تأليف د محمد محمد يونس علي
1- فروع اللسانيات:
يدرس اللسانيون اللغة من جوانب مختلفة وفقا لأغراضهم المتنوعة، واهتماماتهم المختلفة، وقد نتج عن ذلك نشأة فروع مختلفة للسانيات منها:
1، 1- اللسانيات العامة واللسانيات الوصفية:
يفرق اللسانيون بين ما يعرف عندهم باللسانيات العامة general linguistic، واللسانيات الوصفية descriptive linguistics. ويعنى الأول بدراسة اللغة من حيث هي بوصفها ظاهرة بشرية تميز الإنسان عن الحيوان، ونظاما يتميز عن الأنظمة الإبلاغية الأخرى، في حين يتناول الثاني وصف لغة ما كالعربية، أو غيرها. وكما هو واضح، فإن هذا التفريق يتصل اتصالا وثيقا بالتفريق بين اللغة بوصفها ظاهرة عامة، واللغة المعينة.
ويستفيد كلا الفرعين من النتائج التي يصل إليها الآخر. "فاللسانيات العامة تقدم المفاهيم، والمقولات categories التي تحلل بها اللغات المعينة، في حين تقدم اللسانيات الوصفية المادة التي تؤيد، أو تدحض القضايا، والنظريات التي تتناولها اللسانيات العامة. وعلى سبيل المثال، فقد يفترض المتخصص في اللسانيات العامة أن كل اللغات تحتوي على أسماء، وأفعال، فيقوم المتخصص في اللسانيات الوصفية بدحض ذلك بدليل عملي empirical مفاده أن ثمة لغة واحدة على الأقل لا يمكن أن يثبت وصفها التمييز بين أسماء، وأفعال. ولكن لكي يؤيد، أو يدحض اللساني الوصفي هذا الافتراض، عليه أن يتعامل مع مفهومي الاسم، والفعل اللذين زوده بهما المتخصص في اللسانيات العامة".[1] وهكذا فإن الدراسات الوصفية للغات بعينها تؤول إلى صوغ الخصائص العامة التي تشترك فيها جميع اللغات.
ويجدر بالذكر هنا أن نشير إلى تداخل بين اهتمامات اللسانيات الوصفية، واهتمامات فقه اللغة philology، غير أن أبرز ما يميزهما الاختلاف في المنهج حيث يتبع المهتمون بالمجال الأول منهجا وصفيا تزامنيا يدرس اللغة في مرحلة معينة دون نظر إلى تطوراتها التاريخية في حين يتناول فقهاء اللغة اللغات المدروسة من الجانبين التاريخي، والآني.
1، 2- اللسانيات التاريخية:
لقد اتسم البحث اللغوي في القرن التاسع عشر بالطابع التاريخي الذي يتناول تطور اللغة عبر العصور، وقد شاع بين اللغويين آنذاك النظر إلى اللغة على أنها كائن حي كالنباتات، والحيوانات متأثرين في ذلك بنظرية التطور في علم الأحياء التي صاغها داروين في كتابه أصل الأنواع (the Origin of Species).[2] وكان هناك خلط منهجي في البحث اللغوي بين دراسة اللغة دراسة تاريخية، ودراستها دراسة آنية. وكان للساني فرديناند دو سوسور Ferdinand de Saussure فضل في التمييز بين المنهجين، فقد فرق بين الدراسات التعاقبية diachronic، والدراسات التزامنية syncronic، ودعا إلى عدم الخلط بين المنهجين؛ لأن تاريخ اللغة، وتطور الكلمات، والتراكيب ليس له صلة بوصفها في فترة معينة من الزمن. ومنذ ذلك الحين غلب الاهتمام بالمنهج التزامني على نظيره التعاقبي، وانحسرت العناية بالدراسات التاريخية في عدد قليل من اللسانيين.
ومن المهم هنا أن نوضح أنه في اللسانيات التاريخية historic linguistics كما في غيره يمكن للمرء أن يدرس لغة بعينها، أو يدرس اللغة من حيث هي.[3]
1، 3- اللسانيات النظرية واللسانيات التطبيقية:
ترمي اللسانيات النظرية إلى صوغ نظرية لبنية اللغة، ووظائفها بغض النظر عن التطبيقات العملية التي قد يتضمنها البحث في اللغات. أما اللسانيات التطبيقية فتهتم بتطبيق مفاهيم اللسانيات، ونتائجها على عدد من المهام العملية لاسيما تدريس اللغة.[4] ومن الاهتمامات الأخرى التي تدخل في مجال اللسانيات التطبيقية التخطيط اللغوي language planing، وتعلم اللغة بالحاسوب computer-assisted language learning وعلاقة اللغة بالتربية، والترجمة، والترجمة الآلية machine-aided translation، واللسانيات الحاسوبية computational linguistics، والذكاء الاصطناعي artificial intellegence، ونحو ذلك. وكثيرا ما ينصرف أذهان الكثيرين عند إطلاق مصطلح اللسانيات التطبيقية إلى تعليم اللغات الأجنبية، وتعلمها. وهكذا فإن طرائق اكتساب اللغات، ولاسيما الأجنبية منها، من أهم أشغولات المهتمين باللسانيات التطبيقية. وخلافا لبعض مدارس اللسانيات النظرية يحرص اللسانيون التطبيقيون على الكفاية التخاطبية للمتكلمين التي تتحسن بقدر إقحام المتكلم نفسه في المواقف التخاطبية الفعلية للغة المتعلّمة.
شكرا.