منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى متيجة هو منتدى ترفيهي علمي بامتياز هنا تجد كل ما تريده من تطبيقات و سريالات و العاب و فتاوة في الشريعة الاسلامية و تفسير القران و كل ما نستطيع توفيره من كتب علمية .ادبية .انسانية. وعلوم شرعية .بحوث الخ. ويوجد منتدى للفيديو يوتوب ونكت ..الخ وحتى الان
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 هداية الحيارى ج3

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نائب المدير
الادارة العامة
الادارة العامة
نائب المدير


عدد المساهمات : 2120
نقاط : 7058
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 06/04/2010

هداية الحيارى ج3 Empty
مُساهمةموضوع: رد: هداية الحيارى ج3   هداية الحيارى ج3 Emptyالخميس يوليو 15, 2010 11:47 pm

الرسالة الكاملة لهداية النصارى .في هذا الرابط

http://www.saaid.net/book/1/254.zip?id=708
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نائب المدير
الادارة العامة
الادارة العامة
نائب المدير


عدد المساهمات : 2120
نقاط : 7058
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 06/04/2010

هداية الحيارى ج3 Empty
مُساهمةموضوع: هداية الحيارى ج3   هداية الحيارى ج3 Emptyالخميس يوليو 15, 2010 11:44 pm

إسلام النجاشي ملك نصارى الحبشة
ولما عرف النجاشي ملك الحبشة أن عباد الصليب لا يخرجون عن عبادة الصليب إلى عبادة الله وحده أسلم سراً ، وكان يكتم إسلامه بينهم هو وأهل بيته ولا يمكنه مجاهرتهم ، ذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليه عمرو بن أمية الضمري رضي الله عنه مكانه يدعوه إلى الإسلام ، فقال له عمرو : يا أصحمة ! على القول وعليك الاستماع : إنك كأنك في الرقة علينا منا وكأنا في الثقة بك منك لأنا لم نظن بك خيراً قط إلا نلناه ، ولم نخفك على شئ قط إلى أمناه ، وقد أخذنا الحجة عليك من فيك ، الإنجيل بيننا وبينك شاهد لا يرد ، وقاض لا يجور ، وفي ذلك موقع الحز وإصابة المفصل، وإلا فأنت في هذا النبي الأمي كاليهود في عيسى ابن مريم ، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم رسله إلى الناس فرجاك لما لم يرجهم له، وأمنك على ما خافهم عليه لخير سالف وأجر منتظر.
فقال النجاشي : أشهد بالله أنه لنبي الأمي الذي ينتظره أهل الكتاب ، وأن بشارة زكريا براكب الحمار كبشارة أشعياء براكب الجمل ، وأن العيان ليس بأشفى من الخبر.
قال الواقدي : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة .
اسلم أنت فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن وأشهد أن عيسى ابن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيب والحصينة ، حملت بعيسى خلقه من روحه ونفخه ، كما خلق آدم بيده ، وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له ، والموالاة على طاعته ، وأن تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فإني رسول الله إليك ، وإني أدعوك وجنودك إلى الله عز وجل ، وقد بلغت ونصحت فقبلوا نصيحتي والسلام على من اتبع الهدى … فكتب إليه النجاشي : بسم الله الرحمن الرحيم ، إلى محمد رسول الله من النجاشي أصحمة ، سلام عليك يا نبي الله من الله وبركات الله الذي لا إله إلا هو .
أما بعد فلقد بلغني كتابك فيما ذكرت من أمر عيسى ، فورب السماء والأرض إن عيسى لا يزيد على ما ذكرت تفروقاً ، إنه كما ذكرت ، وقد عرفنا ما بعثت به إينا ، وقد قربنا ابن عمك وأصحابه ، فأشهد إنك رسول الله صادقاً مصدقاً وقد بايعتك وبايعت ابن عمك وأسلمت على يديه لله رب العالمين.
والتفروق علامة تكون بين النواة والتمرة.

اعتراف المقوقس ملك النصارى بمصر بالنبي -صلى الله عليه وسلم-
وكذلك ملك دين النصرانية بمصر (المقوقس) عرف أنه نبي صادق ، ولكن منعه من أتباعه ملكه وأن عباد الصليب لا يتركون عبادة الصليب.
ونحن نسوق حديثه وقصته ، قال الواقدي كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد الله إلى المقوقس عظيم القبط ، سلام على من اتبع الهدى ، أما بعد ، فإني أدعوك بداعية الإسلام ، أسلم تسلم ، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين ، فإن توليت فإن عليك إثم القبط يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون وختم الكتاب.
فخرج به حاطب حتى قدم عليه الاسكندرية ، فانتهى إلى حاجبه فلم يلبثه أن أوصل إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال حاطب للمقوقس لما لقيه : إنه قد كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فانتقم به ثم انتقم منه ، فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك غيرك.
قال : هات ، قال : إن لنا يناً لم ندعه إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي به الله فقد ما سواه، إن هذا النبي دعا الناس فكان أشدهم عليه قريش وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى ، ولعمري ما بشارة موسى بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد.
وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل ، وكل نبي أدرك قوماً فهم أمته ، فالحق عليهم أن يطيعوه ، فأنت ممن أدرك هذا النبي ، ولسنا ننهاك عن ين المسيح ولكنا نأمرك به .
فقال المقوقس : إني قد نظرت في أمر هذا النبي فرأيته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى ن مرغوب عنه ، ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ، ووجدت معه آلة النبوة من إخراج الخبء والإخبار بالنجوى ووصف لحاطب أشياء من صفة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : القبط لا يطاوعونني في اتباعه ، ولا أحب أن تعلم بمحاورتي إياك ، وأنا أضن بملكي أن أفارقه ، وسيظهر على بلادي وينزل بساحتي هذه أصحابه من بعده ، فارجع إلى صاحبك.
وأخذ كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فجعله في حق من عاج وختم عليه ودفعه إلى جارية له ، ثم دعا كتاباً له يكتب بالعربية فكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، لمحمد ابن عبد الله ، من المقوقس عظيم القبط ، سلام عليك ، أما بعد .
فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه ، وما تدعو إليه وقد علمت أن نبياً بقي ، وكنت أظن أنه يخرج بالشام ، وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان في القبط عظيم ، وبكسوة وأهديت إليك بغلة لتركبها ، والسلام عليك ، ولم يزد.
والجاريتان : مارية وسيرين ، والبغلة : دلدل ، وبقيت إلى زمن معاوية .
