لحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم على محمد النبي الأمين،
وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اهتدى بهُداهُم إلى يوم الدين
وبعد
من المصائب العظمى التي نزلت بالمسلمين من العصور الأولى
انتشار الأحاديث الضعيفة والموضوعة بينهم,
منها ماهو من الأمور الاعتقادية الغيبية,
ومنها ما هو من الأمور التشريعية.
وقد ادى انتشارها الى مفاسد كثيرة,
وقد اقتضت حكمة العليم الحكيم سبحانه وتعالى أن لايدع هذه الأحاديث
التي اختلقها المغرضون لغايات شتى تسري بين المسلمين دون أن يقيض
لها من يكشف القناع عن حقيقتها و يبين للناس أمرها,
أولئك هم أئمة الحديث الشريف وحاملوا الوية السنة النبوية الذين دعا لهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله
" نضّر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها
و حفظها و بلّغها, فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "
أخرجه أبو داوود والترمذي وصححه
فقد قام هؤلاء الأئمة جزاهم الله عن المسلمين خيرا, ببيان حال أكثر الأحاديث
من صحة أو ضعف أو وضع, و أصّلوا أصولا متينة, و قعّدوا قواعد رصينة,
من أتقنها وتضلع بمعرفتها أمكنه أن يعلم درجة أي حديث ,
وذلك هو علم أصول الحديث أو مصطلح الحديث.
لا يجب أن ننسب للرسول ما لم يقله.
لذلك اهتم العلماء ببيان الأحاديث الضعيفة من الواجب
وتنبيه المسلمين على ما في الاحاديث من أباطيل منسوبة الى رسول الله
صلى الله عليه وسلم..
وإرشادهم للأحاديث الصحيحة
وذلك نشرا للسنة وقمعا للبدعة ,
والحذر منها حتى لا ينسب إلى السنة ما ليس منها
وهنا ياتى سؤال مهم وهو أختلاف العلماء فى العمل بالحديث الضعيف ؟
أولا--ولا يحق لأحد إن يروي الحديث الضعيف
وينسبه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مباشرة
2--وفي الاحاديث الصحيحة ما يغني عن الاخذ بالاحاديث الضعيفة والموضوعة
3--تواتر عن النبي صلى الله عليه على آله وسلم أنه قال
(مَن كَـذَب عليّ مُتعمداً ، فليتبوأ مقعده من النار )
حتى قال الامام الجوينى وغيره :
[إن من كذب على النبي صلى الله عليه على آله وسلم مُتعمّداً فهو كــافــر ]
وهذا يدلّ على خطورة الكذب على رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم
سواء كان كذباً مُباشراً بأن يضع الحديث بنفسه ،
أو بأن ينقل وينشر الحديث الموضوع .
ولعل من أفضل الطرق للحـدّ من هذه الظاهرة
1 – توعية الناس بهذه الخطورة .
2 – نشر الأحاديث الصحيحة التي تُغني عن الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
3 – نشر العلم عموماً ، والحرص على تعليم الناس ،
فبضدّها تتبيّن الأشياء
ما حكم الاحتجاج والعمل بالحديث الضعيف؟
حكم العمل بالحديث الضعيف يحتاج إلى تفصيل:
أولاً العمل بالضعيف في العقائد:
لا يجوز إجماعاً.
ثانياً العمل به في الأحكام:
جماهير أهل العلم على منعه.
ثالثاً العمل به في الفضائل والتفسير و المغازي والسير:
جمهور أهل العلم على جواز الاحتجاج به في هذه الأبواب شريطة
1-- أن يكون ضعفه غير شديد
2--وأن يندرج تحت أصل عام
3--وأن لا يعتقد عند العمل به ثبوته بل يعتقد الاحتياط.
ونقل النووي،وملا علي قاري الإجماع على العمل به في فضائل الأعمال
لكن الخلاف فيه منقول عن جمع من أهل العلم كأبي حاتم وأبي زرعة
وابن العربي و الشوكاني والألباني وإليه يومئ كلام شيخ الإسلام ابن تيمية
وابن القيم ويدل عليه صنيع البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى.
وعلى هذا فلا يعمل بالضعيف مطلقاً في أي باب من أبواب الدين
ويذكر حينئذ للاستئناس
وأشار ابن القيم إلى أنه يمكن أن يرجح به أحد القولين المتعادلين.
فالصواب أن الضعيف لا يعمل به مطلقاً ما لم يغلب على الظن
ثبوته فيصل إلى درجة الحسن لغيره
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله :
"الأحاديث الضعيفة لا يُستدل بها ، ولا يجوز أن تنسب إلى رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلا على وجه يُبيَّن فيه أنها ضعيفة ،
ومَن حدَّث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ،
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
(من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار) ،
فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف )
وهذا هو القول الراجح
لكن بعض أهل العلم رخص في ذكر الحديث الضعيف بشروط ثلاثة :
الشرط الأول : ألا يكون ضعفه شديداً .
والشرط الثاني : أن يكون له أصل .
والشرط الثالث : أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله .
فإن كان الضعف شديداً فإنه لا يجوز ذكر الضعيف أبداً إلا إذا كان الإنسان
يريد أن يبين ضعفه ، وإذا كان ليس له أصل فإنه لا يجوز ذكره أيضاً .
"فتاوى نور على الدرب" (مصطلح الحديث) .
ارى ضعف قول من قال بالاخذ بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال ,
ففي الاحاديث الصحيحة كفاية وغنى عن الضعيفة ,
وان هذا القول شجع القصاص على الاكثار من الاخذ بالاحاديث الضعيفة
مما ادى الى الاقلال من الاخذ بالاحاديث الصحيحة ,
وامتلات كتب كثيرة بالمرويات الضعيفة مثل احياء علوم الدين ..
ولذلك حذر العلماء منها , لوجود أحاديث ضعيفة فيها
وهذا القول لا شك أنه أحوط ، وأسلم للذمة ، ومسألة الترغيب والترهيب
يكفي فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
"ومن المؤسف أن نرى كثيراً من العلماء فضلاً عن العامة متساهلين
بهذه الشروط ،فهم يعملون بالحديث دون أن يعرفوا صحته من ضعفه ،
وإذا عرفوا ضعفه لم يعرفوا مقداره ، وهل هو يسير أو شديد
يمنع العمل به ، ثم هم يشهرون العمل به كما لو كان حديثاً صحيحاً ،
ولذلك كثرت العبادات التي لا تصح بين المسلمين ،
وصرفتهم عن العبادات الصحيحة التي وردت بالأسانيد"
"تمام المنة" (ص/36)
و قد حكى هذا المذهب ابن سيد الناس عن الإمام يحي بن معين ،
و هو مذهب أبي بكر بن العربي ، و الظاهر أنه مذهب البخاري و مسلم
لما عرف من شرطيهما ، كما أن الإمام مسلم رحمه الله جعل في مقدمة
[صحيحه باباً في النهي عن رواية الضعفـاء ]
صحيح مسلم الجزء الأول ص 8
و هو مذهب ابن حزم الذي كان يقول
" إن ما نقله أهل المشرق و المغـرب ، أو كافة عن كافة أو ثقة عن ثقة ،
حتى يبلـــغ إلى النبي صلى الله عليه و سلم
إلا أن في الطريق رجلاً مجروحاً يكذب أو غفلة ، أو مجهول الحال
فهذا يقول به بعض المسلمين ،
و لا يحل عندنا القول به و لا تصديقه ، و لا الأخذ منه بشيء )
الملل و النحل الجزء الثاني ص 83
و حجة الآخـذين بهذا المذهب أن الأحكام لا يجوز أن تؤخذ من
الأحاديث الضعيفة أبداً ، كما أن لدينا مما صح في الفضائل و الترغيب
و الترهيب من جوامع كــلام المصطفى صلى الله عليه و سلم -
ثروة يعجز البيان عن وصفها و هي تغنينا عن رواية الأحاديث الضعيفة
في هذا الباب خصوصاً
و أن الفضائل و مكارم الأخلاق من دعائم الدين ،
و لذا لا فرق عندهم بينها و بين الأحكام من حيث ثبوتها
بالحديث الحسن أو الضعيف
ما اهمية ان نعرف الحديث الصحيح من الضعيف ؟؟
ان الاسلام كله يقوم على اساسين ثابتين لا يمكن الاستغناء باحدهما عن الاخر ,
هذان الاصلان هما كتاب الله تعالى و سنة نبيه محمد صلى الله عليه و سلم ,
و عليهما تبني احكام الشريعة ,
و منهما ناخذ عقيدتنا التي نرجو بها الفوز في الدنيا و الاخرة ,
لذا فإن من الضروري على من اراد تعلم الدين او تعليمه
ان يميز الحديث الصحيح من الضعيف
ما هو الحديث الصحيح و ما هو الحديث الضعيف ؟
الحديث الصحيح هو الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه و سلم
و بالتالي نأخذ منه أحكامنا و شريعتنا ,
اما الحديث الضعيف فهو لم يثبت عن النبي صلى اله عليه و سلم
لذلك لا يصلح ان يكون مصدرا لديننا
هل يوجد ما يضمن أن السنة المطهرة محفوظة من العبث و التبديل ؟
نعم , فان الله تعالى يقول
( إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون )
قال اهل العلم : و حفظ القرءان يستلزم حفظ ما يفسره و هو السنة ,
و النبي صلى الله عليه و سلم قال
( ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه , ألا يوشك رجل شبعان على أريكته
يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه )
فمن اراد ان يستغني بالقرءان عن السنة فهو ضال مبتدع حذر منه
النبي صلى الله عليه و سلم , و ذلك من معجزات نبينا محمد صلى الله عليه و سلم
حين اخبر ان امثال هذا الرجل سيجيء ,
و قد جائت كما اخبر الحبيب صلى الله عليه و سلم طائفة ضالة بالفعل
سموا انفسهم [القرءانيين ]
و قالوا ذلك و أنكروا السنة و ما زال منهم موجودا حتى الان
ملاحظه هامه جداً
نعتقد أن بعض الناس قد فهم ما نقل عن الإمام أحمد و غيره من الأئمة
فهماً خاطئاً بعيداً عن مراد هؤلاء الأئمة فتناقلوا عبارة
( يجوز العمل بالحديث الضعيف )
مجوزين لأنفسهم إدخال أمور كثيرة على الدين لا تستند إلى دليل شرعي مقبــول
دون أن يفرقوا بين مفهــوم الحديث الضعيف عند الإمام أحمد و المتأخرين و عند المتقدمين
و الدليل على هذا أن الإمام أحمد نفسه لم يعمل بالضعيـف
إلا عند عدم وجود غيره في الباب و قدم ذلك على القياس ،
و من بعض الضعيــف الذي عمل به رضي الله عنه الحسن في اصطلاح من جاء بعده ،
لذا لزم التنويه
وكان لا بدّ للمسلم أن يتثبّت في كلّ ما ينقله حتى لا ينسب
إلى دين الله ما ليس منه .. فيضل الناس بغير علم
حتى يصدق فينا قول القائل
رام نفعا فضر من غير قصد*** ومن البر ما يكون عقوقا
فالدعوة إلى الله والكتابة فى المنتديات أمانة من الله علينا فلنتق
الله فيها ولسنا حاطبى ليل كل همنا النقل دون الدراية أوالتثبت
والله سبحانه وتعالى أمرنا أن نعبده وندعو إليه بالعلم
لا بالجهل والهوى والعاطفة
قال تعالى ( قل هذه سبيلى أدعو إلى الله على بصير ة أنا
ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين)
قال صلى الله عليه وسلم
[ كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ]رواه مسلم .