قال رحمه الله تعالى في كتابه عدة الصابرين
الباب الحادي عشر: في الفرق بين صبر الكرام وصبر اللئام
كل أحد لا بد أن يصبر على بعض ما يكره إما اختيارا وإما اضطرارا فالكريم يصبر اختيارا لعلمه بحسن عاقبة الصبر وأنه يحمد عليه ويذم على الجزع وأنه ان لم يصبر لم يرد الجزع عليه فائتا ولم ينتزع عنه مكروها وان المقدور لا حيلة في دفعه وما لم يقدر لا حيلة في تحصيله فالجزع ضره أقرب من نفعه قال بعض العقلاء: "العاقل عند نزول المصيبة يفعل ما يفعله الأحمق بعد شهر" كما قيل
وأن الأمر يفضى إلى آخر فيصير آخره أولا
فإذا كان آخر الأمر الصبر والعبد غير محمود فما أحسن به أن يستقبل الأمر في أوله بما يستدبره الأحمق في آخره وقال بعض العقلاء من لم يصبر صبر الكرام سلا سلو البهائم فالكريم ينظر إلى المصيبة فإن رأى الجزع يردها ويدفعها فهذا قد ينفعه الجزع وان كان الجزع لا ينفعه فإنه يجعل المصيبة مصيبتين.
فصل: وأما اللئيم فإنه يصبر اضطرارا فإنه يحوم حول ساحة الجزع فلا يراها تجدى عليه شيئا فيصبر صبر الموثق للضرب وأيضا فالكريم يصبر في طاعة الرحمن واللئيم يصبر في طاعة الشيطان فاللئام أصبر الناس في طاعة أهوائهم وشهواتهم وأقل الناس صبرا في طاعة ربهم فيصبر على البذل في طاعة الشيطان أتم صبر ولا يصبر على البذل في طاعة الله في أيسر شيء ويصبر في تحمل المشاق لهوى نفسه في مرضاة عدوه ولا يصبر على أدنى المشاق في مرضاة ربه ويصبر على ما يقال في عرضه في المعصية ولا يصبر على ما يقال في عرضه اذا أوذى في الله بل يفر من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر خشية أن يتكلم في عرضه في ذات الله ويبذل عرضه في هوى نفسه ومرضاته صابرا على ما يقال فيه وكذلك يصبر على التبذل بنفسه وجاهه في هوى نفسه ومراده ولا يصبر على التبذل لله في مرضاته وطاعته فهو أصبر شيء على التبذل في طاعة الشيطان ومراد النفس وأعجز شيء عن الصبر على ذلك في الله وهذا أعظم اللؤم ولا يكون صاحبه كريما عند الله ولا يقوم مع أهل الكرم اذا نودى بهم يوم القيامة على رءوس الاشهاد ليعلم أهل الجمع من أولى بالكرم اليوم أين المتقون