نظرية تشومسكي في القواعد العامة:مقدمة للقارئ العربي
د. فائقة الصادقي
جامعة البحرين
يسعى العالم اللغوي تشومسكي إلى قواعد لغوية تشترك بها جميع اللغات باعتبارها ميزة إنسانية. وآخر هذه التعديلات ظهر في صورة النظرية التقليصية minimalist theory في منتصف التسعينيات. ولمعرفة الفكر اللغوي عند تشومسكي، بما في ذلك نظريته الجديدة، لا بد للقارئ العربي أن يفهم نظريته في القواعد العامة (ق ع من هنا فصاعدا) بصفتها حلقة متصلة بالنظرية التقليصية ولاعتمادها عليها كليا. وقد ترجم عبد القادر الفهري (1982:43) مصطلح universal grammar إلى "النحو الكلي" ولا أجد هذه الترجمة مناسبة لأنها لا تعني العموم، لذا فضلت ق ع عليها.
إذا هدف هذا البحث هو تعريف القارئ العربي بالقواعد العامة universal grammar بصورة مبسطة. ولتحقيق ذلك، بدا من الضروري الاعتماد بصورة جزئية على الترجمة، لا سيما المصطلحات التي استخدمها تشومسكي ومن بعده تلاميذه واتباع مدرسته الفكرية في علم اللغة.
ما هي نظرية القواعد العامة؟
تهدف نظرية تشومسكي في ق ع إلى وصف اللغة باعتبارها ميزة إنسانية مع شرح مصدرها. الفكرة الأساسية لهذه النظرية التي وصفها تشومسكي "بمجموعة من المبادئ والحالات والقواعد التي تمثل كل اللغات البشرية" أو ماهية اللغة البشرية (لغة البشر)" هي أن كل البشر يشتركون في جزء من معرفتهم اللغوية بغض النظر عن لغتهم الأم، والقواعد العامة هي هذه السمة المشتركة " (Chomsky 1976:29)
وفكرة القواعد العامة اعتمدت في البدء على نظرية العامل والإحكام الربطي (government and binding theory) أو "العامل والربط الإحالي" كما ترجمها الفهري (1982:50) والتي ظهرت أولا في كتاب محاضرات حول العامل والإحكام الربطي Lectures on Government and Binding (Chomsky 1981) ثم عدلت في كتابي المعرفة اللغوية Knowledge of Language (Chomsky 1986) والعوائق Barriers (Chomsky 1986). والنظرية التي نحن بصدد عرضها هنا تنقسم إلى قواعد فرعية مفصلة تتمثل في التبعية البنيوية و المتغير المركزي المبتدع و مبدأ الإسقاط و النظرة الداخلية و الخارجية للغة، إضافة إلى مبادي نظرية العامل و الإحكام الربطي. و قد تبدو هذه القواعد معقدة للوهلة الأولى، غير أنها تؤدي في النهاية إلى تصور بسيط يمكن فهمه بسهولة؛ فمعرفتنا باللغة تعني إجراء تبديل في عدد بسيط من الخواص المشتركة بين اللغات.
ق ع إذن نظرية معرفية وليست سلوكية وتعنى بالتركيب الداخلي للعقل الإنساني. ولا يمكن الفصل بين طبيعة هذه المعرفة ومشكلة اكتساب اللغة. ق ع تقول إن المتكلم يعرف مجموعة من القواعد التي تنطبق على كل اللغات وهناك متغيرات تختلف من لغة إلى أخرى (مثل اعتماد بعض اللغات على التقديم و التأخير في تغيير أنواع الجمل ولكن بشروط تمليها طبيعة اللغة)، و اكتساب اللغة يعني معرفة تطبيق هذه القواعد على لغة معينة والأنماط المناسبة لكل متغير وكل مبدأ لغوي يبين فكر المتكلم وطبيعة اكتسابه لتلك اللغة. ولا تشير ق ع إلي ميزات العقل البشري بطريقة مبهمة، بل تقدم مجموعة من الملاحظات تستند فيها إلى أدلة معينة تستقيها من اللغة البشرية من خلال استعمالها اليومي. وبما أن الأفكار العامة للنظرية مرتبطة بتفاصيل محددة إذن أهميتها تكمن في محاولة الدمج بين القواعد والعقل واكتساب اللغة في كل لحظة(Cook 1988).
