القرآن
)قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (البقرة:94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (البقرة:95) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) (البقرة:96)
التفسير:
.{ 94 . 95 } قوله تعالى: { قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس }: { كانت } هنا ناقصة، وخبرها يجوز أن يكون الجار والمجرور في قوله تعالى: { لكم }؛ وتكون { خالصة } حالاً من { الدار } . يعني: حال كونها خالصة من دون الناس؛ ويجوز أن يكون الخبر: { خالصة }؛ والمعنى واحد؛ والمراد بـ{ الدار الآخرة } الجنة؛ وإنما قال تعالى ذلك؛ لأنهم قالوا: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، وبعدها تخلفوننا أنتم في النار؛ ونكون نحن في الجنة" . هذا كلام اليهود؛ والذي يقول هذا الكلام يدعي أن الدار الآخرة خالصة . أي خاصة . له من دون الناس، وأن المستحق للنار منهم يدخلها أياماً معدودة، ثم يخرج إلى الجنة..
قوله تعالى: { فتمنوا الموت } أي اطلبوا حصوله { إن كنتم صادقين } أي في دعواكم أن الدار الآخرة خالصة لكم من دون الناس؛ لأنها حينئذٍ تكون لكم خيراً من الدنيا؛ فتمنوا الموت لتصلوا إليها؛ وهذا تحدٍّ لهم؛ ولهذا قال الله تعالى هنا: { ولن يتمنوه أبداً }؛ وفي سورة الجمعة قال تعالى: {ولا يتمنونه أبداً} [الجمعة: 7] وذلك؛ لأنهم يعلمون كذب دعواهم أن لهم الدار الآخرة خالصة
وظاهر الآية الكريمة على ما فسرنا أن الله تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتحداهم بأنه إن كانت الدار الآخرة لهم كما يزعمون فليتمنوا الموت لِيَصِلوا إليها؛ وهذا لا شك هو ظاهر الآية الكريمة؛ وهو الذي رجحه ابن جرير، وكثير من المفسرين؛ وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله تعالى: { فتمنوا الموت } أي فباهلونا، وتمنوا الموت لمن هو كاذب منا؛ فتكون هذه مثل قوله تعالى في سورة آل عمران: {فمن حاجَّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} [آل عمران: 61] ؛ فيكون المعنى: تمنوا الموت عن طريق المباهلة؛ ورجح هذا ابن كثير؛ وضعف الأول بأنه لو كان المراد: تمنوا حصول الموت لكانوا يحتجون أيضاً علينا نحن، ويقولون: أنتم أيضاً إن كنتم تقولون: إن الدار الآخرة لكم فتمنوا الموت؛ لأن تحديكم إيانا بذلك ليس بأولى من تحدينا إياكم به؛ لأنكم أنتم أيضاً تقولون: إن الدار الآخرة لكم، وأن اليهود بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم في النار؛ فتمنوا الموت أنتم أيضاً، والجواب عن ذلك أنا لم ندع أن الدار الآخرة خالصة لنا من دون الناس؛ بل نؤمن بأن الدار الآخرة لكل من آمن وعمل صالحاً سواء كان من هذه الأمة أم من غيرها؛ وهذا المعنى الذي نحا إليه ابن كثير . رحمه الله . مخالف لظاهر السياق؛ فلا يعوَّل عليه؛ وقد عرفت الانفكاك منه..
{ 96 } قوله تعالى: { ولتجدنهم أحرص الناس على حياة }؛ اللام في { لتجدنهم } موطئة للقسم؛ والنون للتوكيد؛ وعليه تكون الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، واللام، والنون؛ والضمير الهاء يعود على اليهود؛ و{ أحرص } اسم تفضيل؛ و "الحرص" هو أن يكون الإنسان طامعاً في الشيء مشفقاً من فواته؛ والحرص يستلزم بذل المجهود؛ ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز"(1) ؛ ونكر { حياة } ليفيد أنهم حريصون على أيّ حياة كانت . وإن قلّت؛ حتى لو لم يأتهم إلا لحظة فهم أحرص الناس عليها..