قال حاطب فذكرت قوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ضن الخبيث بملكه ، ولا بقاء لملكه .
إسلام حيفر وعبيد ابني الجلندي من ملوك النصارى
وكذلك ابنا الجلندي ملكا عمان وما حولها من ملوك النصارى أسلما طوعاً واختياراً ، ونحن نذكر قصتهما وكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهما ، وهذا لفظه: بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد بن عبد الله إلى حيفر وعبيد ابني الجلندي ، سلام على من اتبع الهدى … ( أما بعد) .
فإني أدعوكما بداعية الإسلام ، أسلما تسلما ، فإني رسول الله إلى الناس كافة لأنذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين ، وإنكما إن أقررتما بالإسلام وليتكما مكانكما ، وإن أبيتما أن قرا بالإسلام فإن ملككما زائل عنكما ، وخيلي تحل بساحتكما ، وتظهر نبوتي على ملككما .
وختم الكتاب وبعث به مععمرو بن العاص.
قال عمرو : فخرجت حى انتهيت إلى عمان ، فلما قدمتها انتهيت إلى عبيد وكان أحلم الرجلين وأسهلهما خلقاً ، فقلت : إني رسول الله إليك وإلى أخيك ، فقال أخي المقدم على بالسن والملك ، وأنا أوصلك إليه حتى يقرأ كتابك ، ثم قال لي : وما تدعو إليه ، قلت أدعوك إلى الله وحده لا شريك له وتخلع ما عبد من عبد من دونه ، وتشهد أن محمداً عبده ورسوله.
قال : يا عمرو إنك سيد قومك فكيف صنع أبوك فإن لنا فيه قدوة ؟ قلت: مات ولم يؤمن بمحمد وودت أنه كان أسلم وصدق به ، وكنت أنا على مثل رأيه حتى هداني الله للإسلام.
قال : فمتى تبعته؟ قلت : قريبا ، فسألني أين كان إسلامي ؟ فقلت عند النجاشي وأخبرته أن النجاشي قد أسلم .
قال : فكيف صنع قومه بملكه ؟ قلت : أقروه.
قال : والأساقفة والرهبان ؟ قلت : نعم.
قال : انظر يا عمرو ما تقول إنه ليس خصلة في رجل أفضح له من كذب.
قلت : ما كذبت وما نستحله في ديننا ثم قال : ما أرى هرقل علم بإسلام النجاشي. قلت : بلى.
قال : بأي شئ علمت ذلك ؟ قلت : كان النجاشي يخرج له خراجاً فلما أسلم وصدق بمحمد قال لا والله لو سألني درهماً واحداً ما أعطيته ، فبلغ هرقل قوله ، فقال له نياق أخوه : اتدع عبدك لا يخرج لك خراجاً ويدين ديناً محدثاً ؟ قال هرقل : رجل يرغب في دين واختاره لنفسه ما أصنع به ، والله لولا الضن بملكي لصنعت كما صنع.
قال : انظر ما تقول يا عمرو ؟ قلت : والله لقد صدقتك.
قال : عبيد : فأخبرني ما الذي يأ/ر به وينهى عنه ؟ قلت : يأمر بطاعة الله عز وجل وينهى عن معيته ، ويأمر بالبر وصلة الرحم وينهى عن الظلم والعدوان ، وعن الزنا وشرب الخمر ، عن عبادة الحجر والوثن والصليب.
فقال : ما أحسن هذا الذي هذا الذي يدعو إليه لو كان أخي يتابعني لركبنا حتى نؤمن بمحمد ونصدق به ، ولكن أخي أضن بملكه من أن يدعه ويصير دينا.
قلت : إنه إن أسلم ملكه رسول الله صلى الله عليه وسلم على قومه فأخذ الصدقة من غنيهم فردها على فقيرهم .
قال : إن هذا لخلق حسن ، وما الصدقة ؟ فأخبرته بما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصدقات في الأموال حتى انتهيت إلى الإبل.
فقال : يا عمرو ويؤخذ من سوائم مواشينا التي ترعى الشجر وترد المياه ؟ فقلت : نعم ، فقال : واله ما أرى قومي في بعد دارهم وكثرة عددهم يطيعون بهذا.
قال : فمكثت ببابه أياماً وهو يصل إلى أخيه فيخبره كل خبري .
ثم إنه دعاني يوماً فدخلت عليه فأخذ أعوانه بضبعى فقال : دعوه ، فأرسلت ، فذهبت لأجلس فأبوا أن يدعوني أجلس ، فنظرت إليه فقال : تكلم بحاجتك ، فدفعت إليه الكتاب مختوماً ففض خاتمه فقرأه حتى انتهى إلى آخره ، ثم دفعه إلى أخيه فقرأه مثل قراءته إلا أني رأيت أخاه أرق منه ، ثم قال : ألا تخبرني عن قريش كيف صنعت ؟ فقلت : اتبعوه إما راغب في الإسلام وإما مقهور بالسيف.
قال : ومن معه ؟ قلت : الناس قد رغبوا في الإسلام واختاروه على غيره وعرفوا بعقولهم مع هدى الله إياهم أنهم كانوا في ضلال ، فما أعلم أحداً بقي غيرك في هذه الحرجة ، وإن أنت لم تسلم اليوم وتتبعه يوطئك الخيل ويبيد خضراءك ، فأسلم تسلم ويستعملك على قومك ولا تدخل عليك الخيل والرجال .
قال : دعني يومي هذا وارجع إلى غداً.
فرجعت إلى أخيه فقال : يا عمرو إني لأرجو أن يسلم إن لم يضن بملكه .
حتى إذا كان الغد أتيت إليه فأبى أن يأذن لي فانصرفت إلى أخيه فأخبرته أني لم أصل إليه فأوصلني إليه، فقال : إني فكرت فيما دعوتني إليه فإذا أنا أضعف العرب إن ملكت رجلاً ما في يدي وهو لا يبلغ خيله ههنا ، وإن بلغت خيله ألفت قتالا ليس كقتال من لاقى ، قلت : وأنا خارج غداً ، فلما أيقن بمخرجي خلا به أخوه فقال : ما نحن فيما قد ظهر عليه ، وكل من أرسل إليه قد أجابه ، خلا به أخوه فقال : ما نحن فيما قد ظهر عليه ، وكل من أرسل إليه قد أجابه ، فأصبح فأرسل إلى فأجاب إلى الإسلام هو وأخوه جميعاً وصدقا النبي صلى الله عليه وسلم ، وخليا بيني وبين الصدقة وبين الحكم فيما بينهم، وكانا لي عوناً على من خالفني.
خبر هوذة بن علي الحنفي
وكتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة : بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هوذة بن علي ، سلام على من اتبع الهدى ، وأعلم أن ديني سيظهر إلى منتهى الخف والحافز ، فألم تسلم ، أجعل لك ما تحت يدك .
وكان عنده أركون دمشق – عظيم من عظماء النصارى – فسأله عن النبيصلى الله عليه وسلم؟ وقال : قد جاءني كتابه يدعوني إلى الإسلام .
فقال له الأركون : لم لا تجيبه ؟ فقال : ضننت بديني وأنا ملك قومي إن اتبعته لم أملك ، قال : بلى والله لئن اتبعته ليمكنك وإن الخيرة لك في اتباعه ، وإنه للنبي العربي الذي بشر به عيسى ابن مريم ، والله إنه لمكتوب عندنا في الإنجيل.

خبر الحارث بن أبي شمر
وذكر الواقدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث شجاع بن وهب إلى الحارث بن أبي شمر وهو بغوطة دمشق ، فكتب إليه مرجعه من الحديبية.
بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى الحارث بن أبي شمر ، سلام على من اتبع الهدى وآمن به وصدق ، وإني أدعوك إلى أن تؤمن بالله وحده لا شريك له ، يبقى لك ملكك وختم الكتاب.
فخرج به شجاع بن وهب ، قال فانتهيت إلى حاجبه فوجدته يومئذ وهو مشغول بتهيئة الإنزال والإلطاف لقيصر وهو جاء من حمص إلى إيليا حيث كشف الله عنه جنود فارس شكراً لله عز وجل، قال فأقمت على بابه يومين أو ثلاثة ، فقلت لحاجبه : إني رسول رسول الله إليه ، فقال حاجبه : لا تصل إليه حتى يخرج يوم كذا وكذا ، وجعل حاجبه ، وكان رومياً اسمه مرى ، يسألني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدعو إليه فكنت أحدثه فيرق حتى يغلبه البكاء ، ويقول إني قرأت في الإنجيل وأجد صفة هذا النبي بعينه فكنت أراه يخرج بالشام فإذا بي أراه قد خرج بأرض العرب ، فأنا أؤمن به وأصدقه وأنا أخاف من الحارث بن أبي شمر أن يقتلني .
قال شجاع : فكان هذا الحاجب يكرمني ويحسن ضيافتي ، ويخبرني عن الحارث باليأس منه، ويقول هو يخاف قيصر ، قال : فخرج الحارث يوماً وجلس فوضع التاج على رأسه فأذن لي عليه ، فدفعت إليه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه ، وقال : من ينتزع مني ملكي ؟! أنا سائر إليه ولو كان باليمن جئته ، علي بالناس ، فلم يزل جالساً حتى الليل ، وأمر بالخيل أن تنعل ، ثم قال أخبر صاحبك ما ترى ، وكتب إلى قيصر يخبره خبري فصادف قيصر بإيليا وعنده دحية الكلبي قد بعثه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما قرأ قيصر كتاب الحار كتب إليه أن لا تسر إليه وتلهى نه وافني بإيليا .
قال ورجع الكتاب وأنا مقيم ، فدعاني وقال متى تريد أن تخرج إلى صاحبك ؟ قلت : غداً ، فأمر لي بمائة مثقال ذهباً ، ووصلني (مرى) بنفقة وكسوة ، وقال : اقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وأخبره أنب متبع دينه ، قال شجاع: فقدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال باد ملكه وأقرأته من مري السلام وأخبرته بما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق .
ونحن إنما ذكرنا بعض ملوك الطوائف الذي آمنوا به وأكابر علمائهم وعظمائهم ولا يمكننا حصر من عداهم جمهور أهل الأرض ، ولم يتخلف متابعته إلا الأقلون ، وهم: إما مسالم له قد رضي بالذلة والجزية والهوان ، وإما خائف منه فأهل الأرض معه ثلاثة أقسام: مسلمون له ، ومسالمون له ، وخائفون منه.

خبر إسلام عبد الله بن سلام من علماء اليهود
ولو لم يسلم من اليهود في زمنه إلا سيدهم على الإطلاق وابن سيدهم وعالمهم وابن عالمهم باعترافهم له بذلك وشهادتهم : عبد الله بن سلام ، لكان في مقابلة كل يهودي على وجه الأرض، فكيف وقد تابعه على الإسلام من الأحبار والرهبان من لا يحصى عددهم إلا الله.
ونحن نذكر قصة عبد الله بن سلام ، روى البخاري في صحيحه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك ، قال أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فقالوا : جاء نبي الله ن فاستشرقوا ينظرون ، إذ سمع به عبد اله بن سلام وهو في نخل لأهله يخترف لهم فيها فجاء وهي معه، فسمع من نبي الل صلى الله عليه وسلم ثم رجع إلى أهله ، فلما خلي نبي الله صلى الله عليه وسلم جاء عبد الله بن سلام ، فقال أشهد أنك نبي الله حقاً وأنك جئت بالحق ، ولقد علمت اليهود أني سيدهم وابن سيدهم وأعلمهم وابن أعلمهم ، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت ، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت قالوا في ما ليس في.
فأرسل نبي الله صلى الله عليه وسلم إليهم فدخلوا عليه ، فقال لهم نبي الله صلى الله عليه وسلم يا معشر اليهود ويلكم ! اتقوا الله ، فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقاً ، وأني جئتكم بحق ، أسلموا ، قالوا : ما نعلمه ، فأعادها عليهم ثلاثاً وهم يجيبونه كذلك ، قال : أي رجل فيكم عبد الله بن سلام ؟ قالوا : ذاك سيدنا وابن سيدنا وأعلمنا وابن أعلمنا ، قال : أفرأيتم إن أسلم؟ ، قالوا حاش لله ما كان ليسلم ، فقال : يا ابن سلام أخرج عليهم قال : فخرج عليهم فقال : يا معشر اليهود ويلكم ، اتقوا الله ! فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أنه رسول الله حقاً ، وأنه جاء بالحق ، فقالوا كذبت ، فأخرجهم النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري أيضاً من حديث حميد عن أنس ، قال: سمع عبد الله بن سلام بقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أرض له ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ، ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام أهل الجنة ؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه ؟ ، قال : أخبرني بهن جبريل آنفاً ، قال : جبريل ؟ قال : نعم ، قال : ذاك عدو اليهود من الملائكة ، قال ثم قرأ هذه الآية : من كان عدواً لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله أما أول أشراط الساعة فنار تخرج على الناس من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد حوت ، وإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد إلى أبيه ، وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزع الولد إلى أمه فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله ، إن اليهود قوم بهت، وإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني ، فجاءت اليهود إليه ، فقال : أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا خيرنا وابن خيرنا ، سيدنا ، وابن سيدنا ، قال : ؟ أرأيتم إن أسلم عبد الله بن سلام قالوا أعاذه الله من ذلك ، فخرج عبد الله فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله ، قالوا : شرنا وابن شرنا . وانتقصوه ، قال : هذا الذي كنت أخاف يا رسول الله.