التبعية البنيوية التركيبيةStructure Dependency
أحد مبادئ نظرية ق ع هي التبعية البنيوية التي تقول إن المعرفة اللغوية تعتمد على علاقات بنيوية في الجملة بدلا من ترتيب الكلمات. سأبدأ أولا بأمثلة من اللغة الإنجليزية على غرار ما ورد عند تشومسكي ولأن عملية نقل الكلمات لتغيير أنواع الجمل واضحة فيها، ثم انتقل إلى بعض الأمثلة من العربية والفارسية لتوضيح الفكرة. تأمل المثال التالي:
Will the teacher leave tomorrow?
في اللغة الإنجليزية يمكن تكوين الجمل الاستفهامية بتغيير موقع الفاعل والفعل المساعد :
The teacher will leave tomorrow
1 2 3 4 5
إذا أردنا أن نحدد قاعدة لتكوين الجمل الاستفهامية بالاعتماد على ترتيب الكلمات مثلا، فإننا نقول (اعتمادا على المثال السابق) إن الكلمة الثالثة نقلت إلى بداية الجملة ، أما إذا حاولنا تطبيق قاعدة النقل المذكورة على جمل أخرى، فلن نحصل على نفس النتيجة.
فلو نقلنا الكلمة الثالثة إلى بداية الجملة التالية:
This is a book that my mother gave me
1 2 3 4 5 6 7 8 9
ستكون الجملة الجديدة بالشكل التالي:
A this book that my mother gave me*
وهذه جملة غير صحيحة أو "لا نحوية" على حد تعبير بعض اللغويين العرب.
وعلى هذا فتكوين الجمل الاستفهامية لا يعتمد بصفة مطردة على نقل كلمات من مواقع معينة إلى مواقع أخرى في الجملة، بل يعتمد على أنواع الكلمات الداخلة في تركيبها . ففي الجملة الإنجليزية مثلا نستطيع نقل الأفعال المساعدة فقط (إذا اشتملت الجملة على فعل مساعد) إلى موقع الابتداء لنحولها إلى جملة استفهامية. أما في الجمل التي لا تشتمل على أفعال مساعدة، فيدخل فيها فعلا يعمل عمل الفعل المساعد في بداية الجملة مع تغيير ما يلزم وفق قواعد الإنجليزية لتتحول إلى استفهامية مثل
I finished my homework
Did you finish your homework?
في المثال السابق، استُخدِم الفعل did كفعل مساعد، و تم تغيير الضمير إلى المتكلم، كما أن الفعل الأصلي أصبح بصيغة المضارع finish لأن قواعد الإنكليزية لا تسمح بصيغة الماضي مع .did
نستطيع القول إذن إن الجمل الاستفهامية في اللغة الإنجليزية تعتمد على التقسيم النحوي للكلمات لا على ترتيبها في الجملة. فمعلومات المتكلم باللغة الإنجليزية تعتمد على مدى معرفته بالكلمات الداخلة في باب الأفعال المساعدة ويمكن تطبيق التحليل على العبارة الموصولة في اللغة الإنجليزية فيما يلي:
The man who (1) is tall (2) is Nabil
فيمكن تكوين جملة استفهامية بنقل الفعل المساعد إلى بداية الجملة. لو حركنا الفعل المساعد (1) تكون النتيجة
Is the man who tall is Nabil?* (خطأ)
أما لو حركنا الفعل المساعد (2) فإننا سنحصل على الجملة التالية:
Is the man who is tall Nabil?(صواب)
غير أننا لو تعجلنا في استنتاج قاعدة اعتمادا على المثال السابق ، فسوف نقول إن نقل الفعل المساعد الثاني ينتج جملة استفهامية ، ولكن هذا لن يفيد في حالة وقوع العبارة الموصولة في نهاية الجملة كما سيتضح من المثال:
Nabil is (1) the man who is (2) tall
فلو نقلنا الفعل المساعد (1) لكانت الجملة الجديدة كما يلي:
(صواب) Is Nabil the man who is tall?
