اختار عَدوان نمر عَدوان من أواخر العهد العربي في الأندلس الأرضيةَ التي بدأ منها روايته "عودة الموريسكي من تنهداته"، والتي تمر بفلسطين وترفرف فيما بعد في الأندلس، في أروقة قصر الحمراء وأزقة غرناطة الجريحة التي كانت في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي تعاني من أهوال قاسية. والتاريخ الأندلسي الذي بدأ منه المؤلف يكاد يكون مجهولاً، فكان الحديث عن ثورة بزمط الرافضة لاستبداد بني الأحمر في غرناطة. وقد ظهر بزمط هذا مع قوته من العامة كبطل صعلوك حاز على لقب أمير المؤمنين.
ينتقل عَدوان للحديث بعد ذلك عن شخصية أخرى هي شخصية "موسى بن أبي الغسان" الذي أطلق بنو الأحمر سراحه بعد استفحال أمر ثورة بزمط، وقد جاء إطلاق سراحه كخيار صعب فضله عبد الله الصغير على خيار تقاسم السلطة مع بزمط وفي ظل المؤامرات التي كان يدبرها عمه الزغل سعياً منه وراء الانفصال (ص11). وابن الغسان هذا سُجن بتهمة مداعبة زينة العاشقين ابنة تسعة عشر ربيعاً. إلاّ أنه من القادة القلائل الذين فضلوا مصارعة العدو القشتالي على حياة الذل والخنوع، وهو ممن أبقوا على غرناطة مدينة إسلامية في جنوب أوروبا.
لم يكن من السهل الكتابة عن رواية "عودة الموريسكي من تنهداته" فهي رواية تنتقل بين زمنين يفصل بينهما نحو ستمائة سنة يختلط فيها الماضي بالواقع وبالخيال. فتارةً نمضي مع موسى بن أبي غسان في غرناطة القرن الخامس عشر الميلادي وتارةً أخرى نعيش مع موسى النابلسي في غرناطة الأسبانية المعاصرة بكل ما فيها من أحداث شيقة. ومن ثم ينتقل بنا عَدوان إلى أزقة البلدة القديمة في نابلس خلال انتفاضة الأقصى. ويظهر الخيال والحدس مع موسى النابلسي في أروقة قصر الحمراء. وظاهرة التقمص أو التناسخ التي يظهر فيها موسى النابلسي كأنه موسى بن أبي الغسان الأندلسي بحبهما ووفائهما وفي مقارعتهما للاحتلال رغم تيقنهم من صعوبة المواجهة في ظل الانقسام والتفريط وعواصف الخيانة.
تقدم الرواية صورة تكاد تكون متكاملة للمجتمع والسلطة في الأندلس بأسلوب مختصر، وتقص حالة الانقسام بين من هم في السلطة ممن ألفوا حياة الدعة والخيانة وتوقيع الاتفاقيات مع الأعداء أمثال عبد الله الصغير وعمه الزغل، وفي المقابل تتجلى صور أخرى للصمود والمجد والتحدي الذي سطره ابن الغسان ليس في فراش فكتوريا وإنما في حربه ضد فردناند وإيزابيلا اللذين لم يدخرا جهداً في طمس الثقافة الإسلامية في الأندلس.
يحاول المؤلف ربط ما جرى في الأندلس بما يجري الآن في فلسطين في مشهدين تبدلت فيهما الأسماء والجغرافيا إلا أن المواقف و"الجماعات الوظيفية·" والثائرين في وجه التقهقر والخيانة يؤدون أدوارهم كما ينبغي. ففي الوقت الذي يصر فيه موسى الأندلسي وبزمط الغرناطي ومن بعدهما موسى النابلسي وأبو حميد الفلسطيني على محاربة العدو حتى نيل الشهادة فإن عبد الله الصغير وعمه الزغل وابن كماشة الأندلسيين والطابور الخامس في أزقة قضيتنا الفلسطينية يبذلون النفس والنفيس في توجيه خناجرهم المسمومة لأبناء جلدتهم، وهم لا يخدمون في شيء اللهم مزيد من الازدراء في نظر أعدائهم قشتاليين كانوا أم إسرائيليين.
وفي هذه الرواية بين أسبانيا وفلسطين أسلوب يشد القارئ، وكأن حاضرنا هو ماضي غرناطة ومستقبلنا -الذي لم يأتِ بعد- كان صفحات قُلبت في الأندلس. ولعل هذا ما أراد عَدوان أن يوصله إلينا. فهذا ابن كماشة بذل قصارى جهده في تصديع أسوار الصمود في غرناطة وأمثاله كُثر في وطننا العربي المعاصر.
مما يؤخذ على هذه الرواية أنها تكاد تكون سجلاً للأحداث التاريخية أكثر منها رواية، ولا يعني ذلك أن المؤلف لم يوفق في عمله القيم هذا. إنما كان هناك كثير من الأحداث وتداخلها الأمر الذي يصعب على القارئ الإحاطة به على طول الرواية.
اسم الرواية "عودة الموريسكي من تنهداته" يطرح السؤال هل عاد الموريسكي متمثلاً في شخصية موسى النابلسي أم أنه سيعود كإشارة إلى التفاؤل حاول عَدوان نمر عَدوان إيصالها إلينا؟ فالمورسكيون Los Moriscos بمعنى المسلمين الصغار اسم أُطلق على المسلمين الذين أظهروا النصرانية وأبطنوا الإسلام بعد سقوط غرناطة¨ (الحجي، 2008، ص605).
ملاحظة: هناك القليل من الأخطاء المطبعية التي أرجو تعديلها مستقبلاً كما في صفحة رقم 115، السطر18 (ييدخلون- يدخلون). وصفحة 68، السطر الأول (هنا استيقظ لا شعوره الدفين).
وفي النهاية ينصح بقراءة هذه الرواية بتأنٍ وأرجو أن أكون قد وفقت في قراءة هذا العمل المميز وكل الشكر للمؤلف عَدوان نمر عَدوان وإلى الأمام.
ملاحظة: قُدمت هذه الورقة لندوة اليوم السابع في القدس في العشرين من أيار 2010
· مفهوم الجماعات الوظيفية: يشير إلى تلك الفئات من المجتمع التي ترضى بالقيام بالوظائف المستحقرة في نظر المجتمع مثل قيام اليهود بدور الربا في المجتمع الأوروبي، وهنا الإشارة إلى أولئك الذين يصرون على خدمة أعدائهم مقابل ثمن بخس.
¨ الحجي، عبد الرحمن علي. التاريخ الأندلسي من الفتح الإسلامي حتى سقوط غرناطة. دار القلم، دمشق، 2008. ص605.