وأظهرت دراسات أخرى للغة ودلالاتها أن المناهج اللسانية الحديثة باستنادها إلى هندسة اللغة وحوسبتها تساعد على التقريب التداولي للمصطلح البلاغي على سبيل المثال، فمن "فضائل التداولية المدمجة في التركيبية، والدليل أنها تلفت نظرنا ـ بعد الملقي ومعنى ما يلقيه من الكلام ـ إلى المتلقي والدلالات التداولية ( المفترضة والمضمرة) التي تحصل في ذهنه وفي سياق معين إلى الغاية العلمية والفائدة والنتيجة الفعلية من إلقاء الكلام الفوري أو الدوري... ويعتبر ما ذكرنا مثل المجاز والمشاكلة والتورية والرمز فضلاً عن الكناية و الاستعارة والمثل فالتمثيل ثم الأمثولة نموذجاً لما لم يتأت ذكُره، فالدلالات التداولية لهذه المصطلحات البلاغية تختبئ وراء معانيها الظاهرة، ولابدّ لها من متلق يفهمها في سياقها، ويتصرف وفق هذا الفهم"(40).
وتثّمر الغيرات الدلالية على نحو أفضل إذا عولجت الفروق الدلالية ضمن سياقات تعبيرها، ولاسيما أشكالها المجازية.
4ـ 3ـ وضع المصطلحات وتوليدها:
يتفق معظم اللغويين العرب على أن تطوير الاشتغال على قضايا المصطلح شأن من شؤون مواكبة اللغة العربية للعلوم الحديثة، كما أظهرت ذلك ندوة "قضايا المصطلح" (جامعة تشرين 28 ـ 30 نيسان 1998) ، وتنطلق المسالة برمتها من تطوير المصطلحات اللسانية ومعاجمها الحديثة من حيث قابلية المصطلح لحوسبة المعجم فيما يخص مجاوزة علل الافتقار إلى الدقة والوضوح والاكتمال، إذ يعاني المصطلح اللساني من الارتباك المتمثل في " تعدد المقابلات في المعاجم والمؤلفات والمترجمات، وتبقى محاولة التمييز والاختبار بين المقابلات أو محاولة التوفيق بينها من أصعب المشكلات التي تواجه المعجمي والدارس والمؤلف العربي، ولا حل لها إلا باتباع مبدأ المصطلح المفُضل والمصطلح المقبول (1984 Felber)، فالمصطلح المفضل هو المصطلح الموصى به والمصطلح المقبول أو المجاز هو المصطلح الذي يمكن أن نعده مرادفاً للمصطلح المفضل"(41).
ودعا هليل من قبل إلى التقييس المصطلحي في البلاد العربية،و"هو توحيد التصورات والتقليل من المجانسة homonymy ومن الترادف وإقناع عدد كبير من أهل الاختصاص في حقل من الحقول بأن يعتمدوا تعريفات التصورات في هذا الحقل والمصطلحات المقترح إسنادها لهذه التصورات"(42).
وحدد معوقات التقييس الناجمة عن التباين في المقابلات العربية للمصطلح الأجنبي الواحد فيما يلي:
1 ـ استعمال المقابلات العربية الترجمية لبعض المصطلحات التي يوجد لها مقابلات في التراث العربي، وقد نجد المصطلح التراثي جنباً إلى جنب مع الترجمة الحرفية للمصطلح الأجنبي.
2 ـ التردد بين التعريب والترجمة.
3 ـ ترادف المصطلح التراثي نفسه.
4ـ استعمال الصيغ الاشتقاقية المختلفة مقابلات للمصطلح الأجنبي.
5 ـ تباين طرائق النقل للمصطلح الأجنبي الواحد إلى العربية.
6 ـ التباين في ترجمة السوابق واللواحق والجذر والصيغ الرابطة.
7 ـ الترجمة الحرفية للمصطلح دون الانطلاق من التصور وراء المصطلح.
8ـ التباين في ترجمة العناصر المصطلحية التي تعبر بشكل متسق عن علاقات تصورية في اللغة المصدر. بسبب هذا التباين لا يتم نقل وظيفة العنصر أو معناه في حقل التخصص كما تفقد الأسرة المصطلحية اتساقها.
9 ـ عدم تعيين الحدود بين المترادفات وتخصيصها.
10ـ نقص الاهتمام بالمصطلحات المشتركة بين الحقول المتعددة التي سبق نقلها إلى العربية مما يمثل غياب التنسيق في العمل المصطلحي.
11ـ اختلف علماء العربية من المحدثين والمترجمين في موقفهم من النحت فعدّه بعضهم طريقة مشروعة من طرائق نقل المصطلح فأسرف في استعماله، وقد تسبب هذا الموقف في تعدد بعض المقابلات العربية.
12ـ الخطأ في فهم المصطلح التراثي والإسقاط الخاطئ(43).
وتستدعي هذه الإرباكات التواضع على طرائق نقل المصطلح إلى العربية وتوحيدها، ولا تقتصر هذه الطرائق على النقل، بل تستند بالأساس إلى الوضع الاصطلاحي من خلال معاينة عناصر هذا الوضع، لأنه يشمل التعريب والترجمة ومقاربات الاشتقاق والنحت والتراث ( مراعاة الدلالات المتوارثة وتغيراتها) والتعريب الجزئي. وقد وضعت عدة معاجم للمصطلحات اللغوية واللسانية العربية دون حوسبتها، وهي:
ـ عدة معدين: المعجم الموحد للمصطلحات اللسانية (إنكليزي ـ فرنسي ـ عربي). تونس 1989.
ـ رمزي بعلبكي: معجم المصطلحات اللغوية (إنكليزي ـ عربي) بيروت 1990.
ـ خليل أحمد خليل: معجم المصطلحات اللغوية (عربي ـ فرنسي ـ إنكليزي) بيروت 1995.
ـ مبارك مبارك: معجم المصطلحات الألسنية. بيروت 1995.
واقترح بعض اللغويين مثل عصام نور الدين (لبنان) " أن تنشأ لجنة عربية موحدة تضم المتخصصين المشهود بعلمهم وإخلاصهم لانتمائهم القومي، وتغذى من كل الدول العربية والجامعات العربية لترجمة أمات الكتب اللغوية من كل اللغات، ثم تعرض هذه الترجمات الموحدة على مجامع اللغة العربية كلها وعلى الجامعات ومراكز البحث لتقول كل مؤسسة كلمتها فيها وفي مصطلحاتها التي يجب أن يحوي كل كتاب منها على تثبت مصطلحات لأن تحديد المصطلحات اللغوية وتوحيدها واستعمالها ونشرها والتعليم بها شرط أساسي وأولي لتطور علم اللغة وتقدمه وشرط أساسي لتمكين الدارسين العرب من الانتقال من مرحلة التلقي والاستهلاك إلى مرحلة التمثل والتأليف والإبداع"(44).
ويستكمل توحيد المصطلح بوضع معاجم اصطلاحية ترتب مداخلها حسب الألفبائية العربية وشرح المصطلح وتعريفه بذكر خصائصه القياسية وليس بالمقابلة (تفيد هذه الحال الوضع وليس الترجمة أو التعريب)، و"استخدام الشواهد النصية والصورية واجتناب التعريب وإيجاد الكلمة المعبرة عن طريق التعبير الدلالي لكلمة عربية قديمة أو عن طريق الاشتقاق وتفضيل الكلمة الدقيقة على الكلمة العامة أو المبهمة"(45).
ولفت أحمد مختار عمر (مصر) النظر إلى الآثار السلبية للتعددية في المصطلح اللغوي، قائلاً: "فلعل أخطر ما يتعرض له المصطلح اللغوي الحديث من قصور ناتج عن كثرة ما تقذفه المطابع كل عام من دراسات لغوية يصحبها إدخال ألفاظ جديدة بدلالات جديدة كل يوم دون أن تتوافر لها شروط المصطلح واستخدام لغة لم ترق في تعبيراتها المتخصصة إلى مستوى المصطلح. ولولا أن كثيرين ممن يقدمون المفاهيم الأجنبية في لفظ عربي يقرنون المصطلح العربي بنظيره الأوروبي لغمض فهم المصطلح العربي على الكثيرين، ولكان هذا المصطلح عامل تفريق لا تجميع، وما كان هناك حدّ أدنى من الاتصال بين لغويين قطر عربي وآخر، بل بين لغوي وآخر في داخل القطر الواحد، وقد أدى هذا ـ بالضرورة ـ إلى خلق مجالات كثير للتعارض والتصادم بين هذه المصطلحات ومستخدميها بعضهم مع بعض"(46).
ووضع محمود أحمد السيد عدة اجتهادات في وضع المصطلحات وتوليدها في مجال المفردات بتدقيق المصطلح ووضوحه واكتماله وانسجامه مع القواعد العربي وأصولها وفي مجال النصوص باستعمال مصطلح النص المفرّع أو الممنهل مقابل hyper text والنص المفرّع في علم الحاسوب هو تسمية مجازية في تقديم المعلومات يترابط فيها النص والصورة والأصوات والأفعال معاً في شبكة من الترابطات مركبة وغير تعاقبية مما يسمح لمستعمل النص (القارئ سابقاً) أن يجول في الموضوعات ذات العلاقة دون التقيد بالترتيب الذي بنيت عليه الموضوعات، وهذه الوصلات تكون غالباً من تأسيس مؤلف وثيقة النص المفرّع أو من تأسيس المستعمل حسب ما يمليه مقصد الوثيقة. والنص المرفل Hyper media هو مصطلح لاحق للنص المفرّع وإغناء له، وقد دخل مجدداً في علم الحاسوب وعالم الإعلام والتربية، وهو في علم الحاسوب دمج الرسوم والأصوات والفيديو أو أي تشكيل آخر في منظومة ترابطية بشكل رئيسي لخزن المعلومات واستدعائها، وفي النص المرفل تربط المعلومات بشكل يسمح للمستعمل أن يقفز عند عملية البحث عن المعلومات من موضوع إلى آخر متصل به، ويسمح للمستعمل أيضاً القيام بتداعيات بين الموضوعات بدلاً من التنقل المفروض تتابعياً من موضوع إلى آخر في قائمة ألفبائية"(47).
وظهرت تجارب محدودة في حوسبة المعجم الاصطلاحي مثل تجربة المجلس الأعلى للغة العربية في وضع المصطلحات الإدارية التي حوت في الوقت نفسه مصطلحات من شتى الاصطلاحات مثل الاقتصادية والفلاحية والأدوات والآلات الفنية والرياضية والمعادن والأحجار
والطبية والبيطرية والبيولوجية والإعلام الآلي والكيميائية و الفيزيائية والقانونية والسياسية والإدارية البحتة ومصطلحات أخرى،ولاحظ ناقدو هذا العمل المعجمي النقض والخلط فيه، بالإضافة إلى خلوه من التهيئة للحوسبة، وهناك ألفاظ عربية وفرنسية عامة لا علاقة لها، وأشار لعبيدي بوعبد الله (الجزائر) إلى توافر استراتيجيات الوضع القابلة للحوسبة في حالتين الأولى تتعلق بوضع عدة مقابلات لمصطلح واحد فيما يتعلق باللغة العامة وما يتعلق بالمصطلحات مثل تسمية واحدة لعدة مفاهيم (تحويل ـ تخفيض ـ تداول ـ تمديد) أو عدة تسميات لمفهوم واحد، وتتعلق بالحالة الثانية من طرق الوضع كالاشتقاق والترجمة والنحت والافتراض وغيرها، ولعل توكيد استخدام الموروث المصطلحي وتطويره بعيداً " عن الصيغ الغربية التي لا تنسجم مع المجال المعرفي المحدد، ويستحسن وضع تعريف يحدد معناه ومظانه ومجال استخدام كل مصطلح بشكل يضمن له التداول وعدم الهجران"(48).
ولعلنا بعد هذه الإلماحات المتعددة لواقع المعجم العربي إزاء المصطلحية والاصطلاحات نفيد أن حوسبة المعجم تقوم على قواعد الضبط الاصطلاحي من نظريات متعددة ومناهج مختلفة تراعي العديد من الاعتبارات اللغوية والتقنية.
4 ـ 4ـ توظيف التقنيات العصرية:
صار لزاماً على المعنيين بحوسبة المعجم العربي أن يراعوا توظيف التقنيات العصرية مثل المعالجة الآلية لعناصر المعجمية وبرمجتها من حيث التصنيف والتخزين والمرجعية وتحويل النص المعجمي إلى نص إلكتروني ممنهل يدمج أيضاً بين الفكر والكتابة، "موحداً العقل ومساحة الكتابة في كل واحد غير قابل للنسخ"(49)، ناهيك عن إثراء المعجمية بالتكامل بين الصور الرقمية والأصوات في قاموس إلكتروني حيث تحل محل النص الكلامي الصور والأصوات وإدراكات حواسية أخرى كاللمس والشمّ، ويتم التوصل إلى تقديم تعددي الاتصال يتوجه فيه الحاسوب إلى حواس المشترك جميعاً، وحيث يصيب هذا الأخير مشاهداً، وتتحول الموسوعة إلى تلفزة تبادلية أو واقع خلبي (والأفضل خلاّب)"(50).
وتساعد حوسبة المعجم العربي على تسهيل معجمية الرصيد اللغوي العربي الثرّ في حافظات برمجية جاهزة للتسيير وفق الأغراض المعجمية المنشودة من حيث الإحصاء والوصف والتعدد الدلالي والتوزع اللغوي الصوتي أو الصرفي أو النحوي أو البلاغي أو الاصطلاحي والمجالات الإبلاغية الاتصالية في هذا المنحى أو ذاك بالتعاضد مع تقانات " الملتيميديا" لدى إدخالها تقانات للنص المرفّل .. إلخ والمجالات الاستعمالية للغة في التعليم أو التدريب أو التأليف، ولطالما شكا اللغويون من محدودية النشر الإلكتروني، وإن لم يصرحوا بغنى الأخير لعدم تعاملهم معه واكتناه قابلياته التقنية المتعددة في صون الرصيد اللغوي العربي وتثمير إمكاناته الكثيرة، وسمت الباحثة حفيظة تازروتي (الجزائر) قصور النشر المعجمي التقليدي عيوباً (51)دون أن تقارب تقانات النشر الإلكتروني في خدمة حوسبة المعجم العربي.
و أورد مثالاً على تخديم حوسبة المعجم العربي بتوظيف التقنيات العصرية، فقد وضع أمين علي السيد كتاباً أقرب إلى العمل المعجمي عن قواعد الصرف سمّاه "في علم الصرف"(52)،وظهرت منه طبعات متعددة، والكتاب موضوع لتيسير الدراسة في علم الصرف والسير بها نحو الجانب التطبيقي المفيد، على أن تحويل هذه القواعد إلى مجال البرمجة والحوسبة يخفف من الجهود الكبيرة للحصول على قاعدة معينة في كتاب صغير الحجم، ويتطلب ذلك في الوقت نفسه إعادة النظر في إيراد هذه القواعد مشمولة باستخدام التقنيات العصرية.
ويقال الرأي نفسه حول " معجم الإملاء"(53) لمحمد محيي الدين مينو الصادر مؤخراً (2002) ويضم قواعد الإملاء حسب الحروف وحالاتها، وملحقاً بمعجم الأخطاء الإملائية الشائعة وآخر عن أبجديات الحروف وقيمتها وثالثاً عن مخارج الحروف. ومن المفيد أن نعترف بأن حوسبة هذا المعجم الصغير، على محدوديته، تيسر الاتصال معه، وتُغنيه إذا أدغمت بتقنيات النص الممنهل والمرفل والكتابة عامة.
5 ـ آليات معجم عربي جديد:
رهن كثيرون تحديث العربية بتحديث معجمها اللغوي، وقد دعا العفيف الأخضر، وهو مفكر سياسي، إلى تأطير عمليات تحديث المعجم العربي فيما يلي:
* فتح المعجم على دفتيه للدخيل أي المعرب وأيضاً للنحت وللترجمة.
* ترجمة معجمين أساسين عامين من الإنجليزية والفرنسية.
* نقل المعاجم المتخصصة في العلوم الدقيقة والإنسانية.
* إصدار معجم عربي حديث حقاً.
* إصدار معجم اشتقاقي.
*إصدار معجم تاريخي للعربية.
*إصدار معجم بفصحى الحياة.
* الاعتراف باللحن.
* تحديث الأبجدية.
* دمج البادئة واللاحقة في صلب المصطلحات العربية المترجمة على غرار اللغات الأوربية(54).
ومن الواضح أن اهتمام المفكرين والكتّاب مثل اللغويين بتحديث العربية ومعجمها شاغل ضاغط على الوجدان والعلم و المعرفة، وعلى الرغم من ارتباك آراء العفيف الأخضر واختلاطها، فإنها تعبر عن مسعى تحديث المعجم العربي، وإن غفل عن آفاق حوسبته وقضاياها.
وقد اخترت إشارة لرأيه أنموذجاً للاتفاق العام على ضرورة تحديث المعجم العربي، إذ تحتاج حوسبة المعجم العربي إلى آليات جديدة في مجالات التوليد المصطلحي (الصوتي ـ الصرفي ـ الدلالي ـ المرتجل بقاعدتيه الارتجال الحقيقي والإتباع ـ والافتراضي بقاعدتيه المعرب والدخيل) وبالاستناد إلى تفعيل القاعدتين الأهم وهما الاشتقاق والمجاز لدى معاينة الأصول الجذرية أو الجذعية أو الأجنبية. ويرى بعض اللغويين المعجميين مثل إبراهيم بن مراد أن " أهم هذه الأصناف الثلاثة بالنسبة إلى الحاسوب هو الصنف الثاني أي صنف الأصول الجذعية. وهو مشتمل على خمسة أنواع من الأصول: أربعة منها تمثلها المقولات المعجمية التامة، وهي الأسماء والأفعال والصفات والظروف. والصنف الخامس تمثله الوحدات المعجمية غير التامة، وهي تنتمي إلى مقولة الأدوات، وهي تشمل الحروف بمختلف أنواعها والضمائر وأسماء الإشارة وأسماء الموصول والأفعال الناقصة.
وهذه الأدوات كما يلاحظ هي وحدات صرفية نحوية، لأنها ذات وظائف نحوية في اللغة أهم من وظائفها الدلالية العامة"(55).
والمجال الثاني من مجالات التطبيق الحوسبي في المعجمية المختصة هو الجمع من المصادر والنظر في المستويات اللغوية والوضع باعتماد الترتيب والتعريف خدمة للتكنيز المصطلحي، غير أن هذين المجالين يستدعيان اشتغالاً على معالجة القضايا المتعددة التي أشرنا إلى جوانب منها في حوسبة المعجم العربي.
وبدأ الكثيرون بإعداد معجم جديد، مثلما فعل محمد محمد حلمي هليل( الكويت) في معجمه الجديد للترجمة من العربية إلى الإنجليزية ساعياً إلى أن تغيّر الثنائية من وسائلها، وأن تعيد النظر في منهجيتها. "من هنا تولدت لنا فكرة معجم الترجمة. وحيث إن الترجمة كما يقول (1989:9) Hartmann: " عملية معقدة تتضمن القدرة على صياغة معنى التعبير الواحد باللغة المصدر واللغة الهدف"، فالجمع بين معجم عربي أحادي اللغة ومعجم ثنائي من نوع خاص من أفضل آليات الترجمة"(56).
وعمد هليل إلى العناية بالسياق والجذر والأمثلة التوضيحية والتعريف والاستعمال المجازي والمقابلات والوحدات متعددة الكلمات والمتلازمات اللفظية والتعبيرات الاصطلاحية. وخلص إلى اقتراح بناء المعجم الجديد على محورين أولهما الترجمة الناجحة التي تعتمد اعتماداً كبيراً على فهم النص، وتنحصر الوسائل المعجمية في اللجوء إلى ما من شأنه أن يساعد على دقة الفهم من شرح معنى الجذر الذي يدور حوله المعنى العام والتعريف الدقيق والشامل الواضح والاعتماد أساساً على كلمات أو تعبيرات تعيش في سياقها لا كلمات مجرد عن السياق. وثانيهما أن فكرة المقابل تنبع من فكرة ضيقة عن التكافؤ اللغوي والمعجمي، لأنه واقع الحال يضحد الفكرة، فليس ثمة تقابل بين كلمات اللغة التي نترجم منها واللغة التي نترجم إليها. من ثم فالمعجم المقترح لا يطمح في تزويد المستعمل بالمقابل اللغوي، ولكن يزوده بالمقابل النصي، لأن معنى الكلمة أو التعبير لا ينفصم عن السياق، بل هو رهين به(57).
هناك دعوات لمعجم عربي جديد، ولكنها لا تستفيد من إمكانات الحاسوب الهائلة في إنتاج حوسبة المعجم على الرغم من الاشتغال الكبير في هذا التطلع من خبراء المعلوماتية العرب الذين ينبغي أن تتعاضد جهودهم مع علماء اللغة واللغويين العرب، فقد ظهرت مؤشرات متعددة لمثل هذا الإنتاج، وما تزال الجهود قاصرة عن الإنجاز المنشود.
6ـ خاتمة:
لقد أظهرت دراسة حواسبة المعجم العربي أن المشكلات اللغوية والتقنية الناجمة عن هذه الحوسبة كثيرة بالنظر إلى خصوصيات اللغة العربية وتراثها العريق والثرّ من جهة وأهمية تحديثها، ولاسيما معجمها من جهة أخرى سبيلاً لصون الذات وتثمير معطياتها التاريخية والوجودية باللغة أداة لسلطة المعرفة في صوغها الجديد. ومن المفيد أن نورد بعض الحلول لهذه المشكلات:
أ. تطوير عمل المجامع اللغوية لمواجهة هذه التحديات والشروع في البرمجيات لوضع إطار تقانة المعلومات من منظور اللغة العربية وإقامة النماذج اللغوية وتحليل فروعها المختلفة في ميادين الصرف الحاسوبي و النحو الحاسوبي والدلالة الحاسوبية والمعجمية الحاسوبية وعلم النفس اللغوي الحاسوبي والتاريخ اللغوي لحاسوبي للمواءمة بين المنظومات البرمجية وطبيعة اللغة العربية.
ب. مجاوزة الحال السائدة التي تفرّق بين الحاسوبيين واللغويين العرب، فلا يمكن وضع البرمجيات المنشودة دون الاستناد لمعرفة لغوية صرفية وصوتية ونحوية ودلالية وتركيبية، وقبل ذلك معرفة لغوية تاريخية للإحاطة بجوانب الاشتقاق والنحت والمجاز وما يندرج في مكونات التمثيل الثقافي من جهة، وبجوانب الأصيل والدخلي والثنائيات المتعددة المشار إليها في البحث من جهة أخرى.
ج. مجاوزة الأطر النظرية لحوسبة المعجم التي مازالت متوقفة عند الجمع المعجمي الذي يراعي عمليات تفعيل النظم الإشارية والرمزية والدلالية للكلمة في نسيجها التركيبي والمجازي والتاريخي التي تنفع في تثمير معطيات الحوسبة في النص الممنهل أو النص المرفل من أجل الاستعمال المعجمي المتعدد.
د. تطوير آليات الاشتغال المعجمي في مجالاته المختلفة مما يستدعي تشكيل فرق عمل من اللغويين والحاسوبيين من أجل معجم عربي جديد يقوم على توسيع فروع المعجم لئلا تقتصر على شرح المفردة في حال معينة والعناية بمجالات التوليد المصطلحي.
هـ. الاشتغال اللغوي في مجالات تيسير النحو العربي نحو تقعيده وقوننته وذكر ما يخرج عن هذه القواعد والقوانين أو ما يختلف عنها في جانب فرع المعجم التاريخي إزاء أصل الوضع وأصل القاعدة والأخذ بموقف النحاة من القراءات القرآنية والاستشهاد بالشعراء أو الحديث النبوي.. إلخ. ولابد من التواضع على هذه القواعد والقوانين تفعيلاً لحوسبة المعجم العربي وتوظيفاً لخصوصيات اللغة العربية التي تندعم بالنحو وبسيرورة تقانات حوسبته للإجابة على نماذجه دون عسر مثل النحو التوليدي والتحويلي ونحو الحالات الإعرابية.. إلخ، ولا تنطبق هذه النماذج على نحو اللغة العربية، لأن نحوها يعتمد أساساً على خصوصيات قواعد الاستصحاب وامتدادها إلى العلاقات البلاغية والصرفية مما يشكل النحو العلائقي في مثل هذا الجانب.
و. العناية بالفروق الدلالية التي تسعف هندسة اللغة وإثراء حوسبتها بمستويات الدلالة وسياقات تعبيرها المجازية وسواها.
ز. أخذ اللغويين والحاسوبيين المشتغلين بوضع معجم لغوي عربي جديد بعلم اللسانيات أو علم الدراسات اللغوية الحديثة لدى وضع البرمجيات، وأن تستند إلى معرفة لغوية بالنظرية اللسانية الحديثة لدى تحليل بنية اللغة العربية، وأن تتحالف هذه المعرفة مع كفاية لغوية نافعة في ميادين الإشتغال على التوليد اللغوي.