ثالــثا : صيغة افعل والزمن :
وهي صيغة يصح أن يطلب بها الفعل([177])، وقد اجمع النحاة على أن فعل الأمر يتكون من المضارع([178])، إلا انهم لم يتفقوا على استقلاليته ولا على دلالته الزمنية، وقد سبقت الاشارة إلى تقسيمهم للفعل وذهب المخزومي إلى انكار دلالة صيغة الأمر على الزمن والفعلية معاً([179])، وقد سبقه إلى ذلك الاصوليون([180])وراى أن تدرس الصيغ التي تدخل في باب الفعل كلاً منها اصلاً قائما بنفسه، لاختلاف كل منها في الشكل والوظيفة، وهذا الاختلاف يوجب اختلاف المعاني ( وواضع اللغة حكيم لا ياتي فيها بما لا يفيد )([181])، وعليه فصيغة الأمر صيغة مستقلة لها ما تتميز به عن غيرها، ودلالة فعل الأمر تكون في الغالب للاستقبال، لانه طلب، والطلب لا يتم تنفيذه إلا بعد زمان التكلم، نحو قوله تعالى (( يا ايها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك – المائدة 67 )) وقوله (( يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال – الانفال 65 ))، وقوله (( يا ايها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم – التوبة 37 )) أو الاستمرار فيما يقوم به، نحو قوله تعالى (( يا ايها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا – البقرة 168 ))، وقوله (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله – آل عمران 200 )) أو يكون تجديدا، نحو قوله تعالى (( يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله – الحشر 18 ))، وقوله (( واما بنعمة ربك فحدث – الضحى 11 )) وقد تكون دلالته امرا متوقعا في المستقبل، نحو قوله تعالى (( إذا جاء نصر الله والفتح. ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره – النصر 1-3 ))، وقد يفيد حكاية حال ماضية، نحو قوله تعالى (( واذ قلنا ياآدم اسكن انت وزوجك الجنة – البقرة 35 ))، وقوله (( وقالت نملة ياايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون – النمل 18 )) وقوله (( قال نكَّروا لها عرشها ننظر اتهتدي أم تكون من الذين لا يهتدون – النمل 41 )) وقد يتجرد فعل الأمر عن الحدث والزمن، وذلك إذا ورد في سياق حكمة أو مثل([182])، نحو : اتق شر من احسنت إليه، ونحو : اعقلها وتوكل .
وقد تقدم تبيان حد الفعل ومعرفة دلالته على الحدث والزمن والفاعل مع تفاوتها في كل نوع منه على الاسس المتقدمة، كما اتضح أن الدلالة الزمنية هي الفيصل في فرز الفعل عن غيره، وهي الاصل في تكوين الفعل ووجوده وفيها تتجلى حركة الفعل في الكلام، اما الدائم فهو بمعنى غير المتجدد والماء الدائم هو الماء الساكن الذي ليس فيه تيار وليس فيه ماء متجدد([183])، والدوام : هو استمرار البقاء في جميع الاوقات ولا يقتضي أن يكون في وقت دون وقت([184])، والفراء هو القائل بمصطلح الدائم([185]) ويعني به اسم الفاعل العامل واسم المفعول، وقد سبقت الاشارة إلى أن الفعل يدل على الحدوث والتجدد والاسم يدل على الثبوت، وإن فيها الاسماء متفاوتة في دلالتها على الثبوت وليست على درجة واحدة منها، ومن خلال هذه الدلالة ووجود صفة الفعلية في المشتقات تتوضح المسوغات لادخال هذه الاسماء في باب الفعل الدائم، واعني بالفعلية الدلالة على الحدث والحدوث والفاعل او المفعول لأن الفعل ما دل على الحدث وزمنه وفاعله والحدوث في الاسماء ما يقابل الثبوت وهو دوام التغير وطول امد الحركة فقد قال النحاة : إن اسم الفاعل يدل على الحدث والحدوث وفاعله([186])، ويقصد بالحدث معنى المصدر([187])، فـ ( قائم ) – مثلا – اسم فاعل يدل على القيام وهو الحدث، وعلى الحدوث أي التغير فالقيام ليس ملازما لصاحبه ويدل على ذات الفاعل أي صاحب القيام. وإن اسم الفاعل يقع وسطاً بين الفعل والصفة المشبهة، الفعل يدل على التجدد والحدوث، فان كان ماضيا دلّ على أن حدثه تم في الماضي، وان كان حالا أو استقبالاً دل على ذلك اما اسم الفاعل فهو أدوم واثبت من الفعل ولكنه لا يرقى إلى ثبوت الصفة المشبهة، فإن كلمة قائم أدوم واثبت من ( قام ) أو ( يقوم ) ولكن ليس ثبوتها مثل ثبوت ( طويل ) أو ( دميم ) أو ( قصير ) فانه يمكن الانفكاك عن القيام إلى الجلوس أو غيره، ولكن لا يمكن الانفكاك عن الطول أو الدمامة أو القصر، وقد تكون هناك صفات مشبهة يمكن الانفكاك عنها كعطشان وصديان، ولكن يبقى الخلاف بينها وبين اسم الفاعل واضحا([188])، وقد عقد الجرجاني موازنة بين خصائص المضارع واسم الفاعل، وكان ينظر إلى مصطلح الفراء حيث فسر كلمة الدائم، فقال في قوله تعالى (( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد – الكهف 18 )) فان احدا لا يشك في امتناع الفعل ههنا، وان قولنا : كلبهم يبسط ذراعيه لا يؤدي الغرض، وليس ذلك إلا لأن الفعل يقتضي مزاولة وتجدد الصفة في الوقت، ويقتضي الاسم ثبوت الصفة وحصولها من غير أن يكون هناك مزاولة وتزجية فعل ومعنى يحدث شيئا فشيئا. ولا فرق بين ( وكلبهم باسط ) وبين أن يقول : وكلبهم واحد مثلا في انك لا تثبت مزاولة ولا تجعل الكلب يفعل شيئا بل تثبته بصفة هو عليها فالغرض اذن تأدية هيئة الكلب، ومتى اعتبرت الحال في الصفات المشبهة وجدت الفرق ظاهرا بينا ولم يعترضك الشك في أن احدهما لا يصلح في موضع صاحبه فإذا قلت : زيد طويل وعمرو قصير لم يصلح مكانه يطول ويقصر وانما تقول يطول ويقصر إذا كان الحديث عن الشيء يزيد وينمو كالشجر والنبات والصبي ونحو ذلك مما يتجدد فيه الطول أو تتحدث فيه القصر فاما وانت