فضيلة العلامة المفسر عبد الرحمن بن ناصر السعدي : الحمد لله الذي أصلح بلطفه الصالحين ، وخَلَعَ عليهم خِلَعَ الإيمان واليقين ، وحفظهم بعنايته مِمَّا يقبح ويشين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مالك يوم الدين ، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين . اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم إلى يوم الدين . أما بعد :
أيها الناس : اتقوا الله تعالى ، واعلموا أنَّ مدار التقوى على إصلاح القلوب ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ( إنَّ في الجسد مُضْغَة إذا صَلحَتْ صَلح الجسد كله وإذا فَسدَتْ فَسد الجسد كله ، ألاَ وهي القلب ) .
فمتى صلح القلب بالإيمان بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره ، وصحح ذلك بالمعرفة وحسن الاعتقاد ؛ ثم توجه القلب إلى ربه بالإنابة والقصد وحسن الانقياد ؛ فإن الجوارح كلها تستقيم على طريق الهدى والرشاد .
فصلاح الجوارح ملازم لصلاح القلوب ، فاغتنموا - رحمكم الله - إصلاحها بحسن النية في كل مطلوب ، فإن الله لا ينظر إلى صوركم وأعمالكم ولكن ينظر ما أكنته القلوب .
فأخلصوا الأعمال لله في كل ما تأتون وما تذرون ، وأنيبوا إلى ربكم واطمعوا في رحمته لعلكم ترحمون .
فالعمل اليسير مع الإخلاص خير من الكثير مع الرياء ، والثمرات الطيبة إنما تحصل لمن حقق النية واتقى .
فمن أصلح باطنه أصلح الله له الأحوال ، وسدده في الأقوال والأفعال ، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا . يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) . [ الأحزاب : 70 - 71 ] .
وسَلُوا مولاكم أن يُطهر قلوبكم مِن الغِّلِ والحقد ، ومِن الكِبْر والتعاظم على العباد والحسد ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يُؤمنُ أحدكم حتى يُحِب لأخيه ما يُحب لنفسه ) .
( ثلاثٌ لا يغل عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة مَن وَلاَّه الله أمركم ، ولزوم جماعة المسلمين ، فإن دعوتهم تحيط من ورائهم ) .
( لا تَحَاسدوا ، ولا تَنَاجشوا ، ولا تباغضوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانًا ، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يكذبه ، ولا يحقره ، بحسب امرئ مِن الشَّر أنْ يَحْقِرَ أخاه المسلم ، كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه ) .
طوبى لمن أخلص لله في أقواله وأفعاله ، ورجا فضله في حاله ومآله ، وطهر قلبه من البغضاء والعداوة للمسلمين ، وتعاون معهم في أمور الدنيا والدين .
وَوَيْلٌ لمن تعلق قلبه بأحد من المخلوقين ، أو امتلأ مِن الغل والحقد على المؤمنين .
أما الأول فإنه يسعى في علو الدرجات ، وأما الآخر فإنه يتردى في مهاوي الهلكات .
اللهم يا مصلح الصالحين أصلح فساد قلوبنا . ويا من بيده خزائن كل شيء أسعفنا بمطلوبنا . ويا مَن يغفر الذنوب جميعًا اغفر ذنوبنَا ، واستر عوراتنَا وعيوبنَا .
إنك أنت الجواد الكريم .
( رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُورًا ) . [ الإسراء : 25 ] .
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .