سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز :
وبما أن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - مشروعة في الصلوات في التشهد ، ومشروعة في الخطب والأدعية والإستغفار ، وبعد الأذان ، وعند دخول المسجد والخروج منه ، وعند ذكره وفي مواضع أخرى : فهي تتأكد عند كتابة اسمه في كتاب أو مؤلف أو رسالة أو مقال أو نحو ذلك .
والمشروع أن تكتب كاملةً تحقيقًا لما أمرنا الله تعالى به ، وليتذكرها القارئ عند مروره عليها ، ولا ينبغي عند الكتابة الاقتصار في الصلاة على رسول الله على كلمة " ص " أو " صلعم " وما أشبهها من الرموز التي قد يستعملها بعض الكتبة والمؤلفين ، لما في ذلك من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) . [ الأحزاب : 56 ] .
مع أنه لا يتم بها المقصود وتنعدم الأفضلية الموجودة في كتابة " صلى الله عليه وسلم " كاملة . وقد لا ينتبه لها القارئ أو لا يفهم المراد بها ، علمًا بأن الرمز لها قد كرهه أهل العلم وحذروا منه .
فقد قال ابن الصلاح في كتابه : " علوم الحديث " المعروف بـ : " مقدمة ابن الصلاح " في النوع الخامس والعشرين من كتابه : " في كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده " قال ما نصه : ( التاسع : أن يحافظ على كتابة الصلاة والتسليم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذكره ، ولا يسأم من تكرير ذلك عند تكرره فإن ذلك من أكبر الفوائد التي يتعجلها طلبة الحديث وكتبته ، ومن أغفل ذلك فقد حرم حظًا عظيمًا . وقد رأينا لأهل ذلك منامات صالحة ، وما يكتبه من ذلك فهو دعاء يثبته لا كلام يرويه فلذلك لا يتقيد فيه بالرواية . ولا يقتصر فيه على ما في الأصل .
وهكذا الأمر في الثناء على الله سبحانه عند ذكر اسمه نحو - عز وجل - وتبارك وتعالى ، وما ضاهى ذلك ) .
إلى أن قال : ( ثم ليتجنب في إثباتها نقصين : أحدهما : أن يكتبها منقوصةً صورةً رامزًا إليها بحرفين أو نحو ذلك ، والثاني : أن يكتبها منقوصةً معنىً بألا يكتب : وسلم ) .
وروي عن حمزة الكناني - رحمه الله تعالى - أنه كان يقول : ( كنت أكتب الحديث ، وكنت أكتب عند ذكر النبي " صلى الله عليه " ، ولا أكتب " وسلم " ، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في المنام فقال لي : ما لك لا تتم الصلاة عليَّ !؟ قال : فما كتبت بعد ذلك " صلى الله عليه " إلا كتبت : وسلم ) .
إلى أن قال ابن الصلاح : ( قلت : ويكره - أيضًا - الإقتصار على قوله : " عليه السلام " والله أعلم ) . انتهى المقصود من كلامه - رحمه الله تعالى - ملخصًا .
وقال العلامة السخاوي - رحمه الله تعالى - في كتابه : " فتح المغيث شرح ألفية الحديث للعراقي " ما نصه : ( واجتنب أيها الكاتب الرمز لها - أي : الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خطك بأن تقتصر منها على حرفين ونحو ذلك فتكون منقوصة - صورة - كما يفعله الكتاني ، والجهلة من أبناء العجم غالبًا وعوام الطلبة ، فيكتبون بدلاً من صلى الله عليه وسلم " ص " أو " صم " أو " صلعم " ، فذلك لما فيه من نقص الأجر لنقص الكتابة خلاف الأولى ) .
وقال السيوطي - رحمه الله تعالى - في كتابه : " تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي " : ( ويكره الإقتصار على الصلاة أو التسليم هنا ، وفي كل موضع شرعت فيه الصلاة ؛ كما في شرح مسلم وغيره لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) . [ الأحزاب : 56 ] .
إلى أن قال : ( ويكره الرمز إليهما في الكتابة بحرف أو حرفين كمن يكتب " صلعم " بل يكتبهما بكمالها ) . انتهى المقصود من كلامه - رحمه الله تعالى - ملخصًا .
هذا ووصيتي لكل مسلم وقارئ وكاتب : أن يلتمس الأفضل ، ويبحث عما فيه زيادة أجره وثوابه ، ويبتعد عما يبطله أو ينقصه .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعا لما فيه رضاه ، إنه جواد كريم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.