تحدث عن هيئة ثابتة وعن شيء قد استقر طوله ولم يكن ثمّ تزايد وتجدد فلا يصلح إلا الاسم([189])، لأن (( اسم الفاعل يدل في كثير من المواضع على ثبوت المصدر في الفاعل ورسوخه فيه والفعل الماضي لا يدل عليه، كما يقال فلان شرب الخمر وفلان شارب الخمر وفلان نفذ امره وفلان نافذ امره فانه لا يفهم من صيغة الفعل التكرار والرسوخ ومن اسم الفاعل يفهم ذلك ))([190])، ويرى سيبويه في باب اسم الفاعل الذي جرى مجرى الفعل المضارع في المفعول في المعنى، تطابق اسم الفاعل والمضارع في الزمن في كل احوال اسم الفاعل ويبدأ بالمنون فيمثل للمستقبل بقوله : هذا ضاربٌ زيدا غدا فمعناه وعمله مثل هذا يضرب زيدا غدا، ويمثل للحال بقوله : فإذا حدثت عن فعل في حين وقوعه غير منقطع كان كذلك وتقول : هذا ضارب عبد الله الساعة، فمعناه وعمله مثل هذا يضرب زيدا الساعة، ويمثل للماضي المستمر بقوله : وكان زيد ضاربا اباك، فانما تحدث ايضا عن اتصال فعل في حال وقوعه، ويمثل له ايضا بقوله : وكان موافقا زيدا، فمعناه وعمله كقولك : كان يضرب اباك، ويوافق زيدا([191])، إن اسم الفاعل المضاف اضافة غير محضة كالمنون يصح أن يقع موقع المضارع نحويا وليس يغير كف التنوين، إذا حذفته مستخفا، شيئا من المعنى، ولا يجعله معرفة، فمن ذلك قوله عز وجل (( كلُّ نفس ذائقة الموت - الانبياء 35، العنكبوت 57 )) و(( إنا مرسلو الناقة – القمر 27 )) و(( ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤسهم – السجدة 12 )) و(( غير محلي الصيد – المائدة 1 )) فالمعنى معنى (( ولا آمين البيت الحرام – المائدة 2 ))([192])، إن اسم الفاعل المقترن بأل يقع في الازمنة كلها وهذا متفق عليه عند النحاة وهو من المواضع التي يقع المضارع المسبوق بموصول، نحو قوله تعالى (( للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم – الحج 53 )) وقوله (( ربنا اخرجنا من هذه القرية الظالم اهلها – النساء 75 ))، قال سيبويه " هذا باب صار الفاعل فيه بمنزلة الذي فعل في المعنى "([193])، ولعل هذا التشابه بين المضارع واسم الفاعل هو الذي دفع الكوفيين إلى اطلاق مصطلح الدائم على اسم الفاعل ولم يطلقوه على الصفة المشبهة لوجود الخلاف بينهما، قال الزمخشري في قوله تعالى (( فلعلك تارك بعض ما يوحى اليك وضائق به صدرك – هود 12 )) : ( فان قلت لم عدل عن ضيق إلى ضائق؟ قلت : ليدل على انه ضيق عارض غير ثابت، لأن رسول الله ( ص ) كان افسح الناس صدرا ومثله قولك : زيد سيد وجواد، تريد السيادة والجود الثابتين المستقرين فإذا اردت الحدوث قلت : سائد وجائد )([194])، وقال ايضا ( إن الفرق بين الميت والمائت أن الميت صفة لازمة كالسيد واما المائت فصفة حادثة تقول : زيد مائت غدا، كما تقول سائد غدا أي سيموت وسيسود وإذا قلت : ( زيد ميت )، فكما تقول هي في نقيضه فيما يرجع إلى اللزوم والثبوت )([195]) وقال الفراء (( والعرب تقول لمن لم يمت انك ميت عن قليل ومائت ولا يقولون للميت الذي قد مات ( هذا مائت )، انما يقال في الاستقبال ولا يجاوز به الاستقبال وكذلك يقال ( هذا سيد قومه اليوم ) فإذا اخبرت انه يكون سيدهم عن قليل قلت : ( هذا سائد قومه عن قليل وسيد )، وكذلك الطمع تقول ( هو طامع فيما قبلك غدا ) فإذا وصفته بالطمع قلت ( هو طمع ) وكذلك الشريف تقول ( انه لشريف قومه ) و ( هو شارف عن قليل ) وهذا الباب كله في العربية على ما وصفته لك ))([196])، وجاء فيه في الفرق بين الحاذر والحذر، كأن ( الحاذر ) الذي يحذرك الآن وكأن الحذر المخلوق حذرا لا تلقاه إلا حذرا )([197])، وقيل([198]) ان ( حذر ) ليست صيغة مبالغة وانما هو اسم فاعل. وقال الزمخشري في قوله تعالى (( انهم كانوا قوما عمين – الاعراف 64 )) : ( والفرق بين العمي والعامي أن العمي يدل على عمى ثابت، والعامي على عمى حادث، ونحوه قوله (( وضائق به صدرك – هود 12 ))([199])، وبهذا يظهر ضعف قول من يقول([200]) ( فانا اعتبر اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة من باب واحد ويمكن أن تدخل سلما زمنيا موحدا )، وذلك لاختلاف الدلالة الزمنية وتفاوتها فيما بينها فالثبوت هو ما تدل عليه الصفة المشبهة وإذا اردنا تحويلها إلى الحدوث حولناها إلى اسم الفاعل، وجاء في التصريح ( انك إن اردت ثبوت الوصف قلت ( حسن )، وان اردت حدوثه قلت ( حاسن ) ولا تقول ( حسن )([201])، وفي حاشية الصبان ( إذا قصد بها – أي الصفة المشبهة – النص على الحدوث حولت الى فاعل، وفي ( التصريح ) عن الشاطبي وغيره إذا أريد حدوث الحسن قيل حاسن لا حسن … والفرق بين فاعل وغيره من تلك الصفات أن الاصل في فاعل قصد الحدوث وقصد الثبوت طارئ )([202])، وفيها ايضا انه ( إذا قصد حدوث الصفة المشبهة في الماضي أو الاستقبال حولت إلى فاعل فتقول في عفيف وشريف وحسن، عاف وشارف وحاسن غدا والظاهر أن الأمر كذلك إذا قصد حدوثها في الحال([203]). ويأتي الوصف ( اسم الفاعل ) دالاً على الأزمنة الآتية:
