عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم من المسيح عندي؟)) قال: قلنا: بلى، قال: ((الشرك الخفي؛ أن يقوم الرجل يعمل لمكان رجل))[1].
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أيها الناس، اتقوا هذا الشرك، فإنه أخفى من دبيب النمل))، فقال له من شاء الله أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: ((قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه، ونستغفره لما لا نعلم))[2].
هذه النصوص تدلّ على أن هناك نوعاً آخر من الشرك يسمّى الشرك الخفي، فهل هذا يدخل تحت أحد نوعي الشرك أم هو نوع مستقل بذاته؟ اختلفوا في ذلك، فقيل: يمكن أن يجعل الشرك الخفي نوعاً من الشرك الأصغر، فيكون الشرك حينئذ نوعين: شرك أكبر ويكون في عقائد القلوب، وشرك أصغر ويكون في هيئة الأفعال وأقوال اللسان والإرادات الخفية، ولكن الظاهر من النصوص أن الشرك الخفي قد يكون من الشرك الأكبر، وقد يكون من الشرك الأصغر، وليس له وصف منضبط، بل دائماً يتردّد بين أن يكون من الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر، بل هو كل ما خفي من أنواع الشرك[3].
ومن أمثلة الشرك الخفي ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ للَّهِ أَندَاداً} [البقرة:22] قال: (الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاء سوداء، في ظلمة الليل. وهو أن يقول: والله وحياتك يا فلانة وحياتي، ويقول: لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه: ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلان، فإن هذا كله به شرك)[4].
قال سليمان آل الشيخ: "أي: إن هذه الأمور من الشرك خفيةٌ في الناس، لا يكاد يتفطن لها ولا يعرفها إلا القليل، وضرب المثل لخفائها بما هو أخفى شيء وهو أثر النمل، فإنه خفي، فكيف إذا كان على صفاة؟ فكيف إذا كانت سوداء؟ فكيف إذا كانت في ظلمة الليل؟ وهذا يدل على شدة خفائه على من يدّعي الإسلام وعسر التخلص منه"[5].
وقال ابن عثيمين: "قوله: (هذا كله به شرك) وهو شرك أكبر أو أصغر، حسب ما يكون في قلب الشخص من نوع هذا التشريك"[6].
وعلى هذا فيجب الحذر من هذا النوع من الشرك لكثرة الاشتباه فيه، فربما يظن في أمر من الأمور أنه من الشرك الأصغر وهو في واقع الأمر من الشرك الأكبر، وهكذا العكس، وذلك لخفاء مأخذه، ودقة أمره، وصعوبة معرفته، فيكون مجاله الأمر المشتبه الذي لا يعرفه إلا الحذاق من أهل العلم، وإن كان قد يخفى على غيرهم ممن لم يكمل نظره، وضعف فهمه في أدلة الكتاب والسنة[7].