لكننا لو نقلنا الفعل المساعد (2) متابعة للمثال الأسبق، فسوف ينتج ما يلي:
Is Nabil is the man who tall (خطأ)
في هذا الحالة اعتمدنا على نقل الفعل المساعد الأول وليس الثاني (كما كان الحال في المثال الرابع).
إذن لو اعتمدنا على رقم الكلمات حسب ترتيبها في الجملة لاستنتاج قاعدة عامة، فلن نتوصل إلى إحداث التغيير المطلوب على وجه صحيح، لذلك يجب نقل الأفعال المساعدة من الجمل الأساسية وليس من الجمل الفرعية أو العبارات الموصولة (بغض النظر عن ترتيبها في الجملة) فموقع الكلمة في البناء النحوي (التركيب النحوي) هو المهم .
فعلى المتكلم أن يعرف التقسيم النحوي للكلمات والعلاقة النحوية التي تربط بين هذه الكلمات بالإضافة إلى الجمل الأساسية والفرعية حتى يكوّن جملا استفهامية صحيحة في اللغة الإنجليزية .
يمكننا أن نقول إذن إن الجمل الإنجليزية تعتمد على معرفة المتكلم بالتركيب لا بالأسئلة ولتوضيح هذه الفكرة، لننظر إلى مثال آخر :
He stole the money
ولنحولها إلى جملة مبنية للمجهول
The money was stolen
ونتساءل ما التغيير الذي طرأ على الجملة الأساسية ؟ وتكون النتيجة أننا نقلنا العبارة الأخيرة (المركب الأخير) من موقع الابتداء وليس الكلمة الرابعة أو الخامسة و لا يكون ذلك عشوائيا؛ فالمتكلم لا يحرك سوى المركبات المناسبة أي أن معرفة نوع الكلمة والعلاقات البنيوية ضرورية للقيام بذلك، وهذا ينطبق كذلك على الجمل الاستفهامية التي تحتاج إلى اسم أو حرف استفهام كما هو الحال في العربية، مثل قولنا : متى عدت إلى غرفتك؟ من الضروري معرفة اسم الاستفهام ودوره في تركيب الجملة قبل الإقدام على تغيير مواقع العناصر الداخلة في تركيبها.
ق ع تفضل التعميم على الحالات الاستثنائية (الشواذ) في استنباط القواعد النحوية ويمكن جمع المعلومات المتفرقة التي توصلنا إليها عن الجمل الاستفهامية وأسماء الاستفهام والجمل المبنية للمجهول في قاعدة واحدة هي : اللغة الإنجليزية لغة تبعية بنيوية. وهذا القول ينطبق على قواعد اللغات الأخرى : ففي اللغة العربية تحرك أسماء الاستفهام إلى بداية الجملة بعد أن تعوض عن الاسم لو كان الجواب ظرفا مثل:
ذهب إلى السوق أمس ¬ أمس ذهب إلى السوق ¬ متى ذهب إلى السوق؟
وفي اللغة ا لفارسية:
Amir iin kitaab be hasan daad
(أمير هذا الكتاب أعطى لحسن= أمير أعطى حسن الكتاب)
Kiiin kitaab be Bahman daad
(من هذا الكتاب لحسن أعطى = من أعطى حسن هذا الكتاب؟)
وفي كلتا اللغتين نجد أن اسم الاستفهام تصدر الجملة ( متى في العربية و Ki في الفارسيّة) ولا داعي للقول أن كل حالة تعتمد على التبعية البنيوية بل أن اللغات المذكورة تتضمن التبعية البنيوية (من باب التعميم).
يقول تشومسكي : "إن كل العمليات اiلجارية في قواعد الإنجليزية أو أية لغة أخرى تعدّ تبعية بنيوية. ولو قلنا أن التبعية البنيوية ميزة من ميزات لغة معينة يكون فهمنا لتلك اللغة ناقصا، لأن القصد هنا أن مبدأ التبعية البنيوية يستخدم في كل اللغات الإنسانية". (Chomsky 1972:30)
التبعية البنيوية إذن اكتشاف متعلق بطبيعة لغة الإنسان؛ هو من خواصها بصفة عامة وقاعدة أساسية في ق ع والمظاهر العامة للمعرفة اللغوية هي التي تنطبق على كل اللغات وليس على لغة واحدة، ولمعرفة التركيب الداخلي للعقل الإنساني يجب أن تعكس القواعد النحوية خواص كل العقول الإنسانية وليس فقط ما يحدث عند المتكلم بالفرنسية أو الإنجليزية .(Cook 1988:5) وهنا يتصور تشومسكي أن " التطور الحقيقي في علم اللسانيات يكمن في إمكانية تلخيص بعض الخواص المتعلقة بصفة معينة بحيث تكون خواص كلية للغة (مفهوم اللغة) وتشرح على أساس مبادئ بعيدة الغور (عميقة) بالنسبة للصيغ اللغوية (الشكل اللغوي) .(Chomsky 1965:35) ويمكن تلخيص الظواهر المختلفة للغة الإنجليزية في مبدأ واحد هو التبعية البنيوية , وكذلك يمكن ربط الظواهر المماثلة في اللغات الأخرى بنفس المبدأ . وبمعرفة هذا المبدأ وغيره نستطيع فهم هيئة العقل البشري" كما نفهم سبب وجود هذا المبدأ في كل اللغات ولماذا هو واضح" (Cook 1988:7) ولا يحتمل أن الناس يجدون جملا تنافي التبعية البنيوية حتى لو كانت خارج صفحات كتب اللسانيات. كيف يعرف الطفل مثلا أن جملة
Is Nabil is the man who tall*
أو فاطمة إلى ذهبت الفراش* خطأ ؟ إذ لا يسمع الأطفال جملا لا نحوية كهذه عندما يتعلمون لغتهم . كيف يتعلمون التبعية البنيوية ؟ نحن إذن في حاجة إلى نظرية توضح كيف يستطيع الطفل استخدام قواعد التبعية البنيوية بصورة معقدة وبدون ارتكاب خطأ في استنباط الجمل الجديدة في اللغة.
وتزعم نظرية ق ع أنه يستحيل تعلم مثل هذه المبادئ غريزيا، إن لم يتعلمها الشخص فلا بد أنها جزء من العقل البشري.
المتغير المركزي المبتدعHead Parameter
بالرغم من أن التبعية البنيوية عامل مشترك بين اللغات فإنها تختلف من جوانب أخرى.
وإذا كانت المعرفة اللغوية مكونة من مبادئ بسيطة لا تتغير كانت جميع اللغات البشرية واحدة (متماثلة) (Cook 1988:7). ولتوضيح كيفية معالجة النظرية المذكورة للاختلافات بين اللغات نورد في أدناه بعض الأمثلة للمتغير المركزي حيث أنه يبين ترتيب عناصر اللغة: إن الافتراض الأول هو أننا يمكن أن نقسم الجملة إلى عبارات ومجموعات بنيوية من الكلمات. مثلا
(The school teacher)(taught her neighbours)(at her house)
1 2 3
المثال السابق يتكون من: (1) مركب اسمي + (2) مركب فعلي + (3)جار ومجرور ويحتوي كل مركب على عنصر مهم هو المركز، وترتيب هذه المركبات ذات مركز داخلي (داخلي المركز): فالمركب الفعلي يحتوي على متبوع (مسند إليه) هو الفعل والمركب الاسمي يحتوي على متبوع هو الاسم وشبه الجملة يحتوي على متبوع هو حرف الجر.
وتستغل نظرية ق ع نظرية فرعية تسمي نحو الشرطات X-Bar Theory وهدف هذه النظرية الفرعية هي تعميم قاعدة تنطبق على تركيب العبارات في كل اللغات الإنسانية , لأن اللغات تختلف بسبب ترتيب العناصر الداخلة في عباراتها (Cook 1988:86) . فالمتبوع إما أن يكون على يمين العناصر الأخرى أو على يسارها : ففي اللغة الإنجليزية يكون الاسم المتبوع على يسار العناصر الأخرى أو على يمينها كما يتضح في المثالين:
The girl with the golden hair -
The blonde girl-
وقد يختلف ذلك في اللغات الأخرى مثل العربية واليابانية مثلا. ويقترح تشومسكي أنه يمكن تحديد مواقع هذه الرؤوس مرة واحدة فقط في أية لغة، بدلا من كتابة قائمة مطولة تحوي موقع الرأس في كل حالة. والناطق باللغة الإنجليزية يدرك أن المتبوع يقع في بداية العبارة والناطق باللغة اليابانية يدرك أنه في نهاية العبارة وهكذا دواليك (Chomsky 1970) : فالاختلافات اللغوية يمكن تلخيصها فيما يلي:
" الرؤوس تكون في بداية العبارة /الجملة أو في نهايتها" و هذا هو المقصود بالمتبوع المركزي.
يقول تشومسكي : " نأمل أن نجد التعقيدات التي تبين وجوه الاختلاف بين اللغات ملخصة في متغير (متبوع) واحد يمكن تحديده بطريقة أو أخرى" (Chomsky 1970: 49).
ما نستطيع استنباطه مما ذكر سالفا هو أن الناطق بلغة معينة يعرف مبدأ واحدا يطبقه على كل العناصر الصرفية (أي أن رؤوس العبارات تكون على اليسار في لغته مثلا) ثم نقول أن الرؤوس إما تكون على اليمين أو على اليسار في بقية اللغات. وبعكس التبعية البنيوية التي تعد صفة عامة للغات كلها، فان المتبوع المركزي يسمح بمجموعة محدودة من الخيارات (الرأس في بداية العبارة أو في نهايتها على سبيل المثال).
بالإضافة إلى المبادئ التي لا تتغير والمشتركة بين اللغات، تضع ق ع حدودا للتغييرات: فاللغة بنفسها تحدد المتغيرات حسب تركيبها الداخلي وما يتوافر فيها من عناصر، بينما تعكس كل من العربية والإنجليزية واليابانية التبعية البنيوية، إلا أن المتغير المتبوع في اللغة العربية أو الإنجليزية ذو ترتيب معين يختلف عن اللغة اليابانية. وإذا أراد طفل أن يتعلم الإنجليزية، فيجب أن يدرك أولا أن المتبوع يكون على يسار أو يمين العبارة/الجملة بينما يكون على يمينها إذا أراد أن يتعلم العربية أو اليابانية.
مبدأ الإسقاطProjection Principle
بالإضافة إلى ما سبق ذكره، تركز ق ع على دلالة الكلمات. فالناطقون بلغة معينة على علم بمعاني الكلمات وطريقة نطقها ووظائفها النحوية في لغتهم, لذا تدمج النظرية الوصف النحوي والخواص المعجمية للمفردات بوساطة مبدأ الإسقاط أي أننا ندخل الخواص المعجمية في تركيب الجملة (Cook 1988:9): هذا بدوره يزودنا بخواص كل مدخل معجمي. ويزودنا كوك (1988:9) بالمثال التالي في الإنجليزية:
Sue likes whiskey
"خواص المدخل المعجمي [_NP]‘like’ تضمن أن مركبا إسميا (NP) يتبع أو يلي هذا الفعل" (Cook 1988:9).
من الواضح أن هناك موانع تحد من استعمال الكلمات في تراكيب نحوية معنية؛ فبعض الأفعال يلحقها عبارة اسمية مثل:
- كره التلميذ مدرسه
The boy hated his teacher-
وبعضها لا مثل:
- كذب سامي
Sammy lied-
والوصف اللساني يبين لنا هذه الموانع من خلال معاني هذه المفردات في المدخل المعجمي، فيجب أن يبين المعجم فيما إذا كان الفعل متعديا أو لازما أو كليهما.
وسياق الجملة موضح أدناه بقوسين وشرطة تبين موقع العنصر الداخل فيها.
كره (-- عبارة اسمية NP)
Hated ( --- NP )
هناك احتمالات كثيرة لما يتبع الفعل الواحد؛ فقد يلحق الفعل عبارة أو جملة صلة الموصول أو عبارة اسمية مثل:
أصدقك I believe you
أصدق ما قيل عنك I believe what I heard about you
أصدق أنك برئ I believe you are innocent
ولكن لا يحتمل جملة مكونة من جار ومجرور مثل:
أصدق من الصندوق *I believe from the box (خطأ)
والاحتمالات السابقة لا تنطبق على فعل آخر يختلف معجميا ك"ذهب" مثلا كما يتضح من المداخل المعجمية. إذن المداخل المعجمية تعكس لنا حدود استعمال عدد كبير من الكلمات.
ويمكن كتابة قاعدة توضح ما يلحق الأفعال المتعدية أو اللازمة كما يلي:
تتكون العبارة الفعلية من فعل ملحق بعبارة اسمية اختياريا.
ولنكتب القاعدة المذكورة على طريقة تشومسكي:
VP ---------------
V (NP)
إذا أن السهم يبسن أن العبارة الفعلية VP تتكون من
V = فعل
NP = عبارة اسمية
والأقواس ( ) تعني = اختياريا
وهذه القاعدة تكرر المعلومات الواردة في المدخل المعجمي. فالقاعدة تبين أن المداخل المعجمية تبين تعدي أو لزوم الفعل كما أن القاعدة النحوية تبين وقوع عبارة اسمية بعد الفعل اختياريا.
وتقول النظرية إن التكرار ليس ضروريا هنا، فبدلا من ذكر المعلومات المتعلقة بالجانب النحوي، ثم ما يتعلق بالمدخل المعجمي، تسقط المداخل المعجمية على النحو. وهذا ما يلخصه مبدأ الإسقاط.
النظرة الخارجية والداخلية إلى اللغةI and E Approaches to Language
يفرق تشومسكي بين طريقتين لوصف اللغة: خارجية وداخلية.
الأولى تعنى بجمع أمثلة من اللغة ثم وصفها و فهمها و استنتاج قواعدها بدون النظر إلى خواص العقل البشري. بناء على ذلك يقول تشومسكي إن "القواعد مجموعة من العبارات التي تصف لنا اللغة بصورة خارجية" (Chomsky 1986:20). أما الثانية (القواعد الداخلية) فتركز على ما يعرفه المتكلم وعلى مصدر معلوماته وكيف يختزن العقل هذه المعلومات، أي أنها تنظر إالى اللغة بصفتها خواص داخلية للعقل البشري (Chomsky 1986:20). و يتضح من خلال مؤلفات تشومسكي، أنه يفضل المنحى الثاني في نظرياته وذلك لشغفه بالعقل الإنساني وقدراته. ويبدو أن جذور هذه النظرة الثنائية إلى اللغة ظهرت عند حديثه عن الفرق بين الكفاءة اللغوية competence والأداء performance؛ فالكفاءة هي معرفة الشخص للغته، بينما الأداء هو استعماله الفعلي للغته في سياق أو حالات محددة (Chomsky 1965:4). بناء على ذلك، فإن قواعد الكفاءة تفسر اللغة داخليا (عقليا) وهذا يختلف عن الأداء أو استعمال اللغة لأن الاستعمال يعتمد على الحال والسياق وغاية المتكلمين، و عوامل أخرى. بمعنى آخر، لا علاقة للكفاءة بسياق الكلام.
ويفرق تشومسكي أيضا بين الكفاءة العملية والكفاءة اللغوية لأن معرفة استخدام اللغة تختلف عن معرفة اللغة؛ فلو قال شخص "أهذا كتابك؟"، سيعتمد السامع على كفاءته العملية ليترجم ما قصده المتكلم (هل وجه إليه سؤالا أم أنه يتعجب؟ )، لكنه سيعتمد على كفاءته اللغوية (النحوية في هذه الحالة) ليفرق بين الخطأ والصواب في الجملتين التاليتين:
كتابك الجديد مفيدة *(خطا)
كتابك الجديد مفيد (صواب)
ويلخص كوك(1988:17): الفروق التي اقترحها تشومسكي بين اللغة الخارجية والداخلية كما يلي:
الخارجية (E-language) الداخلية (I-language)
نماذج أو أمثلة من اللغة؛
"الأداء يشرح سمات الأمثلة اعتمادا الجمل المبتكرة تفسر حالة العقل اعتمادا على تراكيبها، إلخ". على مبادئ اللغة.
العرف الاجتماعي. الواقع العقلي.
السلوك. المعرفة.
السياق الخارجي. التمثيل الداخلي.
الكفاءة العملية. الكفاءة النحوية.
ملخص نظرية العامل والإحكام الربطي
سبق وأن ذكرنا أنّ ق ع تعتمد على نظرية العامل والإحكام الربطي. هذه النظرية تفسر المعرفة اللغوية بمجموعة من النظريات الفرعية المتمثلة في مبادئ ومتغيرات كما هو موضح أدناه:
· نحو الشرطات (X-bar syntax) : يصف تركيب أشباه الجمل (phrases).
· مبدأ الإسقاط (The Projection Principle) : المستويات الصرفية يجب أن تراعي خواص كل مدخل معجمي (كما وصفت في المعجم).
· التحريك أو النقل (Movement): وتمثل العلاقة بين مستويين هما:
البنية العميقة (d-structure) التي تعطي التركيب الداخلي (غير الظاهر) للجملة.
البنية السطحية (s-structure) والتي تبين التركيب الأقرب إلى الكلام المنطوق والمسموع ووصفه بعد إجراء عملية التحريك.
· نظرية التقييد (Bounding Theory) : وتحول دون تعميم قاعدة التحريك على الجملة.
· نظرية q ( q -Theory): وتعنى بتحديد الوظيفة الدلالية لكل عنصر (مكون) من عناصر الجملة.
· نظرية الحالات الإعرابية (Case Theory): تقوم بتحديد حالات إعراب الأسماء في المركبات الاسمية في الجملة.
· نظرية الربط (Binding Theory): وتعنى بعلاقات الإسناد في أشباه الجمل.
· نظرية التوجيه (Control Theory) : و تعنى بالمسند إليه في العبارات المصدرية.
· مكون الصيغة الصوتية (The Phonetic Form (PF) Component): يقوم بتأويل البنية السطحية صوتيا.
· مكون الصيغة المنطقية (The Logical Form (LF) Component): وبه يتم تمثيل معنى الجملة بعد تأويل دلالة بنيتها السطحية.
فيما سبق، لخصنا المبادئ الرئيسة في القواعد العامة التي تمثل حجر الأساس للنظرية التقليصية عند تشومسكي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن التعديلات التي أدخلها تشومسكي في النظرية التقليصية لا تتعلق بالقواعد الداخلية التي طرحها في ق ع، بل (كما يظهر من الاسم) بتقليص عدد القواعد الموجودة في اللغة إلى حد أدنى لتسهل عملية التعلم على الطفل (Radford 1997). بناء على ذلك، يستطيع القارئ أن يفهم نظريته الجديدة إذا درس مبادئ القواعد العمومية.
يبقى أن نقول إنه من الضروري مواكبة الفكر اللغوي عند تشومسكي لأن هذا العالم ما زال يحاول استكمال نظرية لغوية عالمية يمكن تطبيقها على كل اللغات. فإذا انقطعنا عن حلقة من حلقات مسيرته اللغوية، سيصعب علينا فهم ما قد يستجد أو ما قد يجري من تعديلات لاستكمال نظرياته اللغوية و لتشجيع مسيرة الفكر اللساني.
شكرا.