منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى متيجة هو منتدى ترفيهي علمي بامتياز هنا تجد كل ما تريده من تطبيقات و سريالات و العاب و فتاوة في الشريعة الاسلامية و تفسير القران و كل ما نستطيع توفيره من كتب علمية .ادبية .انسانية. وعلوم شرعية .بحوث الخ. ويوجد منتدى للفيديو يوتوب ونكت ..الخ وحتى الان
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تقديم عام للاتجاه البراغماتي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نائب المدير
الادارة العامة
الادارة العامة
نائب المدير


عدد المساهمات : 2120
نقاط : 7058
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 06/04/2010

تقديم عام للاتجاه البراغماتي Empty
مُساهمةموضوع: تقديم عام للاتجاه البراغماتي   تقديم عام للاتجاه البراغماتي Emptyالثلاثاء يونيو 15, 2010 2:22 pm

) مقدمة : موقع الاتجاه البرغماتي من الدراسات اللغوية
البرغماتية اتجاه في دراسة اللغة يشارك في تنمية البحث فيه دارسون مختلفون وتتلاقى فيه على وجه معيّن ميادين من المعرفة مختلفة أهمها علم اللغة الخالص والبلاغة والمنطق وفلسفة اللغة وكذلك علم الاجتماع وغيرها من العلوم المهتمة بالجزء الدلالي من اللغة. ولقد سميناها اتجاهاً لأن الدارسين وإن جمعتهم بعض القضايا، فقد اختلفوا في تناولها وطريقة توظيفها بحسب اختلاف مشاغلهم، وبحسب تعقد ما انشغلوا به. والجامع بينهم أنهم على صور مختلفة يجاوزون بعض المفاهيم اللغوية التي سادت الدراسات اللغوية في الفترة الواقعة بين دروس سوسير، وكتابات تشومسكي ذلك أنهم ينكبون على الأشكال الدلالية مقابل انكباب البنيويين والنحاة التوليديين على الأشكال الدالة. ويعتبرون المقام اللغوي في مقابل اهتمام الدراسات السابقة بالنظام اللغوي وينظرون في القول بعد أن كان النظر اللغوي يبحث عن الجهاز المختفي وراء القول، ويتساءلون في علاقة اللغة بالكلام، وجدوى التفريق بينهما، بعد أن كان اللغويون جازمين إلى إبعادهم إنجاز الكلام عن الدراسة العلمية.
والبرغماتية وإن نمت منذ ظهر كتاب الفيلسوف الإنكليزي أستين Austen (كيف نصنع الأشياء بالكلمات) فهي، إن تركنا تاريخ الأفكار برجالها وأنسابها مجموعة من الأفكار ذات أصول قديمة. ولها من غير أتباع أستين علماء من عصرنا الحديث. إذا راعينا الموضوع المدروس. وأهملنا نظريات الإعلام ، وما اتجهوا إليه واختاروا من الموضوع المدروس ، وأخذنا القضايا اللغوية من حيث هي لا من حيث نظر فلان فيها فإننا لا نرى البرغماتية في صورتها الأستينية سوى جزء من دراسة أعم هي دراسة التعامل اللغوي من حيث هو جزء من دراسة التعامل الاجتماعي، ووجودها جزءا من شيء أعم يفسر التقاءها مع دراسات تبدو بعيدة عنها.
وليس تقديمي للاتجاه البرغماتي النابع من محاضرات أستين إلا تمهيداً لدراسة التعامل اللغوي دراسة تؤلف بين التيارات التالية:
1) التيار الأستيني، وهو المعنيّ بالبرغماتية عند استعمال الكلمة وهو تيّار يشمل دراسات توافق أستين في أشياء وتخالفه في أخرى، ولكنها تدور جميعها حول ما يُسمّى بالأعمال اللغوية.
ويمكن تقسيمه عموماً إلى أقسام ثلاثة:
‌أ- دراسة الأعمال في ذاتها. وذلك بتقسيمها إلى أنواع ، وبوصف القرائن الدالة عليها، وبوصف الأقوال المشتملة عليها وهي الأقوال التي تعرف بالإنجازية performatif، وأعلام هذا الاتجاه البرغماتي السّـنّي = أستين نفسه وسيرل وستراوسن وآخرون (Searl. Stravsson).
‌ب- دراسة الأعمال عن طريق دراسة المحادثة وقوانينها وسبل المتكلم في التعبير عن نفسه على صورة تجعل المخاطب قادراً على فهم مقصوده باستعمال عمليات ذهنية معينة، وأكبر أعلامه غريس (Grice) .
‌ج- دراسة متضمنات القول، والافتراضات المسبقة والمحاجة ( Argumentation presupposition) ومن أعلامها دكرو (Ducrot) .



إن تقسيم الاتجاه الاستيني إلى هذه الأقسام الثلاثة لا يعني أن مواضيع هذا القسم مفقودة في القسم الآخر، أو أن بعض المواضيع (كالافتراض المسبق مثلاً) خاص بدكرو دون غيره. وإنما هي تقسيمات تقريبية لإظهار الخطوط العامة والمشاغل الكبرى داخل التيار، ثم إن داخل هذا التيار أعلاماً، لم يبق عندهم من مفاهيم أستين سوى أن تفكيرهم ناتج عن الحركة الفكرية التي أوجدها أستين بمفاهيمه، وأخصّ بالذكر منهم هنا بيرندنار (Berrendonner) فكتابه " مبادئ في اليراغماتية اللغوية" ليس سوى نقض للمفاهيم الأستينية الأساسية، ومحاولة لتخليص التفكير اللغوي من بعض المواقف الفلسفية.
2) وتكوّن خارج التيار الأستيني، تيار ثالث ورث التقاليد اللّغوية الأوروبية وراثة مباشرة وتأثر خاصّة بدراسة بنفنيست (Benveniste) للذاتية في اللغة، كما تأثر ببعض مقالات جاكبسون عن المشيرات المقامية (Embrayeurs deiciques) ويهتم هذا التيار بدراسة التخاطب (énonciation) وله ميادين يشارك فيها البرغماتيين ميلا لابتلاع دراساتهم.
3) وكذلك تكوّن خارج التيار الأستيني مجموعة من المدارس النحوية (في المعنى العام للنحو).
‌أ- بعضها نشأ في أنكلترا نفسها، ولابد أن أستين تأثر بها على شكل أو آخر، ونذكر خاصة مدرسة فيرث (Firth) الأكسفوردية فهي مدرسة سياقية، تهتم بالمقام وتأثرت بموقف عالم الأجناس مالينوفسكي. ونعتبر اللغة جزءاً من ثقافة المجتمع، وتدرس الدلالة في هذا النطاق. وتعتبرها غاية الدّراسة اللغوية، كما تعتبر دراستها ناقصة إذا لم تضع في الاعتبار مقام التخاطب (Contexte de situation) وإذا لم يتحدد المقام بسمات عامّة للمتخاطبين ولعملها اللفظي وغير اللفظي.
‌ب- وبعضها الآخر نشأ في أمريكا، وأخذ من المنابع التي أخذ منها أستين على ما أظن فهي متصلة بتيارات منطقية عرفت البرغماتية كما نرى، من جهة منطقية خالصة وإعلامها موريس وبار هيلل (Morris. Bar-Hillel).
‌ج- والبعض الآخر كان تطوراً داخل المدرسة التوليدية، ويمثل جزءاً من الدلالة التوليدية التي ناقشت النمط التشمسكي وأصحابه متأثرون خاصّة بدراسة "سيرل" أحد أصدقاء أستين، للأعمال اللغوية ويمثل هذا القسم من الباحثين لاكوف وروس (Lakoff-Ross) ومجمل ما اتجهوا إليه اقحام قرينة أحد الأعمال التي أهتم بدراستها البرغماتيون في المؤشر النسقي(Indicateur Syntagmatique) الممثل لأعمق البناء الدّلالي للجملة، وهذه القرينة تدخل في صورة فعل إنشائي دال على هذا العمل كما اهتم أصحاب هذا القسم بدراسة الافتراضات المسبقة التي يتضمنها كل كلام مقول.


2) البرغماتية والتصنيف العلامي.
للبرغماتية تعريف يقوم على تصنيفها داخل نظام علاميّ عامّ وله جذور في مشروع بيرس الهادف إلى وضع علامية دلائلية (سيميوطيقا) تكوّن نظرية منطقية عامة. ونجده واضحاً من المناطقة عند كرناب (Carnap) ومن اللغويين عند موريس (Morris) . وذلك منذ الأربعينيات، وفي فترة كان فيها بلومفيلد حيًّا ومفاد تصنيف موريس وكرناب، أن العلامات يمكن دراستها من وجوه ثلاثة.
1) أوّلها التركيب (Syntaxe) وهو نحو يدرس علاقة العلامات بعضها ببعض في شكل تركيبي صحيح.
2) وثانيها علم الدلالة (Sémantique) وهو يدرس علاقة العلامات بما تدل عليه.
3) وثالثها البرغماتية وهي تدرس علاقة العلامات بمستعمليها المؤوّلين لها. وهذا التحديد التصنيفي مازال جارياً عند البرغماتيين ولكنه يستعمل استعمالاً مخالفاً لاستعماله المنطقي الأول فنحو المناطقة غير نحونا، وإن كان مشتقاً من صياغة الجملة الخبرية. إنه جزء من صناعتهم الرمزية فيه تخلُّص من تعدد استعمالات العلامات اللغوية الطبيعية. وهو عندهم علم في تركيب الرموز تركيباً صحيحاً، في جمل شبيهة بالمعادلات الرياضية. وهذا الفهم مخالف لفهم اللغويين لأسباب نذكر منها عدم وجود إشارة إلى المستويات التي يتضمنها التركيب النحوي في اللغات الطبيعية (كالمستوى الصرفي مثلاً)، ولكن نحوهم الصافي (كما يقول كارناب) يصلح أن يكون نموذجاً لصناعتنا النحوية. وأمّا علم الدلالة فهو يخالف فهمنا له. فعلم الدلالة الصافي يبحث في علاقة العلامات بمدلولات مجرّدة تجريداً كاملاً، وليس متعلقاً بمدلولات خصوصية ذات صلة بواقع الأمور. وحسب هذا الفهم فعلم دلالتنا ليس له وجود في التصنيف العلامي إلا من جهة واحدة وهي أنه جزء من البرغماتية. وعلاقته بعلم الدّلالة الخالص، أي المنطقي، لا تكون إلا من جهة واحدة وهي أن علم الدلالة اللغوي يمكنه أن يَعْتبِرَ علم الدلالة الخالص مثالاً يحتذى.
وهذا الموقف نجده عند بعض اللّغويين صريحاً فلأسباب لغوية بحتة شك كثير من اللغويين في إمكان دراسة الدّلالة اللغوية مستقلّة عن مستعمليها، ويكفي أن ننظر في النّظام اللّغوي عن مقولات الأنا وأنت وهنا والآن لكي نتحقق من أن علم الدّلالة في جانب لا بأس به يدخل تحت تعريف البرغماتية بأنها علاقة العلامات بمستعمليها، هذا الموقف نجده خاصة في دراسات دكرو عن لكن Mais ولأن Parce que و Puisque وغيرها من الأدوات المستعملة في المحاجّة Argumentation.
ولأسباب منطقية يذهب بعض اللغويين إلى نفس الفكرة. فإذا قلنا أن النحو يبحث في التراكيب الصحيحة، فكذلك علم الدلالة يبحث في المعاني اللغوية الصحيحة، ودراسة الصحة المعنوية اهتم بها المناطقة منذ القديم، وهم يميزون بين الصدق والكذب، والصحة والخطأ (Vrai- Faux) بموافقة العبارة أو عدم موافقتها لحالة من الأشياء ) tat de chosesé). واعتماداً على هذا فالجملة "الشمس بازغة" صحيحة إذا ما قورنت بالجملة "الشمس مكعب"، ولكن الجملة اللغوية لا تكون إلا إذا قالها متكلّم. فإذا قال المتكلم هذه الجملة في الليل أو في ظرف مشابه، فلا صحة فيها. فهذا يبيّن أن الصحة المعنوية رهينة مستعمل الجملة في مقام معيّن، فإذا كان هذا، فعلم الدلالة جزء من البرغماتية.
في مقابل هذا الموقف نجد من يتشبث بالتفريق الثلاثي، خاصة من كان من اللغويين يفرق بين معنى القول ( énonce) وهو معنى دلالي، ودلالة القول وهو معنى برغماتي. ومفاده أنه يمكن وضع علم للدلالة اللغوية مستقلّ عن البرغماتية، ووضع برغماتية مستقلة عن علم الدلالة.
بيد أنَّه إلى الآن لم نجد نظرية دلالية لغوية خالصة، لا تحتاج إلى الإحالة إلى المتكلم على صورة من الصور. وهذه الصعوبة في عزل العلامة عن مؤولها ( Interprétant ) قد دفعت ببعضهم إلى استعمال تقسيم بيرس (Peirce) للعلامة إلى نوعين: نمط Type واطّراد occurrence للتّفريق بين قولين أحدهما نمط، والآخر اطراد للنمط، وهو تقسيم حسب رأيي إن كان يصح في علامة شمس وكأس، أو غيرهما من الكلمات، فلا يصح في ما هو قول ( énoncé) ، إلا إذا تبيّن على صورة لا تترك مجالاً للشك أنَّ هذا لا يناقض مبدأ الخلق اللّغوي، وهو مبدأ لا أظن علم اللغة مستعداً في الوقت الحاضر للتخلي عنه.
وملخص القول في هذا أنه إلى الآن لا نجد رفضاً تاماً ولا قبولاً تاماً لتحديد البرغماتية داخل تصنيف ثلاثي للعلامات، وإنما نجد مواقف يمكن تلخيصها في ثلاثة:
1- البرغماتية تشمل علم الدلالة، وقد ذكرنا بعض أصحاب هذا الفكر .
2- علم الدلالة مستقل عن البرغماتية، نجده عند النحاة، وعند الفلاسفة من البرغماتيين.
3- يوجد جزء مشترك بين علم الدلالة والبرغماتية، ويمثله خاصة دكرو.
ومهما كان الحال، فإننا إذا سلّمنا بأنَّ الدّلالة نظام يسود النّحو الذي يسود الصّرف والأصوات، فإنّ هذه المسألة حسب رأيي تنتهي في الأخير إلى التساؤل: أعلْمُ اللغة برغماتية؟ أم هو شيء آخر وهذا السؤال يضع في الميزان مبدأ اكتفاء النّظام اللّغوي بذاته ( Immanence) .


3)البرغماتية والأعمال اللغوية.
إذا تركنا تحديد البرغماتية بتصنيفها تصنيفاً علاميًّا عامًّا فإنَّ لها تحديداً آخر يتضمن حسب المؤلفين إيجابيا أو سلبياً من التصنيف الثلاثي. ولكنه وإن تضمن الموقف فهو يتجه إلى النظر في الأشياء من زاوية أخرى تقوم في أساسها على مناقشة الفلسفة التحليلية الأكسفوردية لبعض المواقف المنطقية من اللغة الطبيعية.
يتناول المنطق في اتجاهه الأساسي المتمثل في دراسة القضايا ( Propositions) اللغة من جهة كونها تقوم أساساً على الوظيفة الوصفية، فهي تصف حالة الأشياء وهي في وصفها قابلة لحكمين اثنين لا ثالث لهما أمّا أن تأخذ قيمة الصدق وأمّا أن تأخذ قيمة الكذب. ويتبع هذا الموقف شيئان: أن يكون الموصوف خارجاً عنها تابعاً لحالة ممّا يشوب الخبرية فيها.
إن التحديد المنطقي للمعنى بجعله اللغة واصفة لشيء خارج عنها قد أهمل أنّ جملة كـ " الشمس بازغة" تحمل إثباتاً يمتنع عن تقييمنا للقول بالصدق والكذب. لا شكّ أنّ المناطقة درسوا الإثبات، وجعل له فراك (Frege) علامة معيّنة توضع قبل الجملة المنطقية ( +ــــــــــ ) معتبراً هذه العلامة تمثل قوة الإثبات في الجملة الخبرية. ولكنك إذا قلت: " أثبتُ أنّ الشمس كاذبة " فالتصديق والتكذيب يجري على مفعول "أثبت" ولا يجري على الفعل والفاعل، وهو يختلف عن الألفاظ الدالة على المجردات، من حيث أنه لا يكون إلاّ باللغة.
وإذا قلنا " أعدك بشيء" " وألتمس منك شيئاً" " وأمرك بفعل شيء"، " وأدعوك إلى كذا"، فأنت قمت بأعمال هي الوعد والالتماس والأمر والدعوة وهي أعمال لا وجود لها خارج اللغة، فأنت لا تصف بها أشياء واقعة، وإنما تُنشئ بها أفعالاً هي وعد ما كان منك لو لم تقل أعد، والتماساً ما كان لولا قولك ألتمس، وأمراً ودعوة كانا بقولك أمر وأدعو.

تابع بحث ( تقديم عام للاتجاه البرغماتي)

وإذا قاربت هذه الأفعال بــــ" وعدت، والتمست، وأمرت، ودعوت" لرأيت أنّ هذه المبنية على صيغة الماضي لم تكن إلاَّ وصفاً لأعمال قمت بها فهي مخالفة لما صيغ على المضارع الدال على الحاضر. فأمر إنجاز لعمل الأمر، أمّا أمرت فوصف له، وإذا قلت لشخص" ألتمس منك" لم يقل لك أنت كاذب. أمّا إذا قلت له " ألتمستُ منك" أجابك "صدقت أو كذبت".
وكذلك إذا سمعت القاضي يقول : فُتحت الجلسة" فليس بإمكانك أن تكذّبه، بإظهار أنها لم تفتح، لأن الجلسة تُفْتَحُ بقول القاضي لهذه الجملة، فالفتح عمل ينجز بالقول، وبقولك في مقام مخصوص : بعت واشتريت وتزوّجْتُ تصبح بائعا ومشتريا ومتزوجاً، وبقول المسلم لامرأته أنت طالق، ينجز عمل الطلاق.
والمستفاد من هذه الأمثلة أن بعض الأعمال التي نقوم بها ليس لها وجود إلاّ داخل المؤسسة اللغوية. فليست اللغة مجرّد وسيلة لنقل الأفكار، ولوصف الأشياء، وإنّما هي ميدان ننجز فيه أعمالاً لا تنجز إلاّ في اللّغة وباللّغة. من ملاحظات كهذه خرج أستين بما سماه بالأعمال اللّغوية. هي أعمال يسيرها عرف لغوي اجتماعي أعمّ. فلولا العرف لما كان القاضي يفتح الجلسة، فأنت إذا صحت بفتح الجلسة ، فالجلسة مغلقة ما لم تتوفّر شروط معيّنة للاستعمال (Conditions d’emploi) أهمّها التواضع على أنّك من الذين يفتحون الجلسا، ومن الذين لهم أن يقولوا "أمر"، وليس لك أن تقول لزوجة جارك أنت طالق، إلاّ إذا أعطاك المجتمع حقّ الطلاق.
إن هذا التعريف الأولي للأعمال اللغوية يحتاج إلى ملاحظات عن البرغماتية.
1-إنها لا تربط العلامة اللّغوية بمستعمليها فقط، بل تربطها بالمؤسسة اللّغوية في عمومها من حيث هي مجال من مجالات التعامل الاجتماعي.
2-إنها كنظرية للتخاطب، تؤكد على التعامل من جهة المتكلم أكثر من تأكيدها عليه من جهة المخاطب.
3-إنها بتأكيدها على الوجه العرفي، لا تدرس ما يسميّه سوسير بالكلام، وإنّما تدرس استعمال اللّغة على صورة مجرّدة. فهي لا تسعى إلى وصف خصوصيّات في الكلام بل تسعى، من خلال دراسة الأعمال، إلى البحث عن مظاهر عامّة في استعمال اللّغة. وهذا ما يجعل تسميّة هذه الأعمال بأعمال الخطاب (Actes de discours) أو بأعمال الكلام (Actes de parole) لا تفي بالحاجة.

4)الأنماط الثلاثة للأعمال اللغويّة
لقد رأينا في الأمثلة السّابقة مجموعة تقبل التّصديق والتّكذيب، ومجموعة لا تقبل التصديق ولا التكذيب، لأنّها أعمال لغوية تقع داخل اللّغة ولا تصف حالة الأشياء الخارجيّة. ولكن المجموعتين على اختلافهما إنّما هي أقوال ننطق بها. والقول في ذاته عمل نقوم به. ويسميه أستين بالعمل القولي (Acte Locutionnalire).
بيد أنه لو أكتفينا بنعت المجموعتين بأنهما أعمالُ قولٍ، وسكتنا لانتفى الفرق بينهما والحال أننا رأيناهما مختلفين، فإن كانت الجملة "أنت طالق" تشارك الجملة " هي طالق" في أنّهما قولان، فإن هي طالق" إخبار من المتكلّم للمخاطب بطلاق، فهو خبر قابل للتصديق والتكذيب، أمّا " أنت طالق" فقول من المتكلم إلى المخاطب بحضور الطرفين في مكان القول وزمنه يحدث منه وينشأ طلاق فعلي. وكذلك الفرق بين أمرت وآمرُ – ووعدت – وأعد- واستعطفتً وأستعطف، وغيرها ممّا لا يكاد يُحصر. يُسمس أستين هذه الأعمال التي تنجز بمجرّد القول، والتي فيها القول يدلّ على عمل يقوم به المتكلّم عند قوله هذا القول الدّال، بالأعمال اللّاقولية (Acte illocutionnaire).
إن وجود هذا العمل اللاّقولي في الأمثلة الماضية لا يعني أن "وعدت" و" هي طالق" و"فتح القاشي الجلسة" وغيرها من الكلام الخبري، لاحتمالها الصدّق والكذب، لاتدلّ على أعمال لا قوليّة هي الإثبات. والإثبات ارج عن شروط التّصديق كما بيّنّا. فكان المتكلّم بقوله" وعدت قد قال " أثبت وعدي السّابق"، وبقوله " فتح القاضي الجلسة" قد قال " أثبت فتح القاضي الجلسةفي الماضي" والفرق بين " أعد" و" وعدت" أن السّمع قد يُنكر أنك تثبت له وعداً سابقاً. أمّا " أعد" فلا نكران فيها، لأنها حاصلة بالقول، والوعد حاصل بتلفّظ المتكلّم اللّفظ الدّال على الوعد.
وهكذا يتبيّن أنّه لا يوجد قول نقوله إلاّ وهو يحمل عملين، عملاً قولياً وعملاً لا قوليًّا.

ويتبعهما عمل ثالث يتبيّن من النظر في " أعدك بغلق الباب". إن المتكلّم بعمله القولي هذا قد أنجز عملاً لا قولياً ليس له وجود خارج اللغة وهو إنشاء الوعد وإحداثه. وهذا بغض النظر عن كونه قد أغلق الباب فعلاً أم لم يغلقه. فالوعد حاصل بالقول، أمّا الغلق أو عدمه فعمل من شأنه أن يجعل العمل اللاقولي مُتبعا أو غير متبع، أمّا المخاطب فله أشياء يستطيع عملها بعد قول المتكلم.
‌أ- ألاَّ يحرّك ساكناً.
‌ب- أن يقول للمتكلم، لا أعتمد عليك – سأغلقه بنفسي.
‌ج- أن يظهر فرحه.
‌د- أن يغضب. إذا كان السياق لا يتطلب غلق الباب.
وغير ذلك من ردود الفعل المستحيل حصرها لعدم إمكان التكهّن بها لغويًّا وذلك لانعدام وجودها في القول، فإذا تصوّرنا المتكلم قال جملته وهو يقصد إغضاب المخاطب، وإذا غضب المخاطب كما توقع المتكلم، فنيّة الإغضاب لا تمثل جزءاً من اللغة. لأن حدثها لا تكون بمجرّد قول يدلّ عليها. فإذا قلت لشخص: أغضِبُكَ. فأنت لم تغضبه أمّا إذا قلت له استرحمك وأستنجد بك وأباركك وأدشن. فقد استرحمت واستنجدت وباركت ودشنت. كل ذلك بقول دالّ على العمل الذي تقوم به عند قولك له.
هذا العمل الثالث الذي لا يوجد في اللغة والذي يرتبط برد فعل المخاطب سمّاه أستن بـــ (ِِActe perlocutionnare) أي العمل المجاوز أو الخارج عن القول، ونترجمه بعمل التأثير بالقول والملاحظ فيه أنه عمل قد يكون وقد لا يكون بعد قول المتكلم ، في حين أن العمل القولي واللاقولي عملان كائنان، عرفيان اصطلاحيان على خلاف عمل التأثير بالقول.
ولابدّ من التفريق في هذا المجال بين القصد اللاقولي، وقصد التأثير بالقول. فإذا قلت لشخص أمرك وفي نيتك أن تشعره بالذلّ أمامك، فأنت كما كنت لم تأمره إلا بعد عقد النية على الأمر، فقصدك الأمر حاصل بفعل آمرك. أما قصدك إذلاله فليس بالحاصل حتماً، لأن سامعك قد يظهر لك الاستهزاء حيث انتظرت منه التذلُّل، وقد لا يظهر منه شيء إذا صفت نيته معك فلم يفهمك، أو بلُد ذهنه فلم يُدرك . فليس من اللازم بلوغ قصدك التأثيري، أمّا قصدك الأمر فلازم البلوغ إلى المخاطب، وللعرف في هذا تحكم وتواضع. فالعرف لا يلزم المتكلم بإبلاغ قصد التأثير ويلزمه بإبلاغ القوة اللاقولية المصاحبة للقول. فشرط العمل اللاقولي أن يصاحبه القصد المقنَّن بالعرف والوضع، وأن يكون القصد مضمون الوصول إلى السامع المخاطب. فليس يحصل أمر ولا وعد ولا استفهام ولا استحسان ولا استهجان ولا التماس ولا عرض ولا غيرها مما عزَّ حصره إلا إذا بلغ السّامع أن المتكلم يبلغه القول على قوّة لا قولية هي أمر أو وعد أو استفهام أو غيره مما عددنا ولم تعدّد وقد سمّى أستن بلوغ القصد بـــ ( uptake ) وله معايير معينة تحدّد شروط النجاح، كما تحدّد شروط الاستعمال ( Condition succé et Conditions d’emploi) ملخص هذا المتعلقة باللغة من أصناف ثلاثة


1- الأول وضعيّ عرفيّ وهو العمل القوليّ وهو الفعل الذي تقوم به عند المخاطبة باستعمالك لقواعد اللغة الصوتية والصرفية والنحوية وما يطلب الصرف والنحو من دلالة توجد في الصيغ الصرفية ذاتها ومعاني الكلمات المعجمية ومعاني الوظائف النحوية والمعاني الحاصلة من المناسبة الحادثة من اجتماع الكلمات في تركيب نحوي معيّن بتوخيك معاني الكلم في معاني النظم كما يقول الجرجاني.
2- والثاني عرفي وضعيّ وهو العمل اللاقولي وهو عمل تنجزه وتحدثه وتنشئه عند القول وليس بموجود إلاَّ في اللغة، وله أشكال في اللغة لا يكون إلاَّ فيها، ومواطن في المقام لا يصلح لغيرها، وهو معنى تقصده وتحرص على أن يدركه السامع.
3- والثالث عمل تحدثه بواسطة القول ، ولكنه خارج عن العرف وليس فيه وضع وهو أثر لقولك في غيرك قد تكون قصدته فلم يقع، وقد تحدثه على غير قصد، وقد يكون حيث قصدت غيره.
وأهم الثلاثة إنما هو الأوسط فأغلب البرغماتية في العمل اللاقولي . فإذا وجدت بحثا في القولي أو في أثر القول فهو حدّ غرض بيان حدود اللاقولي وتمييزه عن الصنفين الآخرين..
وليست الأعمال التي ذكرت بمنفصلة فالقولي واللاقولي من زمن واحد لا يفصل بينهما غير الذهن، والأثر القولي إذا اشتد قربه من زمن حدوثهما حتى صار ملتصقاً بهما. صار فصله من صنع العقل ولاشتداد ما بينهما، وتجرد ما فيها اختلط القولي باللاقولي حتى دعا البعض إلى تعويضهما بالقول والمقول، والتلفظ والملفوظ (énoncé. Énonciation) ، ودعا بعضهم إلى التنازل عنه لكلفة له، تثقل الدرس، وتكبل البحث [ ليونز – بيرنار].

5)تقسيمات أخرى للعمل اللغوي
إن خطر اختلاط اللاقولي بالقولي جعل أستن يقسّم القولي أقساماً بها يتبين اللاقولي وهذه الأقسام تجعله مزيجاً من أعمال ثلاثة هي:
1- العمل التصويتي: وهو العمل الذي يكون منا بمجرد النطق بأصوات، بغض النظر عما تحمله من معنى ( Acte phonetique) ووحدته (phone).
2- العمل الصيغي: (Acte photique) ووحدته (Phéme) هو عمل يتضمن العمل التصويتي وهو صياغة قولية تحمل معنى ممكن لم يحدد بعد، صالح لسياق ممكن لم يحدد بعد، ومصطلح أستن ليس له أي اتصال بمصطلح جاكبسون المجانس له.
3- العمل البلغيّ (Acte rhétique) ووحدته (Rhéme) وهو الصياغة . وقد صارت صالحة للإبلاغ ، بتحدد معناها وتحدّد سياقها، وهذا العمل البلغيّ يشمل فعلين: تسمية الأشياء عنه، والإحالة إليها في خصوصها وليس لكلمة (Réme) هذا أي صلة بالمصطلح اللغوي المقابل (Théme).
وهذا العمل متضمن للعملين السابقين بحيث يكتمل العمل القولي باكتماله.
وهذا التقسيم للعمل القولي إن كان لا يرضي فهم اللغويين للمستويات اللغوية، فهو في عمومه مقبول عند بعضهم.
وللعمل اللاقولي علامات توجد في العمل الصيغي، فالصياغة مهيئة لتأدية عمل لاقولي معيّن، ولقد أشار إلى ذلك أستن وسيرل وغيرهما، كلٌّ على طريقته. وقد أحدث هذا الرأي نقاشاً بين البرغماتيين لأنه يهدد جدوى الفصل بين القولي واللا قولي، ومن الآراء التي قدمت لحل القضية. رأي وسط، يبدو أنه أقرب الآراء من أستن ومفاده أن العمل القولي يحمل قرائن القوة اللاقولية العامة، ولا يحمل القوّة اللاقولية المخصوصة، فالمخصوص من العمل اللاقولي يتحدّد بالسياق فقطعند القول، والمقصود من القوة اللاقولية العامّة هو كــ (الطلب الموجّه)، في صيغة الأمر يكون عند القول في السياق أمراً حقيقياً أو دعاء أو رجاء أو غيرها، وكالسؤال في صيغة الاستفهام يصبح في الكلام في الكلام المقول استفهاماً حقيقياً أو استنكاراً أو استبطاءً أو غيرها.
ولسيرل تقسيم آخر قريب من تقسيم أستين، حاول به التوضيح واجتناب الأشكال وإبراز اللاقولي على وجه يقيه من التلاشي في القولي.

1) العمل الأول هو التلفظ (Acte d’enonciation) وفيه يتلفظ المتكلم بكلمات وجمل، وأظن أن سيرل أراد بهذا العمل أن يجمع ما سمّاه أستن بالتصويتي وما سمّاه بالصيغي (Phatique) ولسيرل في استعمال التلفظ ما يبين أنه يعني المظهر الخالي من المعنى، ولا يعني بها ما يعنيه أصحاب المدرسة التخاطبية (Théorie de l’énonciation) .
2) العمل الثاني هو العمل القضوي نسبة إلى القضية المنطقية (Proposition) وهو يقوم على أمرين الإحالة إلى مرجع (Référer) والإسناد (Prédiquer) والملاحظ في هذا العمل قربه من العمل البلغيّ الريتيقي عند أستن، وكذلك نلاحظ فيه توسعه لمفهوم القضية، بجعلها تجاوز المفهوم المنطقي الذي يقصرها على الخبر المثبت، لاغير، وللعمل القضوي قرائن تدل عليه.
3) العمل اللاقولي: وله قرائن تدلّ عليه متميّزة عن قرائن العمل القضوي، وقد تختلط بها في المستوى السطحي من الجملة، فتبان عنه النظر في مستواها العميق. والجديد هنا عند سيرل أنه يحدّد بطريقة مشكلنة برموز منطقية العمل اللاقولي وعلاقته بما سمّاه بالعمل القضوي.
4) عمل التأثير بالقول، وموقفه منه كموقف زميله أستين، وقد كان لدراسة سيرل للأعمال اللغوية أثر عميق في الدراسات اللغوية، ولاسيما أنه قدّم الأمور على وجه هو أقرب إلى مفاهيم اللغويين وخاصة التوليديين منهم فلقد رأى أن اللغة ذات طاقة تعبيرية كاملة ، بحيث يمكنها التعبير عن المقصود دائماً وأدّاه ذلك إلى وضع معادلة تجعل ما يسميه البرغماتيون بالقوة اللاقولية (المعنى البلاغي) سائداً على ما يسميه بالمحتوى القضوي
F(P) ق (م)
وفائدة هذه المعادلة انها تجعل المحتوى القضوي الواحد قابلاً لقوى لاقولية واحدة. فمكان (ق) تستطيع أن تضع علامة الإثبات – أو علامة على الوعد، أو على الطلب إلخ. وبهذه الطريقة غيّر مفهوم القضية ومفهوم الإسناد المنطقي، على صورة تجعله يستجيب أكثر إلى اللغة الطبيعية التي هي في أساسها إنشاء لا مجرد آلة لوصف الأشياء.
6)قرائن القوّة اللاقوليّة والفعل الإنشائي
يقسّم أستن القول الإنشائي (énoncé performatif) وهو القول المعبّر عن إنشاء المتكلم لعمل لاقولي، إلى نوعين:
أ-إنشاء أولي (Performatif primaire) وهو إنشاء لا تظهر فيه القوة المخصوصة كافعل من الأمر يدل على التحدّي والدعاء والالتماس وغيرها ، وكالجملة (سأغلق الباب) الدالة على الوعد بالسياق، وكفتحت الجلسة ظاهرها الخبر وحقيقتها الإنشاء.
ب-إنشاء صريح وفيه القرينة واضحة وأستين لم يخصص قرينة بعينها فقد جعل القرائن أنواعا منها ما يكون من المنمّطات (modaux) ومنها ما يتعلق بترتيب الجملة، ولكنه أكد في أمثلته على الفعل المسند غلى المتكلم الدال على الزمن الحاضر، (أفعل(، حتّى كاد يصير القرينة الوحيدة، ساعده على ذلك تسميته لهذه القوة وكثرته في اللغات المدروسة ، ووقوعه في أول الجملة سائداً عليها في الموقع الذي حدده له سيرل.


مُساهمةموضوع: رد: تقديم عام للاتجاه البرغماتي.. الإثنين 22 فبراير 2010 - 18:37 رد مع اقتباس نص المساهمة
وتتعلق بهذا الفعل مسائل عدّة يطول شرحها نجمل فيها الفول مكتفين بالتعريف دون التحليل ودون ذكر ما يصاحبه من تناقض المواقف وتضاربها.
وأول هذه الأمور تسميته بالفعل الإنشائي وكأن القول الإنشائي قد لخص فيه. ولنا على استعمال هذه الصيغة احتراز ما كنا لنفطن إليه لو ترجمنا العبارة بفعل الإنجاز. لقد استعمل العرب هذا الاصطلاح في وصف بعض الأفعال، والأدوات ولكن استعمالهم أضيق، ولعلهم أحسنوا بذلك، فمن الأفعال الإنشائية عندهم بئس ونعم، فإذا كانا للإنشاء، فالإنشاء ليس فيهما وإنما هو في الاستحسان والاستقباح، وهما إنشائيان لأنهما وضعا في اللغة للدلالة على الإنشاء.
أمّا استسحن واستقبح واترجى وأتمنى وآمر، فجميعها قد أدخل في نوع من الخبر سمّي بالطلبي. أمّا المعاصرون فقد انقسموا في شأنه إلى قسمين:
أ-قسم يعتبره مجرد مصدر إنشائي (préfixe performatif) ليس له قيمة خبرية، لأن الشيء لا يمكن أن يكون واصفاً لذاته ومحقّقا بنفسه لتصديقه (Autovérification) ويقدّمون على ذلك أمثلة يتبين منها أن القوة اللاقولية لا تتغير بحذفه ولا يتغير محتوى الأخبار بوجوده وغيابه.
ب- وقسم يقدم أدلّة على أنّه يضيف شيئاً من المعنى إلى الجملة، فلا يمكن حذفه ولاسيّما إذا كان العنصر الوحيد المركّب للجملة كالفعل(أطردك).
وإذا كان الفريق الأول يقربه إلى أفعال التعليق (Verbes parenthétiques) وهي أفعال تقع جملاً اعتراضية تأتي لتنقّح من تقرير جملة أهمّ منها في الإخبار، كقولك (زيد – أظن- مقبل). يقوم بعمل قريب من عمل العرب، وهو اعتبارها خبرية تصف ذاتها بذاتها.
واعتبارها تصف ذاتها بذاتها يعني أنها تمثل علامة تُحيل إلى مرجع هو نفسها، وهو ما سمّاه بنفنيست وأكدّ عليه دكرو بالإحالة الذاتية،(sui-référence) وهو فكرة عارضها الذين لا يقبلون منطقيا انعكاس الخبر الواصف على نفسه، تماشياً مع موقف المناطقة، كما عارضها بيرندنار (Berrendonner) لسبب آخر ذكي وهو أن ما تُوُهم إحالة ذاتية إنما هو انعدام الإحالة، وذلك لأن الفعل الإنشائي عنده ليس عملاً لاقولياً كما توهم أستن وإنما هو تعويض لعمل حركي يصعب إنجازه أو يطول فعله، أو تغمض دلالته (كالجملة أقبّلك نقولها في رسالة عوض التقبيل).
وما لوحظ في الفعل الإنشائي أنّ حصره في المتكلّم المفرد على صيغة الحاضر المبني للمعلوم لا يوافق كل الاستعمالات، فما يقوم بوظيفة كوظيفته ما أسند إلى غير المتكلم وما كان مبنيًّا للمجهول وما أسند لضمير الشأن (Impersonnel) نحن رئيس الجمهورية نأمر – يُحجر عليكم الوقوف- ممنوع التدخين- . وليس لنا من استعمال ضمير الشأن في هذا السياق نظائر ولكن لنا الفعل الماضي قد اختصّ بكثير من الإنشاء عرف بصيغ العقود.
ورغم تنوع الاستعمالات، فقد تبين أنّ ما سمّي بالفعل الإنشائي أهم طريقة لحصر ما نسميه بالمعاني الإنشائية وما يسمونه بالقوى اللاقولية. ورغم الدراسات التي أجريت في هذا المضمار فالملاحظ ما يلي:
1-أن أغلب الدارسين يتوقّعون أن القوى اللاقوليّة أوسع من أن تحصر في الكلمات المعجمية.
2- أن قائمة الأفعال الإنشائية قائمة مفتوحة فالتواضع الاجتماعي كفيل بتحويل أفعال عادية خبرية إلى أفعال إنشائية (فعل " أقبّل" مثلاً).
3-أنّ تصنيف القوى اللاقولية بالأفعال الإنشائية يطرح القضايا التالية:
أ-هل الشكل اللغوي للفعل يوافق المعنى دائماً.
ب-هل يمكن تصنيف الاعمال اللاقولية في شجرة سُلَّمية على رأسها القوى اللاقولية الأساسية وفي أسفلها القوى المخصصة؟ يبدو أن الإجابة سلبية لأن القوى الصغرى المخصصة يتداخل بعضها في بعض، ولا يوجد انفصال كامل بينها.
ج-ألا تكون القوى اللاقولية تشتمل على مجموعة منها لا تتصف بالكونية بحيث يكون التصنيف غير ذي جدوى غي بناء برغماتية شاملة.
ومن القضايا التي يطرحها الفعل الإنشائي في المستوى النحوي إمكانية اعتباره موجوداً في البناء العميق لكل جملة، وقد قدّم هذه الفكرة بعض الدلاليين التوليديين واستعملوا في ذلك أدلة مقنعة، سرعان ما تبيّن أنها لا تستطيع الصمود أمام النقد، ومهما تكن وجاهة النقد الذي وجّه إلى أصحاب هذه النظرية، فإنني أعتقد أنه في نطاق تقدير نحوي لعناصر يمكن بفضلها إرجاع الأشكال الشاذة إلى الأصول، وفي نطاق تقدير أفعال لتفسير بعض التراكيب دون أخرى ودون مجاملة لتعميم التقدير بجعله نظرية عامّة. وأظن أن بعض القضايا اللغوية العربية لا يمكن حلّها إلاَّ بمثل هذا التقدير.
ومما يدعّم هذا أن كثيراً من الأدوات الدالة على الإنشاء يمكن تعويضها بأفعال وقد شعر بمثل هذا القدماء حين فسروا عمل إنّ وأخواتها بمشابهتها للفعل وإن كان تأكيدهم على مظهرها الشكلي أقوى. وقد لاحظ إمكان التقدير كثير من الدارسين عند انكبابهم على ما يسمى بالعمل غير المباشر، وعند دراستهم للمعنى المُهَّمَت (Sous-entendu).
والعمل غير المباشر هو عمل لاقولي غير ظاهر وليس بأوليّ، من حيث إن القول الدال عليه لا يدل عليه مباشرة وإنما يدل على عمل الإعارة، وتخبر جليسك بأنك لم تجد قلمك وأنت تريد قلمه، وعندي أنّ كلّ مركب بفعل إنشائي إنما هو خبر يدل على الإنشاء دلالة غير مباشرة، ولكن الباحثين في الأعمال غير المباشرة لا يرون هذا. وإنما ينظرون في جمل أغلبها من الخبر أو الاستفهام تدلّ على غير ما تدل عليه ظاهراً.
والسؤال الذي طرحه البرغماتيون كيف يمكن لعمل قوته (أ) أن يدلّ على عمل قوته(ب) وكيف يتمكن المتكلم من إبلاغ (ب) عن طريق (أ) وما الذي يعتمده المخاطب لفهم الغرض المقصود.
وحلّ القضية حسب غريس(Grice) إنَّما يرجع إلى قوانين تسيّر المحادثة، وهذه القوانين في عمومها كالحكم(maxime) تطالب المتكلم بإعطاء معلومات بقدر ما يطلب منه في الغخبار، بلا زيادة ولا نقصان وذلك على الكيفية التي يتطلبها السياق ودون قول الغلط ولا ما لا يتحقق ودون الخروج عن الموضوع وذلك بعبارة واضحة وجيزة منظمة.
فإذا سمع السامع كلاماً لا يخضع إلى هذا الحكم قام بعملية منطقية تضمنيّة لاستنتاج المعنى المقصود، وذلك بافتراض أنّ المتكلم يحترم قوانين المحادثة وأنه إن لم يحترمها فلسبب غير ظاهر، وأنه يحترمها في حدود القصد غير الظاهر، وأنه لابد أنه يعني كذا، لأنه إن لم يقصده كان غير محترم لهذه القوانين.
ولاشك أن السياق ذو دور كبير في تسيير استدلال المحادثة للبلوغ إلى العمل غير المباشر، ولاشك أن مبادئ غريس ليست إلاَّ جزءاً من مبادئ اجتماعية أعمّ ينبغي اكتشافها ودرسها.
ومن المسائل التي تطرحها قرائن العمل اللاقولي، صلتها بأفعال تفطن إليها بنفنيست ودرسها، وهي أفعال مشتقة من اقوال، سماها (Délocutif) ونترجمها بالمستقولة من الاستقوال وهي على وزن استفعل الدالة على اتخاذ الشيء، أخذناها على الصحة دون الإعلال على مذهب العرب في بعض الكلمات التي على هذا الوزن، تحاشياً للاستقالة، وملخص رأيه أن بعض الأفعال كانت جزءاً من الأقوال، ثم صارت نائبة عنها، وشبيه أمثلته موجود في العربية فسلّم مشتقة من (قال السلام عليكم) وصبّح من (قال صباح الخير) وهذه الأفعال إذا استعملت على وزن أفعل صارت فعلاً إنشائياً كاملاً، وهي مخالفة للمنحوت من القول كحمدل وبسمل.

وقد استغل دكرو هذه الفكرة لجعل الأفعال الإنشائية كلّها مستقولة وقد وجد صعوبة في بيان ذلك، وفسّر الاستقوال آنيًّا، لانعدام الدليل على ذلك تاريخياً، فكان عمله كعمل العرب في تفسيرهم للاشتقاق تفسيراً آنياً، وعموم فكرته مرتبط بموقف تواضعي عرفيّ شديد ينتسب إليه دكرو، وهو موقف يعتبر الأعمال اللاقوليّة خاضعة لنظام اجتماعي لغوي صارم، فالإنشاء خلق لواجبات وحدود على الهيئة القضائية يُسلطها المتكلم وللإستفهام على المخاطب (في الأمر مثلاً) أو يسلطها على نفسه، وأنه لاشك أن الأعمال اللاقولية تخضع إلى تواضع اجتماعي معيّن، فللأمر شرط الاستعلاء وللإستفهام شرط الجهل وصيغ العقود منظمة بقوانين تحدد الصفقات التجارية. ولكن العرفية لا تحقق كاملة إلاَّ في الأقوال المصاحبة للمراسم كـــــ (أدشن) و(أبارك) (عند المسيحيين) ( وأسمي باسم الله) (عند ذبح الشاة وغير ذلك.
ولذلك فاعتبار كل الأفعال الإنشائية مستقولة من أقوال تُقال في مراسم أو طقوس معينة، أمر لا يوافق عليه كل الدارسين.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تقديم عام للاتجاه البراغماتي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات متيجة :: دراسات ادبية ولغوية :: الدراسات الحديثة :: اللسانيات-
انتقل الى: