سماحة الإمام الوالد عبد العزيز بن عبد الله بن باز : الحمد لله ، وصلى الله وسلم على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه أجمعين . أما بعد : فقد ثبت عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : ( الدين النصيحة ، قيل : لمن يا رسول الله !؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .
هذا الحديث العظيم الجليل يدل على عظم شأن النصيحة ، وأنها الدين ؛ لأن المسلمين متى تناصحوا فيما بينهم ، وتعاونوا على البر والتقوى ، وتواصوا بالحق والصبر عليه استقام أمرهم ، وعلا شأنهم ، واتحدت كلمتهم وصفهم ، ونصرهم الله على عدوهم .
ومتى تخاذلوا ، وغش بعضهم بعضًا ، وخان بعضهم بعضًا ؛ تفرقت الكلمة ، وتكدرت القلوب ، وحصل التباغض والفرقة والاختلاف ، ولهذا أرشدهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى النصيحة ، فقال : ( الدين النصيحة ) .
والنصيحة هي الإخلاص في الأمور ، وعدم الغش فيها والخيانة : أن يكون كل واحد ناصحًا في أعماله كلها . ناصحًا في عمله لله ، وفي عمله في كتاب الله ، وفي عمله مع رسول الله - عليه الصلاة والسلام - ، وفي عمله مع الأئمة والقادة ، وفي عمله مع العامة ، هكذا يكون المؤمن ناصحًا أينما كان ، وفي أي عمل كان .
الدين النصيحة ، يقال : ذهبٌ ناصح ، أي : خالص ليس فيه غش ، ويقال : عسل ناصح ، أي : مصفى ليس فيه شيء من الغش ولا من الشمع ، فالمعنى : الدين الإخلاص والصدق والصفا في كل شيء من أمور العبد مع ربه ، ومع القرآن ومع السنة ، ومع العامة ومع الخاصة .
فالنصيحة لله : الإخلاص في العمل ، وأداء العمل كما شرع الله في جميع أعماله من صلاة وغيرها ، أن يكون ناصحًا لله في كل أعماله . في إيمانه بالله ، وفي عبادته إياه ، وفي جميع الأعمال التي شرعها الله سبحانه وتعالى ، يؤديها كما أمر الله كاملة تامة ، ليس فيها غش ولا خلل ولا نقص ، بل يؤديها بغاية العناية والإخلاص والتمام والكمال .
وهكذا ينصح في كتاب الله العزيز ، بتدبره والعمل بما فيه ، وتحليل حلاله وتحريم حرامه ، وتنفيذ أوامره والانتهاء عن نواهيه ، والاعتبار بأمثاله وقصصه إلى غير ذلك ، والنصح في القرآن من جميع الوجوه .
وهكذا النصح لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أن يمتثل أوامره ، وينتهي عن نواهيه ، عن إيمانٍ به وتصديق ، وعن اعتقاد أنه رسول الله حقًا ، وأن الواجب اتباعه والقيام بما شرع ، عن إخلاص وصدق ، وعن رغبة ورهبة وصفاء ، لا عن غش وخيانة ، ولا عن تفريط وإضاعة ، بل يعمل بما أمر الله به ورسوله ، إيمان المصدق والمخلص ، هكذا المؤمن في أعماله كلها ، يكون صادقًا مخلصًا ، يعتني بعمله ، وينقيه من كل عيب ، من غش وخيانة وكذب وغير ذلك .
أما النصيحة لأئمة المسلمين : فبالنصح لهم من جهة طاعته بالمعروف ، ومن جهة جمع الناس عليهم حتى يستقيموا على طاعته بالمعروف ، ومن جهة الدعاء لهم بظهر الغيب ، ومناصحتهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، بالأساليب الحسنة والطريقة التي تكون أقرب إلى النجاح ، وهو مع ذلك يفعل ما يستطيع من كل ما يعين على جمع الشمل ، ورأب الصدع ، وتوحيد الصف ، والتعاون على البر والتقوى مع ولاة الأمور ، أمير بلده . شيخ قبيلته . محكمته . جميع من لهم شأن ، يتعاون معهم بالنصح والتوجيه والإعانة على الخير ، وغير هذا من جوه التعاون الذي يترتب عليه صلاح المجتمع .
وهكذا النصح للعامة ، بنصيحتهم لله ، وتعليمهم وإرشادهم ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر إلى غير هذا مما ينفع العامة ويعينهم على طاعة الله ورسوله .
وهذا جماع الدين . التناصح بين الجميع لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، من سلطان وأمير وقاضٍ ، وداعية إلى الله - عز وجل - ، وشيخ قبيلة وأعيان بلاد . وغير ذلك ، كل من له أمر ، وله إمامة ، ويقتدى به ؛ فالواجب التناصح معه وإعانته على الخير حتى تستقيم الأحوال ، وحتى تتحد الكلمة في طريق الله الذي شرعه لعباده .
وفق الله الجميع ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى وآله وصحبه أجمعين .