1. المضي : وذلك نحو قوله تعالى (( أفي الله شك فاطر السموات والارض – ابراهيم 10 )) أي فطر، إن اسم الفاعل يدل على ثبوت الوصف في الزمن الماضي ودوامه فيه بخلاف الفعل الماضي الذي يدل على وقوع الفعل في الزمان الماضي لا على ثبوته ودوامه([204])، والكلام في الآية لا يحتمل الشك لظهور الادلة و شهادتها عليه([205])، وهذا بخلاف ما ذهب إليه الفراء في أن الفعل الدائم هو اسم الفاعل العامل، لانه عندهم، إن كان بمعنى المضي لزمت الاضافة وبطل العمل([206])، والاضافة تتعارض مع التنوين فإذا اخبر أن الفعل قد وقع وانقطع فهو بغير تنوين ([207])، اما إذا كان اسم الفاعل مضافا إلى معرفة وكان صفة للنكرة فاضافته للتخفيف وهي على نية الانفصال، وهو بمعنى الحال أو الاستقبال، من ذلك مررت برجل ضاربك، فهو نعت على انه سيضربه، كانك قلت : مررت برجل ضاربٍ زيداً، ولكن حذف التنوين استخفافا وان أظهرت الاسم واردت التخفيف والمعنى معنى التنوين، جرى مجراه حين كان الاسم مضمرا وذلك قولك : مررت برجل ضاربه رجل، فان شئت حملته على انه سيفعل وإن شئت على انك مررت به وهو في حال عمل([208])، وذلك قوله عز وجل (( هذا عارض ممطرنا – الاحقاف 24 ))([209])، أي حين الاشارة اليه، ولكن القصة وقعت في الماضي بدليل وقوعهما صفة لا حالا، لان ( عارضا ) نكرة، واضافة الوصف غير محضة، لانها بمعنى الحال والاستقبال واما اذا كان المعنى الاستمرار الدائم فاضافته محضة بدليل وصفه للمعرفة في قوله تعالى (( مالك يوم الدين – الفاتحة 4 ))، ( واضافة مستقبل وممطرنا مجازية غير معرفة بدليل وقوعهما وهما مضافان إلى معرفتين وصفا للنكرة )([210])، لذلك إذا اضيف اسم الفاعل كان بمعنى الماض غالباً وقد اجاز الكسائي([211]) أن يعمل بمعنى الماضي مطلقا، كما يعمل بمعنى الحال والاستقبال، وهكذا فقد شغل النحاة انفسهم بالعامل ونظرياته وتناسوا دلالات اسم الفاعل في السياق بمعونة القرائن، وما خالف نظريتهم خرجوه من وجوه، ففي قوله تعالى (( وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد – الكهف 18 )) قال الزمخشري ( حكاية حال ماضية، لأن اسم الفاعل لا يعمل إذا كان في معنى المضي واضافته إذا اضيف حقيقية معرّفة كغلام زيد إلا إذا نويت حكاية الحال الماضية )([212]). وفي قوله تعالى (( وجاعل الليل سكنا – الانعام 96 )) قال السيرافي : إن الاجود ههنا أن يقال انما نصب اسم الفاعل والمفعول الثاني ضرورة حيث لم يمكن الاضافة إليه ، لانه اضيف إلى المفعول الاول فاكتفى في الاعمال بما في اسم الفاعل بمعنى الماضي من معنى الفعل، قال ولا يجوز الاعمال )[213]، ولكن اسم الفاعل في الآية الكريمة لم يُرد به الماضي، كما ذهب السيرافي وغيره بل يراد به الازمنة المختلفة المستمرة أي أن اسم الفاعل هنا يفيد الاستمرار التجددي فقد قال الزمخشري في ذلك ( فان قلت : كيف يكون لليل محل والاضافة حقيقية، لأن اسم الفاعل المضاف في معنى المضي، ولا تقول زيد ضارب عمرا امس؟ قلت : ما هو في معنى المضي، وانما هو دال على جعل مستمر في الازمنة المختلفة، وكذلك فالق الحب وفالق الاصباح، كما تقول : الله قادر عالم، فلا تقصد زمانا دون زمان )([214]).
2. الحال :- وذلك نحو : كلانا ناظر قمرا ومالك واقفا([215])، وقوله تعالى (( فما لهم عن التذكرة معرضين – المدثر 49 )) فان (( معرضين ) نصب على الحال كقولك مالك قائما )([216]).
3. الاستقبال :- وذلك نحو قوله تعالى (( إني خالق بشرا من طين فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين – ص 71، 72 ))، أي سأخلق وقوله (( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة – البقرة 30 ))، أي سأجعل، و قوله (( ربنا انك جامع الناس ليوم لا ريب فيه – آل عمران 9 )) والفرق بينه وبين استعمال المضارع هو أن الأمر في اسم الفاعل كأنه قد تم وثبت وصفا لصاحبه([217]) .
4. الاستمرار :- وذلك نحو قوله تعالى (( إن الله فالق الحب والنوى يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فانى تؤفكون فالق الاصباح وجَعَلَ الليل سكنا – الانعام 95، 96 ))، ففلق الحب والنوى مستمر، وفي كل يوم يفلق الله الاصباح([218]) .
5. الدلالة على الثبوت : - وذلك كقولك : واسع الفم وبارز الجبين وجاحظ العينين وهو في هذه الامثلة ونحوها يدل على الثبوت كالصفة المشبهة، بل هو صفة مشبهة حيث ان اسم الفاعل والمفعول يجريان مجرى الصفة المشبهة في الدلالة على الثبوت فيقال : ضامر البطن وجائلة الوشاح ومعمور الدار ومؤدب الخدام([219])، وقد ذكرت سابقا أن الصفة المشبهة إذا اريد بها حدوث معناها حولت إلى صيغة ( فاعل ) تقول في حسن : حاسن، اما إذا اردت من اسم الفاعل ثبوت معناه لا تحتاج لأن تحوله إلى صيغة من صيغ الصفة المشبهة بل يكفي أن تضيفه إلى فاعله تقول : باسم الثغر، ومنطلق الاسارير، وثابت الراي([220])، ونحو فرس ضامر([221]) إذا لم يكن اسم الفاعل بمعنى الحدوث أي على إرادة الفعل ( ومعنى إرادة الفعل كونه للتجدد والحدوث كالفعل، وما كان بمعنى النسب ليس كذلك بل هو للثبوت )([222])، فقد يدل اسم الفاعل على النسبة إلى الشيء وعندها لا يجري على الفعل، قال سيبويه في باب من الإضافة تحذف فيه ياءي الإضافة ( وذلك إذا جعلته صاحب شيء يزاوله، أو ذا شيء، اما ما يكون صاحب شيء يعالجه فانه مما يكون ( فعّالاً ) … واما ما يكون ذا شيء وليس بصنعة يعالجها فانه مما يكون ( فاعلا ) وذلك قولك لذي الدرع : دارع، ولذي النبل : نابل، ولذي النشاب : ناشب، ولذي التمر تامر، ولذي اللبن : لابنٌ – قال الحطيئة :
فغررتني وزعمت انك لابنٌ بالصيف تامر
وتقول : مكان آهل، أي ذو أهل، وقال ذو الرمة :
الــى عطـن رحـب المباءة آهـل
وقالوا لصاحب الفرس : فارس، وقال الخليل : إنما قالوا عيشة راضية، وطاعم وكأسٍ على ذا، أي : ذات رضا وذو كسوة وطعام، وقالوا : فاعل لذي الفعل، وقال الشاعر :
كليني لهّمٍ يا اميمة ناصـب
