بسم الله الرحمن الرحيم
وأتكلم على آداب السلام، حيث إن الملائكة قالوا: (سلاماً)، فقال إبراهيم: (سلام)، ذكرنا فيما سبق أن رد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أحسن من ابتداء الملائكة؛ لأن رد إبراهيم عليه السلام جملة اسمية تفيد الثبوت والاستمرار، بخلاف سلام الملائكة عليهم السلام، واعلم أن رد التحية واجب، لقول الله تبارك وتعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منهآ أو ردوهآ }. فقال: {إذا حييتم} ولم يذكر من يحيينا، فيشمل أي إنسان يحيينا، فإننا نحيه ونرد عليه أحسن من تحيته، أو مثلها كما قال: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منهآ أو ردوهآ }. فبدأ بالأحسن، لأنه هو الأفضل، أو ردوها، أي: ردوا مثلها، ويشمل هذا ما إذا سلم علينا أحد من اليهود، أو النصارى، أو البوذيين، أو غيرهم، فنرد عليهم، لكننا لا نبدأ اليهود والنصارى بالسلام، لنهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك () ، ثم إن السلام المشروع هو: السلام عليكم، وأما أهلاً وسهلاً، ومرحباً، وكيف حالك وما أشبهها، فهذا ليس بمشروع، المشروع أن تبدأ أولاً بالسلام، ولهذا في حديث المعراج حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يمر بالأنبياء فيسلم عليهم، قال: فرد عليه السلام، وقال: مرحباً بالنبي الصالح () ، فابدأ أولاً بقولك السلام عليكم، والجواب يكون مثل ذلك أو أحسن، يكون: عليكم السلام، أو وعليكم السلام، أو عليكم السلام ورحمة الله، أو عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كل هذا من المشروع، ونرى كثيراً من الناس إذا سُلِّم عليه يقول: أهلاً وسهلاً، أو يقول: مرحباً بأبي فلان، وهذا لا يجزىء، فلو قال: أهلاً وسهلاً، مدى الدهر فإنه لا يجزىء؛ لأن الله يقول: {فحيوا بأحسن منهآ أو ردوهآ }، ومعلوم أن الذي يقول: السلام عليك، يدعو لك بالسلام من كل نقص ومن كل آفة، ومن كل مرض في القلب والبدن، ولا يكفي أن تقول مرحباً وأهلاً، بل لابد أن تقول: عليك السلام، أو وعليكم السلام، وإن زدت ورحمة الله وبركاته كان أحسن.
ثانياً: من السنة أن يسلم الصغير على الكبير؛ لأن حق الكبير على الصغير أعظم من حق الصغير على الكبير، فيبدأ الصغير بالسلام على الكبير، ولكن إذا قدر أن الصغير لم يسلم فهل يدع الكبير السلام، لأن الحق له، أو يسلم لئلا تفوت السنة؟
والجواب: يسلم لئلا تفوت السنة، فكون الإنسان يقول: أنا صاحب الحق، لماذا لم يسلم عليَّ، هذا خطأ، صحيح أنك صاحب الحق وأن المشروع أن يسلم هو عليك، لكن إذا لم يفعل فسلم أنت.
ثالثاً: يسلم الماشي على القاعد () ، ولو كان القاعد أصغر، فإذا مر شخص بإنسان قاعد فليسلم عليه، ولو كان أصغر منه سنًّا، أو قدراً، وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه يسلم على الصبيان إذا مر بهم () ، وفي ذلك فوائد عظيمة منها: التواضع، أن الإنسان يضع نفسه إذا سلم على من هو دونه، ومنها الرحمة؛ لأن سلامك على الصغار نوع من الرحمة، وقد أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن الراحمين يرحمهم الله () - عز وجل -، ومنها تعويد هؤلاء الصبيان على السلام، يعني أن الصبي يعرف شعار المسلمين أن يسلم بعضهم على بعض، فيأخذ من هذا أدباً وخلقاً ينتفع به في شبابه وبعد هرمه.
رابعاً: يسلم القليل على الكثير كالصغير مع الكبير، فإذا تقابل جماعة خمسة وستة فيسلم الخمسة على الستة، لأن الستة فيهم زيادة، فهذه الزيادة لها حق الزائد، فيسلم القليل على الكثير، وإذا لم يفعلوا فليسلم الكثير على القليل، لئلا تفوت السنة بينهم.
