روى الشيخان عن سمرة بن جندب t قال: ((كان النبي r إذا صلى الصبح أقبل عليهم بوجهه فقال: ((هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ الْبَارِحَةَ رُؤْيَا))([1]) .
قال أبو عمر بن عبد البر: وهذا الحديث يدل على شرف علم الرؤيا وفضلها؛ لأنه r إنما كان يسأل عنها لتقص عليه ويعبرها، ليعلِّم أصحابه كيف الكلام في تأويلها، وقد أثنى الله U على يوسف بن يعقوب -صلى الله عليهما وسلم- وعدَّد عليه فيما عدَّد من النعم التي آتاه: التمكين في الأرض، وتعليم تأويل الأحاديث، وأجمعوا أن ذلك في تأويل الرؤيا، وكان يوسف u أعلم الناس بتأويلها، وكان نبينا r نحو ذلك، وكان أبو بكر الصديق من أعبر الناس لها، وحصل لابن سيرين فيها التقدم العظيم والطبع والإحسان، ونحوه أو قريب منه كان سعيد بن المسيب في ذلك فيما ذكروا))([2]) .
قال النووي: في هذا الحديث دليل على استحباب إقبال الإمام المصلي بعد سلامه على أصحابه، وفيه استحباب السؤال عن الرؤيا، والمبادرة إلى تأويلها وتعجيلها أول النهار لهذا الحديث.
ولأن الذهن جمع قبل أن يتشعب بإشغاله في معايش الناس؛ ولأن عهد الرائي قريب لم يطرأ عليه ما يهوش الرؤيا عليه؛ ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله كالحث على خير أو التحذير من معصية ونحو ذلك، وفيه إباحة الكلام في العلم وتفسير الرؤيا ونحوهما بعد صلاة الصبح، وفيه أن استدبار القبلة في جلوسه للعلم أو غيره مباح، والله أعلم))
إثم من كـذب في حُــلْمِـهِ
روى البخاري، عن ابن عباس، عن النبي r قال: ((مَنْ تَحَلَّمَ([4]) بِحُلْمٍ لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ([5]) أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ([6])،وَلَنْ يَفْعَلَ، وَمَنْ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ -أَوْ يَفِرُّونَ- مِنْهُ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ([7]) يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ صَوَّرَ صُورَةً عُذِّبَ، وَكُلِّفَ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ))([8]) .
وروى البخاري أيضًا عن ابن عمر، أن رسول الله r قال: ((مِنْ أَفْرَى الْفِرَى ([9]) أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ))([10]) .
قال الطبري: إنما اشتد فيه (أي الكذب في الحلم) الوعيد مع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مفسدة منه، إذ قد تكون شهادة في قتل أو حدٍّ، أو أخذ مال؛ لأن الكذب في المنام كذبٌ على الله أنه أراه ما لم يره، والكذب على الله أشد من الكذب على المخلوقين لقوله تعالى: )وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ( [هود: 18]. وإنما كان الكذب في المنام كذبًا على الله لحديث: ((الرُّؤْيَاَ جُزْءٌ مِنْ النُّبُوَّةِ)) وما كان من أجزاء النبوة فهو من قبل الله تعالى، انتهى ملخصًا([11]) .