ، تبدأ في الإكثار من النوافل ، وإذا أكثر العبد من النوافل أحبه الله . النوافل - أيضًا - تشمل نوافل الصلاة ، نوافل الصيام ، نوافل الإنفاق والحج والعمرة ، وجميع ما يحبه الله ويرضاه وليس من الواجبات ، تؤدي جميع هذه النوافل وتقوم بها ؛ فإذا فعل ذلك أحبه الله .
من أدى الفرائض بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات وأكثر من النوافل أحبه الله . هذا هو الأمر المطلوب : أن تكون محبوبًا عند الله . أي : صرت وليًا من أولياء الله تعالى .
( ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ ني لأعيذ نه ) . إذا وصل إلى هذه الدرجة صار لا يطلب من الله طلبًا إلا ويعطى ولا يستعيذ إلا ويعاذ . ( ولئن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذ ني لأعيذ نه ) .
عند ذلك يقول الله سبحانه وتعالى إذا أكثر من النوافل ( كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ) . كيف ذلك !؟
يأتي تفسير ذلك في آخر الحديث فبه يسمع وبه يبصر وبه يبطش وبه يمشي ، أي : يوفقه الله توفيقًا خاصًا بحيث لا يسمع إلا ما يرضي رب العالمين ، لا يسمع إلى ما حرمه الله : تأنف نفسه أن يسمع إلا ما يحبه رب العالمين ، ولا يبصر إلا في مرضاة الله تعالى ؛ لا ينظر ولا يطلق عينيه إلا في مرضاة الله ؛ فيغض بصره عما يبغضه الله فبه يسمع وبه يبصر ، وبه يبطش لا يمد يده إلا في مرضاة الله تعالى يبطش ويصرع ويجاهد ويقاتل ، ولا يمشي إلا في مرضاة الله تعالى .
أي : يكون موفقًا في جميع حركاته وسكناته لشدة المراقبة ولشدة المحبة .
يحب الله محبة صادقة ، ومحبة الله تعالى روح الإيمان من رزقه الله محبته فأحبه ، وأحب شرعه ، وأحب نبيه ، وأحب ما جاء به نبيه - عليه الصلاة والسلام - محبة صادقة وراقب الله سرًا وعلنًا ، وخشي الله في الخلوة والجلوة ، صار وليًا صادقًا من أولياء الله تعالى .
الولاية - كما قلنا - تكتسب بهذه الطريقة ، الولاية ليس أمرًا موروثًا . لا يوجد في الإسلام بيت ولي حتى يكون كل من ينتسب إلى هذا البيت وليًا من أولياء الله تعالى ؛ كما يقولون بالعافية ، سواء امتثل أو لم يمتثل ، آمن أو لم يؤمن ، عمل صالحًا أو لم يعمل ، طالما ينتسب إلى البيت الفلاني ؛ فهو ولي !؟
هذا أمر لا يقره الإسلام . قد يكون الرجل كافرًا ؛ فيكون الولد وليًا . لا عبرة إلى أصل الإنسان وفصله : أنت الذي تكتسب الولاية ، فكبار الصحابة آباؤهم ماتوا في الجاهلية وهم من كبار أولياء الله تعالى .
ثم إن الولاية - أيها الإخوة - لا فرق بين الولاية أو بين الولي وبين النبي من حيث المعنى بل الأنبياء هم من كبار الأولياء ، وفي طليعة الأولياء . أولو العزم من الرسل وخاتمهم وأفضلهم محمد - صلى الله عليه وسلم - في طليعة الأولياء .
الولاية ليست بالأمر الهين : أولئك هم الأولياء حقًا ؛ ثم من يتبعهم ، ويعمل بسنتهم، ويسلك منهجهم هؤلاء هم الأولياء .
إذا عرفنا معنى الولاية ، وعرفنا بأن الله تولى تعريف الولي ، وعرفنا كيف نكتسب الولاية ، إذا علينا أن نعمل ، وكيف نعمل !؟
نبدأ بالعلم : العلم قبل القول والعمل . لابد أن يرفع الإنسان رأسه ليتعلم ما جاء به محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستحيل أن يصير العبد وليًا لله وهو جاهل بما جاء به محمد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - .
إذا لابد من العلم . العلم قبل القول والعمل .
وليس معنى التعلم : أن تترك أعمالك ، أن تترك الناس أعمالها ، فتدخل الجامعات والمعاهد والمدارس لتتعلم .
العلم الذي يتعلمه كثير من الناس من هذه الطرق النظامية علم دنيوي يفيدك في دنياك ؛ لكن العلم الذي ينفعك عند الله وتصير به وليًا من أولياء الله تعالى ممكن أن تتعلم من المساجد ، ممكن أن تتعلم من العلماء الموجودين بين أيديكم ، ترتب لك درسًا على شيخ من المشايخ : درسًا في العقيدة ، درسًا في التفسير ، درسًا في الحديث ، درسًا في اللغة العربية تتعلم .
أصحاب رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ليسوا بجامعيين ، كيف تعلموا !؟
منهم التجار ، ومنهم المزارعون ، ولكن كانوا يتناوبون مجلس رسول الله - عليه الصلاة والسلام - في ذلك المسجد : ينزل من العوالي فرد أو فردان يحضرون درس رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ، حديثه كله درس ، يجلسون إليه ؛ فيسمعون ؛ فيحفظون ؛ فيرجعون إلى من وراءهم فيبلغونهم ، وفي الليلة المقبلة ينزل عدد آخر ، وهكذا يتعلم أصحاب رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ، بعضهم بالحفظ فقط لا يقرؤون ولا يكتبون .
أبو هريرة الذي تسمعونه ، حافظ هذه الأمة ، من أحفظ الصحابة على الإطلاق لا يقرأ ولا يكتب ، يحفظ بشهادته على نفسه ، زميله عبد الله ابن عمر ابن العاص يقول : هو خير مني لأنه يقرأ ويكتب ، ولكنه أكثر منه حفظًا .
أريد أن أقول : تعلم العلم النافع الذي تكتسب به الولاية وتتقرب به إلى الله ، وتكون من أوليائه بإمكان كل فرد أن يتعلمه . إذا نظمت أوقاتك ، جعلت من أوقاتك ولو نصف ساعة لتتعلم ولئلا تبقى جاهلاً .
أحذرك - أيها المسلم - : أن تبقى جاهلاً عما جاء به رسول الله - عليه الصلاة والسلام - إذا ما حظك من رسول الله - عليه الصلاة والسلام - إذا كنت تجهل ما جاء به النبي - عليه الصلاة والسلام - ، ما حظك منه !؟
يجب وجوبًا عينيًا على كل مسلم ومسلمة : أن يتعلم العلم الضروري . والعلم علمان :
• علم ضروري لا يسع مسلمًا أو مسلمة جهله وعلم كفاية . تعلمك كيف تعبد ربك وكيف تتبع نبيك محمدًا - صلى الله عليه وسلم - ، وكيف تعامل إخوانك المسلمين في البيع والشراء ، وكيف تعامل جيرانك ، وكيف تتجنب ما حرم الله عليك وتمتثل المأمورات .
العلم الذي تعرف به هذه المعاني علم ضروري لا يسع مسلمًا جهله ، وبدون هذا العلم مستحيل أن تكون وليًا من أولياء الله تعالى ، ( إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ ) . [ الأنفال : 34 ] ، ما التقوى !؟
التقوى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات . إذا كنت لا تعلم ما هو المأمور به وما هو المنهي عنه ، كيف تكون وليًا من أولياء الله تعالى !؟ مستحيل .
إذا خلاصة الأمر : التعلم . والتعلم كان صعبًا في الماضي والناس كانت ترحل : يرحل الرجل من هنا إلى صنعاء ، وكان يضرب المثل بصنعاء في البعد ( لابد من صنعاء ولو طال السفر ) لبعد صنعاء ، لطلب حديث . يسافر شخص إلى الشام ، إلى العراق يطلب حديثًا واحدًا أو ليصححه .
أما الآن ، فبين أيديكم في كل مدينة في مساجدكم علماء . كون الناس يزهدون في العلم الديني ، ويتعلمون ما يعيشون به في هذه الحياة . نحن لا نحرم أن يتعلم المرء ما يتعيش به : العلم الدنيوي . قد يتعلم ، قد يخترع ، قد يعمل ، لكن لا يجوز له أن يجهل العلم الديني الذي به يصير وليًا من أولياء الله تعالى ، ومن أتباع محمد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - .
وصفت لكم كيف كان الصحابة يتعلمون ، وعلينا أن نتعلم بطريقة أسهل من تلك الطرق ، مثل أن نطلب في كل مسجد من مساجدنا عالمًا من العلماء . كل حي يطلب عالمًا من العلماء وطالب علم في مساجد الأحياء ، فنرتب لنا دروسنا : أول ما نبدأ بالعقيدة ؛ لأن العقيدة أساس الإيمان . الإيمان يبدأ بالعقيدة . يتألف الإيمان من عمل القلب وقول اللسان وعمل الجوارح .
عمل القلب : هو العقيدة . إذاً فلنتعلم ما نعتقده في ربنا سبحانه وتعالى ، وما نعتقده في أنبياء الله ، وفي كتب الله ، وفي اليوم الآخر . أي : معلومات تسمى المطالب الإلهية كل ما يتعلق برب العالمين ، مطالب أو معلومات تتعلق بالأنبياء وتسمى النبوات ، ومعلومات تتعلق باليوم الآخر تسمى شؤون المعاد . نبدأ بهذه ، ثم نتعلم شروط الصلاة ، واجبات الصلاة وأركان الصلاة ، ونتعلم كيف نعامل إخواننا المسلمين في هذه الحياة !؟ لئلا نسيء .
نتعلم الأعمال التي تتعلق بأعمالنا اليومية في البيع والشراء لئلا نقع في المحرمات ، ولا نعامل الناس بالربويات وغير ذلك .
هذه العلوم بإمكاننا أن نتعلم بأبسط وبأقرب الطرق حتى نكتسب بذلك ولاية الله تعالى .
وبدون هذا العلم لا يمكن أن يكون العبد وليًا لله . لم يتخذ الله وليًا جاهلاً لأن الجاهل لا يعلم ما يقربه إلى الله وما يبعده عن الله .
لذلك ، لا أكثر عليكم ولا أطيل ، إنما وصيتي الخاصة ونصيحتي الخاصة ، الدين النصيحة ، أن نشتغل بالعلم ، وأن نتعلم ، وألا نضيع أوقاتنا في الملاهي . تلك الأوقات التي تضيع في الملاهي فلنصرفها في تعلم ما أوجبه الله علينا سبحانه وتعالى .
وأسأل الله لي ولكم علمًا نافعًا ، وعملاً صالحًا مقبولاً .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه .