فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : هذا وقد بقي عندي كلمة أخيرة أختم بها - هذه الرسالة النافعة إن شاء الله تعالى - [ يعني بها الشيخ : كتاب : " تحريم آلات الطرب " ] - وهي حول ما يسمونه بـ [ الأناشيد الإسلامية أو الدينية ] فأقول : قد تبين من - الفصل السابع - ما يجوز التغني به من الشعر وما لا يجوز ؛ كما تبين مما قبله تحريم آلات الطرب كلها إلا الدف في العيد والعرس للنساء ، ومن هذا الفصل الأخير أنه لا يجوز التقرب إلى الله إلا بما شرع الله فكيف يجوز التقرب إليه بما حرم !؟
وأنه من أجل ذلك حرم العلماء الغناء الصوفي واشتد إنكارهم على مستحليه ؛ فإذا استحضر القارئ في باله هذه الأصول القوية ؛ تبين له بكل وضوح أنه لا فرق من حيث الحكم بين الغناء الصوفي والأناشيد الدينية . بل قد يكون في هذه آفة أخرى وهي أنها قد تلحن على ألحان الأغاني الماجنة ، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية أو الغربية التي تطرب السامعين وترقصهم وتخرجهم عن طورهم ، فيكون المقصود هو اللحن والطرب وليس النشيد بالذات وهذه مخالفة جديدة وهي التشبه بالكفار والمجان .
وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى ، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه ؛ فيدخلون في عموم شكوى النبي - صلى الله عليه وسلم - من قومه ؛ كما في قوله تعالى : ( وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) . [ الفرقان : 30 ] .
وإني لأذكر جيدًا أنني لما كنت في دمشق - قبل هجرتي إلى هنا - يعني : عمان - بسنتين - أن بعض الشباب المسلم بدأ يتغنى ببعض الأناشيد السليمة المعنى قاصدًا بذلك معارضة غناء الصوفية بمثل : قصائد البوصيري وغيره ، وسجل ذلك في شريط فلم يلبث إلا قليلاً حتى قرن معه الضرب على الدف ؛ ثم استعملوه في أول الأمر في حفلات الأعراس على أساس أن الدف جائز فيها ؛ ثم شاع الشريط واستنسخت منه نسخ وانتشر استعماله في كثير من البيوت ، وأخذوا يستمعون إليه ليلاً نهارًا بمناسبة وبغير مناسبة وصار ذلك سلواهم وهجيراهم ، وما ذلك إلا من غلبة الهوى والجهل بمكائد الشيطان .
فصرفهم عن الاهتمام بالقرآن وسماعه فضلاً عن دراسته ، وصار عندهم مهجورًا ؛ كما جاء في الآية الكريمة .
قال الحافظ ابن كثير في " تفسيرها " : (3/317) : ( يقول تعالى مخبرًا عن رسوله ونبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) . وذلك أن المشركين كانوا لا يسمعون القرآن ولا يستمعونه ؛ كما قال تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ ) . الآية .
فكانوا إذا تلي عليهم القرآن أكثروا اللغط والكلام في غيره حتى لا يسمعوه ، فهذا من هجرانه وترك الإيمان به ، وترك تصديقه من هجرانه ، وترك تدبره وتفهمه من هجرانه ، وترك العمل به وامتثال أوامره واجتناب زواجره من هجرانه ، والعدول عنه إلى غيره من شعر أو قول أو غناء أو لهو أو كلام أو طريقة مأخوذة من غيره من هجرانه .
فنسأل الله الكريم المنان القادر على ما يشاء أن يخلصنا مما يسخطه ، ويستعملنا فيما يرضيه من حفظ كتابه وفهمه والقيام بمقتضاه آناء الليل وأطراف النهار على الوجه الذي يحبه ويرضاه إنه كريم وهاب ) .