تابع لردود الشيخ فركوس
الخامس: ولا يؤيّد تخصيصَ الحكمِ بالطعامِ حديثُ ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم: «اشترى من عمر بَكْرًا كان ابنه راكبًا عليه، ثمَّ وهبه لابنه قبل قبضه»(٦٠- أخرجه البخاري (2009) كتاب البيوع، باب إذا اشترى شيئا فوهب من ساعته قبل أن يتفرقا...، وابن حبان في «صحيحه»: (7073)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما)، أو حديث جابرٍ بن عبد الله رضي الله عنهما أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم اشترى من جابرٍ رضي الله عنهما جَمَله، وقال: «فَلَمَّا بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالجَمَلِ فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي فَقَالَ: «أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لآخُذَ جَمَلَكَ، خُذْ جَمَلَكَ وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ»(٦١- أخرجه مسلم (498) كتاب «المساقاة»، وأبو داود (3505)كتاب «الإجارة»، باب في شرط في بيع، والنسائي (4637) كتاب «البيوع»، باب البيع يكون فيه الشرط فيصح البيع والشرط، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما) بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم تصرّف في المبيع بالهبة قبل قبضه لأنَّ غايةَ ما في الحديثين جواز التصرُّف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عِوض، ولا يصلح إلحاقه بالبيع وسائر التصرُّفات؛ لأنَّ البيع معاوضة بعِوض، وكذا الهبة بعِوض، أمَّا الهبة الواقعة من النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم فليست على عِوض فافترق الأمران، وإنما يمكن إلحاق كُلِّ التصرفات التي لا عوض فيها بالهبة، وجواز التصرُّف فيها قبل قبضها وحيازتها دون التصرفات بعوض كالبيع، وبذلك تجتمع الأدلة وتتَّفق ولا تختلف، ويشهد لذلك: الإجماعُ على صِحَّة الوقف والعِتق قبل القبض، لكونهما من التصرفات التي لا عوض فيها(٦٢- من فتوى للشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله- بعنوان: «في اشتراط الإيواء إلى الرِّحال في المعقود عليه بمعاوضة» تحت رقم: (891)).
فتبيّن ممّا سبق أنّ جميع المبيعات والسلع داخلة في عموم النهي عن بيع السلع قبل حيازتها إلى الرحال وقبضها، وأنّ ما احتج به المانعون من العموم غير صريح ولا قوّة فيه، قال ابن القيم -رحمه الله- بعد حكايته القول الرابع: «وهذا القول هو الصحيح الذي نختاره»(٦٣- «تهذيب السنن» لابن القيم المطبوع بحاشية «عون المعبود»: (9/382)).
أمّا القول بأن الخلاف لا يرفعه إلا اجتهاد الحاكم إذا قضى برأي فيه فإن ذلك ليس على إطلاقه، قال الشيخ محمد علي فركوس -حفظه الله-: « فلا أعلم خلافًا في الاعتداد بحكم الحاكم إذا ورد حكمه مرتبا على سبب صحيح موافق لحكم شرعي، نصًّا كان أو إجماعًا قطعيا، فحكمه نافذ قطعًا ظاهرًا وباطنًا. ويبقى الإجماع الظني والقياس الجلي موضع اجتهاد واختلاف –كما سيأتي-
أمَّا في المسائل المختلف فيها فإنَّ حكم الحاكم يرفع الخلاف، وهو مقيد بما لا ينقض فيه حكم الحاكم، أمَّا ما ينقض فيه فلا يرفع الخلاف، ومدار نقض الحكم على تبين الخطإ، والخطأ إمَّا أن يكون في السبب أو في الاجتهاد، فإن كان الحكم مرتَّبًا على سبب باطل كشهادة الزور فلا ينفَّذ حكمه، وأمَّا الخطأ في الاجتهاد فينقض وجوبًا بمخالفة نصٍّ صريح من كتاب أو سنة ولو كانت آحادًا، أو مخالفة إجماع قطعي، وينقض -أيضا- وفاقًا لمالك والشافعي بمخالفة القياس الجلي خلافا لأكثر الحنابلة، وزاد مالك أنه ينقض بمخالفة القواعد الشرعية.
وبناء على ما تقدَّم، فإنَّ حكم الحاكم يرفع الخلاف إذا لم ينتقض الحكم بالخطأ في السبب والاجتهاد ويكون حكمه نافذًا ظاهرًا وباطنًا على أرجح القولين خلافًا لمن يرى عدم نفاذه في حقِّ من لا يعتقده.
ويمكن الإفادة بمزيد من المصادر الأصولية المتناولة لهذه المسألة على الترتيب التالي:
- المستصفى للغزالي: 2/382. البرهان للجويني: 2/1328. المحصول للرازي: 2/3/91. الفروق للقرافي: 4/40. الإحكام للآمدي: 4/203. المنثور للزركشي: 1/305. شرح تنقيح الفصول للقرافي: 441. روضة الطالبين للنووي: 11/234. مختصر ابن الحاجب والعضد عليه: 2/300. تيسير التحرير لبادشاه: 2/234. أدب القضاء لابن أبي الدم: 164. إيضاح المسالك للونشريسي: 150. ترتيب الفروق واختصارها للبقوري: 2/296. فواتح الرحموت للأنصاري: 2/395. جمع الجوامع لابن السبكي: 2/391. شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب للمنجور: 147» (٦٤- انظر فتوى: « في الاعتداد بحكم الحاكم في رفع الخلاف» برقم: (457))
واعترضوا -أيضًا-: بأنّ قبض السلع إمّا أن يكون حكميا أو حقيقيا، والقبض الحكمي يكون إمّا بالتخلية بين المشتري والمبيع وتمكينه من تسلمه بأي وجه من الأوجه المتعارف عليها، أو بتسليم المشتري لمستندات مثل شهادة التخزين التي تمكنه من قبضها حسيا.
والجواب: أنّ القول بأنّ قبض كلّ شيء بالتخلية هو قول الأحناف، ودليلهم قياس سائر الأموال على العقار، ومذهب الجمهور أنّ قبض كلّ شيء بحسبه(٦٥- انظر: «مواهب الجليل» للحطاب: (4/477)، «كشاف القناع» للبهوتي: (3/247)، «الحاوي الكبير» للماوردي: (5/227)، «المجموع شرح المهذب» للنووي: (10/434))، فالعقار قبضه بالتخلية، وكذا الثمر على الشجر، والمنقول كالأخشاب والحبوب والسيارات بالنقل والتحويل إلى مكان لا اختصاص للبائع به، والمتناول باليد كالدراهم والدنانير والثوب والكتاب ونحوها فقبضه بالتناول.
ويدلّ على مذهب الجمهور-وهو المختار-: حديث ابن عمر رضي الله عنهما «أَنهمْ كَانُوا يُضْرَبُونَ عَلَى عَهْدِ الرسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَرَوْا طَعَامًا جُزَافًا أَنْ يَبِيعُوهُ في مَكَانِهِ حَتَّى يُحَوِّلُوهُ»(٦٦- أخرجه مسلم كتاب «البيوع»: (2/711)، رقم: (1527)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما)، وعنه أيضا: «كُنّا في زَمَانِ الرسُولِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ نَبْتَاعُ الطَعَامَ فَيَبْعَثُ عَلَيْنَا مَنْ يَأْمُرُنَا بِانْتِقَالِهِ مِنَ المكَانِ الذِي ابْتَعْنَاهُ فِيهِ إِلى مَكَانٍ سِوَاهُ قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ»(٦٧- أخرجه مسلم كتاب «البيوع»: (2/711)، رقم: (1527)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما).
وأمّا غير المنقول فمرده إلى العرف، وأمّا قياس الأحناف سائر الأموال المنقولة على العقار في القبض بالتخلية ففيه قادحان: الأول: أنه قياس في مقابل النص، وقد سبق ذكر حديثي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وفيهما أنه لا يكتفى بالتخلية بل لا بد من النقل والتحويل، والثاني: أنه قياس مع ظهور الفارق، فالعقار لا يمكن نقله، بخلاف غيره.
وبناء على ما تقرر ترجيحه فإنّ البائع إذا خلّى بين المشتري والسلعة من غير العقار فإنه لا يعد قابضا لها، وبالتالي تشمله الأحاديث الصحيحة الناهية عن بيع السلع حتى تحاز إلى الرحل، وتنقل من ملك البائع إلى رحل المشتري.
واعترضوا ‑أيضًا‑ بأن الجمهور على أنَّ علة النهي عن بيع ما لم يقبض هي الغرر ..وقد رجَّح ابن تيمية رأي الجمهور بتعليله المنع باحتمال عجز البائع الثاني عن التسليم إذا نكل البائع الأول عن تسليمه هو المبيع، وهو غرر قد يفضى إلى النِّزاع. وإذا اعتبرنا هذا التعليل فإنَّ انتفاء هذا الاحتمال بالتخلية بين البائع الثاني والمبيع، أو تمكينه منه بأي وسيلة معتبرة عرفًا أو قانونًا يؤدي إلى انتفاء علة النهي والنهي تبعا لذلك.
والجواب:
أنه قد سبق أن التخلية لا تعد قبضا إلا في العقار، أما المنقول فلا بد من تحويله ونقله، ولو سلّمنا أن تمكين البائع بين المشتري والسلعة بالتخلية يؤدي إلى انتفاء الغرر المتمثل في عجز البائع الثاني عن التسليم إذا نكل البائع الأول، فإن النهي يبقى قائما من جهة أنّ من اشترى سلعة بمائة دينار، ودفعها للبائع ولم يقبض منه السلعة، ثم باعها إلى آخر بمائة وعشرين مثلا أنه اشترى بماله مالا أزيد منه، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: «دراهم بدراهم والطعام مرجأ»(٦٨- أخرجه البخاري (2025) كتاب «البيوع»، باب ما يذكر في بيع الطعام والحكرة، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما) وبيّن ذلك فيما أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لمّا سأله طاوس: «ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعام مرجأ»(٦٩- أخرجه مسلم (1525) كتاب «البيوع»، من حديث ابن عباس رضي الله عنها)
قال الشوكاني -رحمه الله-: «وهذا التعليل أجود ما علّل به النهي، لأنّ الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم»(٧٠- «نيل الأوطار» للشوكاني: (5/168)).
وخلاصة البحث:
أنّ المرابحة البنكية بصورتها المنتشرة وهي: اشتر لي سلعة كذا، وأربحك فيها نسيئة، مع إلزام الآمر بالشراء بوعده ليست امتدادا للمرابحة الفقهية المجمع على جوازها، ولا هي وليدة العصر، وحديثة النشوء كما صرح به بعض الباحثين، فقد سبق نقل كلام الإمام الشافعي -رحمه الله- أنه إذا ألزم المأمور الآمر بالشراء بوعده أن ذلك من البيع قبل التملك، وأن فيه غررا بحيث قد لا يستطيع المأمور تسليم السلعة في وقتها، كما سبق نقل نصوص كثيرة عن علماء المالكية الذين جعلوا المرابحة البنكية من صور العينة المحرَّمة.
وأمّا الأحناف فقد جاء في كتاب «الحيل» للإمام محمد بن الحسن قوله: «قلت: أرأيت رجلا أمر رجلا أن يشتري دارا بألف درهم، وأخبره أنه إن فعل اشتراها الآمر بألف درهم ومائة درهم، فأراد المأمور شراء الدار، ثمّ خاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يأخذها، فتبقى في يد المأمور، كيف الحيلة في ذلك؟ قال: يشتري المأمور الدار على أنه بالخيار ثلاثة أيام، ويقبضها، ويجيء الآمر ويبدأ فيقول: قد أخذت منك هذه الدار بألف ومائة درهم، فيقول المأمور: هي لك بذلك، فيكون ذلك للآمر لازما، ويكون استيجابا من المأمور للمشتري، أي: ولا يقل المأمور مبتدئا: بعتك إياها بألف ومائة، لأن خياره يسقط بذلك فيفقد حقه في إعادة البيت إلى بائعه،و إن لم يرغب الآمر في شرائها تمكّن المأمور من ردها بشرط الخيار، فيدفع عنه الضرر بذلك»(٧١- «الحيل» لمحمد بن الحسن الشيباني: (79)) وهذا النقل يفيد بأنه –رحمه الله- لا يرى إلزام الآمر بالشراء بوعده لكونه جعل للمأمور حيلة شرعية متمثلة في شراء السلعة بالخيار ليتسنى له إرجاعها متى ما بدا للآمر عدم اقتنائها.
وأمّا الحنابلة فجاء موقفهم صريحا فيما ذكره ابن القيم –رحمه الله- من أمثلة الحيل: «المثال الحادي بعد المائة: رجل قال لغيره: اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا، فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد، فالحيلة: أن يشتريها على أنه بالخيار ثلاثة أيام أو أكثر، ثمّ يقول للآمر: قد اشتريتها بما ذكرت، فإن أخذها منه وإلاّ تمكّن من ردها على البائع بالخيار، فإن لم يشترها الآمر إلاّ بالخيار فالحيلة أن يشترط له خيارًا أنقص من مدة الخيار التي اشترطها هو على البائع، ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه»(٧٢- «أعلام الموقعين»: (4/29)). وبذلك تتفق المذاهب الأربعة على عدم جواز ما تجريه البنوك الإسلامية من إلزام الآمر بالشراء بوعده.
وتجدر الإشارة إلى أن المجيزين للمرابحة البنكية إنما اعتمدوا في تجويزهم لها على ما لفّقوه من مذاهب العلماء المشار إليهم آنفا، فأخذوا من المالكية إلزامهم بالوعد، وقد سبق أن المالكية إنما ألزموا الآمر بالشراء بوعده تصحيحا للمعاملة بعد وقوعها من باب الضرورة لئلا يلحق المأمور ضرر، لا ابتداء، ومن الشافعي تجويزه لها وأبطلوا الشطر الثاني من كلامه، فصار للمجيزين مذهب لم يسبقهم إليه أحد من العلماء، وهذا مزلق في الفتوى خطير يؤدي بطريق أو بآخر إلى انتشار الآراء الشاذة واستفحال ظاهرة تتبع رخص الفقهاء التي من أعظم مفاسدها الاستهانة بدين الله وركوب المحرمات بدعوى تجويزها من عالم أو فقيه(٧٣- قال الشاطبي في «الموافقات» (4/148): «وقد أذكر هذا المعنى جملة مما فى اتباع رخص المذهب من المفاسد سوى ما تقدم ذكره فى تضاعيف المسألة: كالانسلاخ من الدين بترك اتباع الدليل إلى اتباع الخلاف وكالاستهانة بالدين إذ يصير بهذا الاعتبار سيالا لا ينضبط، وكترك ما هو معلوم إلى ما ليس بمعلوم لأن المذاهب الخارجة عن مذهب مالك في هذه الأمصار مجهولة وكانخرام قانون السياسة الشرعية بترك الانضباط إلى أمر معروف وكإفضائه إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه يخرق إجماعهم وغير ذلك من المفاسد التي يكثر تعداده») وما أحسن قول سليمان التيمي -رحمه الله- «إن أخذت برخصة كلّ عالم اجتمع فيك الشر كله» قال ابن عبد البر عقبه: «هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا»(٧٤- «جامع بيان العلم» لابن عبد البر: (2/91)).
هذا، ولا يمكن تخريج ما تفعله البنوك على الوكالة، بمعنى أن ما تأخذه زائدا على ثمن السلعة لا يعتبر جعلا على وكالتها، لأن المقاصد والنيات في العقود معتبرة، وكون الآمر يدفع للمأمور (البنك) الثمن مؤجلا دليل على أن البنك لم يكن مجرد وكيل له في الشراء بل كان مقرضا، وكان بإمكان المشتري اللجوء إلى البائع مباشرة ليقتني منه ما أراد من سلع، دون اللجوء إلى البنك، ولجوؤه إلى البنك دليل على عدم توفر السيولة المالية لديه مما أحوجه إلى اتخاذ وسيط مقرض، ولعلّ هذا الذي حمل الإمام مالك على أن يفرِّق بين النقد والأجل، قال -رحمه الله-: «وإن قال: ابتع لي هذا الثوب وأنا أبتاعه منك بربح كذا، فأمّا بالنقد فذلك جائز، وذلك جعل إذا استوجبه له، ولا خير فيه إلى أجل»(٧٥- «النوادر والزيادات» لابن أبي زيد القيرواني: (6/88))، ثمّ إن أجرة الوكالة على عمل واحد لا تختلف بحسب ثمن السلعة لأنّ العمل -في الوكالة- هو المقصود، فإذا اختلفت الأجرة بحسب ثمن السلعة دلّ ذلك على أنّه مقصود من حيث الكثرة أو القلة، وليس من الوكالة في شيء، فدلّ على أن البنك اعتبر ثمن السلعة وجعله الأساس الذي ينبني عليه حجم نسبة الزيادة، ومن هنا اصطلحوا على تسمية هذه المعاملة ﺑ: «المرابحة»، وفي حال تلف السلعة قبل أن يقبضها المشتري، فإن كان ضمانها على البنك فلم تعد وكالةً لأنّ الوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف تحت يده إذا لم يتعدّ ولم يفرّط.
والجدير بالملاحظة أنَّ موانع البنوك الحالية في اتخاذ محلات لقبض المبيع أو فضاءات لحيازته إنما هي موانع قانونية بحتة؛ لأن أساس تقنين البنوك في نشأتها وعملها كونها مصرفية تتعامل بالقروض الربوية كشأن البنوك الغربية، وليست صفتها تجارية حتى يتسنى لها التعامل التجاري باتخاذ محلات للقبض ومحطات للبيع، لذلك فإن تغطية صاحب المقال الصفة الحقيقية للبنك بالخلاف الفقهي الوارد في القبض والحيازة والبيوع التجارية ليس له تفسير إلا در الرماد على العيون تقصدًا لإثارة الشبه والتمكين من زعزعة معتقد الناس في الربويات بالحيل، والله المستعان.
ولا يسعنا -أخيرًا- إلا أن ندعو بما أثر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: «اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السمَوَاتِ والأَرْض، عَالمَ الغَيْبِ والشهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِني لما اخْتُلِفَ فِيهِ منَ الحقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»(٧٦- أخرجه مسلم: (1/350)، رقم: (770) كتاب «صلاة المسافرين»، من حديث عائشة رضي الله عنها).
الجزائر في: 11 رجب 1430ﻫ
الموافق ﻟ: 04 جويلية 2009