وهو أشأم الأحلام وأكثرها خوفًا ورعبًا، إذ يبدو الحالم وكأن شيئًا أثقل من الجبال قد جثم على صدره، يكاد أن يموت منه أو يختنق، لا يستطيع الفرار منه، بل لا يقوى معه على شيء من الحراك البتة، وأشد من هذا أنه ربما يعجز عن الصراخ أو الاستغاثة، إنه شعور بغيض جدًّا .
ويقال: إن هذه الأحلام الكابوسية تحدث أكثر ما تحدث لفئتين اثنتين:
الأولى: أولئك الذين تعرضوا في حياتِهِم إلى صدمات شديدة .
الثانية: الذين تعرضوا لمسببات مرضية لها تأثير على الدماغ بصورة أو بأخرى، كتناول بعض العقاقير .
ولقد قام كثيرون من علماء النفس وآخرون من غيرهم بمحاولات تفسيرية للأحلام الكابوسية، وتباينت نظرياتِهم في هذا الصدد !
1- فذهب أصحاب المدرسة الفرويدية إلى أن الأحلام الكابوسية تعبير عن صراع عقلي داخلي عنيف حول رغبة جنسية مكبوتة، يمكن أن تحرك عن طريق مثيرات مرعبة .
والحق أنه من العسير جدًّا إثبات توفر العنصر الجنسي في الأحلام الكابوسية، ثم إنه لو كان الجنس هو المحرك لها لكانت أكثر وقوعًا مما هي عليه في الواقع، ولما كان هناك من داع لظهور مثل هذه الأحلام بعد تجارب مخيفة من طبيعتها الزهد في الدوافع الجنسية .
2- وثمة نظرية ترى أن الحلم الكابوسي تعبير عن تجارب من الخوف، كالخوف من الظلام والسقوط من الأماكن المرتفعة والحرائق والزلازل والفيضانات ونحو ذلك .
3- ونظرية ثالثة أخرى ترى أن الأحلام الكابوسية ما هي إلا تعبير عن حالة من الخوف البدائي في حياة الإنسان .
4- ورابعة تردُّ هذا النوع من الأحلام إلى أصول من مشاعر الغيظ والغضب، فقد يقتضي كبت هذه المشاعر أثناء اليقظة لظروف معينة، فتنفجر هذه أثناء الليل وتتحول إلى صورة كابوسية تُهدد الحالم بالموت والفناء .
ونظريات أخرى لا تقل عما ذكرنا في الحدس والتخرص والظن المجرد([1]) !! ولا ينبغي لمؤمن أن يضيع وقته في علم لا يقوم على أدلة علمية، نقلية كانت أو تجريبية .
ولا تخرج الأحلام الكابوسية عن قول رسول الله r : ((إِنَّ الرُّؤْيَا ثَلاثٌ: مِنْهَا أَهَاوِيلُ مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ بِهَا ابْنَ آدَمَ)) .
ولا عما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر، قال: ((جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ رَأْسِي ضُرِبَ فَتَدَحْرَجَ، فَاشْتَدَدْتُ عَلَى أَثَرِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لا تُحَدِّثْ النَّاسَ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِكَ فِي مَنَامِكَ، قَالَ جابر: سَمِعْتُ النَّبِيَّ r بَعْد يَخْطُبُ فَقَالَ: لا يُحَدِّثَنَّ أَحَدُكُمْ بِتَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ فِي مَنَامِهِ)) .
فكما أن الشيطان يكيد للإنسان في اليقظة بالتزيين والوسوسة، يكيد له في منامه بالأحلام الكابوسية كذلك ليفزعه ويحزنه، وإذ إنَّ كيد الشيطان كان ضعيفًا، فلا يحسن بالمسلم أن يخاف من كابوس، لاسيما إذا قام بالآداب الشرعية المتعلقة بالأحلام المكروهة، فتعوذ بالله من شَرِّهَا، ومن شَرِّ الشيطان، وتفل عن يساره ثلاثًا، ولم يُحدِّث بِهَا أحدًا من الناس، فقد وعد الشارع من فعل ذلك عدم الضر .