إنّ الاتساع المعرفي الذي يختص به نحو النص يجعل أداء مهمّته لا يعرف الاجتزاء ، ولا يتوقّف عند حدّ ، ولا يقبل شروطًا مسبقة ، وإنّما ينتقل من مستوى إلى آخر ، وفي إطار وحدة كليّة ، وفي صورة منظّمة ، بحيث يعالج ظواهر نصيّة مختلفة ، مثل : علاقات التماسك النحوي النصّي ، وأبنية التطابق والتراكيب المحورية ، والتراكيب المجتزأة ، وحالات الحذف ، والجمل المفسرة ، والتحويل إلى الضمير ، والتنويعات التركيبية وتوزيعاتها في نصوص فردية ، وغيرها من الظواهر التركيبية التي تخرج عن إطار الجملة المفردة ، التي لا يمكن تفسيرها تفسيرًا كاملًا دقيقًا إلّا من خلال وحدة النص الكلية([1]).
وقد حاول د. الفقي ([2]) ترتيب خطوات هذا الأداء بما يأتي :
أوّلًا : إحصاء الأدوات والروابط التي تسهم في التحليل .
ثانيًا : وصف شكل النصّ ، وموضوعاته ، ووصف هذه الأدوات والروابط .
ثالثًا : التحليل ، بإبراز دور هذه الروابط في تحقيق التماسك النصّي مع الاهتمام بالسياق والتواصل .
وهذه المحاولة هي إحدى المحاولات الرامية إلى وضع منهاج علميّ يحدّد العلاقات النحوية في النصّ ، ويدرس الترتيب والتنظيم الداخلي، مع التنبيه على أهم الروابط التي تسهّل على كلّ من المبدع والقارئ إدراك التماسك النصّي الداخلي وربطه بالمستوى التداولي([3]).
وبذلك يمكن لنحو النصّ أن يقدّم تفسيرًا مقنعًا لكثير من الظواهر التي توصف بالشذوذ في قواعد اللغة ، ويمكن أن يكون معينًا على تفسيرها تفسيرًا مقنعًا ، وكثيرٌ من الظواهر التي تستعصي على الوصف في اللسانيات المعاصرة يمكن أن تعالج أو تصاغ بطريقة أفضل إذا وصفت من جهة العلاقات القائمة بين الجمل في نص يتصف بالتماسك، لذلك أصبح نحو النص عند كثير من اللسانيين المعاصرين ضرورة لا اختيارًا([4]).
فنحوُ النصِّ ينظرُ إلى النصِّ بصورةٍ كليّة ، ولا يقف عند بنائه التركيبي إلا بقدر ما يؤثر هذا الركن البنائي في النص الكلي .
ومن مهمات نحو النص الأخرى التي توقعها فان دايك أن يمكن من صياغة القواعد التي تمكننا من حصر كل النصوص النحوية في لغة ما([5]) ، كما توقّع دي بوجراند أن تؤثر مساهمات نحو النصّ في دراسات الترجمة لأنّها أمر من أمور الأداء التي عَجَزَت اللسانيات التقليدية عن تقديم ما يساعدها في الترجمة الآلية([6]) .
وهكذا فمهمّة نحو النصّ توضيح السمات والخواص الفردية وأشكال الأبنية وأنواع السياقات ومستويات اللغة ودرجات الربط النحوي والترابط الدلالي ، وتحليل الخواص المعرفية العامّة التي تجعل من الممكن إنتاج البيانات النصيّة المعقّدة في مرحلة الأداء ، وإعادة إنتاجها في مرحلة التلقي ([7]).