قوله تعالى: { ومن الذين أشركوا } أي الشرك الأكبر؛ واختلف المفسرون فيها؛ فمنهم من قال: هو مستأنف، والكلام منقطع عما قبله؛ والتقدير: ومن الذين أشركوا من يود أحدهم لو يعمر...؛ وهذا وإن كان محتملاً لفظاً، لكنه في المعنى بعيد جداً؛ ومنهم من قال: إنه معطوف على قوله تعالى: { الناس } يعني: ولتجدنهم أحرص الناس، وأحرص من الذين أشركوا؛ يعني: اليهود أحرص من المشركين على الرغم من أن اليهود أهل كتاب يؤمنون بالبعث، وبالجنة، وبالنار؛ والمشركون لا يؤمنون بذلك، والذي لا يؤمن بالبعث يصير أحرص الناس على حياة؛ لأنه يرى أنه إذا مات انتهى أمره، ولا يعود؛ فتجده يحرص على هذه الحياة التي يرى أنها هي رأس ماله؛ وهذا القول هو الصواب..
قوله تعالى: { يود أحدهم لو يعمر ألف سنة }؛ "الود" خالص المحبة؛ والضمير في { أحدهم } يعود على المشركين لا غير . على القول الأول: أي أن قوله تعالى: { ومن الذين أشركوا } مستأنف؛ وعلى القول الثاني: يحتمل أن يكون الضمير عائداً على اليهود؛ ويصير انقطع الكلام عند قوله تعالى: { أشركوا }؛ ويحتمل أن يكون عائداً إلى المشركين؛ ويرجحه أمران:.
أحدهما: أن الضمير في الأصل يعود إلى أقرب مذكور؛ والمشركون هنا أقرب..
والثاني: أنه إذا كان المشرك يود أن يعمر ألف سنة، وكان اليهودي أحرص منه على الحياة، فيلزم أن يكون اليهودي يتمنى أن يعمر أكثر من ألف سنة..
وقوله تعالى: { لو يعمر } أي لو يزاد في عمره؛ و"العمر" هو الحياة؛ و{ لو } هنا مصدرية؛ وكلما جاءت بعد "ود" فهي مصدرية، كما في قوله تعالى: {ودوا لو تدهن فيدهنون} [الأحزاب: 20] ، وقوله تعالى:
{ يودوا لو أنهم بادون في الأعراب } [يونس: 87] ؛ ومعنى "مصدرية" أنها بمعنى "أنْ" تؤول، وما بعدها بمصدر، فيقال في الآية . { يود أحدهم لو يعمَّر ألف سنة }: يود أحدهم تعميره ألف سنة؛ و "السنة" هي العام؛ والمراد بها هنا السنة الهلالية . لا الشمسية . لأن الكلمات إذا أطلقت تحمل على الاصطلاح الشرعي؛ وقد قال الله تعالى: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم} [التوبة: 36] ؛ فالميقات الذي وضع الله للعباد إنما هو بالأشهر الهلالية، كما قال تعالى: {يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج} [البقرة: 189] ، وكما قال تعالى في القمر: {وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب} [يونس: 5] ..
قوله تعالى: { وما هو بمزحزحه من العذاب } أي بدافعه، ومانعه؛ { أن يعمر }: { أن }، والفعل بعدها فاعل "زحزح" ؛ والتقدير: وما هو بمزحزحه تعميره؛ لأن "مزحزح" اسم فاعل يعمل عمل فعله؛ والمعنى أنه لو عُمِّر ألف سنة، أو أكثر وهو مقيم على معصية الله تعالى فإن ذلك لن يزحزحه من العذاب؛ بل إن الإنسان إذا ازداد عمره وهو في معصية الله ازداد عذابه؛ ولهذا جاء في الحديث: "شرُّكم من طال عمره، وساء عمله"(1).
قوله تعالى: { والله بصير بما يعملون }: { بصير } هنا بمعنى عليم؛ أي أنه جَلَّ وعلا عليم بكل ما يعملونه في السر، والعلانية من عمل صالح، وعمل سيء..
الفوائد:
.1 من فوائد الآيات: تكذيب اليهود الذين قالوا: "لنا الآخرة، ولكم الدنيا، لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة"؛ ووجهه: أن الله تعالى قال لهم: { فتمنوا الموت }، وقد قال تعالى: { ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم
2 . ومنها: أنَّ الكافر يكره الموت لما يعلم من سوء العاقبة؛ لقوله تعالى: ( بما قدمت أيديهم ).
.3 ومنها: إثبات السببية . تؤخذ من الباء في قوله تعالى: ( بما قدمت أيديهم ).
.4 منها: إثبات علم الله تعالى للمستقبل؛ لقوله تعالى: { ولن يتمنوه أبداً }؛ فوقع الأمر كما أخبر به..
.5 ومنها: جواز تخصيص العموم لغرض؛ لقوله تعالى: { والله عليم بالظالمين } فخص علمه بالظالمين تهديداً لهم..
.6 ومنها: أن اليهود أحرص الناس على حياة..
.7 ومنها: إبطال قولهم: "لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة"، ثم يخرجون منها، ويكونون في الجنة؛ لأن من كان كذلك لا يكره الموت..
.8 ومنها: أن الناس يتفاوتون في الحرص على الحياة؛ لقوله تعالى: { أحرص }؛ و{ أحرص } اسم تفضيل
.9 ومنها: أن المشركين من أحرص الناس على الحياة، وأنهم يكرهون الموت؛ لقوله تعالى: { ومن الذين أشركوا } مما يدل على أنهم في القمة في كراهة الموت ما عدا اليهود..
10 . ومنها: أن طول العمر لا يفيد المرء شيئاً إذا كان في معصية الله؛ لقوله تعالى: ( وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر ).
.11 ومنها: غَوْرُ فهم السلف حين كرهوا أن يُدْعَى للإنسان بالبقاء؛ فإن الإمام أحمد كره أن يقول للإنسان: "أطال الله بقاءك"؛ لأن طول البقاء قد ينفع، وقد يضر؛ إذاً الطريق السليم أن تقول: "أطال الله بقاءك على طاعة الله"، أو نحو ذلك..
.12 ومنها: أن الله سبحانه وتعالى محيط بأعمال هؤلاء كغيرهم؛ لقوله تعالى: { والله بصير بما يعملون }؛ والبصر هنا بمعنى العلم؛ ويمكن أن يكون بمعنى الرؤية؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم "لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"(1) ؛ فأثبت لله بصراً؛ لكن تفسيره بالعلم أعم..
القرآن
)قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (البقرة:97)( مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة:98)
التفسير:
.{ 97 } قوله تعالى: { قل } أي يا محمد؛ ويجوز أن يكون المراد: كل من يتوجه إليه الخطاب؛ { من كان عدواً لجبريل } أي معادياً له؛ "وجبريل" هو الملَك الموكل بالوحي؛ وكان اليهود يعادونه، ويقولون: "إنه ينْزل بالعذاب"؛ { فإنه نزله على قلبك }: فيه إعرابان: الأول: أن الجملة جواب الشرط؛ ووجه ارتباطه بفعل الشرط من الناحية المعنوية تأكيد ذم هؤلاء اليهود المعادين لجبريل، كأنه لم يكن فيه ما يوجب العداوة إلا أنه نزله على قلبك؛ وهذا يشبه تأكيد المدح بما يشبه الذم، كقول القائل:.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب فالمعنى: من كان عدواً لجبريل فلا موجب لعداوته إلا أنه نزله . أي القرآن . على قلبك؛ وهذا الوصف يقتضي ولايته . لا عداوته؛ وقيل: إن جواب الشرط محذوف؛ والتقدير: من كان عدواً لجبريل فليمت غيظاً؛ لكن الإعراب الأول أصح، وأبلغ..
وقوله تعالى: { على قلبك } أي قلب النبي صلى الله عليه وسلم؛ وهذا كقوله تعالى: {نزل به الروح الأمين * على قلبك} [الشعراء: 193، 194] ؛ وإنما كان نزوله على قلبه؛ لأن القلب محل العقل، والفهم، كما قال تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها} [الحج: 46] ..
قوله تعالى: { بإذن الله } أي بإذنه الكوني القدري؛ { مصدقا لما بين يديه }: حال من الضمير . الهاء. في قوله تعالى { نزله }؛ يعني نزله حال كونه مصدقاً لما بين يديه . أي لما سبقه من الكتب، كالتوراة، والإنجيل، وغيرهما من الكتب التي أخبرت عن نزول القرآن؛ وسبق بيان معنى تصديق القرآن لما بين يديه.
قوله تعالى: { وهدًى } أي دلالة؛ { وبشرى } أي بشارة؛ و"البشارة" الإخبار بما يسر؛ وقد تأتي في الإخبار بما يضر، مثل قوله تعالى: { فبشره بعذاب أليم } [لقمان: 7] ؛ و{ للمؤمنين } متعلق بـ{ بشرى }؛ وإنما كان بشرى للمؤمنين خاصة؛ لأنهم الذين قبلوه، وانتفعوا به؛ "المؤمنون" أي الذين آمنوا بما يجب الإيمان به مع القبول، والإذعان؛ لأن الإيمان يدل على أمن، واستقرار؛ ولهذا قال بعض العلماء: إنه يكون في الأمور الغيبية دون الأمور المحسوسة..
.{ 98 } قوله تعالى: { من كان عدواً لله } أي معادياً له مستكبراً عن عبادته..
قوله تعالى: { وملائكته } يعني وعدواً لملائكته؛ و "الملائكة" جمع ملَك؛ وهم عالم غيبي خلقهم الله عزّ وجلّ من نور، وسخرهم لعبادته يسبحون الليل، والنهار لا يفترون؛ ومنهم جبريل، وميكائيل، وإسرافيل الذين كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر أسماءهم في افتتاح صلاة الليل(1) ..
قوله تعالى: { ورسله } جمع رسول؛ وهم الذين أوحى الله تعالى إليهم بشرع، وأمرهم بتبليغه؛ أولهم نوح، وآخرهم محمد . صلى الله عليهم وسلم أجمعين..
قوله تعالى: { وجبريل وميكال }: معطوف على قوله تعالى: { وملائكته } من باب عطف الخاص على العام؛ وعطف الخاص على العام يدل على شرف الخاص؛ فجبريل موكل بالوحي من الله إلى الرسل؛ و{ ميكال } هو ميكائيل الموكل بالقطر، والنبات؛ وخص هذين الملكين؛ لأن أحدهما موكل بما تحيى به القلوب وهو جبريل؛ والثاني موكل بما تحيى به الأرض وهو ميكائيل..
قوله تعالى: { فإن الله عدو للكافرين }: هذا جواب الشرط: من كان عدواً لله فالله عدو له؛ ومن كان عدواً للملائكة فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لرسله فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لجبريل فإن الله عدو له؛ ومن كان عدواً لميكائيل فإن الله عدو له؛ وهنا أظهر في موضع الإضمار لفائدتين؛ إحداهما: لفظية؛ والثانية: معنوية؛ أما الفائدة اللفظية: فمناسبة رؤوس الآي؛ وأما الفائدة المعنوية فهي تتضمن ثلاثة أمور: الأول: الحكم على أن من كان عدواً لله ومن ذُكر، بأنه يكون كافراً؛ يعني: الحكم على هؤلاء بالكفر؛ الثاني: أن كل كافر سواء كان سبب كفره معاداة الله، أو لا، فالله عدو له، ثالث: بيان العلة . وهي في هذه الآية: الكفر..
الفوائد:
.1 من فوائد الآيتين: أن من الناس من يكون عدواً لملائكة الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { قل من كان عدواً لجبريل }: ووجه ذلك: أن مثل هذا لكلام لو لم يكن له أصل لكان لغواً من القول؛ والقرآن منزه عن هذا اللغو..
.2 ومنها: فضيلة جبريل . عليه الصلاة والسلام . لأن الله تعالى دافع عنه..
.3 ومنها: ذكر الوصف الذي يستحق أن يكون به ولياً لجبريل؛ لقوله تعالى: { فإنه نزله على قلبك } يعني: ومن كان هذه وظيفته فإنه يستحق أن يكون ولياً..
.4 . ومنها: إثبات علوّ الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { فإنه نزله }؛ وإنما نزل به من عند الله؛ والنّزول لا يكون إلا من أعلى..
.5 ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وعى القرآن وعياً كاملاً لا يتطرق إليه الشك؛ لقوله تعالى: { نزله على قلبك }؛ لأن ما نفذ إلى القلب حلّ في القلب؛ وإذا حلّ في القلب فهو في حرز مكين..
.6 ومنها: أن هذا القرآن إنما نزل بإذن الله؛ لقوله تعالى: { نزله على قلبك بإذن الله }؛ والإذن هنا كوني؛ وقد ذكر العلماء أن إذن الله تعالى نوعان:.
كوني: وهو المتعلق بالخلق، والتكوين، ولا بد من وقوع ما أذِن الله تعالى فيه بهذا المعنى؛ مثاله قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255] ، وقوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} [البقرة: 102] وقوله تعالى: {ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله} [التغابن: 11] ..
والثاني شرعي: وهو ما يتعلق بالشرع، والعبادة؛ مثاله قوله تعالى: {قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون} [يونس: 59] ؛ وقوله تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21] ؛ والفرق بينهما أن المأذون به شرعاً قد يقع، وقد لا يقع؛ وأما المأذون به قدراً فواقع لا محالة؛ ومن جهة أخرى: أن المأذون به شرعاً محبوب إلى الله عزّ وجلّ؛ والمأذون به قدراً قد يكون محبوباً، وقد يكون غير محبوب..
7 . ومن فوائد الآيتين: أن القرآن بشرى للمؤمنين؛ وعلامة ذلك أنك تنتفع به؛ فإذا وجدت نفسك منتفعاً به حريصاً عليه تالياً له حق تلاوته فهذا دليل على الإيمان، فتناله البشرى؛ وكلما رأى الإنسان من نفسه كراهة القرآن، أو كراهة العمل به، أو التثاقل في تطبيقه فليعلم أنه إنما فاقد للإيمان بالكلية، أو أن إيمانه ناقص..
.8 . ومنها: أن من عادى الله فهو كافر؛ لقوله تعالى: { من كان عدواً لله }، ثم قال تعالى: ( فإن الله عدوّ للكافرين ).
.9 ومنها: أن من كان عدواً للملائكة، أو للرسل فإنه عدو لله؛ لأن الملائكة رسل الله، كما قال تعالى: {جاعل الملائكة رسلاً} [فاطر: 1] ؛ والرسل البشريون أيضاً رسل لله؛ فمن عادى ملائكة الله من جبريل أو غيره، أو عادى الرسل من محمد أو غيره فقد عادى الله عزّ وجلّ..
فإن قيل: فهل من عادى المؤمنين يكون معادياً لله ؟
فالجواب: هذا محل توقف في دلالة الآية عليه؛ اللهم إلا إذا عادى المؤمنين لكونهم تمسكوا بشريعة الرسل؛ فهذا يظهر أن الله يكون عدواً لهم، لأن من عاداهم إنما فعل ذلك بسبب أنهم تمسكوا بما جاءت به الرسل؛ فكان حقيقة معاداتهم أنهم عادوا رسل الله، كما قال أهل العلم في قوله تعالى: {إن شانئك هو الأبتر} [الكوثر: 3] أي مبغضك، ومبغض ما جئت به من السنة هو الأبتر؛ وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى في الحديث القدسي قال: "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب"(1) ..
10 . ومن فوائد الآيتين: أن كل كافر فاللَّه عدوّ له؛ لقوله تعالى: ( فإن الله عدوّ للكافرين )
11 . ومنها: إثبات صفة العداوة من الله . أي أن الله يعادي؛ وهي صفة فعلية كالرضا، والغضب، والسخط، والكراهة؛ و "المعاداة" ضدها الموالاة الثابتة للمؤمنين، كما قال الله تعالى: (الله وليّ الذين آمنوا) (البقرة: 257)
القرآن
)وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ) (البقرة:99)
التفسير:
.{ 99 } قوله تعالى: { ولقد }: سبق الكلام عليها؛ { أنزلنا إليك }: الإنزال إنما يكون من الأعلى إلى الأسفل؛ وذلك؛ لأن القرآن كلام الله؛ والله تعالى فوق عباده..
قوله تعالى: { آيات } جمع آية؛ والآية في اللغة: العلامة، لكنها في الحقيقة أدق من مجرد العلامة؛ لأنها تتضمن العلامة، والدليل؛ فكل آية علامة . ولا عكس؛ لكن العلماء . رحمهم الله . قد يفسرون الشيء بما يقاربه، أو يلازمه . وإن كان بينهما فرق، كتفسيرهم "الريب" بالشك في قوله تعالى: {لا ريب فيه} [البقرة: ] مع أن "الريب" أخص من مطلق الشك؛ لأنه شك مع قلق؛ وقد أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة "أصول التفسير"..
قوله تعالى: { بينات } جمع بينة؛ وهن الواضحات في ذاتها، ودلالتها..
وقوله تعالى: { وما يكفر بها } أي بهذه الآية البينات؛ { إلا الفاسقون } أي الخارجون عن شريعة الله؛ فالمراد بـ "الفسق" هنا الفسق الأكبر، كقوله تعالى في سورة السجدة: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} [السجدة: 20]
الفوائد =
.1 من فوائد الآية: أن القرآن وحي من الله عزّ وجلّ..
.2 ومنها: عظمة القرآن؛ لأن الله سبحانه وتعالى أضافه إليه، وجعله آية..
3 . ومنها: ثبوت علوّ الله عزّ وجلّ؛ لقوله تعالى: { ولقد أنزلنا إليك آيات بينات }؛ والنّزول لا يكون إلا من أعلى؛ وعلوّ الله سبحانه وتعالى من صفاته الذاتية اللازمة له التي لم يزل، ولا يزال متصفاً بها؛ وأما استواؤه على العرش فإنه من الصفات الفعلية؛ لأنه يتعلق بمشيئته..
.4 ومنها: وصف القرآن بأنه آيات بينات، ولا ينافي هذا قوله تعالى: {منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات} [آل عمران: 7] ؛ لأن هذا التشابه يكون متشابهاً على بعض الناس دون بعض؛ ولأنه يُحمل على المحكم، فيكون الجميع محكماً، كما قال تعالى: {فأما الذين في قلوبهم زيع فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم...} [آل عمران: 7] الآية..
فالحاصل: أن القرآن . ولله الحمد . آيات بينات؛ ولكنه يحتاج إلى قلب ينفتح لهذا القرآن حتى يتبين؛ أما قلب يكره القرآن، ثم يأتي بما يُشتَبه فيه ليضرب القرآن بعضه ببعض فهذا لا يتبين له أبداً؛ إنما يتبين الهدى من القرآن لمن أراد الهدى؛ وأما من لم يرده فلا؛ ولهذا قال تعالى: { وما يكفر بها إلا الفاسقون }..
5. ومن فوائد الآية: أنه لا يكفر بالقرآن إلا الفاسق..
6. ومنها: أن من كفر به فهو فاسق..
.7 ومنها: إطلاق الفاسق على الكافر؛ وعلى هذا يكون الفسق على نوعين:.
فسق أكبر مخرج عن الملة، كما في قوله تعالى: {فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم جنات المأوى نزلاً بما كانوا يعملون * وأما الذين فسقوا فمأواهم النار} [السجدة: 19، 20] الآية؛ ووجه الدلالة أنه تعالى جعل الفسق هنا مقابلاً للإيمان..
والثاني: فسق أصغر لا يخرج من الإيمان؛ ولكنه ينافي العدالة، كقوله تعالى: {ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان} [الحجرات: 7] : فعطف {الفسوق} على {الكفر} ؛ والعطف يقتضي المغايرة..
مسألة :-
تنقسم آيات الله تعالى إلى قسمين: كونية، وشرعية؛ فالكونية مخلوقاته، كالشمس، والقمر، والنجوم، والإنسان، وغير ذلك؛ قال الله تعالى: {ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت: 37] ، وقال تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} [الروم: 22] ؛ وأما الشرعية فهي ما أنزله الله تعالى على رسله من الشرائع، كقوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته} [الجمعة: 2] ، وقوله تعالى: {وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم..} [سبأ: 43] الآية، وكذلك الآية التي نحن بصدد تفسيرها..
القرآن
أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة:100)
)وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة:101)
التفسير:.
.{ 100 } قوله تعالى: { أوَ كلما }: الهمزة هنا للاستفهام؛ والواو للعطف؛ ومثل هذه الصيغة متكررة في القرآن كثيراً؛ وقد سبق الكلام عليها؛ أما { كلما } فإنها أداة شرط تفيد التكرار . أي كثرة وقوع شرطها، وجوابها؛ وكلما حصل الشرط حصل الجواب؛ فإذا قلت: "كلما جاء زيد فأكرمه" اقتضى تكرار إكرامه بتكرر مجيئه قلّ، أو كثر..
قوله تعالى: { عاهدوا عهداً }؛ "العهد" : الميثاق الذي يكون بين الطوائف سواء كان ذلك بين أمة مسلمة وأمة كافرة؛ أو بين أمتين مسلمتين؛ أو بين أمتين كافرتين؛ والضمير في { عاهدوا } يعود على اليهود؛ { نبذه فريق منهم }: "النبذ" : الطرح، والترك . أي ترك هذا العهد جماعة منهم . أي من اليهود . فطرحوه، ولم يفوا به؛ وهذا هو حال بني إسرائيل مع الله سبحانه وتعالى، ومع عباد الله؛ فالله تعالى أخذ عليهم العهد، والميثاق؛ ومع ذلك نبذوا العهد، والميثاق؛ والنبي صلى الله عليه وسلم عاهدهم، ونبذوا عهده..
قوله تعالى: { بل أكثرهم لا يؤمنون }: هذا الإضراب للانتقال من وصف إلى وصف: من وصف نقض العهد ونبذه، إلى وصف عدم الإيمان؛ فعليه يكون هذا الإضراب إثباتاً لما قبله، وزيادة وصف . وهو انتفاء الإيمان عن أكثرهم؛ لأن المؤمن حقيقة لا بد أن يفي بالعهد، كما قال الله تعالى: {وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً} [الإسراء: 34] ، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن آية المنافق ثلاث: "إذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر..."(1) ؛ ولو أنهم آمنوا ما نقضوا العهد الذي بينهم وبين الله، أو الذي بينهم وبين عباد الله..
.{101 } قوله تعالى: { ولما جاءهم رسول من عند الله }؛ { لما } هنا شرطية؛ وهي على أربعة أنحاء في اللغة العربية: شرطية؛ ونافية جازمة؛ وبمعنى "إلا"؛ وبمعنى "حين"؛ و{ من عند الله } صفة لـ{ رسول } أي رسول مرسل من عند الله . وهو محمد صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى: { مصدق لما معهم } أي للذي معهم من التوراة إن كانوا من اليهود، ومن الإنجيل إن كانوا من النصارى؛ والحديث في هذه الآية كلها عن اليهود؛ وتقدم معنى { مصدق لما معهم }؛ فكان على اليهود، والنصارى أن يفرحوا بهذا القرآن؛ لأنه مؤيد لما معهم؛ ولكن الأمر كان بالعكس!!!.
قوله تعالى: { نبذ } أي طرح بشدة { فريق } أي جماعة { من الذين أوتوا } أي أُعطوا؛ و{ الكتاب }: مفعول ثان لـ{ أوتوا }؛ ومفعولها الأول: الواو، وهي نائب الفاعل؛ و "أل" هنا للعهد الذهني؛ وهو بالنسبة لليهود التوراة؛ وبالنسبة للنصارى الإنجيل؛ و{ كتاب الله } أي القرآن؛ وهو مفعول { نبذ }؛ وأضيف إلى الله لأنه المتكلم به؛ فالقرآن الذي نقرؤه الآن هو كلام ربنا . تبارك وتعالى . تكلم به حقيقة بلفظه، ومعناه، وسمعه منه جبريل، ثم أتى به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم حتى وعاه، وأداه إلى الصحابة؛ والصحابة أدوه إلى التابعين، وهكذا حتى بقي إلى يومنا هذا . ولله الحمد؛ وسمي القرآن كتاباً، لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ؛ وفي الصحف التي بأيدي الملائكة؛ وفي الصحف التي بأيدي البشر..
قوله تعالى: { وراء ظهورهم } أي رموه بشدة وراء الظهر؛ وهو عبارة عن الانصراف التام عنه؛ لأنهم لو نبذوه أمامهم، أو عن اليمين، أو عن الشمال لكان من الجائز أن يكونوا يأخذون به؛ لكن من ألقاه وراء ظهره كان ذلك أبلغ في التولي، والإعراض عنه، وعدم الرجوع إليه؛ لأن الشيء إذا خُلِّف وراء الظهر فإنه لا يرجع إليه..
قوله تعالى: { كأنهم لا يعلمون }: "كأن" لها معنى، ولها عمل؛ عملها: عمل "إنّ" . تنصب الاسم، وترفع الخبر؛ وأما معناها: فهو هنا التشبيه . يعني كأنهم في نبذهم لكتاب الله وراء ظهورهم لا يعلمون أنه حق..
الفوائد:
.1 من فوائد الآيتين: أن اليهود لا يوثق منهم بعهد؛ لأنهم كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم..
.2 ومنها: أن نبذ فريق من الأمة يعتبر نبذاً من الأمة كلها. ما لم يتبرؤوا منه؛ فإن تبرؤوا منه فإنهم لا يلحقهم عاره؛ لكن إذا سكتوا فإن نبذ الفريق نبذ للأمة كلهم؛ وجه ذلك أن الله وبخ هؤلاء على نبذ فريق منهم مع أنهم لم يباشروه..
.3 ومنها: أن من أهل الكتاب من لم ينبذ كتاب الله وراء ظهره؛ بل آمن به كالنجاشي من النصارى، وعبد الله بن سلام من اليهود..
.4 ومنها: أن من نبذ العهد من هذه الأمة فقد ارتكب محظورين:.
أحدهما: النفاق؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف؛ وإذا اؤتمن خان"(1) ، وفي الحديث الآخر: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كان فيه واحدة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها..."(2) ، وذكر منها: "إذا عاهد غدر" ..
والمحظور الثاني: مشابهة اليهود..
.5 ومنها: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حق؛ لقوله تعالى: ( من عند الله).
.6 ومنها: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرت به الكتب السابقة؛ لقوله تعالى: ( مصدق لما معهم).
.7 ومنها: أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم تقرر ما سبق من رسالات الرسل، لقوله تعالى: (مصدق لما معهم).
.8 ومنها: أنه مع هذا البيان والوضوح، فإن فريقاً من الذين أوتوا الكتاب نبذوا هذا الكتاب الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم..
.9 . ومنها: أن نبذ من عنده كتاب وعلم أقبح ممن ليس عنده ذلك؛ ولهذا نص على قوله تعالى: { فريق من الذين أوتوا الكتاب }؛ لإظهار شدة القبح من هؤلاء في نبذهم؛ لأن النبذ مع العلم أقبح من النبذ مع الجهل..
10 ومنها: أن القرآن كلام الله، لأن الله تعالى أضافه إليه في قوله تعالى: ( كتاب الله).
.11 ومنها: توكيد قبح ما صنع هؤلاء المكذبون؛ لقوله تعالى: { كأنهم لا يعلمون }؛ لأنهم في الواقع يعلمون؛ ولكن فعلهم كأنه فعل من لم يعلم؛ وكفر من علم أشد من كفر من لم يعلم..
.12 ومنها: أن هذا النبذ الذي كان منهم لا يرجى بعده قبول؛ لقوله تعالى: { وراء ظهورهم }؛ لأن النبذ لو كان أمامهم ربما يتلقونه بعد؛ كذلك لو كان عن اليمين، والشمال، لكن إذا كان وراء الظهر فمعناه استبعاد القبول منهم..
13 . ومنها: شدة كراهية اليهود للقرآن، واستهانتهم به، حيث نبذوه وراء ظهورهم..
*يتبع باذن الله *