أي : لهم ذي نصب )([223])، ومن ذلك ما كان على ( فاعل ) أو ( مفعل ) من الصفات التي تختص بالمؤنث بغير هاء التأنيث ( وذلك قولك امرأة حائض، وهذه طامث، كما قالوا : ناقة ضامر، يوصف به المؤنث وهو مذكر، فانما الحائض واشباهه في كلامهم على انه صفة شيء، والشيء مذكر، فكانهم قالوا : هذا شيء حائض، ثم وصفوا به المؤنث، كما وصفوا المذكر بالمؤنث فقالوا : رجل نُكَحةٌ، فزعم الخليل انهم إذا قالوا حائض فانه لم يخرجه على الفعل، كما انه حين قال : دارع لم يخرجه على فعل، وكأنه قال : درعيّ، فانما اراد ذات حيض ولم يجيء على الفعل، كذلك قولهم مرضع إذا اراد ذات رضاع ولم يجرها على ارضعت، ولا ترضع، فإذا اراد ذلك قال مرضعة وتقول : هي حائضة غدا لا يكون إلا ذلك، لانك إنما اجريتها على الفعل، على هي تحيض غدا، هذا وجه ما لم يجر على فعله فيما زعم الخليل([224])، فدخول التاء على اسم الفاعل وسقوطها ليس للتأنيث أو التذكير وانما على ارادة الفعل والنصب أو على الحدوث والثبوت أي على الفعلية والاسمية (( وقد لا تلحق التاء صفة المؤنث استغناء عنها أو اتساعاً اما ما يستغني عن التاء فما كان من الصفات مختصا بالمؤنث، ولم يقصد به قصد فعله : من افادة الحدوث، نحو : حائض، وطامث، بمعنى ذات اهلية للحيض، والطمث دون تعرض لوجود الفعل، فلو قصد انه تجدد لها الحيض أو الطمث في احد الازمنة، لحقت التاء، فقيل ( حائضة، وطامثة )([225])ومن ذلك ( امرأة طاهر ) من الحيض و( امرأة طاهرة ) أي نقية من العيوب وكذلك ( امرأة حامل ) من الحمل و( حاملة ) على ظهرها أو تحمل شيئا ظاهرا و( امرأة قاعد ) إذا قعدت عن المحيض و( قاعدة ) من القعود ففرق بينهما بالتاء لافتراق المعنيين([226])، ففي قوله تعالى (( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت – الحج 2 ))، قال الزمخشري ( فان قلت : لم قيل ( مرضعة ) دون مرضع ؟ قلت : المرضعة التي هي في حال الارضاع ملقمة ثدييها الصبي، والمرضع التي شأنها أن ترضع وان لم تباشر الارضاع في حال وصفها به فقيل مرضعة ليدل على أن ذلك الهول إذا فوجئت به هذه وقد القمت الرضيع ثديها نزعته عن فيه لما يلحقها من الدهشة )([227])، وفي المخصص ( نقول امرأة حائضةٌ غدا ومرضعةٌ غدا فلا ينزعون الهاء، لانه شيء لم يثبت وانما الاخبار عنه على لفظ الفعل وهو قولنا تحيض غداً وترضع غدا وقد يجوز أن ياتي في مثل هذه الهاء على معنى الفعل([228])، ومثله قوله تعالى (( السماء منفطر به – المزمل 18 )) ولم يقل ( منفطرة ) فمنفطر هنا على النسب أي ذات انفطار([229]) ، لأن (( السماء منفطر به كقولك ( معضل ) للقطاة، وكذلك ( مرضع ) للتي بها الرضاع، واما المنفطرة فيجيء على العمل، كقولك منشقة، وكقولك مرضعة للتي ترضع ))([230])، ونحوه قوله تعالى (( جاءتها ريح عاصف – يونس 22 )) أي ذات عصف وقوله (( ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره – الأنبياء 81 ))، فانه لما أراد الحدوث ان أنث الصفة أي تعصف، وقالوا ( امرأة طالق وحائض وطامث ) وقاعد للآيسة من الحيض وعاصف في وصف الريح من قوله تعالى " جاءتها ريح عاصف " فلم يأتوا فيه بالتاء وإن كان وصفاً للمؤنث، وذلك لانه لم يجر على الفعل وانما يلزم الفرق ما كان جاريا على الفعل، لأن الفعل لا بد من تأنيثه إذا كان فيه ضمير مؤنث حقيقيا كان أو غير حقيقي، نحو هند ذهبت وموعظة جاءت فإذا جرى الاسم على الفعل لزمه الفرق بين المذكر والمؤنث، كما كان كذلك في الفعل وإذا لم يكن جاريا على الفعل كان بمنزلة المنسوب فحائض بمعنى حائضي أي ذات حيض على حد قولهم رجل درع أي درعي بمعنى صاحب درع ألا ترى انك تقول دَرِعَ فتجريه على فعل انما قولك دارع أي ذو دروع وطالق أي ذات طلاق أي أن الطلاق ثابت فيها ومثله قولهم مرضع أي ذات رضاع ومنه قوله تعالى (( السماء منفطر به )) أي ذات انفطار وليس ذلك على معنى حاضت وانفطرت إذ لو اريد ذلك لاتوا بالتاء وقالوا حائضة غدا وطالقة غدا، لانه شيء لم يثبت وإنما هو .اخبار على طريق الفعل كانك قلت تحيض غدا وتطلق غدا ومنه قوله تعالى (( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما ارضعت )) وقال تعالى (( ولسليمان الريح عاصف )) … وذلك كله يجري على الفعل على تقدير حاضت وطلقت )([231])، فقد يجيء فاعل بمعنى مفعول، نحو هذا سر كاتم، وهم ناصب، وليل نائم، وعيشة راضية، ومنه قوله تعالى (( خلق من ماء دافق – الطارق 6 )) أي مدفوق ( والاولى أن يكون على النسب كنابل وناشب )([232])، وقد تحول صيغة ( فاعل ) للدلالة على الكثرة والمبالغة في الفعل أو الحدث إلى اوزان كثيرة منها فعّال، مفعال، فعول، فعيل ( لانه يريد به ما اراد بفاعل من ايقاع الفعل، إلا انه يريد أن يُحدث عن المبالغة )([233])، والمبالغة معنى اضافي على المعنى الاصلي وبما أن زيادة المعنى في زيادة المبنى([234])، لذلك كان الزمن في هذه الصيغ اطول من فاعل فظالم مثلا ليس كظلام وظلوم حيث استغرقا بُعدا زمنيا اطول من ظالم، لأن ( المبالغة تفيد التنصيص على كثرة المعنى كمّاً أو كيفا ولكن هل هي مستوية في المعنى أو متفاوتة بان تكون الكثرة المستفادة من فعّال مثلا اشد من الكثرة المستفادة من فعول مثلا لم ار في ذلك نقلا وقد يؤخذ من قولهم زيادة البناء تدل على زيادة المعنى ابلغية فعال ومفعال على فعول وفعيل وابلغية هذين على فعل فتدبر )([235]). إن الكثرة المستفادة من فعّال هي في طول الوقت الذي يستغرقه فعل الفعل، فإذا (( فعل الفعل وقتا بعد وقت قيل فعّال مثل علام وصبار ))([236])، ففي المبالغة زيادة تفيد معنى جديداً، لأن الاصل فيها النقل من شيء إلى آخر، لأنك (( في المبالغة لابد أن تترك موضعا إلى موضع إما لفظا إلى لفظ، وإما جنسا إلى جنس، فاللفظ كقولك : عُراض، فهذا قد تركت فيه لفظ عريض، فعراض إذاً ابلغ من عريض، وكذلك رجل حَسّان ووَضّاء، فهو أبلغ من قولك : حَسَن، ووضئ، وكَرّام أبلغ من كريم، لأن كريما علىكَرُمَ، وهو الباب، وكرّام خارج عنه، فهذا أشد مبالغة من كريم قال الاصمعي ( الشيء إذا فاق في جنسه قيل له : خارجي … ولذلك أيضا إذا أريد بالفعل المبالغة في معناه، أخرج عن معتاد حاله من التصرف فمنعه، وذلك نعم وبئس وفعل التعجب )([237]) فالحالة المعتادة للفعل هي صيغه المعروفة ( فعل ) و ( يفعل ) و( افعل ) فإذا أريد المعنى الأبلغ والاكد حوّل إلى فاعل و للمبالغة في فعل الفاعل يحول إلى صيغ المبالغة أو الصفة المشبهة أو يمنع الفعل من التصرف كأفعال المدح والذم والتعجب أو يًجري فيه الايجاز والاختصار كأسماء الأفعال فلما (( اجتمع في تسمية هذه الأفعال ما ذكرناه من الاتساع ومن الايجاز ومن المبالغة، عدلوا إليها بما ذكرنا من حالها ومع ذلك فانهم ابعدوا احوالها من أحوال الفعل المسمى بها، وتناسوا تصريفه، لتناسيهم حروفه يدل على ذلك انك لا تقول : صه فتسلم، كما تقول اسكت فتسلم ولا مَه فتستريح، كما تقول: اكفف فتستريح ))([238])، وهذا يعني أن أسماء الأفعال ابلغ من الأفعال لهذا اجروا فيها إيجازا واختصارا حيث تقول : صه للواحد وللاثنين وللجماعة وللمؤنث في حين تقول لفعله : اسكتا واسكتوا واسكتي واسكتن . والعرب تسمي الفعل المكرر الذي يتخذه الإنسان حرفة أو صناعة وتنسب إليه بصيغة ( فعّال ) كالفّراء والنجار والنساج والصفار والحداد، لأنهم قد نسبوا على غير المنهاج المذكور وذلك لأنهم لم يأتوا بياء النسبة لكنهم يبنون بناءا يدل على نحو ما دل عليه ياء النسبة وهو قولهم لصاحب البتوت وهي الأكسية واحدها بت ( بتّات ) ولصاحب الثياب ( ثوّاب ) ولصاحب البز ( بزّاز ) ولصاحب العاج ( عوّاج ) ولصاحب الجمال التي ينقل عليها ( جمّال ) ولصاحب الحمير التي ينقل عليها ( حمّار ) وللصيرفي ( صرّاف ) وهو اكثر من أن يحصى كالعطار والنقاش وهذا النحو إنما يعملونه فيما كان صفة ومعالجة لتكثير الفعل اذ صاحب الصنعة مداوم لصنعته فجعل له البناء الدال على التكثير، وهو فعّال بتضعيف العين، لأن التضعيف للتكثير، وما كان من هذا ذا شيء وليس بصنعة يعالجها أتوا بها على ( فاعل ) وذلك، لأن فاعلا هو الاصل، وإنما يعدل عنه إلى فعال للمبالغة فإذا لم ترد المبالغة جيء به على الأصل، لانه ليس فيه تكثير )[239]، وجاء في ادب الكاتب ( قال الفراء : ( هذا رجل تمريُّ ) إذا كان يحب اكل التمر، فإذا كان يبيعه فهو ( تمّار ) فان كثر عنده التمر وليس بتاجر فهو ( مُتمر ) وإذا اطعمه الناس فهو ( تامر )، وتقول ( هذا رجل شَحِمٌ لَحِمٌ ) إذا كان قريبا من الشحم واللحم وهو يشتهيهما، فإذا كان يبيعهما قلت ( شحّام ولحّام ) وإذا كثر عنده قلت ( مُشحِمٌ ومُلحِمٌ ) فان اطعمهما الناس قلت ( شاحم ولاحم ) وإذا كثر اللحم والشحم على جسمه قلت ( لَحيمٌ شَحيمٌ ) فان كان مرزوقا من الصيد مُطعما له قلت ( رجل مُلْحِمٌ )([240]) فابنية المبالغة تختلف فيما بينها فيما تؤديه من معان، كما تختلف عن ( صيغة فاعل ) نحو رجل نُومة ونؤوم فالنومة الخامل الذكر والنؤوم الكثير النوم([241])، ونحو قوله تعالى (( إن الانسان لظلوم كفار – ابراهيم 34 )) أي انه مستمر على اغفال شكر النعمة شديد الكفران لها يزاول ذلك ويعانيه ويجدده([242])، وفي قوله تعالى (( ولا أقسم بالنفس اللوامة – القيامة 2 ))، قال الرازي (( إن الإنسان خلق ملولا فأي شيء طلبه اذا وجده مله فحينئذ يلوم نفسه على أني لِمَ طلبته فلكثرة هذا العمل سمي بالنفس اللوامة ونظيره قوله تعالى (( أن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا، وإذا مسه الخير منوعا – المعارج 19-21 )) واعلم أن قوله لوامة، ينبئ عن التكرار والاعادة، وكذلك القول في لوام وعذاب وفرار )([243]) ونحوه قوله تعالى (( كلا انها لظى نزّاعة للشوى – المعارج 15،16 ))، فكان دخول التاء التي ليست للتأنيث على اسم الفاعل تحويلا له من الاسمية إلى الفعلية كذلك كانت زيادة التاء على قسم من الصفات تحويلا لها إلى صيغ للمبالغة كالراوية والعارفة والأصل فيهما الراوي والعارف وهما من اسماء الفاعلين، وفي هذه التاء يقول ابن يعيش انها ( تدخل للمبالغة في الصفة مثل ( علامة ونسابة ) ولكثير العلم والعالم بالانساب وقالوا ( راوية ) للكثير الرواية يقال رجل راوية الشعر ومن ذلك بعير راوية وبغل راوية أي يكثر الاستسقاء عليه ومنه ( فروقة ) يقال رجل فروقة للكثير الفرق وهو الخوف وفي المثل ( رُبّ عجلة تهب ريثا ورب فروقة يدعى ليثا ) وقالوا ( ملولة ) في معنى الملول وهو الكثير الملل )([244]) وقد تزاد على صيغ المبالغة كالعلامة والنسابة لتأكيدها، لأن المبالغة حاصلة بغير التاء فإذا دخلت على فعّال افادت تأكيدا للمبالغة، لأن التاء ليست للتأنيث وانما للمبالغة وذلك (( أن الهاء في نحو ذلك لم تلحق لتأنيث الموصوف بما هي فيه، وانما لحقت لإعلام السامع أن هذا الموصوف بما هي فيه قد بلغ الغاية والنهاية، فجعل تأنيث الصفة أمارة لما أريد من تأنيث الغاية والمبالغة وسواء كان ذلك الموصوف بتلك الصفة مذكرا أم مؤنثا، يدل على ذلك أن الهاء لو كانت في نحو امرأة فروقة إنما لحقت، لأن المرأة مؤنثة فوجب أن تحذف في المذكر، فيقال : رجل فروق، كما أن التاء في نحو امرأة قائمة وظريفة لما لحقت لتأنيث الموصوف حذفت مع تذكيره في نحو رجل ظريف، وقائم، وكريم وهذا واضح ))([245]) واطلق عليها ( هاءً ) لانه يوقف عليها، واما المبالغة فهي تعني النسبة الى صفة الغاية والنهاية القصوى بدليل دخولها الوصف الجاري على فعله والفعل تدخله التاء وللتفريق بينهما جاءوا بالقصيرة، فقد جاءت ( التاء ) للدلالة على أن الموصوف قام بالصفة مقام جماعة، لانه بلغ فيها الغاية يدل على ذلك استعمال بناء ( فُعَلة ) في اوزان جمع التكسير، نحو قضاة وغزاة وفي مبالغة اسم الفاعل نحو همزة ولمزة لتكرار الوصف والزيادة فيه، لأن (( بناء (فُعَلة) يدل على أن ذلك عادة منه قد ضرى بها، ونحوهما اللعنة والضحكة ))([246])، إن التاء التي ليست للتأنيث تدخل على ( فعّال ) وهي من صيغ المبالغة لافادة بلوغ الغاية والنهاية في المدح أو الذم أو الحب أو الكره، وليس على التجديد أو الحدوث وهذا يعني تحويل الوصف إلى اسم، ( فالمبالغة بزيادة التاء لا تبقي الوصف على حاله وانما تحول الوصف إلى الاسمية فالعلامة ليس هو العلام مع زيادة في المبالغة، ولا النسابة هو النساب مع زيادة في المبالغة وانما تحويل الوصف إلى الاسم مع اشتهار المسمى بذلك )([247])، لأن (( الفرق بين علاّم وعلامة أن الصفة بعلام صفة مبالغة وكذلك كل ما كان على فعّال، وعلامة وإن كان للمبالغة فان معناه ومعنى دخول الهاء فيه انه يقوم مقام جماعة علماء فدخلت الهاء فيه لتانيث الجماعة التي هي في معناه، ولهذا يقال الله علام ولا يقال له علامة، كما لا يقال انه يقوم مقام جماعة علماء فاما قول من قال إن الهاء دخلت في ذلك على معنى الداهية فإن ابن درستويه رده واضح فيه بان الداهية لم توضع للمدح خاصة ولكن يقال في الذم والمدح في المكروه والمحبوب … ولو كانت الداهية صفة مدح خاصة لكان ما قاله مستقيما وكذلك قوله لحّانة شبهوه بالبهيمة غلط، لأن البهيمة لا تلحن وانما يلحن من يتكلم، والداهية اسم من اسماء الفاعلين الجارية على الفعل يقال : دهى يدهى فهو داهٍ وللانثى داهية ثم يلحقها التانيث على ما يراد للمبالغة فيستوي فيه الذكر والانثى مثل الراوية، ويجوز أن يقال : أن الرجل سمي داهية كأنه يقوم مقام جماعة دهاة وراوية كأنه يقوم مقام جماعة رواة )([248])، وقالوا: الصخّابة كأنهم ارادوا به بهيمة تصخب تشبيها بالبهيمة للدلالة على أن المذموم قد بلغ النهاية في اللحن او الصخب وليس على الحدوث أي إن دخول التاء حول الصيغة إلى معنى مغاير يختفي فيه الزمن أو يكاد ومن هذا الباب صيغة ( فعيل ) بمعنى مفعول التي تدل على أن الوصف قد وقع على صاحبه بحيث اصبح سجية له أو كالسجية ثابتا أو كالثابت، وقد تلحقها التاء فتحولها من الوصفية إلى الاسمية، لأنهم (( يدخلون في ( فعيل ) الذي بمعنى مفعول الهاء على غير القصد إلى وقوع الفعل به ووقوعه فيه ومذهبهم في ذلك الاخبار عن الشيء المتخذ لذلك الفعل والذي يصلح له كقولهم ( ضحية ) للذكر والانثى ويجوز أن يقال ذلك من قبل أن يضحى به وذبيحة فلان لما قد أتخذ للذبح وقولهم ( بئس الرمية الارنب ) أي الشيء الذي يرمى سواء رُمي أو لم يرم ))([249])، وكذلك دخول التاء على صيغة ( فاعل ) يحولها إلى الاسمية، نحو قوله تعالى (( وما من غائبةٍ في السماء والارض إلا في كتاب مبين- النمل 85 ))، فقد (( سمي الشيء الذي يغيب ويخفى غائبة وخافية فكانت التاء فيهما بمنزلتها في العافية والعاقبة ونظائرهما النطيحة والرمية والذبيحة في انها اسماء غير صفات )([250]) ومثله أسماء الحشر وهي مؤنثة في الغالب كالقارعة والطامة والصاخة فالقارعة هي ليست وصفاً لكل ما يقرع وانما هو اسم لهذا اليوم المخصص وكذا الطامة والصاخة واخواتها([251]) وهكذا نرى أن ما ختم بالتاء مما ذكر من الصيغ انتقل من الوصفية إلى الاسمية أي من الحدوث إلى الثبوت وهو ما ذهبت إليه من الفعلية والاسمية أو الحدوث والثبوت، وهما المزاولة والازجاء للفعل، فاذا تكرر وداوم صاحبه عليه، ثبت عليه وصفا، واذا زاد منه حتى عرف به صار مبالغا فيه، ثم ينسب اليه، فيدل على الثبوت ولما كان الثبوت من معاني الاسمية، نسب اليها، لان الاسم يدلعلى مسماه اذا كان معنى أو ذاتا. حيث يأخذ الحدث بعدا زمنيا معينا أو يتجرد من التعيين الزمني فيدل على الشمول والعموم وينأى عن التخصيص في وقت معلوم ، فيبتعد عن الوقوع والحركة إلى الثبوت وفي هذه الحركة تتجلى الفعلية في الصيغ التي تدل عليها وإذا استغرقت مدة اطول وابعد، ودامت فيها الحركة واستمر وقوع الحدث فيها متجددا كان ذلك من باب الفعل الدائم ويدخل فيما ذكرت اسم المفعول وهو ما دل على الحدث والحدوث وذات المفعول([252])، كمقتول ومأسور وهو لا يختلف عن اسم الفاعل إلا في الدلالة على الموصوف، ويقال فيه ما قيل في اسم الفاعل من حيث دلالته على الحدوث والثبوت، فهو يدل على الثبوت إذا ما قيس بالفعل وعلى الحدوث إذا ما قيس بالصفة المشبهة، والكوفيون يعدونه فعلا كاسم الفاعل – وقد تقدم ذكر ذلك –غير أن الفراء لم يطلق عليه لفظ ( الدائم )، كما أطلقه على اسم الفاعل([253])، وهو من حيث الدلالة على الزمن يقال فيه ما قيل في اسم الفاعل فهو يدل على ما ياتي :-
1. المضي : وذلك نحو قوله تعالى (( كل يجري لاجل مسمى – الرعد 2 )) أي سمى، ونحو ( هو مقتول ) أي قتل .
2. الحال : نحو، اقبل مسروراً، ومالك محزونا ؟ وانت مغلوب على امرك.
3. الاستقبال : وذلك كقوله تعالى (( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود – هود 103 )) أي سيجمع ويشهد ونحو ( انك يابن ابي سلمى لمقتول ) أي ستقتل([254]).
4. الاستمرار : نحو قوله تعالى (( عطاءً غير مجذوذ – هود 108 )) وقوله (( واصحاب اليمين ما اصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب – الواقعة 27-31 )).
5. الدلالة على الثبوب كالصفة المشبهة : نحو، هو مدور الوجه، مقرون الحاجبين مفتول الساعدين، بل هو صفة مشبهة([255])، وبذلك فان اسم المفعول تسمية تتعلق بالصيغة لا بالاستعمال في المقام الاول وقد وضعها الصرفيون للدلالة على وزن مفعول أو على وزن مفاعل ومفعلل ومستفعل … الخ، دون النظر إليها في التركيب([256])، كما أن دلالة اسم المفعول على الحدث والزمان والوصف غير مرتبطة بالشروط التي وضعها النحاة ( فلا يحتاج في عمل الرفع إلى شرط الزمان …، وليس في كلام المتقدمين ما يدل على اشتراط الحال أو الاستقبال في اسم المفعول لكن المتأخرين كابي علي ومن بعده صرحوا باشتراط ذلك فيه، كما في الفاعل )([257])، وانه يخضع في ذلك للقرائن الحالية أو المقالية، كما يعتمد في تحديد زمانه على السياق، فان تطلب السياق أن يكون زمانه ماضيا كان، وان تطلب الحال أو الاستقبال أو الاستمرار التجددي فهو بحسب ما يقتضيه، وان تطلب ألا يدل على حدث أو زمان بالاصالة خلا اسم المفعول منهما([258])، ويمكن أن تصور به احداث كأنها واقعة، كما في قوله تعالى (( فيها سرر مرفوعة، واكواب موضوعة، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة – الغاشية 13-16 )) وقوله (( ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود – هود 103 )) وقوله (( وكان عند ربه مرضيا – مريم 55 )) وقوله (( وكانت الجبال كثيبا مهيلا – المزمل 14 "، وقوله " انه كان وعده مأتيا – مريم 61 )).
دلالة الجمع على الحدث :
جمع الصفات جمعا سالما يقربها من الفعلية وتكسيرها يبعدها عن الفعلية إلى الاسمية وينأى بها عن ارادة الحدوث ويقربها إلى الثبوت واما في الجمع السالم، فإن الاصل فيه أن يدل على الحدث لأن (( تكسير الصفة ضعيف والقياس جمعها بالواو والنون، وانما ضعف تكسيرها، لانها تجري مجرى الفعل، وذلك انك إذا قلت : زيد ضارب، فمعناه يضرب أو ضَرب إذا اردت الماضي وإذا قلت : مضروب فمعناه يُضرب أو ضُرب، لأن الصفة في افتقارها إلى تقدم الموصوف كالفعل في افتقاره إلى الفاعل … فكان القياس ألا تجمع، كما أن الأفعال لا تجمع، فاما جمع السلامة فانه يجري مجرى علامة الجمع من الفعل إذا قلت : يقومون ويضربون فاشبه قولك قائمون و يقومون وجرى جمع السلامة في الصفة مجرى جمع الضمير في الفعل، لانه يكون على سلامة الفعل فكل ما كان اقرب إلى الفعل كان من جمع التكسير ابعد وكان الباب أن يجمع جمع السلامة لما ذكرناه أن ضاربون ومضروبون يشبه يضربون ويُضربون من حيث سلامة الواحد في كل منهما وان الواو للجمع والتذكير، كما كانت في الفعل كذلك، وقد تكسر الصفة على ضعف لغلبة الاسمية وإذا كثر استعمال الصفة مع الموصوف قويت الوصفية وقلّ دخول التكسير فيها وإذا قل استعمال الصفة مع الموصوف و كثر اقامتها مقامه غلبت الاسمية عليها و قوي التكسير فيها )([259]). فالاصل في الصفات أن لا تكسر، لانها تجري مجرى الفعل وتعمل عمله ومع هذا فقد كسروا بعض الصفات لكونها كالجوامد لذلك كان تكسير الصفات المشبهة اكثر من تكسير اسم الفاعل، لأن شبهها بالفعل اقل من شبهه، لدلالتها على الثبوت في حين يدل اسم الفاعل على الحدوث قال تعالى (( والحافظون لحدود الله – التوبة 112 )) أي الذين يحفظون حدود الله وقال تعالى (( والحافظون فروجهم والحافظات – الاحزاب 35 )) أي الذين يحفظون فروجهم ولم يقل الحفاظ أو الحفظة، لأن التكسير يبعدها عن الحدث يدل على ذلك عطف الفعل على الوصف، نحو قوله تعالى (( إن المصدقين والمصدقات واقرضوا الله – الحديد 18 )) وقوله (( صافات ويقبضن – الملك 19 )) وقوله (( فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا – العاديات 3،4 )) وقال (( فانزلنا من السماء ماء فاسقيناكموه وما انتم له بخازنين – الحجر 22 )) ولم يقل: ما انتم له بخزنة، كما في قوله (( وقال لهم خزنتها – الزمر71 )) و(( وقال الذين في النار لخزنة جهنم – غافر 49 ))، فان ( خازنين ) تفيد الفعلية بخلاف ( خزنة ) فانها لا تدل على الفعل وانما تدل على الاسم إذ هو اسم الصنف من الملائكة الموكلين بالنار، وقال (( وإنا به كافرون – الزخرف 30 )) وقال (( وإن كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون – الروم 8 )) ولم يقل بلقاء ربهم لكفار أو كفرة، لأن في ( كافرين ) معنى الحدث فتعلق به الجار والمجرور اكثر من عشر مرات في القرآن لقرب هذا الجمع من الفعلية ولم يتعلق مرة واحدة بالكفار أو الكفرة مع ترددهما في اثنين وعشرين موطنا في القرآن الكريم([260])، فبهذا اتضح أن الجمع السالم يدل على ارادة الحدث أو الفعلية والتكسير يدل على ارادة الاسمية يدل على ذلك معاملته كالاسم المفرد بالعلامات الاصلية في الاعراب بخلاف جمع السلامة الذي يعامل بالعلامات الفرعية لجريانه على الفعل، وارادة الفعلية تتجلى في الصيغ المعروفة للافعال وفي الصفات وجمعها وتحديدها بزمن دون آخر بحسب السياق واللواحق والزوائد ودلالة الأبنية .
الخاتمة
مفهوم الفعلية في العربية يتبين من دلالة البناء على الزمن أو ما يعرف بالحدوث أو الحركة وعلى من قام بها أو من اوجدها واثر فيها سواء اظهر ذلك في الصيغ الفعلية الثلاثة أم في غيرها، وهي الصفات واوزانها المختلفة بما عبرت عنه العربية بسياقاتها المتباينة من اجل الوصول إلى الافصاح البليغ عما يريد المتكلم، وما يرمي إليه بكل الوضوح للتحديدات الزمنية لوقوع الحدث وحدوثه حيث انها لم تهمل المجالات الزمنية التي يتضمنها الزمن الواحد، كما ورد في الاستعمال العربي ولا عبرة بالتقسيمات المنطقية والحدود الفلسفية فهي قامت لتقعيد العربية، ولافهامها للمبتدئين اما المتخصصون فانهم يستطيعون الوصول إلى المراد وفهم اسرار البلاغة، ومنابع الجمال اللغوي بسبر اغوارها والعناية بطريقة التأليف واختيار الكلم ومعرفة معاني الأبنية ودلالاتها المختلفة، إن الفعل احد الاقسام المهمة التي يقوم عليها الكلام، وهو من اركان بناء الجملة العربية، لانه يدل على معنى وهو الحدث أو المصدر، ويتضمن الدلالة على الفاعل وحركته المتمثلة بدلالته على الزمن العام أو المطلق ويتخصص بالزوائد واللواحق والسوابق، وتقييد الزمن بالافعال ليس على اطلاقه، لانه يلحظ في غيرها وتقسيمها فلسفي لا نحوي، وهو ما دعا بعضهم إلى اتهام العربية بان وضع الزمن فيها غير متين لتقييده بالفعل .
إن الزمن النحوي تؤديه الجملة بالفعلية وتحدده سياقات متنوعة، والاستقراء اللغوي يدل على أن العربي لم يكتف بالصيغ التي ذكرها النحاة في الاقسام الثلاثة، وهو لا يفهم من الصيغة وحدها، وانما يفهم من السياق والقرائن .
الخلاصة والنتائج
ان الفعلية تدل على حركة الفاعل في زمن ما ولا تنحصر في الصيغ الصناعية بل هي اوسع من ذلك فتشمل الزمن الصرفي والنحوي في التركيب وهي الحدوث والتجدد في الحدث الذي يعني الفعل الحقيقي وما اشتق منه لانشاء الصيغ الزمنية المواكبة لحركة الفاعل في الماضي والحاضر والمستقبل، وإذا دلت على ذات الفاعل أو المفعول، كما في الصفات فإن زمنها يمتد لتدل على الدوام، إن نظرية العامل ومتاهات المنطق والفلسفة قد غشيت بظلالها الكثيف الدراسات النحوية فاغفلت اللمحات النادرة في الاسلوب العربي ومراميه وغطت درره وكوامن جماله وفتنته فاضحت تدور مع المنطق حيث دار تاركة البحث في اسرار التاليف، وما يعنيه السياق وطريقة الكلام، إلا ما جاء موزعا في ابواب متفرقة. إن تتبع معاني الفعلية يقتضي الرجوع إلى الدراسات اللغوية والنحوية قديما وحديثا للوقوف على دلالتها الزمنية والرد على من ظن بالعربية الظنون واتهمها بالقصور الزمني. وذلك بادخال الصفات العاملة عمل افعالها وغير العاملة وكذلك المصادر، ومتابعة معاني الابنية والظروف بصفتها قرائن لفظية في تحديد معاني الفعلية للوقوف علىالدلالات الزمنية وقد خرج البحث بالنتائج الآتية:
1. إن الفعل اعم من العمل، لأن الفعل ايجاد الشيء والعمل ايجاد الاثر في الشيء، لذلك كان الفعل نفس الحدث الذي يحدثه الفاعل .
2. إن دلالة العربية على الزمن ليست حديثة النشأة، كما ذهب إلى ذلك المستشرقون، ومن تبعهم من الدارسين العرب بل هي أصلية .
3. إن العربية لم تهمل المجالات الزمنية التي يتضمنها الزمن الواحد ولديها من الأبنية ما تخبر به عن تلك المجالات .
4. إن التقسيم الثلاثي للفعل فيه عموم، وتخصيصه يتم بالسياق .
5. إن الفعل يعبر عن حركة الفاعل، لذلك كان اكثر تاثيرا من غيره، واقوى عامل .
6. إن الفعل يدل على الحقيقة وزمانها، والاسم يدل على الحقيقة دون زمانها .
7. إن الزمن النحوي يلحظ في غير الأفعال من نحو اسم الفاعل والمفعول والمصدر وغيرها .
8. إن افعال الكينونة والمقاربة والشروع توقيتات زمنية .
9. إن الفعلية اعم من الفعل الصرفي، فقد يدل ( فَعَلَ ) على المستقبل، ويدل ( يفعل ) على الماضي، وقد يدل على الحقيقة دون زمانها .
10. إن الفعل الدائم اطلق على الصفات، ويعني دوام التغير لطول أمد الحركة، وقد يدل على الاستمرار في الازمنة .
11. إن جمود افعال المدح والذم والتعجب يعني كونها اعلاما على معانيها وثبوتها في الدلالة عليها، لتحولها عن الزمن .
12. إن جمع السلامة يفيد الحدوث لغلبة الفعلية عليه بخلاف التكسير الذي يفيد الثبوت لغلبة الاسمية عليه.