وقال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن يحيى بن عبد الله ، عن رجل من آل عبد الله بن سلام ، قال كان من حديث عبد الله بن سلام حيث أسلم ، وكان حبراً عالماً ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعرفت صفته واسمه وهيأته والذي كنا نتوكف له ، فكنت مسراً لذلك صامتاً عليه حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فلما قدم نزل معنا في بني عمرو بن عوف ، فأقبل رجل حتى أخبر بقدومه وأنا في رأس نخلة لي أ'مل فيها ، وعمتي خالدة بنت الحارث تحتي جالسة ، فلما سمعت الخبر بقدومه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كبرت ، فقالت لي عمتي حين سمعت تكبيري : لو كنت سمعت بموسى بن عمران ما زدت.
قال ، قلت لها : أي عمة هو والله أخو موسى بن عمران وعلى دينه بعث بما بعث به ، فقالت : يا ابن أخي أهو النبي الذي كنا نبشر به أنه يبعث مع نفس الساعة ؟ قال قلت لها : نعم ، قالت : فذاك إذن ، قال : ثم خرجت إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم فأسلمت ، ثم رجعت إلى أهل بيتي فأمرتهم فأسلموا ، وكتمت إسلامي من اليهود ، ثم جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إن اليهود قوم بهت وإني أحب أن تدخلني في بعض بيوتك تغيبني عنهم ثم تسألهم عني كيف أنا فيهم قبل أن يعلموا بإسلامي ؟ فإنهم إن علموا بذلك بهتوني وعابوني.
قال فأدخلني بعض بيوته ، فدخلوا عليه فكلموه وسألوه ، فقال لهم : أي رجل عبد الله بن سلام فيكم ؟ قالوا : سيدنا وابن سيدنا وحبرنا وعالمنا ، قال : فلما فرغوا من قولهم خرجت عليهم ، فقلت لهم : يا معشر اليهود ! اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به ، فوالله إنكم لتعلمون أنه رسول الله تجدونه مكتوباً عندكم في التوراة اسمه وصفته ، فإني أشهد أنه رسول الله ، وأؤمن به وأصدقه وأعرفه.
قالوا: كذبت ، ثم وقعوا في ، فقلت : يا رسول الله ألم أخبرك أنهم قوم بهت أهل غدر وكذب وفجور ؟! قال فأظهرت إسلامي وأسلم أهل بيتي، وأسلمت عمتي ابنة الحارث فحسن إسلامها.
وفي مسند الامام أحمد وغيره عنه قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وانجفل الناس قبله ، فقالوا قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فجئت في الناس لأنظر إلى وجهه ، فلما رأيت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كاذب ، فكان أول شئ سمعته منه أن قال : يا أيها الناس أطعموا الطعام وأفشوا السلام وصلوا الأرحام وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام .
فعلماء القوم وأحبارهم كلهم كانوا كما قال الله عز وجل الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، فمنهم من آثر الله ورسوله والدار الآخرة ، ومنهم من آثر الدنيا وأطاع داعي الحسد والكبر.
وفي مغازي موسى بن عقبة عن الزهري ، قال : كان بالمدينة مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أوثان تعبدها رجال من أهل المدينة لا يتركونها ، فأقبل عليهم قومهم وعلى تلك الأوثان فهدموها ، وعمد أبو ياسر ابن أخطب أخو حيي ابن أخطب وهو أبو صفية زوج النبي صلى الله عليه وسلم فجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم . فسمع منه وحادثه ، ثم رجع إلى قومه وذلك قبل أن تصرف القبلة نحو المسجد الحرام فقال أبو ياسر : يا قوم أطيعوني فإن الله عز وجل قد جاءكم بالذي كنتم تنتظرون ، فاتبعوه ولا تخالفوه.
فانطلق أخوه حيي حين سمع ذلك – وهو سيد اليهود يومئذ وهما من بني النضير فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فجلس إليه وسمع منه ، فرجع إلى قومه وكان فيه مطاعا ، فقال أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدواً أبداً ، فقال له أخوه أبو ياسر : يا ابن أمي أطعني في هذا الأمر ثم اعصني فيما شئت بعده لئلا تهلك ، قال: لا والله لا أطيعك واستحوذ عليه الشيطان فاتبعه قومه على رأيه !.
وذكر ابن اسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عمن حدثه عن صفية بنت حيي أنها قالت: لم يكن من ولد أبي وعمى أحد أحب إليهما مني لم ألقهما في ولد قط إلا أخذاني دونه ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قبا نزل في بني عمرو بن عوف ، فغدا إليه أبي وعمي أبو ياسر ابن أخب مغلسين ، فوالله ما جاءا إلا مع مغيب الشمس ، فجاءا فاترين كسلين ساقطين يمشيان الهوينا ، فهششت إليهما كما كنت أصنع فوالله ما نظر إلي واحد منهما ، فسمعت عمي أبا ياسر يقول لأبي : أهو هو ؟ قال : نعم والله ، قال : تعرفه بنعته وصفته ؟ قال : نعم والله ، قال : فماذا في نفسك منه ، قال : عداوته والله ما بقيت.
قال ابن إسحاق : وحدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت عن سعيد بن جبير عكرمة عن ابن عباس ، قال : لما أسلم عبد الله بن سلام ، وثعلبة بن شعية ، وأسد بن شعية، وأسيد بن عبيد ، ومن أسلم من اليهود ، وآمنوا وصدقوا ورغبوا في الإسلام ، قال من كفر من اليهود: ما آمن بمحمد ولا اتبعه إلا شرارنا ، ولو كانوا من خيارنا ما تركوا دين آبائهم وذهبوا إلى غيره ، فأنزل الله عز وجل في ذلك ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين .

السؤال الثالث
وأما السؤال الثالث وهو : قال السائل : مشهور عندكم في الكتاب والسنة أن نبيكم كان مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل لكنهم محوه عنهما لسبب الرياسة والمأكلة ، والعقل يستشكل ذلك ، أفكلهم اتفقوا على محو اسمه من الكتب المنزلة من ربهم شرقاً وغرباً جنوباً وشمالاً ؟! هذا أمر يستشكله العقل أعظم من نفيهم بألسنتهم لأنه يمكن الرجوع عما قالوا بألسنتهم والرجوع عما محوا أبعد.
والجواب: إن هذا السؤال مبني على فهم فاسد ، وهو أن المسلمين يعتقدون أن اسم النبي صلى الله عليه وسلم الصريح وهو محمد بالعربية مذكور في التوراة والإنجيل - وهما الكتابان المتضمنان لشريعتين – وأن المسلمين عتقدون : ان اليهود والنصارى في جميع اقطار الأرض محوا ذلك الاسم وأسقطوه جملة من الكتابين وتواصوا بذلك بعداً وقرباً وشرقاً وغرباً.
وهذا لم يقله عالم من علماء المسلمين ولا أخبر الله سبحانه به في كتابه عنهم ، ولا رسوله ولا بكتهم به يوماً من الدهر ، ولا قاله أحد من الصحابة ، ولا الأئمة بعدهم ، ولا علماء التفسير، ولا المعتنون بأخبار الأمم وتواريخهم .
وإن قدر أنه قاله بعض عوام المسلمين يقصد به نصر الرسول فقد قيل : يضر الصديق الجاهل أكثر مما يضر العدو العاقل.
وإنما أتى هؤلاء من قلة (فهمهم ل) القرآن، وظنوا أن قوله تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ، دل على الاسم الخاص بالعربية في التوراة والإنجيل المخصوصين وأن ذلك لم يوجد البتة.
والحق … أن الرب سبحانه : انما أخبر عن كون رسوله مكتوباً عندهم أي الإخبار عنه وصفته ومخرجه ونعته ، ولم يخبر بأن صريح اسمه العربي مذكور عندهم في التوراة والإنجيل ، وهذا واقع في الكتابين كما سنذكر ألفاظهما إن شاء اله ، وهذا أبلغ من ذكره بمجرد اسمه ، فإن الاشتراك د يقع في الاسم فلا يحصل التعريف والتمييز ، ولا يشاء أحد يسمى بهذا الاسم أن يدعى به بيان ولا تعريف ولا هدى، بخلاف ذكره بنعته صفته وعلاماته ودعوته وصفة أمته ووقت مخرجه ونحو ذلك فإن هذا يعينه ويميزه ويحصر نوعه في شخصه.
وهذا القدر مذكور في التوراة والإنجيل وغيرها من النبوات التي بأيدي أهل الكتاب كما سنذكرها ، ويدل عليه وجوه: الوجه الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحرص الناس على تصديقه واتباعه إياه وإقامة الحجة على من خالفه وجحد نبوته ، ولا سيما أهل العلم والكتاب، فإن الاستدلال عليهم بما يعلمون بطلانه قطعاً لا يفعله عاقل ، وهو بمنزلة من يقول لرجل علامة صدقي أنك فلان بن فلان ، وصنعتكم كيت وكيت، وتعرف بكيت وكيت ، ولم يكن الأمر كذلك بل بضده ، فهذا لا يصدر ممن له مسكة عقل ، ولا يصدقه أحد على ذلك ، ولا يتبعه أحد على ذلك ، بل ينفر العقلاء كلهم عن تصديقه واتباعه، والعادة تحيل سكوتهم عن الطعن عليه والرد والتهجين لقوله ،ومن المعلوم بالضرورة أن محمداً بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه نادى معلناً في هاتين الأمتين اللتين هما أعلم المم في الأرض قبل مبعهث بأن ذكره ونعته وصفته بعينه عندهم ف كتبهم وهو يتلو ذلك عليهم ليلاً ونهاراً ، وسراً وجهاراً ، في كل مجمع ، وفي كل ناد يدعوهم بذلك إلى تصديقه والإيمان به.
فمنهم من يصدق ويؤمن به ، ويخبر بما في كتبهم من نعته وصفته وذكره كما سيمر بك إن شاء الله ، وغاية المكذب الجاحد أن يقول هذا النعت والوصف حق ولكن لست أنت المراد به بل نبي آخر، وهذا غاية ما يمكنه من المكابرة ، ولم تجد عليه هذه المكابرة إلا كشفه عورته وإبدائه الفضيحة بالذب والبهتان ، فالصفات والنعوت والعلامات الم1كورة عندهم منطبقة عليه حذو القذة بالقذة بحيث لا يشك من عرفها ورآه أنه هو كما عرفه قيصر وسلمان بتلك العلامات المذكورات التي كانت عنده من بعض علمائه وكذك هرقل عرف نبوته بما وصف له من العلامات التي سأل عنها أبا سفيان فطابقت ما عنده ، فقال : إن يكن ما تقول حقاً فإنه نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين .
وكذلك من قدمنا ذكرهم من الأحبار والرهبان الذين عرفوه بنعته وصفته كما يعرفون أبناءهم.
قال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وإن فريقاً منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون قال تعالى: الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ومعلوم أن هذه المعرفة إنما هي بالنعت والصفة المكتوبة عندهم التي هي منطبقة عليه ، كما قال بعض المؤمنين منهم : واله لحدنا أعرف به من ابنه ، إن أحدنا ليخرج من عند امرأته وما يدري ما يحدث بعده.
ولهذا أثنى الله سبحانه على من عرف الحق منهم ولم يستكبر عن اتباعه فقال : لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين * وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين * فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء المحسنين * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم .

ذكر وفد أصحاب النجاشي
قال ابن عباس : حضر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي النجاشي وقرءوا القرآن سمع ذلك القسيسون والرهبان فانحدرت دموعهم ما عرفوا من الحق ، فقال الله تعالى: ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون .
وقال سعيد بن جبير : بعث النجاشي من خيار أصحابه ثمانين رجلاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ عليهم القرآن فبكوا ورقوا ، وقالوا نعرف والله ، فأسلموا وذهبوا إلى النجاشي فأخبروه فأسلم، فأنزل الله فيهم: وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول الآيات .
وقال السدي: كانوا اثنى عشر رجلا سبعة من القسيسين وخمسسة من الرهبان فلما قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن بكوا وقالوا ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين .
قال ابن عباس : هم محمد وأمته ، وهم القوم الصالحون الذين طمعوا أن يدخلهم الله فيهم ، والمقصود أن هؤلاء الذي عرفوا أنه رسول الله بالنعت الذي عندهم لم يملكوا أعنيهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان ، ونظير هذا قوله سبحانه : قل آمنوا به أو لا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا * ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا * ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا .
قال إمام التفسير مجاهد : هم قوم من أهل الكتاب لما سمعوا القرآن خروا سجداً وقالوا : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا .
كان الله عز وجل قد وعد على ألسنة أنبيائه ورسله أن يبعث في أخر الزمان نبياً عظيم الشأن يظهر دينه على الدين له ، وتنتشر دعوته في أقطار الرض ، وعلى رأس أمته تقوم الساعة وأهل الكتابين مجمعون على أن الله وعدهم بهذا النبي ، فالسعداء منهم عرفوا الحق فآمنوا به واتبعوه ، والأشقياء قالوا نحن ننتظره ولم يبعث بعد رسولا ، فالسعداء لما سمعوا القرآن من الرسول عرفوا أنه النبي الموعود به فخروا سجداً لله أيماناً به وبرسول وتصديقاً بوعده الذي أنجزه فرأوه عياناً فقالوا : سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا .
كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نصارى نجران
وذكر يونس بن بكير عن لمة بن عبد يسوع عن أبه عن جده قال يونس ، وكان نصرانياً فأسلم ، أن رسول اله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل نجرا : بسم إله إبراهيم وأسحاق ويعقوب ، من محمد النبي رسول الله إلى أسقف نجران وأهل نجران (سلم أنتم) إني أحمد إليكم إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، (أما بعد) فإني أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد ، وأدعوكم إلى ولاية الله من ولاية العباد ، فإن أبيتم فالجزية ، فإن أبيتم فقد آذنتكم بحرب .
والسلام .
فلما أتى الأسقف الكتاب وقرأه فظع به ، وذعر ذعراً شديداً ، فبعث إلى رجل من أهل عمان يقال له شرحبيل بن وداعة وكان من همدان ولم يكن أحد يدعى إلى معضلة قبله فدفع الأسقف كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل فقرأه ، فقال الأسقف : ما رأيك يا أبا مريم ؟ فقال شرحبيل : قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة فما نأمن من أن يكون هذا هو ذاك الرجل ، ليس لي في النبوة رأي ، لو كان أمر من الدنيا أشرت عليك فيه برأي وجهدت لك فقال الأسقف تنح فاجلس ، فتنحى ناحية.
فبعث الأسقف إلى رجل من أهل نجران يقال له عبد الله بن شرحبيل وهو من ذي أصبح من حمير فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه ، فقال له مثل قول شرحبيل ، فأمره الأسقف فتنحى.
ثم بعث إلى رجل من أهل نجران يقال له جبار بن فيض من بني الحارث بن كعب فأقرأه الكتاب وسأله عن الرأي فيه ، فقال له مثل قول شرحبيل وعبد الله ، فأمره الأسقف فتنحى ناحية.
فلما اجتمع الرأي منهم على تلك المقالة جميعاً أمر الأسقف بالناقوس فضرب به ورفعت المسوح بالصوامع ، وكذلك كانا يفعلون إذا فزعوا بالنهار ، وإذا كان فزعهم ليلاً ضرب بالناقوس ورفعت النيران في الصوامع ، فاجتمع أهل الوادي أعلاه وأسفله وطوله مسيرة يوم للراكب السريع وفيه ثلاثة وسبعون قرية وعشرون ومائة ألف مقاتل ، فقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وسألهم عن الرأي فيه ، فاجتمع رأي أهل الرأي منهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة الهمداني وعبد الله بن شرحبيل وجبار بن فيض فيأتونه بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فانطلق الوفد حتى إذا كانوا بالمدينة وضعوا ثياب السفر عنهم ولبسوا حللاً لهم يجرونها من حبة وخواتيم الذهب ، ثم انطلقوا حتى أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسلموا عليه فلم يرد عليهم السلام ، وتصدوا لكلامه نهاراً طويلاً فلم يكلمهم وعيهم تلك الحلل والخواتيم الذهب ، فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا معرفة لهم كانا يبعثان العير إلى نجران في الجاهلية فيشترون لهما من برها وتمرها فوجدوهما في ناس من المهتجرين والأنصار في مجلس ، فقالوا : يا عثمان ويا عبد الرحمن إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه فسلمنا عليه فلم يرد سلامنا ، فتصدينا لكلامه نهراً طويلاً فأعيانا أن يكلمنا ، فما الرأي منكما، أنعود أم نرجع إليه ؟ فقالا لعلي بن أبي طالب وهو في القوم ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم ؟ فقال علي لعثمان وعبد الرحمن : أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهن ويلبسوا ثياب سفرهم ثم يعودون إليه ، ففعل وفد نجران ذلك .
ووضعوا حللهم وخواتيمهم ، ثم عادوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا عليه فرد عليهم سلامهم ، ثم قال : والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم .
ثم سألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له : ما تقول في عيسى فانا نحب ان نعلم ما تقول فيه ، فانزل الله عز وجل إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين فأبوا أن يقروا بذلك .
فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي عند ظهره إلى الملاعنة وله يومئذ عدة نسوة فاقل شرحبيل لصاحبيه يا عبد الله بن شرحبيل ويا جبار بن فيض لقد علمتما أن الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يردوا ولم يصدروا إلا عن رأيي وإني والله أرى أمرا مقبلاً ، واله لئن كان هذا الرجل ملكاً مبعوثاً فكنا أول العرب طعن في عينه ورد عليه في أمره لا يذهب لنا من صدره ولا من صدور قومه حتى يصيبا بجائحة وإنا لأدنى العرب منهم جواراً ، ولئن كان هذا الرجل نبياً مرسلاً فلاعناه لا يبقى على وجه الأرض منا شعرة ولا ظفر إلا هلك ، فقال له صاحباه : فما الرأي ي أبا مريم ؟ فقد وضعتك الأمور على ذراع فهات رأيك ، فقال : رأيي أن أحكمه ، فإني أرى الرجل لا يحكم شططاً أبداً ، فقالا له أنت وذاك.
فلقي شرحبيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال إني قد رأيت خيراً من ملاعنتك ، فقال : وما هو ؟ قال شرحبيل حكمتك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لعل وراءك أحداً يثرب عليك ؟ ، فقال له شرحبيل سل صاحبي ، فسألهما فقالا ما نرد الموارد ولا نصدر المصادر إلا عن رأي شرحبيل.
فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلاعنهم ، حتى إذا كان الغد أتون فكتب لهم كتاب صلح وموادعة ، فقبضوا كتابهم وانصرفوا إلى نجران.
فتلقاهم الأسقف ووجوه نجران على مسيرة ليلة من نجران ، ومع الأسقف أخ له من أمه وهو ابن عمه من النسب يقال له أبو علقمة ، فدفع الوفد كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأسقف ، فبينما هو يقرؤه أبو علقمة معه وهما يسيران إذ كبت بأبي علقمة ناقته فتعس غير أنه لا يكني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له الأسقف عند ذلك : قد والله تعست نبياً مرسلاً ، فقال له أبو علقمة : لا جرم والله لا أحل عنها عقداً حتى آتيه ، فضرب وجه ناقته نحو المدينة وثنيى الأسقف ناقته عليه ، فقال له : افهم عني ، إنما قلت هذا مخافة أن يبلغ عني العرب أنا أخذتنا حمقة أو نجعنا لهذا الرجل بما لم تنجع به العرب ونحن أعزهم وأجمعهم داراً.
فقال له أبو علقمة : والله لا أقيلك ما خرج من رأسك أبداً ، ثم ضرب ناقته يقول : إليك تعدو قلقاً وضينها معترضاً في بطنها جنينها مخالفاً دين النصارى دينها حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل معه حتى استشهد بعد ذلك.

مجمل الأدلة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكور في الكتب القديمة
وإذا عرف هذا فالعلم بأنه صلى الله عليه وسلم مذكور في الكتب المتقدمة يعرف من وجوه متعددة.
أحدها: أخبار من قد ثبتت بنوته قطعاً با،ه مذكور عندهم في كتبهم ، فقد أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه فيجب تصديقه فيه ، إذ تكذيبه والحالة هذه ممتنع لذاته ، هذا لو لم يعلم ذلك إلا من مجرد خبره فكيف إذا تطابقت الأدلة على صحة ما أخبر به .
الوجه الثاني : أنه جعل الإخبار به من أعظم أدلة صدقه وصحة نبوته ، وهذا يستحيل أن يصدر إلا من واثق كل الوثوق بذلك وأنه على يقين جازم به.
الثالث: أن المؤمنين به من الحبار والرهبان الذي آثروا الحق على البالط صدقوه في ذلك وشهدوا له بما قال.
الرابع: أن المكذبين والجاحدين لنبوته لم يمكنهم إنكار البشارة والإخبار بنبوة نبي عظيم الشأن صفته كذا وكذا وصفة أمته مخرجه وشأنه ، لكن جحدوا أن يكون هو الذي وقعت به البشارة وأنه نبي آخر غيره ، وعلموا هم والمؤمنون به من قومهم أنهم ركبوا متن المكابرة وامتطوا قارب البهت.
الخامس : أن كثيراً منهم صرح لخاصته وبطانته بأنه هو بعينه ، وأنه عازم على عداوته ما بقي ، كما تقدم.
السادس : أن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بأنه مذكور في كتبهم هو فرد من أفراد إخباراته بما عندهم في كتبهم من شأن أنبيائهم وقومهم وما جرى لهم وقصص النبياء المتقدمين وأممهم وشأن المبدأ والمعاد وغير ذلك مما أخبرت به الأنبياء ، وكل ذلك مما يعلمون صدقه فيه ومطابقته لما عندهم ، وتلك الإخبارات أكثر من أن تحصى ، ولم يكذبون يوماً واحداً في شئ منها ، وكانوا أحرص شئ على أن يظفروا منه بكذبة واحدة أو غلطة أو سهو فينادون بها عليه ، ويجدون بها السبيل إلى تنفير الناس عنه ، فلم يقل أحد منهم يوماً من الدهر أنه أخبر بكذا وكذا في كتبنا وهو كاذب فيه بل كانوا يصدقونه في ذلك وهم مصرون على عدم اتباعه ، وهذا من أعظم الأدلة على صدقه فيما أخبر به لو لم يعلم إلا بمجرد خبره.
السابع : أنه أخبر بهذا لأعدائه من المشركين الذين لا كتاب عندهم وأخبر به لأعدائه من أهل الكتاب وأخبر به لأتباعه ، فلو كان هذا باطلا لا صحة له ، لكان ذلك تسليطاً للمشركين أن يسألوا أهل الكتاب فينكرون ذلك وتسليطاً لأهل الكتاب على الإنكار وتسليطاً لأتباعه على الرجوع عنه والتكذيب له بعد تصديقه ، وذلك ينقض الغرض المقصود بإخباره من كل وجه ، وهذا لا يصدر من عاقل ولا مجنون، فهذه الوجوه يعلم بها صدق ما أخبر به وإن لم يعلم وجوده من ير جهة إخباره ، فكيف وقد علم وجود ما أخبر به؟
الثامن : أنه لو قدر أ،هم لم يعلموا بشارة الأنبياء به وإخبارهم بنعته وصفته لم يلزم أن لا يكونوا ذكروه وأخبروا به وبشروا بنبوته إذ ليس كل ما قاله الأنبياء المتقدمون وصل إلى المتأخرين وأحاطوا به علما وهذا مما يعلم بالاضطرار ، فكم من قول قد قاله موسى وعيسى ولا علم لليهود والنصارى به ، فإذا أخبر به من قام الدليل القطعي على صدقه لم يكن جهلهم به موجباً لرده وتكذيبه.
التاسع : أنه يمكن أن يكون في نسخ غير هذه النسخ التي بأيديهم فأزيل من بعضها ونسخت هذه مما أزيل منه.
وقولهم إن نسخ التوراة متفقة في شرق الأرض وغربها كذب ظاهر ، فهذه التوراة التي بأيدي السامرة تخالف هذه وهذه ، وهذه نسخ الإنجيل يخالف بعضها بعضاً ويناقضه .
فدعواهم : أن نسخ التوارة والإنجيل متفقة شرقاً وغرباً من البهت والكذب الذي يروجونه على أشباه الأنعام ، وان هذه التوارة التي بأيدي اليهود فيها من الزيادة والتحريف والنقصان م لا يخفى لى الراسخين في العلم ، وهم يعلمون قطعاً أن ذلك ليس في التوارة التي أنزلها الله لعى موسى ، وأن هذه الأناجيل التي بأيدي النصارى فيها من الزيادة والتحريف والنقصان ما لا يخفى على الراسخين في العلم .
وهم يعلمون قطعا أن ذلك ليس في الإنجيلالذي أنزله الله عل المسيح ، وكيف يكون في التوارة قصة موت موسى ودفنه في أرض موآب ؟ وكيف يكون في الإنجيل الذي أنزل على المسيح قصة صلبه وما جرى له ، وأنه أصابه كذا وكذا ، وصلب يوم كذا وكذا ، وأنه قام من القبر بعد ثلاث ، وغير ذلك مما هو من كلام شيوخ النصارى ، وغايته أن يكون من كلام الحواريين خلطوه بالإنجيل وسموا الجميع إنجيلاً ، وكذلك كانت الأناجيل عندهم أربعة يخالف بعضها بعضاً.
ومن بهتهم وكذبهم قولهم : أن التوارة التي بأيديهم وأيدي اليهود والسامرة سواء والنصارى لا يقرون أن الإنجيل منزل من عند الله على المسيح وأنه كلام الله : بل كل فرقهم مجمعون على أنها أربعة تواريخ ألفها أربعة رجال معروفون في أزمان مختلفة ولا يعرفون عن الإنجيل غير هذا : إنجيل ألفه (متى) تلميذ المسيح بعد تسع سنين من رفع المسيح وكتب بالعبرانية في بلد يهود بالشام.
وإنجيل ألفه مرقس الهاروني تلميذ شمعون بعد ثلاث وعشرين سنة من رفع المسيح ، وكتبه باليونانية في بلاد أنطاكية من بلاد الروم ، ويقولون أن شمعون المذكور هو ألفه ثم محى اسمه من أوله ونسب لى تلميذه مرقس.
وإنجيل ألفه (يوحنا) تلميذ المسيح بع ما رفع المسيح ببضع وستين سنة ، كتبه باليونانية.
وكل واحد من هذه الأربعة يسمونه الإنجيل ، وبينها من التفاوت والزيادة والنقصان ما يعلمه الواقف عليها ، وبين توراة السامرة واليهود والنصارى من ذلك ما يعلمه من وقف عليها.
فدعوى الكاذب الباهت أن نسخ التوراة والإنجيل متفقة شراً وغرباً بعداً وقرباً من أعظم الفرية والكذب ، وقد ذكر غير واحد من علماء الإسلام ما بينها من التفاوت والزيادة والنقصان والتناقض لمن أراد الوقوف عليه ولولا الإطالة وقصد ما هو اهم منه لذكرنا منه طرفاً كبيراً.
وقد وبخهم الله سبحانه وبكتهم على لسان رسوله بالتحريف والكتمان والإخفاء ، فقال تعالى : يا أهل الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم تعلمون؟ وقال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون ، وقال تعالى : إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ، ولا يكلمهم الله يوم القيامة ، ولا يزكيهم ، ولهم عذاب أليم ، وقال تعالى : يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم .
وأما التحريف : فقد أخبر سبحانه عنهم في مواضع متعددة ، وكذلك لي اللسان بالكتاب ليحسبه السامع منه وما هو منه .
فهذه خمسة أمور:
أحدها : لبس الحق بالباطل وهو خلطه به بحيث لا يتميز الحق من الباطل.
الثاني : كتمان الحق.
الثالث : إخفاؤه وهو قريب من كتمانه.
الرابع : تحريف الكلم عن مواضعه ، وهو نوعان : تحريف لفظه وتحريف معناه.
الخامس : لي اللسان به ليلبس على السامع اللفظ المنزل بغيره وهذه الأمور إنما ارتكبوها لأغراض لهم دعته إلى ذلك .
فإذا عادوا الرسول وجحدوا نبوته وكذبوه وقاتلوه فهم إلى أن يجحدوا نعته وصفته ويكتموا ذلك ويزيلوه عن مواضعه ويتأولوه على غير تأويله أقرب بكثير ، وهكذا فعلوا ، لكن لكثرة البشارات وتهوعها غلبوا عن كتمانها وإخفائها فصاروا إلى تحريف التأويل وإزالة معناها عمن لا تصلح لغيره ، وجعلها لمعدوم لم يخلقه الله ولا وجود له البتة.
العاشر : أنه استشهد على صحة نبوته بعلماء أهل الكتاب ، وقد شهد له عدولهم فلا يقدح جحد الكفرة الكاذبين المعاندين بعد ذلك ، قال تعالى : ويقول الذين كفروا لست مرسلاً قل كفى بالله شهيداً بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب .
وقال تعالى : قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين .
وقال تعالى وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلاً أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب .
وقال تعالى : ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين .
وقال تعالى : الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون * وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين * أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا ويدرؤون بالحسنة السيئة ومما رزقناهم ينفقون .
وإذا شهد واحد من هؤلاء لم يوزن به ملء الأرض من الكفرة ، ولا تعارض شهادته بجحود ملء الأرض من الكفار ، كيف والشاهد له من علماء أهل الكتاب أضعاف أضعاف المكذبين له منهم؟ وليس كل من قال من أشباه الحمير من عباد الصليب وأمة الغب : إنه من علمائهم فهو كذلك وإذا كان أكثر من يظن عوام المسلمين أنه من علمائهم ليس كذلك فما الظن بغيرهم؟ وعلماء أهل الكتاب إن لم يدخل فيهم من لم يعمل بعلمه فليس علماؤهم إلا من آمن به وصدقه، وإن دخل فيهم من علم ولم يعمل كعلماء السوء لم يكن إنكارهم لنبوته قادحاً في شهادة العلماء العاملين بعلمهم.
الحادي عشر : أنه لو قدر أنه لا ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنعته ولا صفته ولا علامته في الكتب التي بأيدي أهل الكتاب اليوم لم يلزم من ذلك أن لا يكون مذكوراً في الكتب التي كانت بأيدي أسلافهم وقت متعثه ولا تكون اتصلت على وجهها إلى هؤلاء ، بل حرفها أوئك وبدلوا وكتموا ، وتواصوا وكتبوا ما أرادوا ، وقالوا هذا من عند الله ، ثم اشتهرت تلك الكتب وتناقلها خلفهم عن سلفهم ، فصارتالمغيرة المبدلة هي المشهورة والصحيحة بينهم خفية جداً ولا سبيل إلى العلم لاستحالة ذلك ، بل هو في غاية الإمكان ، فهؤلاء السامرة غيروا مواضع من التوراة ثم اشتهرت النسخ المغيرة عند جميعهم فلا يعرفون سواها وهجرت بينهم الصحيحة بالكلية ، وكذلك التوراة التي بأيدي النصارى ، وهكذا ت
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
هداية الحيارى ج3
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» هداية الحيارى.ابن القيم الجوزية.ج1
»  هداية الحيارى.ابن القيم الجوزية .ج2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات متيجة :: منتدى الشريعة الاسلامية :: قسم التوحيد والعقيدة-
انتقل الى: