منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى متيجة هو منتدى ترفيهي علمي بامتياز هنا تجد كل ما تريده من تطبيقات و سريالات و العاب و فتاوة في الشريعة الاسلامية و تفسير القران و كل ما نستطيع توفيره من كتب علمية .ادبية .انسانية. وعلوم شرعية .بحوث الخ. ويوجد منتدى للفيديو يوتوب ونكت ..الخ وحتى الان
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نماذج من التعليل في شرح ابن يعيش للمفصل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نائب المدير
الادارة العامة
الادارة العامة
نائب المدير


عدد المساهمات : 2120
نقاط : 7058
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 06/04/2010

نماذج من التعليل في شرح ابن يعيش للمفصل Empty
مُساهمةموضوع: نماذج من التعليل في شرح ابن يعيش للمفصل   نماذج من التعليل في شرح ابن يعيش للمفصل Emptyالسبت يوليو 10, 2010 8:59 pm

شرح المفصل لابن يعيش موسوعة نحوية ثرية جديرة بالدراسة وحرية والتناول البحثي لأنها مدونة غنية بالحقائق النحوية المتعلقة باللغة العربية وبمستوياتها الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية.إن الموسوعة المذكورة شرح دار حول كتاب [المفصل] للزمخشري من ناحية، و[المفصل] أهم مصدر نحوي بعد [الكتاب] لسيبويه، ولأنه لابن يعيش الحلبي من ناحية ثانية. لقد شرحه في عشرة أجزاء تميزت بمزيد من التدقيق والتحديد والتساؤلات الباحثة المتطلعة إلى الكشف والراغبة في التوضيح والساعية إلى الفهم والإفهام والتعليم والتبسيط والتمكين من آليات الاستعمال الصحيحة اللازمة للعربية بخاصة واللغة البشرية بعامة. إنه طرح علمي بحثي لا يخلو من المهارة والحذق والموسوعية التي تفيد كثيرا في الدرس النحوي العربي وتوجه إلى فوائد لا تحصى.
تتبعنا فيه بالبحث على سبيل الانتقاء التعليلات التي خاض فيها الشارح [ابن يعيش] في المستويات اللغوية الصوتية بوصفها تعليلات صوتية وكذلك ما وجدناه له من افتراض في تأسيسه التعليلي أو مما بناه فيه على الاضطرار الأمر الذي جعلنا نعدها في التسمية التصنيفية: التعليل الصوتي والتعليل الافتراضي والتعليل الاضطراري، وغايتنا في هذا الكشف بأن الرجل أقام تعليله الصوتي على السبب الصوتي وهو التعليل الذي ينصرف فيه التعليل مع ذلك إلى التعليم فيصبح بذلك تعليلا صوتيا تعليميا أو قياسيا بمعنى قد يكون تعليلا صوتيا قياسيا، أو تجريديا أو استعماليا وغيرها. وقد ينصرف التعليل في السياق نفسه إلى التأسيس الافتراضي - كما سلف - وهو الذي يتطلع الشارح من خلاله إلى إخضاع المادة اللغوية للقوانين النحوية ليتمكن من التقعيد والتقنين في اللغة انطلاقا من الافتراض الذي نراه ينسجم أكثر مع الإثراء ولكننا نستحضر بالرغم من ذلك أن الافتراض مرحلة هامة في منهج البحث العلمي بعامة وهذا يعزز منحاه ويقوي السمة العلمية في الطرح العلمي المثار في شرحه أكثر عوض الأوصاف الأخرى التي قد يستحضرها البعض. وأنت تجد مع ذلك نزوعا إلى التعليل الاضطراري أيضا يستله من الضرورات الشعرية مثلا أو مما ليس له بد مما هو بد.
وهكذا جعلنا الدراسة مبنية - في هذا لإطار- على ثلاثة عناصر: العلة الصوتية، والعلة الافتراضية، والعلة الاضطرارية.
1 - العلة الصوتية:
هي ما بيني فيها التعليل على سبب صوتي. ويمكن أن تكون تعليمية أو قياسية أو غيرهما، غير أن الاحتجاج في تفسير الظاهرة اللغوية يتأسس على سبب صوتي كإبدال الهاء من الهمزة والألف من الياء للتخفيف، لذلك يقال: خرقت الماء عوض أرقت الماء، أو كما تقول العامة حرقت الماء. ويقال أيضا: هياك بدل إياك، أو كقلب الألف واوا عند تصغيرك: ضارب فتقول: ضويرب، أو عند جمعها جمع تكسير ضوارب)1). فالعلة صوتية - كما ترى - قلبت الهمزة هاء في (هياك) لأن الهمزة حرف شديد مستقل والهاء حرف مهموس خفيف ومخرجاهما متقاربان، لذلك أبدلت الهاء من الهمزة تخفيفا. وأما قلب الألف في (ضارب) عند تصغيره (واو) فالعلة انضمام ما قبل الألف. وقد حمل جمع التكسير (ضوارب) على التصغير لأنهما من واد واحد من عدة وجوه:
أ - لأن علم التكسير ألف ثالثة ساكنة ثالثة قبلها فتحة (ضُويْرِب ضوَارِب) والألف أخت الياء لأنهن من حروف المد واللين.
ب - ولأن ما بعدها ياء التصغير حرف مكسور، كما أن ما بعد ألف التكسير حرف مكسور. فلما تناسبا من هذه الوجوه حمل التكسير على التصغير(2).
وهكذا لما وجدنا كثرة الاحتجاج مؤسسة على الصوت آثرنا تخصيصه فأدرجناه تحت عنوان: العلة الصوتية، كالإبدال، والإدغام، والقلب... ونقترح لذلك النماذج التالية:
علل الشارح في باب الأفعال المضمومة التي تقرب لاماتها من المخرج الفم؛ فقال في شرح خطبة الكتاب: "يقال مضغ يمضَغ ويمضُغ بالضم والفتح فالضم على الأصل والفتح لمكان حرف الحلق، إلا أن الضم هو الأصل وأجود ههنا لقرب الغين من الفم"(3).
إن اللغة العربية تتوفر على علوم، منها الصرف؛ فهو ميزانها، تدرك به أصول كلام العرب ويتوصل به إلى فقه اشتقاقها. إلا أننا بالرغم من قواعد الصرف وأصولها، وما يطرأ عند سبك القوالب وتشكيل الأوزان، كثيرا ما نجد تغيّرا في عين المضارع وهو تغيّر بقدر ما يوحي بالتنوع الذي لا يصمد أمام قانون الميزان الصرفي فإنه يدلّ على حقيقة أخرى هي اختلاف اللهجات، قال السيوطي في باب فعل: "إن كان لمغالبة فمذهب البصريين أن مضارعه بضم العين مطلقا نحو كاتَبَنِي فكَتبْتُه اكتُبُه (...) وجوز الكسائي (ت 189 هـ) في حلقي العين فتح عين مضارعه كحاله إذا لم يكن لمغالبة (...) نحو فاخرني ففخرته أفخره (...) وشذ الكسر في قولهم: خاصمني فخصمته أخصِمه (بكسر الصاد) ولا يجيز فيه البصريون إلا الضم. وإن كان لغير المغالبة حلقيَّ عين أو لام فقياس مضارعه الفتح وإليه يرجع عند السماع. هذا قول أئمة اللغة، وعند أكثر النحويين لا يتلقى الفتح أو الضم أو الكسر أو لغتان منها أو ثلاثتها إلا من السماع، وربما لزم الضم نحو: يدخُل ويقعُد أو الكسر نحو: يرجِع، أو الضم والفتح، أو جاء بالثلاث"(4). والذي يكشف هنا أن الخلاف معزو إلى اللهجة أنّ قريشا إذا افتتحت عين الفعل الماضي فقالت: زَهَدَ، حَقَدَ. غير أن تميما كسرتها غالبا قائلة: زهِد وحقِد(5)، وإذا ضمت قريش عين المضارع قالت: يفرُغُ فروعا،، إذا بتميم تفتحها فتقول: يَفْرَغُ فرَاغًا.
وعلل الشارح أنّ رفع الفاعل إنما هو بقوته، وأن نصب المفعول إنما هو لضعفه فقال: "اختص الفاعل بالرفع لقوته والمفعول بالنصب لضعفه، وذلك لأن الضمة أقوى من الفتحة لضيق مخرجها ولسعة الفتحة فكلما اتسع مخرج الحرف ضعف(6).
لما كان العربي ينظم في الواقع كلمات الجمل التي ينطق بها، كان يرفع الفاعل، وينصب المفعول، ويجر المضاف إليه دون علم منه لهذه المصطلحات التي وضعها النحاة في شكل قواعد وقوانين تمنع الوقوع في اللحن والخطأ، فكان العربي - اعتمادا على سليقته - إذا سمع كلاما يخالف نظمه ما كان قد ألفه أو رسخ لديه، عرف بحسّه، وأدراك بذوقه أنه استعمال خاطئ من غير أن يعرف لماذا رفع هذا، أو أن هذا يجب أن ينصب. فهي إذن مصطلحات نتجت عن جمع الظواهر اللغوية المتماثلة، وسميت على ضوء ذلك بما عرفت به بعدئذ ووضعت لها حركات معينة توضع عليها أمارات للفاعلية والإضافة والمفعولية، وما ماثلها أو تنزّل منزلتها في القياس، وظلت هذه الحركات حتى اليوم تميّز بين المعاني النحوية وتدل على الوظيفة النحوية للكلمة وهي مؤتلفة مع غيرها، ولولا هذه العلامات لما سهل علينا أن نميّز الفاعل من المفعول، ولا المضاف من المنعوت ولا التعجب من الاستفهام(7) في قولك: [ما أحسنْ زيدْ]؛ فأنت تدرك الوجوه المحتملة التي يفيدها التركيب دلاليا بدون إعراب، لذلك فالحركة الإعرابية كانت موجودة في اللغة. ولم يكن تدخّل النحاة سوى عملٍ حاول تبرير هذه الحركة التي لا نرى بأنها من وضع النحاة(Cool، وضعه هؤلاء وهو يتمثل في شكل ورسم هذه الحركات التي مرت بمراحل من أبي الأسود الدؤلي إلى الخليل بن أحمد.
وقد عدّها بعض الدارسين المعاصرين فونيما(9) ينطق به العربي للدلالة على معنى، ثم يغير هذا الفونيم ليفيد الفونيم الجديد معنى جديدا على أن بعضهم لم يوفق في اعتبارها ناتجة عن التقاء الساكنين، أو أنها اعتمدت لتسهّل ارتباط أواخر الكلمات بعضها ببعض، كما ذهب إلى ذلك قطرب المستنير، ومن تبعه من المعاصرين، كإبراهيم أنيس وقد ردّ على زعمهم كثير من الباحثين(10).
بقي أن فكرة الرفع خُصّ بها الفاعل لكونه قويا والنصب خُصّ به المفعول لكونه ضعيفا؛ فقد سلف عدّه تعليلا تجريديا؛ لأننا لا نرى في المسند إليه والفضلات مما هو خارج عن عنصرى الإسناد ما يجعلنا نقنع بكون هذا ضعيفا والآخر قويا وما شابه ذلك من التعليل.
فإذا كان الشارح يرى ذلك من ناحية أن الضمة أقوى من الفتحة لأن الضمة ذات مخرج أضيق من سعة مخرج الفتحة التي تصير بسعة مخرجها ضعيفة باعتبار أن الصوت كلما اتسع مخرجه كان أكثر ضعفا؛ وهذا صحيح، ولكن على أي أساس يختص الفاعل بالرفع لقوته ويختص المفعول بالنصب لضعفه؟ وهل هو صحيح أن قوة الرفع تنتقل إلى المسند إليه بمجرد ارتباطها به، وأن الأمر كذلك بالنسبة لحركة المفعول؟
إن الضمة بالنسبة للفاعل وفتحة المفعول به وغيرهما من الوظائف النحوية كالحال والاستثناء والجر بالنسبة للمضاف إليه والمجرور هي حركات في اللغة العربية لا علاقة لها بالقوة ولا بالضعف، وإنما هي علامات توجّه إلى معان ترتبط بحالات الرفع والنصب والجر(11).
لقد تماثلت هذه الحالات في الاستعمالات وتعمق رسوخها في أساليب لغة العربي إلى أن صارت ملكة لديه، يعبّر بها عن هذه المعاني النحوية (الفاعلية والإضافة والمفعولية) وما شابهها أو نزل منزلتها بالقياس. ولما قعدت القواعد أو شرع في تقنينها برّر النحويون ذلك واصطلحوا على أشكالها ليس غير. فأين تكمن القيمة فيما أسماه الشارح بالقوة والضعف؟
وذهب الشارح في تعليل دخول الواو والياء المشددتين حركات الإعراب من غير ثقل؛ لذا تقول: هذا عدوّ وهذا كرسيّ ورأيت عدوًّا وكرسيًّا ومررت بعدوٍّ وكرسيٍّ؛ لأن الحرف المشدد يعد بحرفين.الأول منهما ساكن أما الثاني فمتحرك، والواو الأولى من (عدوّ) والياء الأولى من (كرسي) بمنزلة الزاي من (غزو) والباء من (ظبي) في السكون؛ لذلك كان حكمهما واحدا في تعاقب الحركات الإعرابية عليهما(12).
وعلل الشارح لحركة النون في "نَحْنُ" بأنها لالتقاء الساكنين وخصت بالضم لوجوه منها: أن الصيغة للجمع والواو من علامات الجمع نحو: قَامُوا. ونحو: الزّيدُون، والضمة من جنس الواو، فلما وجب تحريكها حركت بأقرب الحركات إلى معنى الجمع، وهذا قول أبي إسحاق الزجاج. ومنها قول أبي العباس المبرد أنها شبهت بـ قبلُ وبعدُ في الغايات وذلك من حيث أنها صلحت لاثنين فصاعدا، كما صلحت قبلُ وبعدُ للشيء وللشيئين فما فوقهما، فصارت غاية كقبل وبعد لهذه العلة. ومنها أن هذا الضمير مرفوع الموضع فحرك بحركة المرفوع، وهو قول أبي الحسن الأخفش الصغير.
وقال قطرب بُنِيَتْ على الضم لأن أصلها نَحُنْ بضم العين، ثم نقلت الضمة إلى اللام التي هي النون (...) وما دعاه إلى مقالته أنه رآهم قد يقفون عليه بنقل الضمة إلى الساكن(13).
الشاهد في قوله إن تحريك نون (نحن) بالضم إنما كان فيها لالتقاء الساكنين أولا. والساكنان هما (الحاء والنون) ولكن ما دامت الصيغة المذكورة خاصة بالجمع فقد وجي تحريكها بحركة من جنس الواو الذي هو من علامات الجمع، وكأن في هذا تلميحا إلى تفرع حركة الضم عن الواو(14). ولكن الأخفش الصغير يرى تحرك النون بالضم في (نحن)(15) لأنه ضمير مرفوع الموضع غير أن ذلك مردود لأنه يمكن أن يقع في موضع نصب ونونه مرفوعة أيضا نحو قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلنَا الذِّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9]
وعلل اعتماد الياء والواو في أول المندوب بأن: المندوب مدعو ولهذا السبب ذكر مع فصول النداء لكنه مدعو على سبيل التفجّع، فأنت تدعوه وإن كنت تعلم أنه لا يستجيب كما تدعو المستغاث به (...) وأكثر ما يقع في كلام النساء لضعف احتمالهن وقلة صبرهن ولما كان مدعوا وهو لا يسمع أتوا في أوله (ياء) أو (وا) لمد الصوت ولما كان يسلك في الندبة والنوح مذهب التطريب زادوا له الألف في الآخر للترنم مثلما صنعوا ذلك في القوافي المطلقة التي خصوها بالألف دون الواو والياء لتمكن المد فيها من الواو والياء(16).
والألف تفتح كل حركة قبلها سواء كانت ضمة أم كسرة لأن ما قبل الألف لا يكون إلا مفتوحا باستثناء أمن اللبس فتقول: وا زيدا وإذا وقفت على الألف ألحقت الهاء في الوقف لخفاء الألف فتقول: وا زيداه ويا عمراه، وإن وصلت النداء بكلام بعده فإنك تسقط الهاء لأن خفاء الألف قد قد زال بالذي اتصل به؛ فتقول: وزيدا وعمراه فأنت ترى أن الهاء قد سقطت من الأول لأنه اتصل بكلام بعده؛ غير أنك ملزم بإثباته في الثاني لأنك وقفت عليه(17). والألف تضاف بعد المندوب توكيدا للندبة، والتوكيد تابع لأن العربي حين يتبع في كلامه ويضع شيئا من ذلك فيه إنما يضعه لحكمة وقصد هو إفادة التقوية أو الإشباع، ومنه اتباع الكلمة على وزنها أو رويّها وفي هذا حكى ابن دريد أنه سأل أبا حاتم السجستاني عن (بَسَنٌ) من قولهم: (حسنٌ بَسَنٌ) فقال لا أدري ما هي. فالفتح قبل الألف للتقوية لازم للمناسبة وهو يستدعي إضافة هاء السّكت، وإن ارتبط المندوب بما لحقه من الكلام تحذف هذه الهاء لخفاء الألف فيما تبعها من الكلام(18).
وعلل الشارح تحريك اسم الفعل "تيد" فقال: وقالوا (تيد زيدا) في معنى (رويد زيدا) اسم لقولك أرود وأمهل، وهو مبني لوقوعه موقع الأمر ولتضمنه معنى لام الأمر. والأصل أن يكون ساكن الآخر لكنه التقى ساكنان الياء والدال ففتحت الدال لالتقاء الساكنين لأن الكسرة ثقيلة بعد الياء على فتحهم (رويد، وأين وكيف والأقرب في هذه اللفظة أنها مأخوذة من التؤدة، فؤها واو، وأبدل منه التاء) ولزم البدل على حد توراة، والعين همزة أبدلت ياء لضرب التخفيف على غير قياس، كما قالوا في قرأت وفي بدأت قريت بديت وفي توضأت توضيت.
ومثلها (هلم) اسم للفعل احْضَرْ وهاتِ الشيء أي أُعْطِنِِيهِ اسم لأُعْطِنِي ونَاوِلْنِي مبني لوقوعه موقع الأمر كسر لالتقاء الساكنين الألف والتاء(19). قال سيبويه: رُوَيْدَ زيدا، فإنما هو اسم لقولك: أرَوِدْ زيدًا. وقال: "تقول رويدَ زيدًا وإنما أرْوِدْ زيدًا"(20). وقال ابن هشام: "رُوَيْدَهُ وتيدَهُ بمعنى أَمْهِلْ"(21) وقيل: تيدَ من التؤدة فأبدلت الهمزة ياء(22). أمّا (هلمَّ) بفتح الميم؛ فإنها بمعنى تعالَ أو أقبلْ، وهي عند بني تميم "بمنزلة رُدَّ ورُدَّا ورُدِّي وآرْدُدْنَ كما تقول: هَلُُمَّ وهلُمَّا وهَلُمِّي وهَلْممْنَ، والهاء فضلٌ إنما هي التي للتنبيه"(23)، غير أنها اسم فعل للأمر عند الحجازيين تلزم صورة واحدة والاثنين والجمع والذكر والأنثى ولما كانت بمنزلة الفعل المضاعف المتصرف عند التميميين فإنه "لا يجوز أن تُقدّم مفعولات هذه الأسماء من أجل أنّ ما لا ينصرف لا يتصرف عمله"(24).
ويرى الخليل في "هلم"، "أن (هاء) التنبيه ركب معها (لُمﱠ) فعل أمر من قولك: لمَّ اللهُ شَعْثَه أي جمع، أي أجمعْ نفسَك إلينا في اللازم واجمعْ غيرَكَ في المتعدي ولما غير معناها عند التركيب لأنه صار بمعنى أقبلْ وأحضرْ بعدما كان بمعنى أجمعْ. صار كسائر أسماء الأفعال المنقولة عن أصولها، فلم يتصرف فيه أهل الحجاز مع أن أصله التصرف ولم يقولوا فيه آلمِمْ كما هو القياس في أردد وامدد (...) أما الكوفيين فرآوا أصله (هَلَا أُمَّ) كلمة استعجال فغُيِّر إلى "هلْ" لتخفيف التركيب ونقل ضمة الهمزة إلى اللام وحذفت كما هو القياس"(25). أما علة بنائه فلأنها أسماء لأفعال تتضمن معانيها وبالتالي نابت منابها ولم تتأثر مثلها(26)، غير أن الأصل في بناء رويد وتيد السكون، بيد أنه التقى في الآخر ستكنان الياء والدال ففتحت الدال لالتقاء الساكنين، ولم تكسر لأن الكسرة ثقيلة بعد الياء على فتحهم أينَ وكيفَ.
وذهب ابن يعيش إلى أن النون في (ضَرَبَنِي) ليست من الضمير وإنما جيء بها لتقي الفعل من الكسر. وما يدل على زيادتها أنك قد تحذفها من (أنِّي) و(إِنِّي) قال الله تعالى: (قال لا تخافا إنَّنِي مَعَكُمَا أسْمَعُ وَأَرَى) [طه: 46] فأتى بنون الوقاية على الأصل (وقال إني أتا الله) فحذف نون الوقاية والدليل على المحذوف منها نون الوقاية أنها قد حذفت من أختيها. قالوا: لعلِّي وليتي. قال الله تعالى: (لَعَلِّي أطلعُ إلى إلهِ مُوسَى) [القصص: 38] وقال شاعر:
كمنيةِ جابرٍ إذْ قالَ ليْتِي *** أُصَالِحُهُ وأفْقِدُ بعضَ مَالِي
فالمحذوف إذن، هو نون الوقاية، غير أنهم اختلفوا في علة حذف هذه النون. يراها سيبويه حذفت لكثرة الاستعمال واجتماع النونات في التضعيف قال: "هذه الحروف اجتمع فيها أنها كثيرة في كلامهم وأنهم يستثقلون في كلامهم التضعيف فلما كثر استعمالهم إياها مع تضعيف الحروف حذفوا التي تلي الياء"(27).
أما إن كان حذف نون الوقاية لثقل التضعيف واجتماع النونات فلماذا حذفوها في (لَعَلِّي ولَيْتِي) وهي التي لم يجتمع في آخرها نونات؟ لقد علل ابن يعيش هذا فرأى بأن (لعل) فإنها وإن لم يكن في آخرها نون وقاية فإن في آخرها لاما مضاعفة واللام قريبة من النون لذلك تدغم فيها قال الله تعالى: (وإنْ تَكُ حَسَنَةٌ يُضَاعِفْهَا ويُؤْتِ مِنْ لدنِِّهِ أَجْرًا عَظَيمًا) [النساء: 40] وكذا: [الكهف: 2]: ولا يدغم في النون غير اللام.
غير أن (ليتي) لم تكن في آخرها نون ولا ما يضارع النون أو يقرب منها فيلزمها النون. وهم قالوا (ليتني). وقد قلّ في كلامهم (ليتي) وكان من قبيل الضرورة ولما كانت (ليت) شبيهة بالفعل لزمتها نون الوقاية كالفعل لعلة هذه المشابهة فأخذت ليت في هذه المسألة حكم الفعل من ناحية لزومه نون الوقاية.
ومن حيث هي حروف يجوز إسقاط النون منها لأن الحروف على نوعين في ذلك: نوع يأتي بالنون والياء ونوع يأتي بالياء وحدها فالأولى تلزمها النون مثل (مِنِّي وعَنِّي). والثانية لا تلزمها ولا تتصل بها لأنها حروف لا يُكرَهُ فيها الكسر مثل: ( لِي، بِي)؛ لكنه كره في الأفعال(28).
إن نون الوقاية نونٌ حرفٌ يضاف بين آخر الفعل أو اسم الفعل وبعض الأحرف وبين ياء المتكلم اللاحقة بها لتقي آخر الفعل من الكسر الذي تفرضه ياء المتكلم على أواخر ما ذكرناه.
ولا يؤتى بنون الوقاية إذا أضيفت الأسماء إلى ياء المتكلم لأن الاسم لا يصان عن الكسر؛ فهي مع الأفعال مثل (علمني، علمتني، يعلمني)، وهي مع الأحرف المشبهة تثبت مع ليت كثيرا ومع لعل قليلا قال تعالى: (يَا ليْتَنِي كُنْتُ مَعَهُم فأفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا) [النساء: 73] وقوله تعالى: (لعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ) [غافر: 36] وندر حذفها مع ليت. أما مع الحروف (إنّ، أنّ، لكنّ) فعلى الخيار بين إثباتها وحذفها.
وذهب الشارح إلى "أنهم استطالوا الاسم الموصول بصلته ولاستطالتهم إياه تجرأوا على تخفيفه من غير جهة واحدة فتارة حذفوا الياء منها واجتزأوا بالكسرة منها وقالوا: اللَّذِ، وتارة يحذفون الياء والكسرة معا لأنه أبلغ في التخفيف فإذا غالوا في التحقيق، حذفوا (الذي) نفسها واقتصروا على الألف واللام في أولها وأقاموا مقام (الذي) ونووا ذلك فيها، ولم يكن إدخالها على نفس الجملة لأنها من خصائص السماء، فحوّلوا لفظ الفعل إلى لفظ اسم الفاعل وأدخلوا عليه اللام وهم يريدون الذي (...) وقد فعلوا في المؤنث مثل ذلك فقالوا: اللَّتِ بكسر التاء واللتْ بسكونها كما كان في المذكر. وقالوا: الضاربة هند والمراد التي ضربته، فحذفوا التي واجتزأوا بالألف واللام، وحولوا لفظ الفعل إلى اسم الفاعل مبالغة في التخفيف (...) وقد حذفوا النون أيضا تخفيفا من مثناه وجموعه فقالوا جاء في اللذا قاما والذي قاموا والمراد اللذان والذين فحذفوا النون تخفيفا لطول الاسم بالصلة(29).
الظاهر في قول الشارح أن العرب لما أحسوا طول الاسم الموصول عمدوا إلى تخفيفه بطرق مختلفة كالحذف لعلة صوتية، فحذفوا الياء وأبقوا ما يدل عليها (اللذِ) بكسر الذال. وحذفوا أيضا الياء مع الكسرة لأنه أبلغ في التخفيف (اللذْ) بسكون الذال، ولما غالوا في التخفيف حذفوا (الذي) ذاتها واقتصروا على (أل) مكانها فأقاموها عوضها، ونووها في قصدهم نحو: (الضَّاربةُ زيدٍ) قاصدين التي ضربتْ زيدًا(30). وقال الشارح: "وقد أمالوا الألف لألف ممالة قبلها فقالوا: رأيت عمادا (...) وحسبت حسابا وكتبت كتابا. وأجروا الألف الممالة مجرى الياء لقربها منها فجنحوا بالألف الأخيرة نحو الياء قبلها نحو الكسرة كما فعلوا ذلك فيما قبلها من اللف والفتحة من ذلك تناسب الأصوات وتقارب أجراسها فاعرفه(31).
الظاهر أن الإمالة كسر؛ لما فيها من ميل إلى الخفض، وهي تقريب حرف إلى آخر "كذلك يقرب الحرف، وهي تقريب حرف إلى آخر "كذلك يقرب الحرف إلى الحرف على قدر ذلك(32) أي على قدر التقريب في الإدغام ما بين الصاد والزاي حين نقول: يصدر. ويحدث هذا التقريب كذلك بين الألف والياء: فالألف قد تشبه الياء فأرادوا أن يقربوها منها(33) لذلك قال الشارح أن تَنْحُوَ بالألف إلى الياء لقربها منها وأن تَنحو بالفتحة قبلها بالفتحة قبلها الكسرة لتحقيق المجانسة بين الأصوات وتقريب بعضها من يعض لتصير من نمط واحد، والسبب أنك إذا قلت: عماد وحساب "وكان ما بين أول حرف من الكلمة وبين الألف حرف متحرك، والأول مكسور نحو (عماد) أملت الألف لأنه لا يتفاوت بينهما حرف" لأن في نطق الفتحة والألف استعلاء يعقبه انحدار ينجر عنه اختلاف صوتي مستصعب، غير أنك إذا أملت الألف قربت من الياء وامتزج بالفتحة شيء من الكسر فينتج عنه تقارب وبتحقيق الانسجام الصوتي، وهو الغرض الذي قصده الشارح.
2 - العلة الافتراضية:
هي ما يبني فيها الشارح احتجاجه على تأسيس افتراضي يخضع فيه مادته للقوانين النحوية بغرض التقعيد للغة أو بهدف إثرائها. أخذه ابن يعيش من القدماء كسيبويه الذي قال فيه: "وإذا سميت الرجل بألبب فهو غير مصروف والمعنى عليه لأنه من اللب، ولو لم يكن المعنى هذا؛ لكان فعلل والعرب تقول: (قد عملت ذاك بنات ألببه)، يعنون لبه. ومنه (تنصب) بترك صرفه لأنه يشبه الفعل. والتاء زائدة؛ لأنه ليس في الكلام شيء على أربعة أحرف ليس أوله زائدة يكون على هذا البناء لأنه ليس في الكلام فعلل. ومنها أيضا ترتب وترتب، وقد يقال: ترتب فلا يصرف. ومن قال: ترتب صرف؛ لأنه وإن كان أوله زائدا فقد هرج عن شبه الأفعال ثم يقول: "ومنه إذا سميت رجلا باضرب أو اقتل أو اذهب لم تصرفه، وقطعت الألفات حتى يصير بمنزلة الأسماء؛ لأنك قد غيرتها عن تلك الحال"(34) إلى أن يقول: فترفعها، وتنصبها، وتقطع ألفها؛ لأن الأسماء لا تكون بألف وصل(35). وأنت ترى التقعيد والإثراء مقصودين بوضوح في هذا التعليل وهذا يبين كما مر- أن ابن يعيش قد نحا نحو سابقيه، واعتمد آراءهم، واتبع طرقهم في الإثراء و التقعيد اللغويين؛ ومحصلة ما أراده أن ما اجتمعت فيه العلمية ووزن الفعل منع من الصرف وهو الذي يسمى بالافتراض ترتب.
أخذ النحاة هذه الطريقة من افتراضات الفقهاء، فمثلا لو طار أحدهم من المدينة بعد المغرب ووصل إلى الأندلس قبلها أيعيد الصلاة؟(36) كان ذلك مجرد افتراض للإجابة عن كل الاحتمالات فصار حقيقة بالوسائل العصرية. أما افتراض التسمية لدى النحاة، فما يمنع امرأة تحب الإنجاب أن تسمى أحد أبنائها مثنى أو ثلاث أو رباع سواء قصدت اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أم قصدت مجرد العدد كقوله تعالى: (فأَنْكِحُوا مَا طَابَ لكم مِنَ النِّساءِ مَثْنَى وثلاثَ ورُبَاعَ) [النساء: 3]. ومن هذا افترض الشارح في تعليله فقال: فإن سمي رجل مثنى وثلاث ورباع ونظائرها انصرف في المعرفة فتقول فيه: هذا مثنى وثلاث ورباع بالتنوين؛ لأن الصفة قد زالت بالتسمية؛ ولأن العدل قد زال لزوال معنى العدد بالتسمية كذلك، فحدث فيها بسبب آخر غيرهما وهو التعريف، فانصرف لأنه بقي على سبب واحد، فإن نكّرته بعد التسمية لا ينصرف؛ لأنه أشبَهَ حالَهُ قبل النقل بالقياس على قول سيبويه، ولكنه ينصرف على قياس قول أبي الحسن؛ لأنه يخلو عنده من سبب البتة، وورد عن ابن كيسان قال: قال أهل الكوفة مثنى و موحد بمنزلة عمر، فهو معرفة إن سميت به رجلا لم ينصرف كما لم ينصرف عمر، اسم رجل(37).
إذا كان افتراض الشارح يظهر غير عملي لأنه لا أثر لتسمية في الواقع الاجتماعي بمثنى وثلاث ورباع، فإنه تقعيد للعربية وإثراء لها – كما مر- بل ونجد من الناس من سمى (سباع) ثم نسب وقال: "السباع". أو سمى (رباع) وقال (رباعي) ثم زاد (ال) قائلا: الرباعي نسبه إلى الربيع.
وقال الشارح في باب تاء التأنيث الساكنة: "والشيء كلما شاع وعم فالتذكير أولى به من التأنيث ألا ترى أن شيئا مذكرة، وهو أعم الأشياء وأشيعها، ولذلك قال سيبويه: لو سميت امرأة بنعم وبئس لم نصرفها؛ لأن الأفعال كلها مذكر لا يصح تأنيثها وأيضا لو كان المراد تأنيث الفعل دون فاعله لجاز قامت زيد(38).
وظاهر قول الشارح يعكس طرحا غير عملي، ويقدم افتراضا يقل في واقع الاستعمال اللغوي فإذا جاز أن نسمي امرأة بنعم أو بئس ورجلا بأن أو ليت فلأنه يوجه إلى قاعدة أو قانون باللغة المدروسة، ونحن قبلنا التسمية على سبيل الافتراض لتحقيق غاية تعليمية. وأما التسمية في الواقع الاجتماعي فنادرة الاعتماد بل لا وجود لها. ولقد جاء الكثير(39) من هذا عند سيبويه منها: "إذا سميت رجلا بمجوس لم تصرفه كما لا تصرفه إذا سميته بعمان" أن (مجوس وعمان) اسمان لمؤنث هي القبيلة، غلب عليهما التأنيث مع العلمية، فمنعا من الصرف. ألا ترى بأن الافتراض المذكور أراد تبيين القاعدة السابقة لا غير؟ وهل تجد غير؟ وهل تجد غير ذلك عنده والخليل حين سأله قائلا: "سألت الخليل عن رجل سميته أنﱡ فقال هذا أن لا أكسره وأن غير إن، إن كالفعل وأن كالاسم، ألا ترى أنك تقول: علمت أنك منطلق. فمعناه علمتُ انطلاقك"(40).
3 - العلة الاضطرارية:
قصدنا بها الاحتجاج الذي بني على التعليل الاضطراري مثل صرف ما لا ينصرف للضرورة الشعرية، أو كالعلة التي اضطر إليها الشارح اضطرارا لما اعتبر المجرور بالباء مثلا في (أحسن بزيد) هو الفاعل لأنه لا فعل إلا بفاعل، وليس فيها ههنا ما يصلح أن يكون فاعلا إلا المجرور بالباء؛ لأنه في الذي حسن(41). وقد اخترنا في هذا المعنى النماذج التالية:
علل الشارح للممنوع من الصرف، فلم يجوز صرفه إلا في الضرورة الشعرية، فقال: إذا اجتمع في الاسم سببان من الأسباب التسعة(42) امتنع من الصرف، ولم يجز صرفه إلا في ضرورة الشعر التي تبيح كثيرا مما يحظره النثر، إذ يجوز صرف مالا ينصرف في الشعر؛ لإتمام القافية، وإقامة وزنها بزيادة التنوين، وهو من أحسن الضرورات لأنه رد إلى الأصل، فلا خلاف في ذلك إلا ما كان في آخره ألف التأنيث المقصورة فلا يجوز صرفه للضرورة لأنه لا ينتفع بصرفه لكونه لا يسد ثلمة في البيت من العشر، فإذا نونت مثل حبلى وسكرى فقلت: حبلى وسكرى فتحذف ألف التأنيث لسكونها وسكون التنوين، وحذفت الألف، فلم يحدث سوى كسر قياس ولم تتحقق فائدة(43).
إن الضرورة التي أشار إليها الشارح مباحة للشاعر ليحافظ بها على وزن الشعر، وذلك بإجراء تعديل في اللفظ أجيز للشاعر لا الناثر، وهي ضرورات شعرية جمعت في البيتين التاليين المنسوبين للزمخشري(44): (بسيط)
ضرورةُ الشِّعرِ عشرٌ عدُّ جُملتِها *** قطع ووصـل وتقيـف وتشديد
مد وقصر إسكان وتحركـــة *** ومنع صرف وصرف ثم تعديـل
وهذه الضرورات ثلاثة أنواع أو ثلاث مراتب:
أ - ضرورة مقبولة كقصر الممدود.
ب - ومعتدلة كمد المقصور.
ج - وقبيحة كترخيم المنادى الزائد على ثلاثة أحرف(45).
إلا أن هذه الضرورات تظل مستقبحة تذهب بزين الكلام؛ فقد قال أوب هلال العسكري (ت 395 هـ) في فضيلة الشعر مخاطبا من رام صناعة الكلام: "ينبغي أن تجتنب ارتكاب الضرورات وإن جاء فيها رخصة من أهل العربية فإنها قبيحة تشين الكلام وتذهب بمائة (...) وإنما استعملها القدماء في أشعارهم لعدم علمهم بقباحتها ولأن بعضهم كان صاحب بداية والبداية مزلة"(46).
وقال الشارح: إذا نون اسم غير منصرف للضرورة فإنه يجر لأنه يرد إلى أصله، فيحرك بالحركات الثلاث التي تنبغي له، نحو قول النابغة الذبياني: (طويل)
إذا ما غزا بالجيش حنق فوقهم *** عصائب(47) طير تهتدي بعصائب(48)
فقد خفض الشاعر (عصائب) لأنه ردها إلى أصلها، وهي ضرورة شعرية يمكن تصنيفها بالضرورة المقبولة، حيث صرف الشاعر ممنوعا من الصرف (عصائب) بردها إلى أصلها فقبلت الجر بحرف الجر. وقد ذكر ابن السراج أن أصل الأسماء كلها الصرف وذلك قولهم في الشعر: مررت بأحمر ورأيت أحمرا ومررت بمساجد يا فتى، كما قال النابغة: (كامل)(49)
فلتأتينك قصائد وليركبن *** جيش إليك قوادم الأكوار
وأورد الشارح أن السبب الواحد لا يمنع الصرف في حال الاختيار والسعة، وإن كان الكوفيون والأخفش ومعهم جماعة من المتأخر البصريين كأبي علي وابن البرهان قد جوزوا ذلك، فإن غيرهما قد ترك صرف ما ينصرف ورفض جواز صرفه، أباه سيبويه وأكثر البصريين، وأنكره أبو العباس المبرد الذي قال: ليس لمنع الصرف أصل يرد إليه. وقد أنشد من أجاز ذلك في قول عباس مرداس السلمي (متقارب):
فما كان حصن ولا حابس *** يفوقان مرداس في مجمع(50)
فلم يصرف (مرداس) وهو أبوه، وقد قال في ذلك ذو الأصبع العدواني (هزج):
وممن ولدوا عامر (م) *** ذو الطول وذو العرض(51)
فلم يصرف (عامر). كما أنشدوا (مجزؤ الوافر):
وَمُُُُصعب حين جد الأمر *** أكبـــرها وأطيبــه
إلا أن أبا العباس تأولها ورواها بشيء على غيرها ما رووه ذاكرا الرواية الصحيحة عنده (يفوقان شيخي في مجمع) وشيخه هو مرداس، إذ جعله قبيلة لتقديمه وكثرة اتساعه.
وأما (عامر ذو الطول) فأبو القبيلة، يجوز أنه جعله القبيلة نفسها؛ فلم يصرفه، ثم رد الكلام في الصفة إلى اللفظ، وفي ذلك يقول الله تعالى (ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود)(52).
فقد صرف الأول؛ لأنه جعله أبا القبيلة، ومنعه ثانيا؛ لأنه جعله نفس القبيلة. قال سيبويه "أما ما يضاف إلى الآباء والأمهات فنحو قولك: هذه بنو تميم وهذه بنو سلول (...) فإذا قلت: هذه تميم وهذه أسد وهذه سلول؛ فإنما تريد ذلك المعنى، غير أنك إذا حذفت حذفت المضاف تخفيفا (...) فلما حذفت المضاف وقع على المضاف إليه ما يقع على المضاف لأنه صار في مكانه، فجرى مجراه "ثم قال: "وصرفت تميما وأسدا لأنك لم تجعل واحدا منهما اسما لقبيلة فصارا في الانصراف على حالهما قبل أن تحذف المضاف إلى أن قال: وإن شئت جعلت تميما وأسدا اسم قبيلة في الموضعين جميعا فلم تصرفه"(53).
وأما (مصعب) فإن الرواية الصحيحة: وأنتم حين جدا الأمر، فإذا صحت الرواية حملت على إرادة القبيلة. ويقيس ابن السراج - فيما مر- حذف التنوين الذي يراه زيادة للضرورة على حذف ما هو من نفس الحرف، فعنده إذا جاز حذف ما هو من نفس الكلمة كان ذف التنوين الذي رآه أولى لقول العجير السلولي (طويل)(54).
فبيناه يشرى رحلة قال قائل *** لمن جمل رخو الملاط نجيب
(فبيناه) إنما هو فبينا هو. إلا أن التنوين ليس زيادة للضرورة؛ لأنه حرف دخل لمعنى، فإذا حذف أخل بالمعنى المقصود، وليس كذلك ما هو في نفس الكلمة كاجتماع التنوين مع ياء المنقوص في قاض ومع المقصور في عصا فاقتضت الحال حذف أحدهما فحذف لام الكلمة، وبقي التنوين؛ لأن حذف التنوين ربما أوقع لبسا كذلك حذف الواو من قوله (فبيناه يشرى رحلة)(55).
لقد تركوا صرف (مرداس) وهو - كما ترى - اسم منصرف، وهو خطأ؛ لأنه لا يقاس عليه؛ لذلك نجد ابن السراج يذكر الرواية الصحيحة له "يفوقان شيخان في مجمع"(56) وللقارئ أن يرجع لقصة قول الشاعر هذا البيت مع غيره بين يدي الرسول (ص)، ولكنا نوجزها:
فقد روى أن النبي (ص) أعطى المؤلفة قلوبهم في غزوة حنين، أعطى أبا سفيان بن حرب مائة من الإبل وصفوان بن أمية والعباس بن مرداس دون المائة، فقام بين يدي الرسول (ص) وقال (متقارب):
أتجعـل نـهبـي ونهــب *** العبيـد بن عيينة والأقرع
وما كان بدر ولا حـــابس *** يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دﹸون امرئ منهما *** ومن تضع اليوم لا ترفـع
فأتم له الرسول (ص) مائة. ولقد قال ابن السراج: "والرواية الصحيحة يفوقان شيخي في مجمع"(57) وشيخه أبوه، ثم يذكر لما رواه لذي الإصبع العدواني بأن عامر اسم قبيلة ولكن الشاعر لما قال: "ذو الطول" رده بنسب الضرورة إلى "الحي" وليس الطول على الأصل في إيراد القبيلة، وهو الذي ذكره المبرد حيث قال: إن الشاعر يكون قد حمل الصفة على اللفظ؛ لأن ذلك مما ورد في القرآن الكريم (ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعدا لثمود)(58)، لأنه جعله اسما للقبيلة فحمله على المعنى(59)، وهو ما قيل فيه: "لا يجوز أن يقال: إنما لم يصرفه؛ لأنه ذهب به إلى القبيلة فترك حرفه؛ لأنه جعله اسما لها حملا على المعنى، فلو كانت قبيلة لقال: ذات الطول، وذو العرض بأنه محمول على اللفظ من عامر(60).
أما إنشاد (مصعب حين جد الأمر) فمصعب: مرفوع بلا تنوين لمنعه من الصرف بالرغم من توفره على علة واحدة عي العلمية، فدل على أن الأصل فيه الصرف. ويعلق على هذا الأستاذ المحقق الشيخ محمد عبد الحميد بقوله: كذلك تصرف هذا الاسم بقول عبيد الله بن قيس الرقيات (خفيف):
إنما مصعب شهاب من الله *** تجلت عم وجهه الظلماء(61)
وأما (بيناه)، فيرى ابن جني "تشبيها للضمير المنفصل بالضمير المتصل(62) وقال الأستاذ المحقق محمد محي الذين عبد الحميد: "وأما بينا هو فإن أصل الكلمة بضم الهاء وفتح الواو، ويختلف العلماء في حذفها، هل حذفت وهي متحركة مفتوحة أو سكنت أولا ثم حذفت وهي ساكنة؟ والأقرب أن الشاعر سكن الواو للضرورة ثم حذفها لضرورة الواو بعد الإسكان على غرار حذف الياء من "هي" لضرورة ثانية تشبيعا لها بعد سكونها بالياء اللاحقة في ضمير الغائب إذا سكن ما قبله والياء والوا اللاحقة له من هذا الحال نحو: عليه، لديه، ومنه، وعنه(63) قال سيبويه(64) في باب يحتمل الشعر: وحذف مالا يحذف يشبهونه بما قد حذف واستعمل محذوفا (سريع):
هل تعرف الدار على تبراكا *** دار لسعدى إذه من هواك
فالشاعر أراد إذ هي.
وذهب ابن يعيش إلى أنه قد يفصل بين المضاف والمضاف إليه - بالظرف - للضرورة الشعرية كقول الشاعر عمر بن قميئة صاحب امرئ القيس خرج معه لقيصر الروم (سريع):
لما رأت ساتيدما استعبرت *** لله در اليوم من لامها(65)
فساتيدما، جبل قيل: لا يمر عليه يوم لا يسفك فيه دم، فسمي ساتيدما، ويصف امرأة مرت بهذا الجبل فذكرت بلادها لقربه منها فبكت فقال: لله در اليوم من لامها على بكائها وشوقها.
فأنت تلاحظ أن (من) من البيت السابق في موضع خفض بإضافة (در) إليه واليوم نصب على الظرف، وقد فصل به بينهما والتقدير: لله در من لامها اليوم، فلا يجوز جر اليوم بالإضافة على سبيل الاتساع في الظرف وجعله مفعولا به لأنه إذا خفض اليوم بالإضافة تصبح (من) مفتقرة للعامل فيها.
وهكذا يمكننا القول بأن التعليل أصل من أصول البحث النحوي لدى النحاة كلهم(66) اتصل بالتعليل الكلامي والفقهي ثم تأثر بالتعليل الأرسطي إلى أن صار يقصد قصدا في القرن الرابع وما تلاه. ولقد كان تعليل ابن يعيش استمرارا لمنهج البصريين في هذا؛ لذلك يبعد تحفظنا في ربط صلته بعلم الكلام؛ لأن معظم نحاة البصرة كانوا من الكلاميين. وكان تعليله متنوعا فجاءت العلة في احتجاجه مؤسسة على القياس والتجريد والصوت والافتراض والاضطرار، والغاية من ذلك كله التعليم، وعليه اعتبرنا تعليله تعليميا، لأن الشرح لا يخرج عن هذا الغرض، ولكننا أضفنا الأنواع المذكورة بحسب ما ذكرناه لنشير إلى علة التأسيس في المادة اللغوية التي تنوعت، فلما كان التأسيس قياسا، أو جدلا، أو ذا صلة بالصوت، أو الافتراض، أو الاضطرار، قلنا بالعلة القياسية والجدلية والصوتية والافتراضية والاضطرارية. وهي أنواع لا نراها تجانب العلة التعليمية. لقد كان التعليل في سياق الشرح والتحليل يعتمد على الشاهد من القرآن الكريم والحديث الشريف(67) وأقاويل العرب النثرية والشعرية مفعما بآراء سابقيه مما جعل شرحه بحق موسوعة عظيمة الفائدة، قيمة المعلومات، سهلة الشرح شفافة التوضيح، مذكية معلمة، منشطة منبهة معمقة مدققة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نماذج من التعليل في شرح ابن يعيش للمفصل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات متيجة :: دراسات ادبية ولغوية :: الدراسات الحديثة :: علم الصوتيات-
انتقل الى: