منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى متيجة هو منتدى ترفيهي علمي بامتياز هنا تجد كل ما تريده من تطبيقات و سريالات و العاب و فتاوة في الشريعة الاسلامية و تفسير القران و كل ما نستطيع توفيره من كتب علمية .ادبية .انسانية. وعلوم شرعية .بحوث الخ. ويوجد منتدى للفيديو يوتوب ونكت ..الخ وحتى الان
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

  تجليات المنهج اللغوي الجمالي عند مصطفى ناصف

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نائب المدير
الادارة العامة
الادارة العامة
نائب المدير


عدد المساهمات : 2120
نقاط : 7058
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 06/04/2010

 تجليات المنهج اللغوي الجمالي  عند مصطفى ناصف Empty
مُساهمةموضوع: تجليات المنهج اللغوي الجمالي عند مصطفى ناصف    تجليات المنهج اللغوي الجمالي  عند مصطفى ناصف Emptyالجمعة يوليو 02, 2010 9:27 pm

توطئة :

تعتبر إشكالية المنهج من الإشكاليات الشائكة في النقد المعاصر،كما لعبت دور المحرك المعرفي في الساحة النقدية العربية. و لعل نظرة خاطفة لتاريخ الثقافة العربية منذ عصر النهضة إلى يومنا الحالي، ترصد لنا ذلك الانشطار المعرفي الرهيب الحاصل على مستوى تبني الموروث العربي أو نبذه لصالح الفكر الغربي، مما دفع مجموعة من النقاد المتمرسين إلى إعادة قراءة الخطاب الثقافي العام قراءة جديدة تتجاوز القراءة التلفيقية أو الإقحامية.

فالمنهج بوصفه إطارا علميا يساعد على كشف جماليات النصوص و فهم مكوناته و أبعاده الدلالية هو : '' طريقة في البحث توصلنا إلى نتائج مضمونة أو شبه مضمونة في أقصر وقت ممكن، كما أنه وسيلة تحصن الباحث من أن يتيه في دروب ملتوية من التفكير النظري''[1].

فالمنهج بهذه الوجهة هو المفتاح الإجرائي الذي يساعدنا على كشف بواطن النصوص وحقائقها، لأنه ليس مجرد أداة منهجية فحسب، وإنما يختزل رؤية خاصة للعالم شارك في تفعيلها مجموعة الخلفيات السوسيو ثقافية وغيرها التي أدت إلى ظهوره،و بالتالي فهو يساعدنا على رصد أبعاد النص الإبداعية.

ويعد ''ناصف'' من أهم النقاد الدين حاولوا قراءة التراث قراءة واعية، تعتمد النظرة الموضوعية أساسا لها. و قد انطلق هذا الناقد في معالجة النصوص- خصوصا - التراثية من إطار منهجي ثري، حيث اعتمد على مجموعة من المناهج الغربية، التي حاول تطويعها بما يخدم النص التراثي, دون انتهاك خصوصيته الثقافية، أو وضعه على كرسي الاعتراف كما فعل غيره من النقاد....

ويعتبر المنهج اللغوي الجمالي من أهم المناهج التي وظفها هذا الناقد، حيث يدعو إلى قراءة الموروث قراءة ثانية تكسر حواجز صمت النصوص ''حتى تنطق و تبوح و يتاح لها قلق صحي عظيم"[2].

لقد وظف المنهج اللغوي، كأداة تساعده على إكتناه جماليات النصوص في حدود لغتها و نقصد به: ''المنهج الذي ينطلق من الرؤية النصية في دراسة العمل الأدبي, و يتعامل مع مفاهيم الرموز والأساطير المبثوثة في السياق اللغوي''[3].

ويندرج المنهج اللغوي في إطار النقد الجديد [4]،الذي ظهر في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين،و هذا النوع من النقد يأخذ مقولة '' ملارميه الشهيرة أن الشعر لا يكتب بالأفكار وإنما يكتب بالكلمات مأخذ الجد "[5] ، لدرجة أنهم وضعوها شعارا ومبدأ ثابتا في منهجهم. و قد ظهر هذا النقد في: روسيا و ألمانيا و فرنسا و إيطاليا...إلخ و غيرها من الدول الأوروبية، و تختلف أسسه المنهجية من منطقة إلى أخرى، إلا أنها تتفق على اتخاذ اللغة مبدأ رئيسا ينطلق منه الناقد و ينتهي عنده.

ففي روسيا أسست جمعية خلال الحرب العالمية الأولى, تهتم بدراسة ''اللغة الشعرية'' و اسمها«OPOJAZ »

حيث أصبحت فيما بعد نواة الحركة ''الشكلية الروسية'' إذ اهتمت هذه الجمعية بمشكلة اللغة الشعرية و رأت بأنها '' لغة خاصة تتصف بتشويه مقصود اللغة العادية عن طريق العنف المنظم الذي يرتكب ضدها''[6] ، و قد ركزت جل اهتمامها على البعد الصوتي للغة, كما اهتموا بالفونيم باعتباره أصغر وحدة دالة كما''ابتكروا العديد من المناهج الفنية، بل حتى الإحصائية, لدراسة العمل الأدبي, الذي حسبوه نتيجة الوسائل الفنية التي يتكون منها، لقد كانوا وضعيين يحدوهم مثال علمي في البحث الأدبي''[7].

- أما في ألمانيا فقد طبقت بعد الحرب العالمية الأولى، مفاهيم لغوية مغايرة تماما لما كان معهودا في دراسة الأدب ، وفي عالم المناهج ككل ، وقد تم ذلك على أيدي مجموعة من العلماء الذين قاموا بدراسة لغات الرومانس ومن أشهرهم كارل فولسر KARL FAUSSLE، الذي درس دانتي وارسين RACINE ، و شعرية الغربة الأسباني, حيث تأثر بفكر كروتشه ،وذلك بتوظيفه '' لمفهوم وحدة اللغة والفن''من أجل أن يدرس التركيب اللغوي و الأسلوب باعتبارهما خلفا فرديا''، و قد أكد على أن اكتشاف الخاصية الأسلوبية لكاتب معين تساعدنا على اكتشاف مسيرته الروحية.

-أما شبيتزر (CHPITZER) فقد رفض هذه الطريقة و رأى بأن الأسلوب هو السطح الذي من خلاله نستطيع أن نكتشف '' دافعا رئيسيا من دوافع الكاتب، أو اتجاه أساسي عنده, أو طريقته في النظر إلى العالم, تلك الطريقة لا تكون باطنه أو شخصية''[8].

و قد اهتم هذا الناقد بتحليل الشعر الفرنسي و الإسباني و الإيطالي، إلا أنه في السنوات الأخيرة أتجه إلى تحليل نصوص من الشعر الانجليزي وقد ركزعلى القطع الشعرية القصيرة. واستعمل إرخ أورباخ، الطريقة نفسها تقريبا, ويعتبر كتابه ''المحاكاة'' تاريخا للواقعية من هوميروس إلى بروست، حيث بدأ فيه بتحليل مقاطع معينة تحليلا أسلوبيا, و قد نالت الأسلوبية الألمانية نجاحا كبيرا في اسبانيا،ويعتبر الناقد داماسو ألونسوDAMASOU LOUNSEAU من أهم ممارسيه، وقد أهتم هذا الناقد بدراسة شعر''القديس يوحنا صاحب الصليب''وشعر الباروك والغونغورا، محاولا بذلك تقويم الشعر الإسباني، لكنه غالبا ما يحيد عن الدراسة اللغوية الأسلوبية لتستفيض في دراسة أخروية صوفية.

-أما النقاد الانجليز والأمريكيون فكان جل اهتمامهم،منصبا على الجانب ''الدلالي من اللغة'' كما اهتموا بدور اللغة العاطفي مقابل اللغة الفكرية و العلمية, وهو من أهم الأسس التي بنى عليها ''ريتشاردز'' نظريته, و يعتبر هذا الأخير من أهم النقاد الذين: ''طوروا نظرية في المعنى, تميز بين المعنى SENS والنبرة TONE والشعور FEELINGوالقصدINTENTION و تؤكد على أهمية الغموض في لغة الشعر, و قد حلل ريتشاردز في كتابه ''النقد التطبيقي 1928, المصادر المتعددة لسوء فهم الشعر, تحليلا يتصف بقدر عظيم من المهارات التعليمية مستخدما أوراقا لطلباته كتبوها حول قصائد لا يعرفون قائليها .

وقد انطلق ريتشاردز من مبادئ علم النفس ،فالفنان حسبه معالج للاضطرابات النفسية ،والفن عنده مقو للأعصاب ،لذلك راح يبحث في القصائد عما يسبب الراحة النفسية للقارئ أو ما يسميه " ترتيب الدوافع "أو توازن الاتجاهات "،وفي هذا يقول:"يجب أن نتصور إذن أن تيار التجربة الشعرية هو بمثابة عودة النزعات المضطربة إلى حالة الاتزان."[9]

ومن هنا فهولا يعترف بعالم '' القيمة الجمالية للفن بصفة مطلقة'' ،لأن القيمة الوحيدة حسبه هي ما يضيفه ذلك الفن إلى النفس من راحة،فمهمة الشاعر بذلك حسب ريتشاردز تتمثل في ''أن يعطي نظاما و تلاحما وكذا حرية لجسد التجربة، أن يفعل ذلك من خلال الكلمات التي تعمل بوصفها هيكلها العظمي,بوصفها بنية تضبط بواسطتها الدوافع التي تشكل التجربة أحدها وفقا للآخر,وتعمل معا''[10].

فمهمة الشاعر حسب هذا الناقد هي إعادة تنظيم التجربة الواقعية من خلال تبنيها فنيا ،وإعادة تنظيمها بواسطة الكلمات، التي تعمل بدورها على ضبط الدوافع وترتيبها ، وبالتالي تتحول التجربة الواقعية إلى تجربة فنية تقوم على تهدئة أعصاب القارئ ومساعدته على تخطي أزماته النفسية، وفي هذا يقول : " إن مهمة الشاعر هي أن يكسب مادة التجربة نظاما وتناسقا وتماسكا، ومن ثم هو لا يكبت الدوافع وإنما يحررها ويوفق بين بعضها والبعض الآخر"[11] .

كما يدعو ريتشاردز إلى الاهتمام بوظيفة الألفاظ في القصيدة ،حيث يقسمها إلى وظيفتين : وظيفة حسية (استخدام إشاري) تشير إلى موضوعات خارجية يمكن التحقق من صدقها أو كذبها،ووظيفة تقرير الحقائق الزائفة (استخدام انفعالي)،ويرى أن هذه الأخيرة تلعب دورا هاما في تحديد البعد القيمي للتجربة الشعرية،لأن هذه الوظيفة تقوم بالفصل بين التقريرات العلمية ولتعبير العاطفي، أو بالأحرى التفريق بين ما يسميه"النظرة السحرية للعالم"،والتي تقوم على الانفعال والخرافة والهوى، والنظرة العلمية التي يتميز بها القرن العشرون، "فالقضية العلمية نثبت صدقها أو كذبها عن طريق التحقيق العلمي بالمعنى الدقيق للفظة التحقيق ،أما صدق التعبير العاطفي فمعناه أولا قبولنا هذا التعبير قبولا عاطفيا لتوافقه مع موقف من مواقفنا العاطفية وبعد ذلك قبولنا الموقف العاطفي ذاته الذي يتضمنه التعبير"[12]. ومن هنا فإن الشعر يخالف العلم من جهة استخدامه للألفاظ ،لأن الشاعر يخاتل الكلمات ويتلاعب بمعانيها، فيخلق معاني جديدة تتسامى عن منطق العلم وتنافس مصداقيته ، فالألفاظ بمثابة المفتاح لمجموعة الدوافع ، فهي الوسيلة التي تنظم بها التجربة " فالألفاظ إذن تمثل التجربة نفسها لا أي ضرب من الإدراكات والأفكار، - وإن كان القارئ الذي لا يتناول الشعر على النحو السليم – يرى فيها مجرد سلسلة من الملاحظات عن أشياء أخرى أما القارئ السليم فتحدث الألفاظ في عقله تفاعلا مشابها في النزعات،وتضعه في نفس الوضع الذي وجد فيه الشاعر"[13] ، فريتشاردز يرفض اللغة في جانبها المنطقي ويدعو إلى الاهتمام بجانبها التخيلي الرمزي ،لأنه يضفي على القصيدة أبعادا دلالية تساهم في بلورة التجربة الشعرية بلورة جمالية، كما أنها تساهم في تنظيم دوافع الأفراد .

كما يرى ريتشاردز أن إساءة فهم الشعر راجع إلى الاهتمام بالعنصر الفكري فيه ، لذلك يثور على بعض الاتجاهات التي ترى في الشعر أداة للإرشاد الأخلاقي أو التعليمي " فالشعر خليق أن ينقذنا ، لأنه وسيلة من الوسائل التي يمكننا بها التغلب على الفوضى "[14].

ويرى ستانلي هايمن انه:"من المستحيل أن يناقش النقد الحديث دون التحدث عن ريتشاردز،لأنه هو خالقه بالمعنى الحرفي ،فان ما نسميه نقدا حديثا بدأ عام1924 عندما نشر كتاب مبادئ النقد الأدبي"[15]، و قد كان لهذا الناقد مجموعة كبيرة من الكتب التي هي عبارة عن سلسلة من الأفكار يربطها جوهر واحد و هو الاهتمام، باللغة الشعرية و كيفية توصيل التجارب للقارئ. فقد أهتم اهتماما كبيرا بالعلاقة بين القصيدة و الجمهور، بدلا من العلاقة بين القصيدة و مبدعها و قد سمى ذلك المجال باسم ''تفسير الدلالات'' أو '' التفسير''.

وأول كتب ريدشاردز هو ''أسس علم الجمال'' و قد نشره عام 1922 مع ''أوغدنAUGDEN" ، وهو عالم نفسي و ''جيمس دود''JAMES TOD"، و يستعرض هذا الكاتب النظريات المختلفة لعلم الجمال, بحثا عن طبيعة الجمال و قد توصل إلى موقف مفاده أن الجمال : ''هو ما يؤدي إلى توازن في الحواس'' ،قد استنتج بذلك أن الجمال عبارة عن تجربة أو حال في الجمهور، و هو غير كامن في العمل الفني نفسه .

وفي السنة التالية (1923) نشر ريتشارد كتابه ''معنى المعنى'' بالمشاركة مع ''أوغدنAUGDEN '' ،و قد اتبعا الطريقة نفسها التي سلكها في كتاب'' أسس علم الجمال'' ، فمن خلال التعريفات المختلفة للمعنى حاولا أن يقيما نظرية خاصة لفهم طبيعة الرموز و تفسيرها و ذلك من خلال التعرض للتعريفات المختلفة للرمز, فقد انتهيا إلى ما سمياه بعلم الرمزية و الذي تتطور فيما بعد أصبح يعرف باسم السميائيات الحديثة وقد استعملا مصطلحي''راموزات'' و''مرموزات'' في تفسيرهما كما كشفا عن طبيعة ''الحد'' و ''المعنى'' و من خلال البحث عن العلاقة بين العمليات الفكرية و التفسير حددا قوانين التفكير و أختبر مدى نجاح هذه الطريقة على الأفكار الجمالية.

لقد هدفا إلى إقامة علم لطريقة ''الإيصال اللغوي'‘،وتطبيقها فيما بعد على الفن،ويعتبر كتاب ''معنى المعنى'' الكتاب الرئيسي، أما بقية الكتب فتعتبر ملاحق له لأنها تنبع منه وتتفرع عنه في أمور و مبادئ فكرية أخرى.

-أما كتاب ''مبادئ النقد الأدبي'' الذي نشره عام 1924'' فإنه يحاول أن يتخذ الأساس النقدي نفسه, الذي حاول أن يقيمه في معنى المعنى أساسا في قدرة اللغة على الإشارة ".

ويعتبر هذا الكتاب من أهم الكتب النقدية التي ألفها ريتشاردز بمفرده, حيث حاول أن يجعل من النقد علما تطبيقيا له وظيفتان, وظيفة تقييميه يتجاوز بها حد العلم و وظيفة تفسيرية. و قد اشترط أن يتمتع الناقد بثلاث خصائص جوهرية ''أن يكون حاذقا جرب حالة الفكر المرتبطة بالعمل الفني أثناء الحكم تشط به نزواته الذاتية, ثانيا, لا بد أن يكون قادرا على تمييز التجربة من الأخرى من حيث مظاهرها الأقل سطحية, ثالثا , أن يكون حكما رصينا على القيم'' ، و بالتالي فقد حاول هذا الناقد تطبيق قيم موضوعية، وذلك بالاحتكام إلى القرار الرصين بعيدا عن الأهواء الذاتية، وإلى قيم ذاتية خالصة تتمثل في عملية الذوق. و يرى ''دايفيد ديتش'' أن هذا الكتاب من أهم الكتب النقدية التي أثرت تأثيرا كبيرا على مسار النقد الجديد،و قد وصفه في كتابه ''الكتب التي غيرت عقولنا''، " بأنه طليعة الكتب في تطبيق علم النفس على الشكل''.

إلا أن رينيه ويليك RENE WELLEK" يرى بأن ريتشاردز قد بالغ في تطبيق المنهج النفسي على النتاج الأدبي ،لدرجة انه حول الشعر إلى مجرد وسيلة من خلالها نستطيع تنظيم دوافعنا وتحقيق صحتنا العقلية ، وفي هذا يقول :"ولكنني أرى أن من سوء حظ العمل التحليلي الدقيق الذي قام به ريتشاردز، انه يرزح تحت عبء نظرية في الأثر النفسي للشعر، لا تبدو لي خاطئة فقط ،بل ومعطلة للدراسة الأدبية ، ريتشاردز لا يعترف بعالم القيم الجمالية والقيمة الوحيدة للفن عنده هي أن يفرض غلنا نظاما نفسيا أو ما يدعوه بترتيب الدوافع الذي يسببه العمل الفني"[16] .

غير أن هذا لا ينفي أن ما قام به ريتشاردز في مجال النقد التطبيقي، نقلة نوعية حققت نتائج مذهلة فيه ، فالتحليل اللغوي الجمالي تحقق على يد هذا الناقد ، الذي استطاع أن يتحول بالدرس النقدي من مجال النظام اللغوي المغلق ،ومن مجال الانفتاح المطلق على السياقات الخارجية ، إلى محاولة المزاوجة بينهما ،إذ أصبح النص عند هذا الناقد عبارة عن نظام لغوي شبه مغلق تلعب فيه اللغة الدور الرئيس.

إن اللغة عند ريتشاردز أصبحت هيكل التجربة، فهي الأداة التي تقوم بإبلاغ مبتغى الفنان، وهي تقوم بدور إيصالي هام تضمن للقارئ عند القراءة النتاج الأدبي راحة نفسية وعصبية،وبهذا فإن اللغة تلعب دور مهدئ الأعصاب والناقل للتجربة الجمالية،كما تساهم في بناء الجو الشعوري للقارئ و قد ركز ريتشاردز على العلاقة بين ''القصيدة'' و ''.المتلقي.'' و رأى بأن هذه العلاقة تتمخض عنها قيمة جمالية تساهم في تنظيم دوافع القارئ، بالإضافة إلى أن القصيدة عبارة عن نظام لغوي غامض يتشكل من مجموعة من الرموز الأسطورية التي تغذي الجانب الدلالي فيها ،لذلك تمكننا من قراءتها بطريقة مختلفة كل مرة. و بذلك فإن اللغة من منطلق ريتشاردز لها قوة تأثيرية تساهم في تغيير الواقع لأن الشعر حسبه "سيحل محل الدين كقوة اجتماعية''.

يقوم النهج اللغوي الجمالي على خطوتين أساسيتين هما الفهم والتفسير،ونعني بالفهم قراءة النص الفني قراءة واعية تعتمد على فهم دلالته اللغوية ومضامينه المعنوية، و تفكيك رموزه المتشابكة و البحث عنها في خضم صوره البلاغية ورصد مفاهيمه المكررة , أما التفسير فهو عملية جوهرية تقوم على أساس تأويل تلك الإشارات ضمن التصور الرمزي والبعد التخيلي للظاهرة اللغوية .

- ويمكن تحديد خطوات هذا المنهج فيما يلي :

*التحسين العام للقراءة وبالتالي التحسين العام للتذوق الأدبي من خلال تطوير نقد يتناول ما يجد قبولا في النفس, انطلاقا من ربط أو إيصال طبيعتنا مع طبيعة العالم الذي نعيش فيه أو بالأحرى انسجام حالتنا العقلية والشعورية بالقصيدة .

*البحث عن جماليات النص الإبداعي و ذلك من خلال تقصي رموزه و أبعاده التخيلية التي تشكل بنيته الدلالية العميقة.

*الاعتماد على الحوارية مبدأ منهجيا, من خلاله نستطيع إستكناه خبايا النصوص.

*الاهتمام باللغة كمبدأ رئيسي و جمالي يكون هو الجسر الذي يصل القارئ بالتجربة الفنية ، ورفض النظام اللغوي المغلق ، والأخذ بمبدأ التأويل كقاعدة أساسية في التعامل مع النصوص.

*الإقبال على النص باعتباره مجموعة من النصوص المتشابكة و المنصهرة فيما بينها, بالإضافة إلى أنه بنية لغوية ذات بعد أنساني يشارك في تفعيلها التاريخ.

*النص عبارة عن مجموعة من الثغرات التي يجب على القارئ الناقد ملأها وإعادة الانصهار معها.

- تيار النقد الجديد عند العرب :

أما في الوطن العربي فقد أنتقل هذا النقد مع نهاية الخمسينات و بداية الستينات ، و قد حمل لواءه مجموعة من النقاد العرب الذين اشتهروا بثقافتهم الانجليزية ، ويعتبر الدكتور ''رشاد رشدي'' من أهم النقاد الذين حاولوا ترسيخ النقد الجديد , كحركة نقدية فنية في الثقافة العربية, و ذلك من خلال مجموعة كبيرة من الكتب , التي دعمت هذا المنهج و هي ''ما هو الأدب'', ''مقالات في النقد الأدبي'', ''النقد و النقد الأدبي'، ''فن القصة القصيرة'' و قد آزره في هذا الاتجاه مجموعة من طلبته الذين قاموا بتقديم النظرية النقدية الجديدة من خلال مجموعة من الكتابات الصادرة ضمن سلسلة ''مكتبة النقد الأدبي''، و من أشهر طلباته ''محمد عناني'' الذي أصدر كتاب ''النقد التحليلي' عام 1962 عن كلينث بروكس ''و سمير سرحان'' في كتابه '' النقد الموضوعي 1990'' عن ماثيو أرنولد، كما نشر عبد العزيز حمودة كتابه ''أسس علم الجمال'' عن كروتشه و نشر ''فايز إسكندر'' النقد النفسي عن ''ريتشاردز''.

بالإضافة إلى مجموعة أخرى كبيرة من الكتب والمؤلفات التي تناولت هذا النقد بالدراسة و الترجمة،والتي ساهمت في إثراء المكتبة العربية و تطعيم الجانب المنهجي العربي بنقد جديد يساهم في تجلية واكتناه البعد الجمالي للنص العربي سواء أكان مورثا أو حديثا - و ذلك بعد تطويعه بما يخدم السياق الثقافي العربي –طبعا-.

و يعتبر كتاب الناقدة اللبنانية ''روز غريب''والذي يعتبر متقدما نسبيا (1952) من أشهر الكتب التي تناولت هذا المنهج تناولا, مفصلا , اهتمت فيه هذه الكاتبة بالبعد اللغوي للإبداع. ويحمل عنوان " النقد الجمالي " بالإضافة إلى أسماء أخرى كمحمود الربيعي الذي اتبع عناوين محاكية للعناوين الغربية قراءة الروحية 1976 – قراءة الشعر 1958 محاكية لعناوين النقد الجديد فهم الشعر كلينث بروكس 1938 – فهم الرواية لروبرت وون 1943 ، بالإضافة إلى لطفي عبد البديع " التركيب اللغوي للأدب " ومصطفى ناصف الذي. تأثر بأعمال ريتشاردز أرمسترونغ , خصوصا كتابيه " مبادئ النقد الأدبي " و " النقد التطبيقي " و أنس داود الذي درس الأدب العربي وفقا لمنهج الرؤية الداخلية للنص .

يعتبر مصطفى ناصف من أهم النقاد الذين حاولوا ، تطبيق المنهج " اللغوي الجمالي " في دراستهم ، وقد امتثل لمجموعة من المبادئ الجمالية ، التي ساعدته على تعقب البعد الجمالي للنصوص التراثية خصوصا، لأنه يرى بان النقاد أهملوا البعد الجمالي للموروث العربي ، وذلك جراء اعتكافهم في محراب"النظرة المتصلبة " وعدم قدرتهم على التخلص منها ، فالشعر الذي نظر إليه المتقدمون على أنه صنعة لفظية خالية من الذوق الفني المتعارف عليه ، أو أنه شاذ عن القاعدة الفنية المرسومة، هذه الأحكام تحولت التي عند المتأخرين إلى قاعدة نقدية يستحيل التخلي عنها، رفضها ناصف وأعاد قراءة ذلك الشعر المنبوذ، بطريقة ثانية يحاول من خلالها التنصل من سلطة الحاجز النفسي الذي يعيقنا عن الفهم الجيد للموروث.

ونقصد بالحاجز النفسي تلك النظرة المقدسة لمجمل الأحكام والنصوص النقدية التي يرى فيها النقاد المتأخرون المثال النقدي الرصين،هذا الأخير أدى إلى تنميط الوعي النقدي وحجزه في قوالب جاهزة ،أعاقتنا عن الإتيان بمنهج نابع من خصوصيتنا الثقافية ، كما دفعت بنا إلى التشتت بين أرجاء الفكر الغربي ، لاهثين وراء مناهجه قصد تأمين وعينا النقدي الذي نستطيع وصفه- لسوء الحظ - بالزائف .لذلك نجد ناصف يدعو إلى محاورة موروثنا محاورة واعية ، بعيدة عن النظرة الاستعلائية أو التعسفية، لأننا لا نستطيع حسبه أن نؤمن نظرية عربية أصلية دون التعرف على تراثنا ، الذي يراه زاخرا بمختلف الإشارات النظرية و الإبداعية ، ضيعناها بفضل اعتكافنا على جوانبها الشكلية فقط وفي هذا يقول: " إن تاريخ النظر إلى الأدب العربي في العصر الحديث ليبدأ من نقطة الاستحياء الذي يلاحظ في أقول الرواد الذين ارسوا دعائم النظر والتقويم، نعم فلم تكن النهضة إلا شعورا بالقلق الجم لمن استيقظ ، فيجد نفسه متخلفا عن الركب"[17]

ومن هنا حصلت القطيعة المعرفية بين ماضي عريق وحاضر زاخر بمختلف الصيحات العلمية المتطورة، فتشتت ذهن الناقد المفكر، وحصلت الصدمة المعرفية التي حدت من تفاعل الفكر العربي وتطوره.

وبالتالي فإن كل تلك المحاولات تقريبا أساءت فهم الموروث، وأعادت صياغة المواقف النقدية القديمة بأساليب حديثة لكنها بقيت محافظة على نفس مبادئها .

ومن هنا حاول ناصف إعادة قراءة الموروث من منطلق فلسفة الشك، التي رأى بأنها الأداة المنهجية الأكثر موضوعية، لتجنب الوقوع في الأخطاء والمواقف نفسها. وقد تأثر ناصف بطه حسين خصوصا في موقف هذا الأخير من الشعر الجاهلي، و اعتباره شعرا منتحلا لا علاقة له البتة بعقلية الإنسان الجاهلي بما يحمله هذا الشعر من مواقف دينية وقيم إنسانية راقية ، هذا المنهج تحول عند ناصف إلى أداة إجرائية ، لا من أجل التحقيق مع الشعر الجاهلي ووضعه في قفص الاتهام كما فعل غيره ، و إنما من لتحريره من القيود القرائية التي ألحقت به و غضت من شأنه ، لذلك فهو يدشن عصرا جديدا من التساؤلات الموضوعية التي من خلالها يحاول استكناه حقيقة الشعر الجاهلي ، وفي هذا القول :" أحرى بنا أن نتذكر أن المنقبة العظمى هي إثارة السؤال لا تقرير جواب يختار"[18].

من هذه الفكرة بنى " ناصف " مدونته النقدية ، إذ إنها عبارة عن مجموعة من التساؤلات الجوهرية ، التي مست ثوابت الثقافة العربية ، لأنه يرى بأن الموروث الثقافي العربي ، لم يقرأ بالطريقة الصحيحة ، إذ بقي فهمنا له قاصرا وناقصا ، يتسم الاجترارية ، لذلك فهو يدعو إلى هدم محراب النظرية السكونية و" اعتناق مبدأ الحوار والتفسير " كتقنية إجرائية ، تساعدنا على اجتثاث واقعنا الفكري من براثن الموقف المتصلب فقد أعاد هذا الناقد قراءة نصوص شعرية جاهلية، حكم عليها في زمنها بأنها زخرف لفظي لا ترتقي إلى مصاف القصائد الحسان, و يرى بأن هذه القصائد ظلمت، لأننا لم تحاول إعادة قراءتها بعقل جديد، وقبلنا بموقف أجدادنا وأسلافنا منها ، وظلت تلك القصائد إلى يومنا منبوذة ، ما دفع ناصف إلى كسر حواجز العادة القرائية والنقدية ، وأعاد صياغة الموقف صياغة جديدة مبنية على أساس الحوار الخلاق والسؤال الماكر الذي من خلاله نستطلع خبايا القصيدة ونكتشف أبعادها الجمالية الحقيقية وفي هذا يقول ''ولقد يكون من الخير أن نبدأ عصرا من التشكك في معظم ما نعرفه عن الأدب العربي،وهذه مهمة صعبة ،وقد تبدو خيالية ''[19].

فالعقل العربي أصبح رهين المواقف النقدية المتوارثة ، التي تحولت مع مرور الزمن إلى سلطة فكرية تشكل الجانب الثابت فيه ،الشيء الذي أدى إلى انهيار مبدأ الفاعلية النقدية ،وتحجر الفكر النقدي العربي في إطار الموقف الوحيد وبالتالي دورانه في مسار الدائرة المغلقة التي يعد الخروج عنها ضرب من الإلحاد المنهجي الخطير .

لذلك يلح ناصف على مصالحة تراثنا ، وإعادة قراءته قراءة ثانية ، تسمو عن فعل القراءة العادية المتداولة ،لأنه يرى بان هذه العملية كفعل إجرائي جمالي،أصبحت في وطننا العربي ،عاجزة عن القيام بدورها كنشاط نقدي،لأننا قمنا بقولبتها ضمن خلفيات ايدولوجية قللت من شأنها '' كفعل جوهري لتحسين النص ووضعه ضمن حركة التاريخ والتحول ذلك أن النص يبقى محدودا بزمن الكتابة بخلاف القراءة التي تعتبر فعل تحول وانفتاح زمني عبر مسار الحركة التاريخية''[20] ، فالقراءة بهذا المفهوم تخلت عن نمطيتها، لتأخذ أبعاد جدية تساهم في بناء الموقف الفكري العام الذي يعاني من التشتت والتأزم .

"فمصطفى ناصف '' يرى بأن الموروث الشعري قتل من قبل النقاد المعاصرين، وذلك بفعل قراءتهم السطحية التي صورت العقل العربي بالرتابة والمادية، فالشعر الجاهلي -حسبهم- هو شعر مادي خال من أي فلسفة لأن العقل الذي أنتجه عقل مادي، ليست له القدرة على التجريد والتفكر، لهذا جاء ذلك الشعر مقسما إلى أغراض لا تتعدى حدود طبيعته الفكرية المحدودة وبيئته الصحراوية القاسية.

وقد رفض ناصف هذه الأفكار ، ورأى من الضروري إعادة قراءة الموروث قراءة ثانية ، أعاد من خلالها بلورة وعي نقدي جديد وفي هذا يقول : '' وقد صور العقل العربي في العصر الجاهلي تصويرا منفرا ، فقيل إنه عقل مادي قاس رتيب لا يتجاوز المحسوس ولا يعلو على العلاقات القريبة ولا يستطيع أن يحيط بالأشياء من حيث هي كل ، همه محصور في أن يتعلق بجزء من الأجزاء ينكب عليه دون ملل ، ثقافته محدودة ، وتطلعه الفلسفي يسير كل أولائك طرحته وراء ظهري،وأردت أن اكسر الحواجز أو لنقل أردت أن أحب الشعر الذي اقبل عليه''[21] .

فالشعر الجاهلي -حسب ناصف -شعر ذو أبعاد فلسفية ،حمل بين طياته تساؤلات وجودية للإنسان العربي ركز رؤية للعالم مخالفة تماما عما كنا نظن أو نعتقد كقراء وناقدين ، لذلك يؤكد على التنصل من الثوابت الفكرية العالقة بالجانب النقدي والإبداعي ، والى خلخلة تلك القاعدة النقدية الموروثة التي شكلت عبر تاريخها الطويل ، ايدولوجيا السلف المقدسة ، و التي يعد تجاوزها نوعا من '' الكفر المعرفي '' .

ينطلق ناصف من قاعدة منهجية رصينة شكلت أفكار ريتشاردز في'' النقد الجديد '' وأفكار نظرية التلقي والتأويل أهم دعائمها ،وقد شكلت هذه المناهج الغربية مجتمعة في العمل النقدي لمصطفى ناصف أصولا لنظرية مهجنة - إن صح التعبير- حاول هذا الناقد إحكامها انطلاقا من تطويع مبادئ تلك النظريات مع بعضها حتى تستقيم لخدمة النص العربي التراثي ،وهذه العملية حتى وإن بدا فيها نوع من التلفيق، فهي تسمو عن ذلك لأن هذا الناقد كان واعيا لخطواته المنهجية، والقارئ لتاريخ هذه الأفكار يجد إنها عبارة عن شبه امتدادات منهجية ونظرية ، فأصحاب نظرية التلقي تأثروا أيما تأثير بريتشارد التي كانت أفكاره القاعدة الأساسية والمنطلق الأول لمدرسة كونستانس الألمانية فما كان '' إيزر في هذا النقد إلا تلميذا يقرا ريتشاردز ''، و ينطبق هذا أيضا على إنجاردن، باعتباره من أهم رواد نظرية التلقي.

وبهذا شكل ''ريتشاردز'' بأفكاره ونقده الجديد خليفة معرفية ومنهجية انطلق منها ناصف ليشكل أجزاء نظريته, فالحوار كمبدأ أساسي عند ''ريتشاردز'', تجسد عند ناصف مفتاحا إجرائيا هاما من خلاله نستطيع إكتناه خبايا النصوص, فهذا الناقد رفض فكرة ''النظام اللغوي المغلق'' الذي تؤمن به النظرية البنيوية و التي قامت بالفصل بين ثنائية '' اللغة و الكلام'' و رأت بأن المزية الأولى للغة باعتبارها نظاما مغلقا, و من هنا سلبوا أحقية حوار المتلقي مع النص, و تحول النص إلى جزر لغوية معزولة ،لذلك يؤكد ناصف على الحوار باعتباره ''المحرك الجمالي للنص و دلالته, و رفض تلك القسمة الجائرة، و رأى بأن الكلام هو روح اللغة فهو إذا حقيقتها التي لا تنكشف إلا في إطاره و بفعل الحوار الذي يكون بين مستخدمي اللغة متحدثين و سامعين.

فالكلام إذا هو حقيقة اللغة و هو الذي يمنحها موضوعيتها لأنه تجسيد لفعل الحرية التي استلبت مع النظرية البنائية, و التي حاولت إلغاءه و تنميط البعد الجمالي للنصوص اللغوية في إطار مجموع البنيات المغلقة, فاستحالت بذلك العملية الإبداعية إلى عملية شكلية تقوم على رصف البيانات المختلفة و تصنيفها.

فالحوار كدعوة إلى مشروع نقدي جديد يقوم على أساس تأصيل الكلام و إعطائه الفضل للقيام بالعملية الحوارية لأن الكلام ''ليس صورة تالية لصور أخرى سابقة مقررة، الكلام هو الذي يجعل موضوعية اللغة إنسانية متحركة''[22] .

فالحركية التي يبحث عنها ناصف هي حركية حرة في نسق التاريخ تلغي فرضيات الزمن ، و تفتح أبواب العصور على بعضها, لا تقول بفكرة التحدد, و إنما تؤصل للانفتاح، ''إن اللغة لا تتجلى إلا في الحوار و الحوار لا يعني تسلط قانون أو ذات مفردة, لا يفترض الحوار أن اللغة تملكنا. اللغة نشاط يولد من داخل تجاوز الفرد و الشروط معا هذا هو الحوار. لذلك كان نمو اللغة يعكس في جوهره التعالي عما يسمى النزاعات الفردية و القهرية''[23].

لقد عكفت النظرية البنائية على سجن فاعلية النصوص الإبداعية ضمن نظم مغلقة, أحكمت وثاقها جملة من المستويات الدلالية و العروضية والصوتية, فأجهزت على المعنى و دحضته في إطار ذلك السياج النظامي الجائر، لذلك يؤكد ''ناصف'' على الحوار بأنه يحرر اللغة من ربقة ذلك السياج, و يعطيها أحقية التجلي ضمن أفق مختلفة و متنوعة مما يدعم تعدد دلالات النص و احتفاظه بمكانته و إشراقه على مر العصور، فالنص عبارة عن تشكيلة هامة من النصوص الأخرى التي تدعمه و تحضر فيه |إما علانية أو على شكل رموز مبثوثة '' إن الحوار الجدير بالاعتبار يحتاج إلى إعلاء النص لحظات و كأن النص يغري سائر النصوص بالصمت و الاستماع و إفساح الطريق و كل حركة تعتمد على مقاومة نفسها و إعطائها حقا من حقوق السكينة'' [24].

''فرتشاردز' و ''ناصف'' ينطلقان من فكرة أن النص غني غناء لا محدودا بطبقات كثيرة من المعنى,وهي عميقة لا قرار لها, والقارئ هو الذي يقوم بالتنقيب عنها, فلكل قارئ قراءته الخاصة و المختلفة ذلك لأن النص الإبداعي الذي يقرأه عبارة عن زخم نصوصي منصهر في عمل إبداعي واحد, و الحوار هو الوسيلة الوحيدة التي تساعد القارئ على اكتناه المعنى و في هذا يقول ''التأويل قراءة ودود للنص،وتأمل طويل في أعطافه وثرائه،وما يعطيه لقارئ مهموم بثقافة الجيل من بعض النواحي, التأويل مبناه الثقة بالنص و الإيمان بقدراته والانشغال بكيانه الذاتي والغوص المستمر في تداخلات بنياته''[25].

حاور ناصف النصوص الشعرية والنثرية انطلاقا من لعبة الكلمات ،التي جعلها مبدأ أساسا في نقده ،فالحوار الذي ينشده ناصف ريتشاردز لا تتضح معالمه ولا تستقيم إلا من خلال لعبة الخفاء والتجلي للكلمة . فللكلمة قدرة كبيرة على اختزال رؤى الكتاب وتوجهاتهم الفلسفية ، فالكلمة لم تعد ابنة السياق العادي المتمثل في النص ،وإنما أصبحت ابنة السياق الثقافي الذي أنتجها ،لأنها تختزل في بؤرة تكوينها زخما مزاجيا وثقافيا وسياسيا وفكريا ،"معاني الكلمات شركة بين المتحاورين المتقدمين والمحدثين ونستطيع أن نسمي هذا التداخل باسم الحوار،يتحاور الجميع أو يتحدثون أمام نص أو آية أو حديث شريف ،كان التداخل بين النصوص أصليا في بقية النقد العربي ما في ذلك شك "[26] .

ومن هنا فان النصوص تتناسل فيما بينها انطلاقا من وحدة التجربة، فالتجربة عند ناصف لم تعد فردية ، وإنما أصبحت قاسما مشتركا بين أفراد المجتمع ، وبالتالي فهي تتموقع ضمن آلية اللاشعور الجمعي ، وهي بهذا تمارس تأثيرا لا متناهيا على الشعراء والكتاب ، لذلك تأتي نتاجاتهم متشابهة منصهرة فيما بينها، هذا التشابه يقع على جسد التجربة ،لكن هيكلها كما يقول -ريتشاردز- المتمثل في اللغة يختلف بحسب الأساليب و النظم اللغوية التي يتبناها الشاعر،فالطلل والناقة والتغزل بالمرأة وغيرها من الأغراض التي لطالما كررها الشعراء في أشعارهم ، لدرجة أنها أصبحت عرفا فنيا لا تستقيم القصيدة دونه ، قرأها ناصف انطلاقا من آلية الفهم التي سنها ريتشاردز ، والتي تقوم على أساس فهم دلالات النص اللغوية ومضامينه المعنوية وتفكيك رموزه المتشابكة والبحث عنها في خضم صوره البلاغية ورصد مفاهيمه المكررة ، فتوصل ناصف إلى فكرة مفادها أن هذا التكرار ما هو إلا شعيرة يتناقلها الشعراء فيما بينهم كأنها صلاة واحدة يشارك فيها الجميع.

فالأطلال أو ذكر الأماكن والديار هي نوع من الرقي أو التعاويذ التي يطلقها الشاعر اتقاء للشر،كما أن الشاعر لم يكن معنيا بمكان معين أو بواد معين ،بقدر ما كان معنيا بفكرة الأرض ، فالمكان بالنسبة إلى الشاعر يمثل بؤرة انصهار الماضي ، كما أن المكان هو المعادل النفسي الموضوعي لفكرة انتقام الشاعر من العزلة والوحدة التي لطالما عانى منها في صحراء الجزيرة القاحلة ،ومن هنا يتحلل المكان من إطاره الحسي ليتقلب في جو شعوري مفعم بفلسفة وجودية ، تنم عن جملة التساؤلات التي عاشت في ذهن الشاعر الجاهلي الذي "كان حريصا على أن يذكر أسماء الأماكن التي تضم الأطلال .....ولنقل أن الشاعر يبدو كأنه يعوذ الأماكن من الشر . ذكر الأماكن ضرب من الرقي، وإلحاح الشاعر عليها يمكن أن يفهم على انه نوع من توقي فكرة الشر"[27] .

ولقد قرأ ناصف شعر" زهير" و" لبيد" ،ورأى بان قصيدة زهير التي مطلعها "امن أم أوفى دمنة لم تكلم " تشبه إلى حد ما قصيدة "لبيد" التي مطلعها " عفت الديار محلها فمقامها " ورأى بان التشابه لا يقع على جسد التجربة*اللغة* وإنما التشابه يقع في إطار التجربة ذاتها ، ومن هنا تحولت الكلمات عند ناصف إلى مجموعة من الرموز التي تمارس إشعاعا دلاليا لا متناهيا على القصيدتان ، فالوشم لم يعد مجرد كلمة لها معنى ثابت ،وإنما أصبحت هذه الكلمة جزءا من بنية النص الثقافي الضخم –كما يقول الغذامي – وبهذا تجردت القصيدتان من مدلولهما السطحي لتأخذا أبعادا دلالية لا متناهية، فالوشم هو التجدد و البقاء ، والبقاء يناقض فكرة الزوال ويلغيها ،و التجدد ينفي فكرة النسيان ،وانطلاقا من فكرة الخوف المصيري الذي يعانيه الشاعر،وانطلاقا كذلك من خوفه من العزلة والوحدة استطاع أن ينظم دوافعه انطلاقا من تأليفه بين المتناقضات"الخوف ،الأمان" ،"التجدد ،النسيان "،وغيرها من الثنائيات الضدية التي شكلت في فكر الإنسان الجاهلي رؤية فلسفية خاصة .

أما بالنسبة للموروث النثري فقد انتهج الرمزية لقراءته ،فهوت أمامه جل القراءات الأخرى ، وأخذت النصوص النثرية خصوصا الجاحظية أبعادا دلالية ومعنوية أخرى ، حيث انصهر النص النثري مع ناصف في بؤرة التفاعل الثقافي ، وتحول الناثر التراثي إلى ناقد اجتماعي ، وسيلته الكلمة وأداته الأسلوب الساخر ،" فكتاب الحيوان "ما هو إلا كتاب في الحساسية اللغوية و الثقافية الجديدة ، أسسه الجاحظ من منطق رمزي بحت ، وبهذا طغت على هذا النص الوظيفة الرمزية التي تمارس إشعاعا لا متناهيا على دلالات النص و معانيه، وأصبح بهذا كتاب الحيوان نصا مشفرا شاركت في تفعيل معانيه و إخصاب ،دلالاته تلك الثقافات المختلفة التي عاشت مع الثقافة الإسلامية كالفارسية والهندية وغيرها ، هذا التفاعل أدى إلى اختزال تلك الثقافات في إطار موقف ساخر هازئ، لكنه يحمل بين أعطافه مخاوف كاتب حذق يعي خطورة اختلاط الأمة العربية بغيرها من الأمم ، لذلك جاء نثره خادما لمقولة الجدل مؤسسا لفكرة المصالحة ، وهذا يتضح من خلال محاولة الجاحظ في كسب اهتمام قراءه وجعلهم يشاركونه مواقفه وأفكاره من خلال تلك الحكايات الطريفة التي يلقيها بين ثنايا هذا الكتاب وهذه الحكايات ما هي إلا مواقف مشفرة يهدف الجاحظ من خلالها إلى تعرية واقع المجتمع العباسي المتأزم .

وانطلاقا من هذه الفكرة فإن النص يحافظ على حرمته،و يبقى دائما شعلة دلالية غير منطفئة, لا يفرض وصايته على أحد،ولا يقيد قارئه بمعنى محدد.و بذلك يفتح المجال لتعدد القراءات و الفهم.

ويصر ناصف- كما فعل ريتشاردز من قبله- على توفر شروط في القارئالناقد ، لأن النص الشعري أكبر من فعل قراءة عادية, النص الإبداعي عبارة عن أصداء نصوص أخرى تشكلت عبر أزمنة مختلفة ذابت فيما بينها لتكون نصا آخر جديدا يتمتع بنفس الحساسية الفنية التي يتمتع بها غيره من النصوص, لذلك يدعو القارئ إلى أن يكون حاذقا متأملا، لأن التأويل ''فن صعب المراس يستنطق فيه النص من أجل خدمة اتجاهات لهل أهمية في سير الحياة و الفكر،التأويل رؤية للنص من باطنه وهو بذلك يتميز من التناول الخارجي'' [28] .

وهذا لا يعني أن ناصف وقع أيضا في شرك ''النظام اللغوي المغلق'' بعد رفضه بشدة، و إنما يعني أن النص يتسامى عن فعل القراءة السطحية التي لا تقوم بخلخلة أعطافه, فهو يبدي تمنعه أمام إلحاح القارئ لكي يختبر مدى جلادة صبره, يناوئ معرفته و ذلك بالتخفي وراء ستار الغموض, حتى يتيح للقارئ فرصة أكبر في البحث و التنقيب ''و مغزى هذا كله أن القراءة بطبيعتها محاورة النص يحاور غيره من النصوص من قبل ومن بعد،التأويل إذا لا يعبد فرضية النص الضيقة ، التأويل على العكس يبحث عن تفاعلات النصوص و جوانبها المحذوفة، النص خطاب يحرك سائر النصوص ويغريها بأن تتقدم إليه.ولذلك كان تفهم النص, تفهما للخطاب المتبادل بين النصوص''[29].

فالإبداع الفني عبارة عن كينونة لغوية ذات أبعاد جمالية غير منتهية يشارك في كشفها قارئ ناقد متمرس, مبدأه قائم على أساس مساءلة النصوص لا إغراقها بقراءة نسقية أو سياقية تقضي عن جودتها, فالقراءة الحقة في نظر ناصف/ريتشاردز هي قراءة تساهم في كسر حواجز العادة القرائية و تكوين عادات أخرى أكثر موضوعية، تعمل على ربط البوارق القديمة بما هو حديث تقوم على إعادة ترتيب مواقفنا وذلك بإعادة كشف حقائق المتناقضات ومحاولة ربطها بعملية تخيلية ، تساهم في درأ غموضها و تثبيت عناصرها المتناثرة ضمن مجال ذوقي راق يحكمه التفتح كمعيار جمالي، يساهم بدوره في إلغاء الحواجز المادية بين تلك العناصر و هذا ما يسميه ريتشاردز بالتناغم حيث أولاه عناية كبرى: '' فلا تناغم إلا إذا استوعبت و أذنت لاستجابات متنوعة بالنشاط ثم استطعت أن تحرره من التعارض المدمر, سوف تعترف دائما بالتعارض, سوف تلتمس إطار يضم هذه المتعارضات حتى تسلم من التمزق و التعصب''[30].

فالتعارض كنسق فكري ، يقوم بتغذية النص من الجانب الدلالي و يعطيه أحقية التمثل في كل الأحقاب الزمنية بطرق مختلفة،لأن التعارض لا يشكل قيمة سلبية بقدر ما هو إجراء جمالي يساعد على إعطاء النصوص |إشاعات دلالية غير متناهية، لأن القارئ الناقد يفسره انطلاقا من خلفية معرفية مختلفة، و هذا ما يؤدي إلى تعدد القراءة.

لذلك يركز ''ناصف'' على قراءة الإبداع باعتباره ''بنية لغوية'' ، فالعمل الأدبي إبداع في اللغة، فهو نشاط جمالي، يسمو باللغة إلى مرتبة عالية إذ تتحول اللغة من مجرد وسيلة إلى غاية في حد ذاتها ،لأنها تحمل بين طياتها تجربة فنية تساهم في التأثير على القارئ و تعديل مساره النفسي، و بالتالي تساهم هذه التجربة من خلال اللغة في ترتيب دوافع القارئ و تهذيب ميولا ته لأن دورها يرتقي إلى دور الطبيب النفسي ،و في هذا يقول :''و لا ريب من أن الغرض الأخير من ارتياد التحليل النفسي للفن هو توضيح الأفكار الأساسية الكامنة وراء مضمون الظاهر للعمل الفني ، و من ثم نالت الصور في الشعر عناية جمة, فالصور ذات دلالتين اثنين, أحدهما ظاهرة و الثانية خافية قد تؤثر في عقل القارئ منذ القراءة الأولى تأثيرا لا يستطيع أن يتبين مرجعه''[31].

فالتحليل النفسي الذي تناوله ريتشاردز كأساس منهجي في دراسته اللغوية ،يحتضنه ناصف لكن بنوع من التحفظ, لأن هذا التحليل سيغرق العمل الأدبي في جملة العقد و الاضطرابات النفسية،وبالتالي سيلغي فاعلية البعد الجمالي, لذلك نجد ناصف يقول بفكرة ريتشاردز أن للعمل الأدبي أو الإبداعي معنيين أو دلالتين ''ظاهرة و باطنه'' ،و التحليل النفسي هو الذي يساعدنا على كشف تلك المعاني الباطنة من خلال اعتماده على تقنية تحليل الرموز و فك شفراتها, فالرمز شكل عند كليهما مبدأ أساسي لإكتناه معاني النصوص الغائرة، بالإضافة إلى أن الرمز يساعد على إغناء القصيدة بالمعاني المتجددة لأنه كتلة لغوية غامضة و مشفرة، تمارس سلطة الإخفاء و التجلي في النص الإبداعي، لذلك يحاول ناصف تقصيها، و إعطاءها دلالات متنوعة تساهم في الكشف عن معاني النص اللامحدودة. ولا تعني هذه الفكرة - كما سبق وأن قلنا - إغراق النصوص في أبعاد سيكولوجية بحتة، لأن اللغة ذات بعد رمزي ''والدلالة الإستاطيقية للعمل الفني ليس لها معادل سيكولوجي''، لأن مادتها غير موجودة في الواقع و لا في نفس الأديب بل هي ''تنبع من العمل ذاته، و هي تنبع من منطق اللغة لا منطق العواطف'' [32] .

وبهذا يرفض ''ناصف'' -على عكس ريتشاردز-, ذلك الإغراق في الجوانب النفسية للعمل الأدبي، لأن هذا الإغراق سيحرمنا من كشف حقيقة العمل الفني الجمالية وسيعيقنا على إقامة حوار موضوعي خلاق مع ذلك العمل، لكن ناصف احتفظ بفكرة أن للعمل الأدبي دلالتين ''ظاهرة و باطنه'' وأسقط هذه الفكرة على الكلمة ورأى بأن لها وظيفتين ''رمزية و إشهارية'' وقد تناول الكلمة في عدة فصول بالشرح والتحليل ورأى بأن وظيفتها محكومة بالسياق الذي تنتج فيه، فهي ابنة السياق لذلك تختلف وظيفتها نتيجة لاختلاف طبيعة النص، فهي تستخدم كرمز فني و رمز علمي، فهي في العلوم الطبيعية تستخدم كإشارة أو علامة كما هو معروف خصوصا في الرياضيات، و أن الفرق بينهما مرده كما أسلفنا -إلى السياق- فالوظيفة الرمزية في العمل الأدبي تقوم بتحويل الكلمة من عملها الإشاري البسيط إلى عمل إيحائي يساهم في إثراء العمل الأدبي،و يرى ناصف أن الوظيفة الرمزية للكلمة لا يوظفها الكاتب عن قصد،لأنه في أغلب الأحيان في كتاباته يحتكم إلى صوت اللاشعور الذي يقوم بإملاء مجموعة من الكلمات المفتاح التي لا يفهمها حتى الأديب في حد ذاته، هذه الكلمات تتضافر مع السياق لتنتج عملا أدبيا مشبعا بدلالات رمزية تشكل أعطافه.

كما يقوم المنهج اللغوي عند ناصف/ ريتشاردز أساسا على عملية الفهم باعتبارها العمود الفقري للتحليل اللغوي، فبدون الفهم لا نستطيع التعامل مع القصيدة و اكتشاف أبعادها الجمالية و دلالاتها اللامتناهية،و قراءاتها المختلفة حيث يقول '' لقد ترك لنا النقد الجديد انطباعا لا نخطئه هو أن الفهم عمل من أعمال التجاوز ما ينبغي لنا أن نستحي منه, الفهم نتاج عقل قادر. الفهم فعالية هذا هو صوت النقد الجديد'' [33].

فالفهم الذي يقصده ناصف هو الفهم الذي يتحلل من الموقف السطحي البسيط, الفهم الذي يناوش أجزاء القصيدة, و يبحث بين خبايا سطورها و كلماتها عن معاني أخرى غزيرة, الفهم الفعال الذي يريده يفتت تلك الطبقة الكلسية التي غطت النصوص و يحاول الغوص بين أرجائها باحثا عن معاني جديدة, و لا يتم هذا إلا إذا كان القارئ متعاطفا مع ما يقرأ, لأن كراهة النص لا تؤدي إلا إلى سجنه ضمن قراءة رديئة. لذلك يدعو ناصف إلى اعتماد المحبة كمفتاح إجرائي جمالي يساعدنا على الفهم الأفضل للنصوص '' فإذا منح القارئ اعتقادات العمل الفني قدرا أوليا من التعاطف أستطاع أن يفهم مستويات هامة من معناه''[34].

إن المنهج اللغوي عند ناصف قائم على أساس ثلاثة مبادئ تعتبر رئيسية في عمله النقدي و هي ''اللغة, التفسير و التواصل'' هذه المبادئ شكلت إطارا منهجيا أنطلق منه ناصف لتكوين نظريته النقدية, حيث حاول هذا الناقد في مدونته أن يحاور النصوص و يكشف أبعادها الدلالية الغير منتهية كما يهتم باللغة باعتبارها الوسيط الجمالي بين العمل و الجمهور و أكد على أن العمل الأدبي عمل يتسامى عن فكرة السياق و النسق لأنه يحمل أبعادا جمالية يشارك في اكتشافها قارئ/ناقد حاذق و ذلك من خلال عملية الحوار الخلاق .

كما يرفض ناصف بعض المناهج السياقية ،ويتمثل موقفه في الحذر من تطبيقها على التراث ،أنه يرى بأنها غيبت النص تغييبا كليا ،واهتمت بأشياء خارجية لا تمت إلى النص بصلة ،لذلك نجده في نقده حريصا على أن يفصل بين الأدب ونفسية صاحبه ،وبين الأدب و الوسط الاجتماعي ،وبين أدب و النزعة البنائية .لأنه يعي تماما بأن المحاولات النقدية السابقة تطرفت في التخلي عن البعد الجمالي للعمل الأدبي و غاصت في أشياء خارجية، فتحولت الدراسة النقدية من دراسة جمالية إلى عملية جرد ،ودراسة منطقية " والذين يقرؤون العمل الأدبي قراءة الأسباب و نتائجها يروعهم - كما قلنا - مبدأ إعادة فهم النصوص القديمة و الحديثة معا "[35].

فتطبيق المنهج الاجتماعي جعل الدراسات النقدية تدور في مدار مغلق لأن هذا المنهج أخذ على الشعر الجاهلي قصوره في تصوير الحياة الاجتماعية،وصارت هذه الفكرة شعار يتداوله النقاد وكان "أستاذنا المرحوم أحمد أمين يعد هذا التقصير جزءا من جناية الأدب الجاهلي على الأدب العربي وسارت هذه الفكرة سيرتها وعادت إلى الظهور أكثر من مرة وما يزال شعار كثير من الدارسين لآن هو أن الشعر الجاهلي انفصل في كثير من الأحيان عن المجتمع ولم يكن متضامنا معه " [36].

فناصف يرفض هذه الفكرة رفضا مطلقا ويرى بأن الأدب الجاهلي صور البيئة الاجتماعية العربية أحسن تصوير.إن هؤلاء الدارسين-حسبه- لم يستطيعوا التفريق بين القصيدة العمل الأدبي كمفهوم جمالي لغوي،وبين الباعث على قولها،هذا الخلط أدى إلى اتهام الموروث بتقصيره وتحميله قصور المنهج الاجتماعي على إحاطته الشاملة بأجزاء الدراسة، "ومهما يكن فقد أريق مداد كثير عن الصلة بين الأدب العربي والحياة ،وظهر الخلط المنفر بين الباعث على قول القصيدة وطبيعة القصيدة ذاتها،وكثير من القصائد فيما يحدثنا الدارسون يصدر عن علاقات اجتماعية غير سليمة، فكيف يستقيم في رأيهم أن ندخل عليها بقلب سليم ونحن نخلط على هذا النحو بين سيرة الشعراء وش
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تجليات المنهج اللغوي الجمالي عند مصطفى ناصف
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من ملامح التطور اللغوي في العربية -الضميــر- علاء الدين مصطفى البحلوز.
» تحليل لقصيدة ابتسم لايليا أبو ماضي وفق المنهج الأسلوبي
» بنية المنهج النقدي عند طه حسين بين الاتساق الداخلي و العبثية البنائية
» د.مصطفى محمود : العلم والإيمان - أينشتين والنسبية - Einstein Relativity .
» الضعف اللغوي عند الاطفال

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات متيجة :: دراسات ادبية ولغوية :: الدراسات التراثية :: النقد والبلاغة-
انتقل الى: