الرسالة المسماة "بيان زغل العلم والطلب" أو "النصيحة الذهبية" المنسوبة للإمام الذهبي والتي فيها حط كبير من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى لا تصح نسبتها إلى الإمام الذهبي
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد:
والإمام الذهبي في دينه وورعه وخلقه يرتفع قدره عن مثل هذه الرسالة التي تنادي عباراتها على بطلانها.
وقد ألف الشيخ محمد بن إبراهيم الشيباني رسالة في إبطال نسبة هذه الرسالة إلى الإمام الذهبي سماها "التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية المنحولة على الإمام الذهبي، " ومما جاء فيها "أقول إن هذه النصيحة لا تصح نسبتها إلى الإمام الذهبي لاعتبارات عدة:
أولاً: لم يذكرها أحد ممن اعتنى بمؤلفات الذهبي رحمه الله تعالى.
ثانياً: الذهبي تلميذ طالت ملازمته للشيخ ابن تيمية وحتى آخر أيامه إلى وفاته رحمه الله تعالى.
ثالثاً: جميع أقوال الذهبي في كتبه المعتمدة أو أقواله المنتشرة في الثناء على ابن تيمية والحفاوة به تنكث هذه الرسالة وتنادي ببطلان نسبتها إليه بل وتزويرها عليه.
رابعاً: هذه الرسالة بخط خصم ملد لابن تيمية رماه بسهم من القول مفزع، وهي شهادة مرفوضة شرعاً.
خامساً: حتى الساعة لم نر دليلاً من دلائل التوثيق المعتبر يسند صحة نسبتها إليه، وهذا دونه خرط القتاد.
سادساً: لم نر من نسبها للذهبي رحمه الله تعالى بعد ابن قاضي شهبة إلا عصريه الحافظ السخاوي رحمه الله، وفي الوقت الذي لم يذكر فيه مستنداً للتوثيق لا نشك أن اعتماده على هذه النسخة لا يتجاوز زمنه، ومن مضلات عصريه ابن قاضي شهبة، ولهما التقاء في المشرب المناهض لدعوة ابن تيمية رحمه الله تعالى.
سابعاً: أما المعاصرون المثبتون لنسبتها إلى الذهبي فهم بين رجل يلتقي مع ابن قاضي شهبة مذهباً ومشرباً، وآخر لم يأت بدليل، وأنى يكون القبول لقول عري عن الدليل.
ثامناً: الشدة غير اللائقة بأهل العلم ومنهم الإمام الذهبي مع شيخه الإمام ابن تيمية.
انتهى. عن كتاب "كتب حذر منها العلماء" 2/309.
والله أعلم.
-----------
مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
--------------
ولو سلمنا جدلا بصحة نسبته للذهبي فأين ذِكر ابن تيمية في هذه الرسالة ؟؟؟؟؟
-----------------
ثم إن بعض الحاقدين على ابن تيمية زعم أن هذه الرسالة مكتوبة فيما بين سنة (721هـ) و سنة (728هـ)
وعلى هذا يقال :
في كتاب "ذيل تاريخ الإسلام" ترجم الذهبي لشيخه ابن تيمية ـ رحمهما الله ـ ، و ذكر بآخر الترجمة أنه توفي سنة (728هـ)، و معنى هذا أنه كتب الترجمة بعد ذلك التاريخ الذي حدده "بعضهم" لتلك الرسالة المزعومة التي جعلها ناسخة لثناء الذهبي المعـروف على ابن تيمية.
و مما قاله الذهبي عن شيخه : "ابن تيمية الشيخ، الإمام، العالم، المفسر، الفقية، المجتهد، الحافظ، المحدث، شيخ الإسلام، نادرة العصر، ذو التصانيف الباهرة، والذكاء المفرط".
و قال :
"نظر في الرجال و العلل، و صار من أئمة النقد، ومن علماء الأثر مع التدين والنبالة، و مع الذكر والصيانة.
ثم أقبل على الفقه ودقائقه وقواعده وحججه والإجماع والاختلاف، حتى كان يقضي منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف، ثم يستدل و يرجح ويجتهد. وحق له ذلك؛ فإن شروط الاجتهاد كانت قد اجتمعت فيه".
و قال : "ما رأيت أسرع انتزاعاً للآيات الدالة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشد استحضاراً لمتون الأحاديث و عزوها إلى الصحيح، أو المسند، أو إلى السنن منه. كأن الكتاب و السنن نصب عينيه، وعلى طرف لسانه بعبارة رشيقه، و عين مفتوحة، وإفحام للمخالف".
فلتقارن هذا الكلام بما في تلك الرسالة المزعومة المنسوبة للذهبي ، فإن لم تجعل هذا دليلاً على بطلانها، فلتجعله على الأقل ناسخاً لها، لأنه متأخر عنها.
-----------------
ثم يواصل الذهبي ثناءه على ابن تيمية، و يقول :
"كان آية من آيات الله في التفسير والتوسع فيه، لعله يبقى في تفسير الآية المجلس و المجلسين".
"وأما أصول الديانة ومعرفتها، ومعرفة أحوال الخوارج والروافض، و المعتزلة، و أنواع المبتدعة، فكان لا يشق فيه غباره، ولا يلحق فيه شأوه
و قال :
"كان قوالاً بالحق، نهاءً عن المنكر، لا تأخذه في الله لومة لائم، ذا سطوة و إقدام وعدم مداراة الأغيار".
و قال :
"أصحابه و أعداؤه خاضعة لعلمه، مقرون بسرعة فهمه.
و أنه بحر لا ساحل له، و كنز لا نظير له.
و أن جوده حاتمي، و شجاعته خالدية.
و لكن قد ينقمون عليه أخلاقاً و أفعالاً، منصفهم فيها مأجور، و مقتصدهم فيها معذور، و ظالمهم فيها مأزور، و غاليهم مغرور.
و إلى الله ترجع الأمور".
فهذه نبذ من ثناء الذهبي على شيخه ابن تيمية . .
فهل يمكن أن يتكلم بهذا من صنف تلك الرسالة المزعومة التي يقول فيها عن شيخه : "يا خيبة من اتبعك فإنه معرض للزندقة والانحلال"!!
وهل يمكن أن يتكلم بذاك الثناء من يقول عن الشيخ : "والله في القلب شكوك إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد".
--------------------------
و هذا الثناء نقلته من كتاب واحد للذهبي، صنفه بعد تاريخ تلك الرسالة المزعومة، و هو "ذيل تاريخ الإسلام"، وللذهبي كلام كثير غيره.
ومن ذلك ما ذكره في كتابه : "المعجم المختص"، و هو ـ أيضاً ـ من كتبه المتأخرة عن تاريخ تلك الرسالة المزعومة، فمما قاله في هذا المعجم عن شيخه ابن تيمية :
" و الله ما مقلت عيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه".
"كان إماماً متبحراً في علوم الديانة.
صحيح الذهن.
سريع الإدراك.
سيال الفهم.
كثير المحاسن.
موصوفاً بفرط الشجاعة والكرم.
فارغاً عن شهوات المأكل و الملبس، و الجماع، لا لذة له غير نشر العلم و تدوينه و العمل بمقتضاه".
-------------------
للحافظ الذهبي مصنفاً كاملاً في مناقب و أخبار شيخه اسمه "الدرة اليتيمية، في السيرة التيمية"، كتبه بعد وفاة شيخه، أي بعد تاريخ تلك الرسالة المزعومة، و ضمنه من الثناء والمديح ما لن يروق لخصومه.
-------------------
ابن تيمية و الذهبي متفقان في الأصول التي يعتقدانها و يدينان بها فيما يتعلق بالصحابة، و أصول المعتقد فمن وجد بينهما خلافاً في ذلك، فلينقله لنا .
----------------
ومن ثنائه على اين تيمية ما ذكره في كتابه : "المعجم المختص"، و هو من كتب الذهبي المتأخرة عن تاريخ تلك الرسالة المفتراة، فمما قاله في هذا المعجم عن شيخه ابن تيمية :
"برع في علوم الآثار والسنن، و درس و أفتى و فسر وصنف التصانيف البديعة، و انفرد بمسائل نيل من عرضه لأجلها، و هو بشر له ذنوب و خطأ، و مع هذا، فوالله ما مقلت عيني مثله، ولا رأى هو مثل نفسه، كان إماماً متبحراً في علوم الديانة، صحيح الذهن، سريع الإدراك، سيال الفهم، كثير المحاسن، موصوفاً بفرط الشجاعة والكرم، فارغاً عن شهوات المأكل و الملبس، و الجماع، لا لذة له غير نشر العلم و تدوينه و العمل بمقتضاه".
------------
ثبت عن الإمام الذهبي - رحمه الله- أنه رثى شيخ الإسلام – بعد وفاته- بمرثية قال فيها:
يا موت خذ من أردت أو فدع *** محوت رسم العلوم والورع
أخذت شيخ الإسلام وانفصمت *** عرى التقى واشتفى أولو البدع
إلخ... القصيدة في العممنوع الدرية ص 423، فأيهما أسبق هذه الرسالة المزعومة أو هذه المرثية!
---------------------
بندر الشويقي
------------
وإذا كنت تريد المزيد فعليك بالرجوع إلى
1: مقدمة المهذب في اختصار السنن الكبير/ زكريا بن علي وفقه الله
2: التوضيح الجلي في الرد على النصيحة الذهبية المنحولة على الإمام الذهبي/محمد الشيباني وفقه الله
3 - (أضواء على الرسالة المنسوبة إلى الحافظ الذهبي [النصيحة الذهبية لابن تيمية] وتحقيق في صاحبها) لأبي الفضل محمد بن عبدالله القونوي