رَدٌّ على مقال الأستاذ راشد بن محمَّد ابن عساكر
للشيخ / عَبْد العزيز بن فيصل الرَّاجحي
الَحمْدُ للهِ رَبِّ العالمين ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتم النَّبيِّين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والتَّابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدِّين ، وبَعْدُ :
فقد كُنتُ قرأتُ مقالاً بعنوان «شخصيَّاتٌ مِن الذَّاكرة : الدَّاعيةُ الُمصلح الشَّيخُ محمَّد بن عبد الوهَّاب» للأستاذ راشد بن محمَّد ابن عساكر في «جريدة الرِّياض» يوم الجمعة (28/4/1427هـ) العدد (13850) قرَّر فيه أمرَيْنِ باطلَيْنِ :
أحدهما : قَوْلُه فيه : ( أسهب المُؤلِّفون وبالغوا في وَصْفِ الحالة الدِّينيَّة الَّتي كانتْ عليها المنطقةُ النَّجديَّة ، مِن البُعْدِ عن الشَّريعة وغيرها مِن الأمور . لكنَّ المُنصفين والُمدقِّقين أجمعوا على أَنَّها كانتْ بحالٍ جَيِّدَةٍ ، مِن التَّمسُّكِ بالشَّريعة الإسلاميَّة ، وتطبيق العبادات الدِّينيَّة ، ولكنْ ينقصها حكومةٌ واحدةٌ تقضي على الحروب ، وتجمع الشَّمْل ) .
والآخر : زَعْمُه أَنَّ الشَّيخَ محمَّد بن عبد الوهَّاب رحمه الله أَلَّفَ كتابَه «كتاب التَّوحيد» في البصرة لِـمَا شاهدَهُ فيها مِن البدع والُخرافات . يُريد بذلك تأييدَ مسألتِه الأولى ، وأَنَّ دافع الشَّيخِ لتأليفِه ، هو ما رَآهُ خارجَ البلادِ النَّجديَّةِ ، لا ما رَآهُ فيها .
وهاتانِ المسألتانِ ـ وإِنْ كانتا مُضحكتَيْنِ أَنْ تصدرَ مِنْ نجديٍّ ، ظاهرةَ البُطلان ـ إِلَّا أَنِّي طَمِعْتُ أَنْ تكونَ هذه مِنْهُ زَلَّةُ كريمٍ تُطوَى ولا تُروَى ، فَطَوَيْتُ رَدِّي عليه حينذاك ولم أنشرْهُ ، مع كتابتي له .
غَيرَ أَنَّ ظَنِّي ذاك قد تبدَّد ، حين رأيتُ له مقالاً في«جريدة الرِّياض» يَومَ الجمعة (5/2/1428هـ) العدد (14123) بعنوان «خدعوك فقالوا نَجْدٌ والشِّرك !» ، قرَّرَ فيه ما سَبَقَ ، بَعْدَ ذِكْرِه مُقدِّمةً باردةً في أهمِّيَّةِ التَّحقيقِ والتَّجرُّدِ عند البَحْثِ عن الحقائق التَّاريخيَّة . مع أَنَّهُ هو ـ نَفْسُه ـ أَحَقُّ النَّاسِ بنصيحتِه هذه ، فإِنَّ مَنْ يُغالِطُ في المعلومِ بالضَّرورةِ مِن تاريخ بَلَدِهِ القَريب ، لا يُؤْمَنُ ولا يُؤْتَمَنُ على تاريخ غَيرِه البعيد .
وتَوْطِئَتُه تلك الباردةُ ، كتَوْطئةِ الكذَّابين لترويجِ أكاذيبِهم بذِكْرِهم أهمِّيَّةَ الصِّدْقِ ، وفَضْلَ تحرِّيهِ ، فهل يُغني ذلك عنهم شيئًا ؟!
فلمَّا قرأتُ مقالَهُ الجديدَ ساءَني ، وعَلِمْتُ أَنَّهُ قد اشتملَ على بلاءٍ يُريدُ ترويجَهُ ونَشْرَهُ ، وإِنْ كان قد تكلَّفَ ـ حماقةً ـ سَتْرَ الشَّمسِ بكَفِّه ! فأردتُ بيانَ سقوطِ مزاعمِه السَّابقةِ في مقالِه الأَوَّل ، واللَّاحقةِ في مقاله الثَّاني ، على وَجْهِ الإجمال ، لعدم الحاجة للإطالة .
وأَنا أُجْمِلُ مزاعمَهُ الباطلةَ في مسألتَيْنِ :
إحداهما
قَوْلُه في مقالِه الجديدِ مُوافقًا مقالَهُ القديم : ( إِنَّ البلاد النَّجديَّة وغَيرَها ، إِنَّما كانتْ في صراعٍ مريرٍ حَوْلَ السُّلطةِ والسِّياسةِ ، وليستْ ضِدَّ الدِّينِ . حَيْثُ كانت الحالةُ الأمنيَّةُ قبل قيام الدَّولةِ السُّعوديَّةِ عام 1157هـ تعيشُ في تَأَزُّمٍ وتناحُرٍ وتصارُعٍ ، وقد وُحِّدَتْ بحمده تعالى تحت كيانٍ واحد .
بَيْنما كانتِ الحالةُ الدِّينيَّةُ على مذهب أهل السُّنَّةِ والجماعة ، ولم يَدْخُلْهَا ـ نجد ـ بحمدِه تعالى ما ذَكَرَ عَنْهَا ابنُ غَنَّامٍ ، أو مَنْ أَخَذَ ونَقَلَ عنه بَعْضُ طلبة العلم ، مِنْ وجودِ الُخرافاتِ والشِّركيَّاتِ الُمنتشرةِ في جنباتِها ) .
ثُمَّ استدلالُه على صِحَّةِ مزاعمِه بقَوْلِه : ( إِنَّ القارئَ الفَطِنَ ، والباحثَ الَجادَّ لمؤلَّفاتِ تلك الفترةِ الَّتي سَبَقَتْ تعاضدَ الشَّيخِ محمَّد بن عبد الوهَّاب مع الأمير محمَّد بن سعود رحمهما الله ، لا يَجِدُ صِحَّةً لتلك المبالغاتِ الَّتي صدرتْ مِن بَعْضِ مُؤرِّخينا عن وَصْفِ الحالةِ الَّتي كانتْ سائدةً قبل ذلك .
وإِنْ أَرادَ القارئُ قراءةَ شيءٍ مِن التزامِ المجتمع بمنهجِ الرَّسول ، وصحابتِه وتابعِيه والسَّلَفِ الصَّالح رضي الله عنهم : فهذِه مئاتُ الوثائقِ مِن الوصايا والبيوعِ الشَّرعيَّةِ ، ورُبَّما آلافٌ ماثلةٌ أمامَ أعينِهم ، لَدَى الباحثين وبَعْضِ المراكز العلميَّة . وما وَصَلَ إلينا إِلَّا جُزْءٌ منه ، وأقدمُ ما أمكن العثورُ عليها يعود إلى القَرْنِ الثَّامن الهجري ، وعند قراءتِها لا يَجِدُ فيها أثراً لخرافةٍ ، أو لمعتقدٍ فاسدٍ ، أو مَذْهَبٍ مُنحلٍّ .
وإذا لم تَكْفِهِ تلك الوثائقُ : فليذهبْ إلى مُؤلَّفاتِ عُلماءِ القَرْنِ العاشرِ ، كالعلَّامة أحمد ابن عَطْوَة (ت 948هـ) قاضي العَارضِ في «العُيَيْنَة» و «الُجبَيْلة» و «الدِّرعيَّة».
أو قاضي «العُيَيْنَة» و «الرِّياضِ» ، وفقيهِ نَجْدٍ في زَمنِه ، الشَّيخ عبد الله بن محمَّد بن ذَهْلان (ت1099هـ) ، أو فتاوَى عُلماءِ أُشيقر ، وقُضاتِهم الكُثُر .
أو مُؤلَّفات الفقيه العلَّامة ، عُثمان بن قائدٍ الحنبلي (ت1097هـ) ، كـ«نجاةِ الَخلَفِ ، في اعتقاد السَّلَف» ، وتقريره للتَّوحيدِ ، وحاشيتِه العظيمةِ على «الُمنْتَهى» ، وغيرها مِن الُمؤلَّفات الَّتي وَقَفْتُ له على أكثر مِن عشرين مُؤَلَّفًا ورسالة .
وقِسْ على غَيرِها مِن الُمؤلَّفاتِ والُمصنِّفينَ النَّجديِّين رحمهم اللهُ تعالى قَبْلَ القَرْنِ العاشرِ الهجري إلى مُنْتَصَفِ القَرْنِ الثَّاني عشر الهجري .
كما يُمْكِنُ للباحث والقارئِ ، الاطِّلاعُ على مُجلَّدَيْنِ ضخمَيْنِ ، لفقيهِ نَجْدٍ في زمنِه ، العلَّامة أحمد بن محمَّد المنقور (ت1125هـ) ، وهو «الفواكهُ العديدة ، في المسائل المفيدة» ، والَّتي للأسفِ الشَّديدِ لا ينالُه العنايةُ والاهتمامُ . بل نَجِدُ أَنَّ أقلَّ مِن هذه الُمؤلَّفات تُؤْخَذُ لها الصَّدارةُ ، ومع ذلك فَإِنَّ هذا الكتاب لا يُدَرَّسُ لِطُلَّابِ العِلْمِ اليَوْمَ ، بَلْ ولا يُقَرَّرُ في المناهج الدِّراسيَّةِ ، والجامعاتِ ، والمعاهدِ العلميَّة !!
عند قراءتِك له ، واطِّلاعِك عليه ، ونَقْله لأحكامِ المئاتِ مِن عُلماءِ نَجْدٍ قَبْلَ دعوة الشَّيخ محمَّد بن عبد الوهَّاب : سَتَجِدُ أَنَّ خِدْعَةَ « نَجْدٍ والشِّرْكِ » ما هي إِلَّا خُرافةٌ ، ولم تَعُدِ اليَوْمَ قابلةً للتَّصديقِ بحمد الله تعالى ! ) انتهى .
هذِه عبارتُه سُقْتُهَا بطُولها ، مع أَنَّ بَعْضَها يكفي ، لِئَلَّا يَظُنَّ أَنَّ ما تركتُه منها ، دَلِيْلٌ لَهُ لا يُسْتَطاعُ دَفْعُه ! والجوابُ على هذِه التُّرَّهاتِ مِنْ وُجوهٍ عِدَّة :
أحدُها : أَنَّهُ لم يُبَيِّنْ مُرادَهُ بالشِّركِ غَيرِ الموجودِ في نَجْدٍ ، ولم يُبَيِّنْ حَدَّ الشِّرْكِ وَبِمَ يكونُ عندَه .
فَإِنْ كان الشِّركُ عنده ـ كما هو عند أئمَّةِ الإسلامِ ، وأعلامِه الأعلام ـ صَرْفُ شيءٍ مِن العباداتِ المُستحقَّةِ للهِ جَلَّ وعلا لغَيرِه ، كدُعاءِ الأمواتِ ، والاستغاثةِ بهم ، والذَّبحِ والنَّذرِ لهم ، ونحو هذِه الأمورِ المعروفةِ في نَجْدٍ وغَيرِها : فقد كانتْ هذه موجودةً ظاهرةً معروفةً .
بَلْ هي مِن الأُمور الُمسَلَّمَةِ الُمستقرَّةِ في حالِ نَجْدٍ وأهلِها قبل دعوةِ الشَّيخِ محمَّد بن عبد الوهَّاب رحمه الله . وما قام الشَّيخُ محمَّدٌ بدعوتِه الإصلاحيَّةِ ، وأَلَّفَ مُؤلَّفاتِه ورسائلَهُ الكثيرة ، وحُوْرِبَ وأُوْذِيَ إِلَّا مِنْ أَجْلِ ذلك ، ولمحاربتِه إِيَّاهُ ، وتحذيرِ النَّاسِ منه . وعليه ناصرَهُ الإمامُ الُمظفَّرُ محمَّد بن سعود رحمه الله وعاهدَه ، حَتَّى مَكَّنَ اللهُ لهما ما لم يُمَكِّنْ لغَيرِهما ، فَمِنْ حُكْمِ «الدِّرعيَّة» إلى حُكْمِ الجزيرةِ ، تحقيقًا لوَعْدِ اللهِ عبادَهُ الُموحِّدِينَ في قَولِه : " وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ " ، وكانوا مِـمَّنْ وَصَفَهُمُ اللهُ بقولِه : " الَّذِيْنَ إِنْ مَكَنَّهُمْ في الأَرْضِ أَقَامُوْا الصَّلَوةَ وَءَاتَوُا الزَّكَوةَ وَأَمَرُوْا بِالَمعْرُوْفِ وَنَهَوْا عَنِ الُمنْكَرِ " .
وعلى هذا سار الأئمَّةُ مِن آل سعود ، ومِن العلماءِ الرَّبَّانيِّينَ مِنْ أبناءِ الشَّيخ محمَّدٍ وتلاميذِه وغَيرِهم ، مِـمَّنْ ناصرَ دعوة الشَّيخِ محمَّدٍ ، وأعلنَ صِدْقَها وبِرَّها ، وتبرَّأَ مِن مُناوئيها ومُخالفِيها ، وضلالاتِهم .
وهذا مِـمَّا لا يستطيعُ التَّشكيكَ فيه حتَّى الحمقى ، فَإِنَّ مُؤلَّفاتِ الشَّيخ محمَّدٍ ورسائلَهُ الكثيرة ، ورسائلَ ومُؤلَّفاتِ أبنائِه وتلاميذِهم شاهدةٌ على ذلك ، دالَّةٌ عليه دَلالةَ الشَّمسِ على النَّهار .
وإِنْ أراد بالشِّركِ غَيرَ ما ذكرنا : فَلْيُبَيِّنْهُ لنا .
الوَجْهُ الثَّاني : أَنَّ رميَهُ لمؤرِّخِ نَجْدٍ ابنِ غَنَّامٍ رحمه الله بالمبالغاتِ غَيرِ الموجودةِ في نَجْدٍ ـ وإِنْ كان تكذيبًا له ، وقَدْحًا في عدالتِه ، ورَدًّا لِـمَا يعرفُه أَهْلُ نَجْدٍ مِن حال بلدِهم ـ إِلَّا أَنَّهُ تكذيبٌ في الحقيقةِ للشَّيخِ محمَّد بن عبد الوهَّاب ، ولسائرِ أَئِمَّة الدَّعوة ، وطَعْنٌ فيهم ، ورَدٌّ لدعوتِهم ، فإِلَامَ دعوا النَّاسَ إِنْ لم يكن في نَجْدٍ شِرْكٌ ؟ وعَلَامَ قاتلوهم إِنْ كانوا مُوحِّدين ؟
وما ذكرَهُ ابنُ غَنَّامٍ قد ذكروه هم قَبْلَهُ وبَعْدَهُ ، بل إِنَّ كلامَهم في ذلك أبلغُ وأعظمُ مِن كلامِه ، وسأنقلُ مِن عباراتِهم ما يَدُلُّ عليه .
غَيرَ أَنَّ إناطةَ خَبَرِ تلك الأمورِ بابن غَنَّامٍ وَحْدَهُ ، ثُمَّ عَيْبَهُ بالمبالغاتِ الكاذبة ـ أو بِمَنْ تابعَهُ مِن طلبةِ العلم كما يُسَمِّيهِم ـ أحرى أَنْ يُقْبَلَ منه ، بخلافِ الحال إِنْ طعن فيهم رحمهم الله .
الوَجْهُ الثَّالث : أَنَّ مُخالفي الشَّيخ محمَّدًا ومُناوئيه ومُقاتليه أيضًا : لم ينفوا وقوعَ ذلك مِن أهل نَجْدٍ قَطّ ، وإِنَّما هم في هذا الأمرِ طائفتانِ :
1 - طائفةٌ : تُنْكِرُ هذه الأفعالَ الشِّركيَّةَ الواقعةَ في نَجْدٍ ، وتُؤَيِّدُ الشَّيخَ محمَّدًا في إنكارِها ، غَيرَ أَنَّها تُخالِفُه في قِتَالِ أصحابِها ، وتكفيرِه إيَّاهم ، وتجعلُ تلك الأفعالَ شِرْكًا أصغر ، أو مِن جُملة المعاصي الَّتي لا يَكْفُر فاعلُها ، أو يَكْفُرُ بشروطٍ يَجِبُ تحقُّقها ، لا يرونها تحقَّقَتْ .
فزعموا مثلاً : أَنَّ الذَّبح والنَّذر لغَيرِ اللهِ حرامٌ بالإجماع ، لكنَّه ليس شركًا مُخرجًا مِن المِلَّةِ ، كما هو زَعْمُ سُليمان بن عبد الوهَّاب أخي الشَّيخ محمَّدٍ ، وزَعْمُ ابن سُحيم ، وغَيرِهما .
وقد ذَكَرَ هذا الشَّيْخُ محمَّدٌ نَفْسُه في بَعْضِ رسائلِه ، فقال واصفًا حالَهُ مع مُخالفِيه ، وما كانوا يذكرونَهُ عنه ، مِـمَّا يرضونَهُ منه ، وما لا يرضونَهُ في رسالةٍ لمحمَّد بن عيد (ص15) : ( ونقولُ ثانيًا : إذا كانوا أكثرَ مِن عشرين سَنَةً ، يُقِرُّونَ لَيْلاً ونهارًا ، سِرًّا وجهارًا : أَنَّ التَّوحيدَ الَّذِي أَظْهَرَ هذا الرَّجُلُ [ يعني الشَّيخُ نفسَه ] هو دِيْنُ اللهِ ورسولهِ ، لكنَّ النَّاسَ لا يُطيعوننا !
وأَنَّ الَّذي أنكرَهُ هو الشِّرْكُ ، وَهُوَ صادقٌ في إنكاره ، ولكن لو يَسْلَمُ مِن التَّكفيرِ والقِتَالِ كان على حَقٍّ . هذا كلامُهم على رؤوس الأشهاد).
وقال رحمَهُ اللهُ فيها مُبيِّنًا حالَهُ وحالَ خصومِه (ص14) : ( فلمَّا اشتُهِرَ عنِّي هؤلاءِ الأربعُ [ بيانُ التَّوحيد ، وبيانُ الشِّركِ ، وتكفيرُ فاعليهِ ، والأمرُ بقتالهم ] صدَّقني مَنْ يَدَّعي أَنَّهُ مِن العلماءِ في جميع البلدان في التَّوحيدِ ، وفي نفي الشِّركِ ، ورَدُّوا عليَّ التَّكفيرَ والقِتَالَ ) .
وقال في رسالةٍ أُخرى لبَعْضِ إخوانِه ، مُبَيِّنًا قَوْلَ خُصومِه في حقيقةِ ما يدعو إليه ، ويأمرُ به (ص151) : ( ولكنَّهم يُجادِلُونَكم اليَوْمَ بشُبْهةٍ واحدةٍ ، فأَصْغُوا لجوابِها ، وذلك أَنَّهم يقولون «كُلُّ هذا حَقٌّ ، نشهدُ أَنَّهُ دينُ اللهِ ورسولِه ، إِلَّا التَّكفير والقِتَال» . والعَجَبُ مِـمَّنْ يخفى عليه جوابُ هذا إِذا أَقَرُّوا أَنَّ هذا دِيْنُ اللهِ ورسولِه ، كَيْفَ لا يُكَفَّرُ مَنْ أنكرَهُ وقَتَلَ مَنْ أَمَرَ به وحَبَسَهُم ؟! كَيْفَ لا يُكَفَّرُ مَنْ أَمَرَ بحَبْسِهم ؟! كَيْفَ لا يُكَفَّرُ مَنْ جاءَ إلى أهل الشِّركِ يَحُثُّهم على لزومِ دينِهم وتزيينِه لهم ، ويَحُثُّهم على قَتْلِ الُموحِّدين وأَخْذِ مالهم ؟! ) .
2 - وطائفةٌ أُخرَى : ترى تلك الأمورَ طاعةً للهِ ، ومِنْ جُملةِ ما يُتَقَرَّبُ بهِ إلى الله !
فزعموا : أَنَّ دعاءَ الأمواتِ والغائبين ، والذَّبحَ والنَّذرَ لغَيرِ اللهِ ليس بشِرْكٍ ، وأَنَّ سُؤالَهم قضاءَ الحاجاتِ مجازٌ ، واللهُ هو المسؤولُ حقيقةً !
وزعموا : أَنَّ حياةَ الأولياءِ والصَّالحين في قبورِهم حياةٌ حقيقيَّةٌ ، فطَلَبُ قضاءِ الحاجاتِ منهم ، طَلَبٌ مِن حَيٍّ لا مِنْ مَيِّتٍ !
وزعموا : أَنَّ المراد بالاستغاثةِ بالأنبياء والصَّالحين والتَّوسُّلِ بهم ، هو جَعْلُهم أسبابًا ووسائلَ لنيل المقصود ، وأَنَّ اللهَ هو الفاعل . إلى غَيرِ ذلك مِنْ مزاعمِهم الباطلةِ ، المشهورةِ في مُؤلَّفاتِهم في الرَّدِّ على الشَّيخِ محمَّدٍ . بل قد استكتبوا غَيرَهم وحرَّضُوهُ على الرَّدِّ عليه ، ومِنْ ذلك استكتابُ أهلِ نَجْدٍ والأحساءِ لأحمد بن عليٍّ القَبَّانيّ البَصْريّ أَنْ يَرُدَّ على الشَّيخِ محمَّدٍ ، فرَدَّ عليه في مُجلَّدٍ كبيرٍ ، نقلَ فيهِ الإجماعَ على استحسانِ قُبَّةِ الكواز وأمثالها ! وأَنَّهُ لم يُخالِفْ في ذلك إِلَّا ابنُ تيميَّة وابنُ القَيِّم ومحمَّدُ بن عبد الوَهَّاب ، وتسعةٌ آخرون غَيرُهم فَحَسْبُ !
فَكَانَ الشَّيخُ مُخالِفًا لهاتَيْنِ الطَّائفتَيْنِ مُبَيِّنًا كُفْرَ فاعلِها ، وأَنَّهُ إِنْ لم يتركْها بَعْدَ البيانِ فقتالُه على وُلاةِ الأُمورِ مُتَعَيِّنٌ واجبٌ .
الوَجْهُ الرَّابع : أَنِّي لو أردتُ نَقْلَ عباراتِ أَئِمَّةِ نَجْدٍ ، وعُلمائِها الرَّبَّانيِّين ، في وَصْفِ تلك الأفعالِ الشِّركيَّةِ المنتشرةِ في نَجْدٍ ، الَّتي حاربَها الشَّيخُ محمَّدٌ ، لَطَالَ بي المقامُ ، خاصَّةً وأَنَّ غالبَ رسائلِهم في ذلك ، أو فيها ذِكْرٌ لذلك ، وهذا أَمْرٌ معلوم .
غَيرَ أَنَّهُ يكفي منها كُلِّها بِضْعُ عباراتٍ ، للشَّيخِ محمَّدٍ في بَعْضِ رسائلِه ( المطبوعةِ في مُجلَّدٍ «الرَّسائل الشَّخصيَّة» ، والإحالة على طبعة «دار القاسم» ) ، ولغَيرِه .
فمِن ذلك (ص11) : قَوْلُه في رسالةٍ له ، بَعْدَ ذكرِه عبدَ الله المويس ، وابنَ سُحيم ، وابنَ عُبيد وأتباعَهم : ( وتعلمُ أَنَّ هؤلاءِ قاموا وقعدوا ، ودخلوا وخرجوا ، وجاهدوا ليلاً ونهارًا في صَدِّ النَّاس عن التَّوحيدِ ، ويَقْرؤون عليهم مُصنَّفاتِ أَهْلِ الشِّرك ) .
وهؤلاءِ المذكورون مِن علماءِ نَجْدٍ المُناوئين لدعوتِه للتَّوحيد ، وقد ذَكَرَ جماعةً آخرين غَيرَهم في رسائلِه الأُخرى ، كابن إسماعيل ، والعديلي ، وابن عَبَّاد ، وأحمد بن يحيى ، وابن ربيعة .
ومِن ذلك (ص15و113) : ما ذكرَهُ الشَّيخُ في رسالةٍ له لمحمَّد بن عيد مطوَّع «ثرمدا» ، وفي رسالةٍ أُخرى له لأحمد بن إبراهيم ، مُطوَّع «مَرَاتْ» مِن بلدان الوَشْم : أَنَّ خصومَهُ ومُعارضي دعوة التَّوحيد مِن أهل نَجْدٍ ، كالمويس وخواصِّ أصحابِه ، وابن إسماعيل ، وابن ربيعة ، قد رحلوا إلى أهل قُبَّة الكواز ، وقُبَّة رجب يُحَرِّضُونهم على الشَّيخِ محمَّدٍ وأتباعِه ، ويُغْرُونَهُم بهم أَنْ يستبيحوا دماءَهم وأموالَهم ! وذَكَرَ الشَّيخُ مُحمَّدٌ أَنَّ هذا الفعلَ السَّافلَ ، قد أصبح منقبةً وفضيلةً للمويس عند أهالي بُلدانٍ كثيرةٍ مِن بلدانِ نَجْدٍ سمَّاها .
ومِنْ ذلك : ما كتبَهُ الشَّيخُ محمَّدٌ إلى علماء مَكَّة المكرَّمة ، شارحًا لهم ما وَقَعَ له مِن أهل نَجْدٍ ، ومِنْ ذلك قَوْلُه (ص24) : ( جَرَى علينا مِن الفِتْنَةِ ما بلغَكم وبلَغَ غَيرَكم ، وسَبَبُهُ هَدْمُ بُنيانٍ في أرضِنا على قبورِ الصَّالحين . فلمَّا كَبُرَ هذا على العامَّةِ ، لظَنِّهم أَنَّهُ تنقيصٌ للصَّالحين ، ومع هذا نهيناهم عن دُعائِهم ، وأمرناهم بإخلاص الدُّعاءِ للهِ . فلمَّا أظهرنا هذه المسألةَ ، مع ما ذكرنا مِنْ هَدْمِ البنيانِ على القبور ، كَبُرَ على العامَّةِ جِدًّا ، وعاضدَهم بَعْضُ مَنْ يَدَّعي العِلْمَ لأسبابٍ أُخَر الَّتي لا تخفى على مثلِكم ، أعظمها اتِّباعُ هَوَى العوامِّ مع أسباب أُخَر ، فأشاعوا عَنَّا أَنَّا نَسُبُّ الصَّالحين ، وأَنَّا على غَيرِ جادَّة العلماء ) .
ومِن ذلك (ص80-82) : رسالةُ محمَّد بن سلطان إليهِ طالبًا منه أَدِلَّةَ كُفْرِ مَنْ نَصَبَ نفسَهُ للنُّذورِ ، والدُّعاءِ عند الشَّدائدِ ، لِيَعْرِضَها على علماءِ «الخرج» و«الأحساء» ، فَإِنْ رَدُّوهَا بحُجَّةٍ صحيحةٍ قَبِلَهُ منهم ، وإِلَّا تَبَرَّأَ منهم .
ومِن ذلك : رسالتُه إلى أهل «الرِّياض» و«منفوحة» ، وهو إِذْ ذاك مُقيمٌ في «العُيَيْنَة» ، ومِـمَّا قال فيها (ص104) : (وأَنَا أُخْبِرُكم عن نفسي ، واللهِ الَّذي لا إله إِلَّا هو ، لقد طلبتُ العِلْمَ ، وَاعْتَقَدَ مَنْ عرفني أَنَّ لي معرفةً ، وأنا ذلك الوَقْتُ لا أَعْرِفُ معنى «لا إله إلَّا الله» ، ولا أَعْرِفُ دِيْنَ الإسلامِ قبل هذا الَخيرِ الَّذِي مَنَّ اللهُ به .
وكَذَلك مشايخي ، ما مِنْهم رَجُلٌ عَرَفَ ذلك ، فَمَنْ زَعَمَ مِن علماءِ العارضِ أَنَّهُ عَرَفَ معنى «لا إله إلَّا الله» ، أو عَرَفَ معنى الإسلامِ قَبْلَ هذا الوَقْتِ ، أو زَعَمَ عَنْ مشايخِه أَنَّ أَحَدًا عَرَفَ ذلك فقد كَذَبَ ، وافترى ، ولَبَّسَ على النَّاسِ ، ومَدَحَ نفسَهُ بما لَيْسَ فيه) .
ومِن ذلك : وَصْفُ الشَّيخِ حالَ سُليمان ابن سُحيم ـ وهو مِن علماءِ نَجْدٍ ـ في رسالةٍ أَرْسَلَها الشَّيخُ إليه (ص125-126) ، يُنْكِرُ عليهِ فيها حضورَهُ الموالدَ ، وقراءَتَهُ فيها ، وهم يَدْعُونَ غَيرَ اللهِ ، ويستغيثون بهم ! ويُنْكِرُ عليه تعليقَهُ التَّمائم ، مع أَنَّها شِرْكٌ بِنَصِّ رسول الله !
ويُنْكِرُ عليه كتابتَهُ للحُجُبِ لحصولِ الَحبْلِ ، وغَيرِه !
وكتابتَهُ الطَّلاسم في حُجُبِه وهي مِن السِّحْر !
ومِن ذلك : قَوْلُه في رسالتِه لأهل «الرِّياض» و«منفوحة»(ص105) : ( وكذلك أيضًا : مِنْ أعظم النَّاسِ ضلالاً ، مُتصوِّفةٌ في «معكال» وغَيرِه ، مثل ولد مُوسى بن جُوعان ، وسلامة بن مانع وغيرِهما ، يَتْبعون مذهبَ ابنِ عربي وابنِ الفارض ، وقد ذَكَرَ أَهْلُ العلمِ أَنَّ ابن عربي مِن أَئِمَّةِ أهل مذهب الاتحاديَّة ، وهم أغلظُ كُفْرًا مِن اليهود والنَّصارى ) .
هذِه جُملةٌ مِن أقوال الشَّيخِ محمَّدٍ رحمه الله في بيانِ بَعْضِ ما كان في نَجْدٍ مِن الشِّركِ والاعتقاداتِ الفاسدة ، أَمَّا مِن أقوالِ غَيرِه فهي كثيرة ، منها :
قَوْلُ الشَّيخ عبد الرَّحمن بن حَسَن بن محمَّد بن عبد الوهَّاب آل الشَّيخ في كتابِه «فتح المجيد ، شرح كتاب التَّوحيد» : ( فَإِنَّ هذا الإمامَ رحمه الله في مُبتدإِ نشأتِه ، قد شرح اللهُ صَدْرَهُ للحَقِّ المبينِ ، الَّذي بَعَثَ به المُرسلِينَ ، مِن إخلاص العبادةِ بجميع أنواعِها للهِ رَبِّ العالمين ، وإنكارِ ما عليه الكثيرُ مِن شِرْكِ المشركِينَ . فأعلى اللهُ هِمَّتَهُ ، وقَوَّى عزيمتَهُ ، فتصدَّى لدعوةِ أهل نَجْدٍ إلى التَّوحيدِ ـ الَّذي هو أساسُ الإسلامِ والإيمان ـ ونهاهم عن عبادةِ الأشجار والأحجار ، والقبورِ والطَّواغيتِ والأوثان ، وعن الإيمانِ بالسَّحَرةِ والمُنجِّمِينَ والكُهَّان .
فأبطلَ اللهُ بدعوتِه كُلَّ بدعةٍ وضلالةٍ يدعو إليها كُلُّ شيطانٍ ، وأقامَ اللهُ به عَلَمَ الجهادِ ، وأدحضَ به شُبَهَ المعارضِينَ مِن أهل الشِّركِ والعِنَادِ ، ودَانَ بالإسلامِ أكثرُ تلك البلاد ، الحاضرُ منهم والباد ، وانتشرتْ دعوتُه ومُؤلَّفاتُه في الآفاق ، حَتَّى أَقَرَّ له بالفَضْلِ مَنْ كان مِن أهل الشِّقَاق ، إِلَّا مَنِ استحوذَ عليه الشَّيطان ، وكَرَّهَ إليه الإيمان ، فأصرَّ على العنادِ والطُّغيان ) .
ثُمَّ قال : (وقد شرح اللهُ صدورَ كثيرٍ مِن العلماءِ لدعوتِه ، وسُرُّوا واستبشروا بطلعتِه ، وأثنوا عليه نَثْرًا ونَظْمًا .
فَمِنْ ذلك ما قالَهُ عالم صنعاء محمَّد بن إسماعيل الأمير في هذا الشَّيخِ رحمه الله تعالى :
وَ قَـدْ جَــاءَتِ الأَخْـبَــارُ عَـنْـهُ بِـأَنـَّـهُ * * * يُعِـيْـدُ لَـنَا الشَّرْعَ الشَّرِيْفَ بِمَا يُــبْـــدِي
وَ يَنْشُرُ جَـهْـرًا مَـا طَـوَى كُلُّ جَـاهِـــلٍ * * * وَ مُـبْـتَـدِعٍ مِـنْـهُ فَـوَافَــقَ مَــا عِـنْـدِي
وَ يَـعْـمُـرُ أَرْكَــانَ الـشَّـرِيْـعَـةِ هَــادِمـًا * * * مَشَاهِدَ ضَلَّ النَّاسُ فِـيْهَا عَنِ الرُّشْـدِ
أَعَــادُوْا بِـهَـا مَعْـنَى سُـوَاعٍ ، وَ مِـثْـلُـهُ * * * يَــغُــوْثَ وَوَدٍّ بِــئْــسَ ذَلِــكَ مِــنْ وَدِّ
وَ قَـدْ هَــتَــفُوْا عِنْدَ الشَّدَائِـدِ بِاسْـمِهَـا * * * كَـمَا يَـهْـتِـفُ المُـضْطَرُّ بِالصَّمَـدِ الْــفَـــرْدِ
وَ كَـمْ عَــقَـرُوْا في سُــوْحِـهَا مِـنْ عَـقِيْـرَةٍ * * * أُهِــلَّـتْ لِــغَـــيْرِ الله جَـهْـرًا عَلَى عَــمْــدِ
وَكَـمْ طَــائِفٍ حَـوْلَ الْـقُـبُــوْرِ مُـقَـبِّــلٍ * * * وَيَـلْـتَمِـسُ الأَرْكَــانَ مِـنْـهُـنَّ بالأَيـْدِي ) . [/align]
وقال الشَّيخُ عبد اللَّطيف بن عبد الرَّحمن بن حَسَن آل الشَّيخ عن زَمَنِ الشَّيخ : (كان أهلُ عَصْرِه ومِصْرِه في تلك الأزمان ، قد اشتدَّتْ غربةُ الإسلام بينهم ، وعَفَتْ آثارُ الدِّين لديهم ، وانهدمتْ قواعدُ الِملَّةِ الحنيفيَّة ، وغلب على الأكثرِينَ ما كان عليه أهلُ الجاهليَّة ، وانطمستْ أعلامُ الشَّريعةِ في ذلك الزَّمان ، وغَلَبَ الجهلُ والتَّقليدُ والإعراضُ عن السُّنَّةِ والقُرآن ، وشَبَّ الصَّغيرُ لا يَعْرِفُ مِن الدِّين إِلَّا ما كان عليه أهلُ تلك البُلدان ، وهَرِمَ الكبيرُ على ما تلقَّاهُ عن الآباءِ والأجداد .
وأعلامُ الشَّريعة مطموسةٌ ، ونصوصُ التَّنزيل وأُصول السُّنَّةِ فيما بَيْنهم مدروسةٌ ، وطريقة الآباءِ والأسلافِ مرفوعةُ الأعلام ، وأحاديثُ الكُهَّان والطَّواغيت مقبولةٌ غَيرُ مردودةٍ ولا مدفوعة .
قد خَلَعُوا رِبْقَةَ التَّوحيدِ والدِّين ، وَجَدُّوا واجتهدوا في الاستغاثةِ والتَّعلُّقِ بغَيرِ اللهِ مِن الأولياءِ والصَّالحين ، والأوثانِ والأصنامِ والشَّياطين . وعلماؤُهم ورؤساؤُهم على ذلك مُقْبِلُونَ ، ومِنْ بَحْرِه الأُجَاجِ شاربون ، وبه راضون ، قد أغشتْهم العوائدُ والمَأْلوفات ، وحبستْهم الشَّهواتُ والإرادات ، عن الارتفاع إلى طَلَبِ الُهدى مِن النُّصوص الُمحْكماتِ ، والآياتِ البَيِّنَات ) .
الوَجْهُ الخامس : أَنَّ أَدِلَّةَ الكاتبِ على نفي تلك الأمورِ الُمستقرَّةِ بوثائق الوصايا والبيوع ! أو كتبِ بَعْضِ علماءِ نَجْدٍ الفقهيَّة ـ عدا كتاب عثمان بن قائد ـ : لا دَلالةَ فيها ، بل هو مِـمَّا يُستطرفُ . فَإِنَّ مَنْ أراد معرفةَ اعتقادِ عالمٍ ، لا يَبْحَثُ عن تقريراتِه في كتاب البيوعِ أو الوصايا ! ولا في كتابِ النِّكاح ولا كتابِ الطَّلاق ! وإِنَّما في كتبِه في الاعتقاد .
ولا أعرفُ أحدًا اشترط لصِحَّةِ البيع أو الوصيَّة أَنْ يستغيثَ بالأموات ، أو يذبحَ للطَّواغيت ! لِيَتَعَيَّنَ ذِكْرُها في الوصايا والبيوع !
ولو سلَّمنا جَدَلاً بكَوْنِها أَدِلَّةً ، أو فيها ما يَدُلُّ أحيانًا : فَهِيَ أَدِلَّةٌ على سلامةِ اعتقادِهم هم ، لا على سلامةِ اعتقاداتِ النَّاس في نَجْدٍ ، وليس فيها دَلالةٌ على براءة النَّاسِ مِن الشِّرك ، أو تكذيبُ ما ذكرَهُ غَيرُهم . وقد ذكر الشَّيخُ محمَّدٌ رحمه الله في جُملةٍ مِن رسائلِه : أَنَّ مِن أهلِ نَجْدٍ مَنْ كان يعرفُ صِدْقَ دعوتِه ، وحقيقتَها ، وأَنَّها ما بَعَثَ اللهُ به أنبياءَه ، غَيرَ أَنَّهُ لطمعِه فيما أيدي النَّاسِ ، أو لحسدٍ ، أو مَرَضٍ في نفسِه ، أخفى ذلك الَحقَّ ، أو عادى دُعاته ، كما ذكرَ الشَّيخُ عن سُليمان ابن سُحيم (ص127) أَنَّهُ مُقِرٌّ عالم بأَنَّ ما يدعو إليه الشَّيخُ هو الَحقُّ ، غَيرَ أَنَّه إذا خلا إلى شياطينِه أظهرَ خلافَ ذلك .
وقد كان في مُشركي العربِ قبل بعثةِ النَّبيِّ رجالٌ حنفاءُ على مِلَّةِ إبراهيم غير مُشركين ، فهل وجودُهم دليلٌ على سلامةِ العربِ قبل بعثتِه مِن الشِّرك ؟!
ولماذا لا ينظرُ في مُؤلَّفاتِ النَّجديِّين ورسائلِهم المناوئةِ لدعوة التَّوحيد ؟!
الوَجْهُ السَّادس : أَنَّ تلك الأعمالَ الَّتي حاربَها الشَّيخُ محمَّدٌ وأئمَّةُ الهدى مِن بعده في نَجْدٍ حتَّى زالتْ : قد عَمَّتْ كثيرًا مِن البلاد الإسلاميَّة ، بالأمس زَمَنَ الشَّيخِ محمَّدٍ وقَبْلَهُ ، وهي موجودةٌ إلى اليَوْمِ ، يُشاهِدُها كُلُّ ذِي عَينٍ ، مِن دُعاءِ الموتى ، والاستغاثةِ بهم ، والذَّبحِ والنَّذرِ لهم ، والتَّبرُّكِ بالأشجار والأحجار ، وغير ذلك مِـمَّا هو مشاهدٌ ومعلوم .
وكان مِن تلك البُلدان ، حواضرُ ومعاقلُ للعلم عظيمةٌ ، كالحجاز والشَّام والعراق ومصر والمغرب وغَيرِها ، فكَيْفَ بنَجْدٍ أَرْضِ الجهل ، مَنْ تَبِعُوا مُسيلمةَ وآمنوا به ، حين آمَنَ النَّاسُ وأذعنوا لرسولِ الهدى محمَّدٍ ؟!
فأَرْضٌ لم تسلمْ عقولُ أَهْلِها مِن الخرافاتِ في عهد إشراق نور النُّبوَّةِ في الأرض ، وفي حياة النَّبيِّ وأكابر أصحابِه ، أتسلمُ بعد تتابعِ القرون ، ومضي السُّنون !
الوَجْهُ السَّابع : قَوْلُه في «كتاب الفواكه العديدة» لابن منقور (ت1125هـ) : (عند قراءتِك له ، واطِّلاعِك عليه ، ونقله لأحكامِ المئات مِن علماءِ نَجْدٍ قبل دعوةِ الشَّيخِ محمَّدٍ بن عبد الوهَّاب ، سنجد أَنَّ خدعة نَجْدٍ والشِّركِ ما هي إلَّا خُرافةٌ ، ولم تَعُدِ اليَوْمَ قابلةً للتَّصديق بحمد الله تعالى ) .
وهذا باطلٌ مُضحك ، فقَوْلُه (ونقله لأحكامِ المئات مِن علماءِ نَجْدٍ قَبْلَ دعوة الشَّيخِ محمَّد بن عبد الوَهَّاب) : دليلُ جَهْلِه بالكتاب ، وعدمِ معرفتِه به ، فَمَنْ هُم أولئك المئاتُ المنقولُ عنهم في كتابِ ابن منقور مِن علماء نَجْدٍ قبل الشَّيخِ محمَّدٍ ؟!
أَمَّا قَوْلُه : إِنَّ ذلك الكتابَ لم تَنَلْهُ العنايةُ والاهتمامُ ، ولا يُدَرَّسُ لِطُلَّابِ العلمِ اليوم ، ولا يُقرَّر في المناهج الدِّراسيَّةِ ، والجامعاتِ ، والمعاهدِ العلميَّة : فهذا أَمْرٌ لَيْسَ إليه ، وأهلُ العلمِ أعرفُ بما يعتنون به ويُقْرِوُؤنَهُ ويُدَرِّسُونَه . وما ذكرَهُ هنا آنفًا ليس بجديدٍ : فأين علماءُ نَجْدٍ وعنايتُهم بهذا الكتابِ ، وإقراؤُه قَبْلَ الشَّيخِ محمَّدٍ وبَعْدَه ؟!
أَمَّا زَعْمُه أَنَّ وجود الشِّركِ في نَجْدٍ ما هُوَ إِلَّا خُرافةٌ : دليلٌ لنا لا علينا ، فَإِنَّ عقول غالبِ أهل نَجْدٍ بالأمس ، قَبْلَ دعوة الشَّيخ محمَّد ، كانتْ كعَقْلِ راشدٍ اليَوْمَ ، تجعلُ الُمجْمَعَ عليهِ ، المقطوعَ بهِ ، خُرافةً غَيرَ صحيحٍ ، وأَيُّ خُرافةٍ وعَقْلٍ خُرافيٍّ بَعْدَ هذا !
الوَجْهُ الثَّامن : زَعْمُه أَنَّ البلادَ النَّجديَّة وغَيرَها كانتْ في صراعٍ مريرٍ حَوْلَ السُّلطة والسِّياسة ، وليستْ ضِدَّ الدِّين ، حَتَّى وُحِّدَتْ على يد الإمام محمَّد بن سعود رحمه الله : كَذِبٌ ، فَإِنَّ نزاعَ الإمامِ محمَّد بن سعود وأبنائِه مِن بعده مع خصومِهم كان دينيًّا حينذاك ، ولم يُقاتلوا النَّاس في بَطْنِ الجزيرة وشَرْقِها وغَرْبِها وشمالها إلى العِرَاقِ خَوْفًا على «الدِّرعية» أو لمنازعةِ النَّاسِ حُكْمَهم لها ! ولم يُقاتِلْ معهم النَّاسُ ، ويُنْفِقُونَ أموالَهم ، ويبذلون أرواحَهم لأَجْلِ ذلك ، وإِنَّما لإقامةِ التَّوحيد ، وطَمْسِ معالم الشِّرك .
الوَجْهُ التَّاسع : أَنَّ وثائق الوصايا والبيوع الَّتي زَعَمَ أَنَّها بالمئات أو الآلاف ، قد وقفتُ على كثيرٍ منها ، وغالبُها بَعْدَ دعوةِ الشَّيخ لا قَبْلَها .
فهذا القَدْرُ منها خارجٌ عن محلِّ النِّزاع على كُلِّ اعتبارٍ ، مع ما دفعنا به وَجْهَ دَلالتِها في الأوجهِ السَّابقة . ووجودُ وثيقةٍ نجديَّةٍ أو اثنتَيْنِ في القَرْنِ الثَّامن ، لا تَصْلُحُ سُلَّمًا للزَّعْمِ بوجودِ وثائقَ نجديَّةٍ تعود لذلك القَرْنِ ، فهو مِنَ التَّشبُّعِ بما لم يُعْطَ !
المسأل الثَّانية
أَمَّا المسألة الثَّانية : فقَوْلُه في مقالِه الأوَّل : (أَلَّفَ الشَّيخُ كتابَهُ «التَّوحيد» في البَصْرةِ ـ كما ذكرَهُ حفيدُه الشَّيخُ عبدُ الرَّحمن بن حَسَن ـ وليس كما يتوهَّمُه البَعْضُ في نَجْدٍ ، حَيْثُ شاهدَ الشَّيخُ بَعْضَ البدعِ والخرافاتِ الَّتي كانتْ موجودةً بها ، عندما ذَهَبَ الشَّيخُ محمَّدٌ إلى البصرةِ في عام 1137هـ للدِّراسة على الشَّيخِ محمَّدٍ المجموعيّ البَصْريّ ، وقَرَأَ في مدرستِه) .
وهذا غَيرُ صحيحٍ أيضًا ، وفيه مُغالطةٌ !
وبيانُها : أَنَّ ما رآه الشَّيخُ محمَّدٌ في البصرةِ مِن أُمورٍ مُخالفةٍ ـ نَقَضَهَا في كتابِه «التَّوحيدِ» ـ كانتْ موجودةً قائمةً في نَجْدٍ ، كما قد قرَّرناهُ سابقًا .
فَإِنْ أرادَ الُمغالَطةَ في ذلك ، بكَوْنِ الشَّيخِ محمَّدٍ بَدَأَ تَأْليفَ كتابِه « كتابَ التَّوحيد » في البَصْرةِ : فما جَوَابُه في بَقِيَّةِ رسائلِه في التَّوحيدِ ، وبيانِ نواقضِ الإسلامِ ، هل أَلَّفَها لأَهْلِ الكُوفة ؟!
وما جوابُه عن رَدِّ الشَّيخِ محمَّدٍ على رجالاتٍ هم مِنْ رجالاتِ نَجْدٍ ، ومِن الُمنتسبِينَ إلى العِلْمِ بها ، وتكفيرِه لجماعاتٍ منهم ، وهي كثيرةٌ ، وقد قدَّمنا طَرَفًا منها ؟!
وما قَوْلُه في مُقاتلةِ الشَّيخِ لطوائفَ مِن أَهْلِ نَجْدٍ وتكفيرِه لهم دون قتالهِ أهلَ البَصْرةِ ؟!
هذا ما لَدَيَّ مُختصرًا على مقال الأُستاذ راشدٍ ، أسألُ اللهَ لي وله التَّوفيق والهداية ، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ ، وعلى آلهِ وصحبِه وسَلَّم ،،،
عَبْد العزيز بن فيصل الرَّاجحي
الجزء الرابع :
هل يعقل أن الشرك كان موجوداً في بلاد نجدٍ قبل الشيخ محمد بن عبدالوهاب ؟!
هل إثبات الحقائق خدعة ؟!
د.عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف
التاريخ :16/2/1428 هـ
اطلعت على العمود الصحفي الذي كتبه الأستاذ راشد العساكر، بعنوان (خدعوك فقالوا نجد والشرك) والمنشور في جريدة "الرياض" في يوم الجمعة 1428/2/5هـ عدد 114123،
وخلاصة المقال:
أن نجداً على مذهب أهل السنة والجماعة قبل أن تظهر دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - فلم يدخلها خرافات أو شركيات، وأن مقولة (نجد والشرك) ما هي إلا حديث خرافة..
وجواباً عن المقالة المذكورة اكتب التعقيب الآتي:
- استهل الكاتب عموده بعبارة جميلة للأستاذ حمد الجاسر - رحمه الله: (ما أكثر ما يكتب وأقل ما يحقق) وهذا أمر محمود ومطلوب، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - (العلم شيئان، نقل مصدّق، وإما بحث محقق، وما سوى ذلك فهذيان مسروق) الرد على البكري ص(628)، لكن الكاتب غابت عنه - في رأيي - وصية شيخه حمد الجاسر في هذا العمود، كما سيأتي بيانه.
- دعوى أن نجداً آنذاك خالية من الشركيات والخرافات، هذه دعوى ينقضها واقع نجد، وما حرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - في رسائله المتعددة، وكذا ما سطره المؤرخون كابن غنام وابن بشر ونحوهما.
ونقتصر على بعض التقريرات، ومنها قول الشيخ محمد بن عبد الوهاب: (وكذلك أيضا من أعظم الناس ضلالاً متصوفة في معكال وغيره،
مثل: ولد موسى بن جوعان، وسلامة ابن مانع وغيرهما) تاريخ ابن غنام 140/2.
وقال المؤرخ ابن بشر: (وكان الشرك إذ ذاك قد فشا في نجد وغيرها، وكثير الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور، والبناء عليها، والتبرك بها، والنذر لها) عنوان المجد 6/1.
ووصف ابن غنام في تاريخه والشيخ العلامة عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في رسائله وغيرهما من العلماء والباحثين الكثير من مظاهر الشرك والانحراف عن العقيدة.
وإذا كان أهل نجد على عقيدة صحيحة، وليس لديهم شركيات ولا خرافات، فعلام قام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بهذه الدعوة الإصلاحية؟
ولِمَ ناصره وآزره الإمام محمد بن سعود باذلاً في ذلك الغالي والنفيس؟
لقد اعترف علماء من نجد بالخلل العقدي الذي تلبّسوا به، وأن الله تعالى هداهم بفضل هذه الدعوة المباركة، ومن ذلك أن الشيخ عبد الله بن عيسى - قاضي الدرعية - يقول: (لا تغتروا بمن لا يعرف شهادة أن لا إله إلا الله، وتلطّخ بالشرك وهو لا يشعر فقد مضى أكثر حياتي، ولم أعرف من أنواعه ما أعرفه اليوم، فلله الحمد على ما علمنا من دينه) تاريخ ابن غنام 143/2.
فإذا كان هذا حال العلماء، فما بالك بالعامة والدهماء!؟
- وأما احتجاج الكاتب بالوصايا ونحوها على سلامة معتقد أهل نجد، فليس هذا دليلاً يعوّل عليه، وما أكثر الذين ينطقون بالشهادتين وهم يقفون فيما يناقضها، وهذا الاحتجاج نظير الشبهة التي ساقها الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته (كشف الشبهات) فهناك من يزعم أن من قال كلمة التوحيد فإنه لا يكفر مهما قال أو فعل من نواقض الإسلام.
يقول الشيخ الإمام: (وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلوا بني حنيفة وهم يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله..) كشف الشبهات ص(105).
- وأما دعوى أن مؤلفات عثمان بن قائد - رحمه الله - ومجموع ابن منقور على طريقة أهل السنّة، فالأمر يحتاج إلى تحقيق، إذ لا مسوغ لدعوى دون بيّنة.فالشيخ عثمان بن قائد له تحقيقات وتقريرات نافعة، لكنه وقع في تأويل فاسد فوافق الأشاعرة في تأويل صفة الرحمة كما جاء في مقدمة كتابه (هداية الراغب) كما أن رسالته (نجاة الخلف في اعتقاد السلف) لا تخلو من نفس كلامي، إذ أوجب النظر وجعله أول واجب، واستعمل عبارات المتكلمين..
كما أن في مجموع ابن منقور ما يلي: (الذبح لدفع أذى الجن، وسمّى، أبيحت..) (87/2) فأجاز الذبح من أجل دفع أذى الجن مادام أنه سمّى بالله!!
وليس الاستشهاد ببعض المؤلفات والعلماء ليلا على عدم وجود الشرك آنذاك، فنجد كان بها علماء وقضاة إلا أن الحال وصل إلى عدم الإنكار ومواجهة تلك الإنحرافات العقدية، ولم يكن هناك من يقيم حدود الشرع في كل مكان وهذا ما قرره الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما بادر بالإصلاح. فلقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالته إلى الشيخ سليمان بن سحيم: (ومعلوم أن أهل أرضنا وأرض الحجاز، الذي ينكر البعث منهم أكثر ممن يقر به، وأن الذي يعرف الدين أقل ممن لا يعرفه، والذي يضيع الصلوات أكثر من الذي يحافظ عليها والذي يمنع الزكاة أكثر ممن يؤديها). تاريخ ابن غنام 131/2- 132.
وكانت قرى نجد وبلدانها - كما يحدثنا المؤرخون الذين عاصروا تلك الحقبة أو نقلوا عنهم - مكاناً لكثير من الخرافات والعقائد الفاسدة التي تتنافى مع أصول الدين الصحيحة، فلم تكن هذه البقعة أحسن حالاً من بقية البلدان التي وقع كثير من أهلها في ألوان من الشرك. وقد بيّن الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - هذه الحقيقة في رسالة القواعد الأربع: (القاعدة الرابعة: أن مشركي زماننا أغلظ شركاً من الأولين، لأن الأولين يشركون في الرخاء ويخلصون في الشدة ، ومشركو زماننا شركهم دائم في الرخاء والشدة، والدليل قوله تعالى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }.
وقد كانت أبرز المخالفات العقدية المنتشرة في ذلك الوقت:
1- الإعتقاد في القبور:
حيث كان كثير من العامة - في ذلك الوقت - يأتون إلى بعض القبور والأضرحة، فيفزعون إليها لجلب نفع أو دفع ضر، ويهتفون بالدعاء لها من دون الله تعالى، ويصرفون لها كثيراً من ألوان العبادة التي لا ينبغي أن تصرف لغير الله سبحانه وتعالى، ومن هذه القبور: قبر زيد بن الخطاب في الجبيلة، وقبر يزعمون انه لضرار بن الأزور في شعيب غبيرا، وقبور يزعمون أنها للصحابة في قريوة في الدرعية، وغلب على كثير من الناس في ذلك الزمان الخوف من هذه القبور وتعظيمها أكثر من خوفهم من الله تعالى، وتعظيمهم له.
2- الإعتقاد في الأولياء والغلو فيهم:
كان هذا الإنحراف العقدي من أهم المسائل التي احتد فيها النزاع بين الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - وبين خصومه، ويتضح ذلك من خلال رسائل الشيخ التي تعرضت لهذه المسألة من عدة جوانب، فكثيراً ما تحدث الشيخ عن بعض الأسماء التي كان بعض النجديين يعتقدون في أصحابها اعتقادات باطلة، أمثال: شمسان وإدريس وتاج وغيرهم، وأحياناً يسميهم الشيخ: أولاد شمسان، وأولاد إدريس أو يقول: محمد بن شمسان، وكان يسميهم الطواغيت والكفرة، حيث يقول - رحمه الله - على سبيل المثال - في جوابه لإحدى المسائل: (وأعظم من ذلك وأطم، أنهم يستغيثون بالطواغيت والكفرة والمردة، مثل شمسان وإدريس ويوسف وأمثالهم) تاريخ ابن غنام 267/2وتوضح رسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن مما كان يفعله أولئك الأولياء المزعومون أنهم كانوا (يأكلون أموال الناس بالباطل، ويأمرون الناس أن ينذروا لهم...) ونحو ذلك من المخالفات.
3- الإعتقاد في الأشجار:
من بين تلك الأشجار التي وقع فيها الغلو: (الفحّال)، وهو ذكر النخل، وكانت تأتيه النساء إذا تأخرت إحداهن عن الزواج، فتضمه، وتقول: (يافحل الفحول أريد زوجاً قبل الحول). وكذا شجرة (الطرفية) كانوا يتبركون بها، وكانت المرأة إذا ولدت ذكراً علقت خرقاً على الشجرة، معتقدة أن ذلك يضمن سلامة الولد من الموت والآفات.
4- الإعتقاد في الأحجار:
يذكر المؤرخون من ذلك غاراً كبيراً كان في أسفل الدرعية (يزعمون أن الله هيأه في الجبل لامرأة تسمى بنت الأمير، أراد بعض الفسقة أن يعتدي عليها، فصاحت ودعت الله، فانفلق لها الغار، فكانوا يرسلون إلى ذلك الغار اللحم والخبز، ويتمسون به ويتعبدون عنده). أما ما يذكر في أحيان كثيرة عند مناقشة موقف العلماء في نجد من هذه البدع والشركيات فإنه يمكن القول إن جل العلماء كانوا يؤمنون بحرمة هذه البدع وشركية بعضها، لكن لايقدرون على إنكارها. والملاحظ أن البعض يثير التساؤل حول حقيقة الشرك في الجزيرة العربية عموماً ونجد خصوصاً في الحقبة التي سبقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ويربط ذلك بوجود العلماء والقضاة كدليل على صحة ذلك، بينما يمكن لنا أن نشير إلى ما يحدث اليوم في بعض البلاد من شركيات وسط وجود علماء أفاضل ومؤلفات واضحة!. فليس صحيحاً القول بأن وجود الشركيات خرافة كما أن وجود الشركيات خلال الحقبة التي سبقت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في منطقة نجد تحديداً لا يعني عدم وجود العلماء والقضاة والمؤلفات الصحيحة، ولكن الحقيقة هي أن ذلك العلم وأولئك العلماء لم يبادروا بالإنكار والتغيير كما بادر الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - ووجد في الإمام محمد بن سعود- رحمه الله - خير معين على ذلك. فهل يعقل أن يصبح جزء من تاريخنا وحقائقه خرافة وخدعة كما ذكر الكاتب؟ وهل من المنهج العلمي مهاجمة الحقائق واستدعاء مقدمات ساذجة لأجل التدليل على رأي غير صحيح؟!