إن الحمد هو الثناء باللسان، والثناء على كل جميل. وأما الشكر فمورده اللسان والعمل ، قال جل وعلا: ) أَن اشْكُرْ لي ولوالدَيكَ ( ([1]). فمعنى الشكر:" الاجتهاد في بذل الطاعة مع الاجتناب للمعصية في السر والعلانية ، الشكر هو الاعتراف في تقصير الشكر للمنعم ، ولذلك قال تعالى:) اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً (([2]) " ([3]) .
ولا يُقال مثلا : فلان حمد الله جل وعلا بفعله، بل لابد أن يكون الحمد باللسان، لكن الشكر يمكن أن يكون باللسان ويمكن أن يكون بالعمل ، فمن هنا يكون الشكر أعم ، قال ابن القيم -رحمه الله- : " الحمد أخص من الشكر مورداً ، وأعم منه متعلقاً ، فمورد الحمد اللسان فقط ، ومتعلقه النعمة وغيرها ، ومورد الشكر اللسان والجنان والأركان ، ومتعلقه النعمة ، والفرق بينهما أن الشكر أعم من جهة أنواعه وأسبابه ، وأخص من جهة متعلقاته ، والحمد أعم من جهة المتعلقات ، وأخص من جهة الأسباب ".([4])
وقد ورد الشكر في كتاب الله تعالى على وجهين :الأول : من الرب لعبده .الثاني : من العبد لربه .أما الأول : فقد ورد في بعض الآيات أن الله تعالى سمى نفسه شاكراً وشكوراً ، فقال تعالى : ) إنَّ ربَّنَا لغَفُورٌ شَكُورٌ ( ([5]) وقال تعالى : ) ومَنْ تَطوَّعَ خيراً فإنَّ اللهَ شَاكرٌ عَلِيمٌ (([6]) ذلك أن الله تبارك وتعالى لما كان يجازي عباده على أفعالهم ويثيبهم على أقل القليل منها ولا يضيع لديه تبارك وتعالى عَمَلُ عامل كان شاكراً ذلك لهم أي : مقابلاً له بالجزاء والثواب .
وللشكر أهمية كبرى ومنزلة عظمى، فهو قيد للنعم الحاضرة ، ومجلبة للنعم المفممنوعة ، قال تعالى: ) لَئِنْ شَكَرْتُم لأزيدَنَّكُمْ ولَئِنْ كَفَرْتُم إنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ( ([7]) وعن الْمُغِيرَةَ -t- يَقُولُ: إِنْ كَانَ النَّبِيُّ -r- لَيَقُومُ لِيُصَلِّيَ حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ أَوْ سَاقَاهُ فَيُقَالُ لَهُ ، فَيَقُولُ: pأَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًاi ([8]).
ومما يدل على قيمة الشكر أن إبليس جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه. قال تعالى : ) ثمَّ لآتينَّهُم منْ بينِ أيْديهمْ ومنْ خَلفهِم وعنْ أيْمانهِم وعنْ شَمائِلهمْ ولا تجدُ أكثَرهمْ شَاكِرينْ (([9]) . وفي الحديث عن صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r-:pعَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ i([10]).
والشكر والإيمان صنوان . كما أن الكفر وعدم الشكر صنوان ، قال تعالى:) ولقدْ آتَينَا لُقْمانَ الحكمةَ ان اشكرْ للهِ ومَنْ يشكُرْ فإنَّما يشْكرُ لنفسِهِ ومنْ يكفُرْ فإنَّ اللهَ غنىٌّ حَميدٌ ( ([11]) .
إذن فالحمد لا يرادف الشكر ، فالحمد ـ كما - ذكر ابن سيدة في الفروق اللغوية - : هو الثناء باللسان على الجميل، سواء تعلق بالفضائل كالعلم، أم بالفواضل كالبر. وأما الشكر: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم لأجل النعمة، سواء أكان نعتاً باللسان، أو اعتقاداً، أو محبة بالجنان، أو عملا وخدمة بالأركان.