خامساً: يسلم الراكب على الماشي، فإذا تقابل رجلان أحدهما يمشي، والثاني راكب في سيارته أو على بعيره فيسلم الراكب على الماشي، لأن الراكب له علو فيسلم على الماشي، لأن السنة جاءت بهذا () ، كذلك الصاعد على النازل، فلو أن اثنين التقيا في درجة سلم فإن الصاعد هو الذي يسلم على النازل، وإذا لم تأت السنة ممن عليه أن يبدأ بها فليبدأ بها الثاني، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» () قال: خيرهما، فدل ذلك على أن من بدأ غيره بالسلام فهو خير، وهو كذلك لأنك إذا سلمت حصلت عشر حسنات، ثم إذا رد صاحبك حصل عشر حسنات، والسبب الذي جعله يحصل عشر حسنات هو البادي، لولا أنه سلم ما رد، فتكون أنت متسبباً لهذا الذي عمل عملاً صالحاً فلك أجره، ولهذا قال العلماء: ابتداء السلام سنة، ورده واجب، ثم أوردوا على هذا إشكالاً فقالوا: ابتداء السلام أفضل من رده، فكيف تكون السنة أفضل من الواجب؟ والقاعدة الشرعية أن الواجب أفضل، كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: «ما تقرَّب إليَّ بشيء أحبّ إليَّ مما افترضت عليه» () أجابوا عن ذلك قالوا هذا الإشكال جوابه: أن هذا الواجب كان مبنيًّا على السنة، فصارت السنة التي بني عليها الواجب، لمن أتى بها ثواب أجره الخاص وثواب أجر الراد.
سادساً: ينبغي أن يكون بصوت مسموع، فبعض الناس يلاقيك ويسلم لكن تشك: هل سلم أو لا؟ لأنه لم يرفع صوته، وهذا غلط، ارفع الصوت على وجه يدل على أنك فرح بهذا الأخ الذي قابلك أو الذي سلمت عليه لا بصوت مزعج ولا بخافت لا يسمع، وعلى العكس من ذلك، بعض الناس يسلم بصوت مزعج، والدين وسط بين الغالي والجافي، فنقول: سلم سلاماً مسموعاً يسمعه أخوك ويكون بأدب واحترام.
سابعاً: من آداب السلام أيضاً: أن يكون المسلم منبسط الوجه منشرح الصدر، فإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق () ، فإن طلاقة الوجه وانشراح الصدر والابتسامة في وجه أخيك لا شك أنها من الأمور المطلوبة لما فيها من إدخال السرور على إخوانك، وإدخال السرور على إخوانك من الأمور المستحبة التي تُؤجر عليها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : «كل معروف صدقة» () .
ثامناً: رد السلام المحمول إن كان الحامل له شخصاً وقال: فلان يسلم عليك. فقل: عليك وعليه السلام، وإن شئت فقل: عليه السلام، أي على الذي حمله، أما إذا كان محمولاً بكتابة يعني إنسان كتب لك كتاباً، وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فإن كنت تريد أن تجيبه بكتاب فرد عليه بجوابك، مثلاً: كتب إليك إنسان كتاباً وقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تكتب إليه: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، قرأت كتابك وفهمت ما فيه، والجواب كذا وكذا، وأكثر الناس الآن لا يهتمون بهذا، تجده يكتب الجواب ويقول في ابتدائه: السلام عليكم ورحمة الله. هذا طيب، لكن الذي سلم عليك يريد جواباً فقل: جواب - يعني -: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وصلني كتابك أو قرأت كتابك، وفهمت ما فيه، وهذا الجواب، وتجيبه بما سألك، وإذا كان لا يحتاج إلى جواب مثل أن يكون الشخص كتب إليك كتاباً يخبرك بخبر لا يحتاج إلى جواب، فهنا إذا قرأت الكتاب فقل: عليك السلام ورحمة الله وبركاته، لا أقول وجوباً، لأن صاحبك لن يسمع، لكن على سبيل الاستحباب، رجل دعا لك بظهر الغيب فادع له أنت بظهر الغيب.
{قال فما خطبكم أيها المرسلون } القائل: ما خطبكم هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، أي ما شأنكم أيهاالمرسلون وهم الملائكة {قالوا إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارةً من طين} يعني أرسلنا الله - عز وجل -، لأنه من المعلوم أنه لا يرسل أحداً من الملائكة إلا خالقهم سبحانه وتعالى {إلى قوم مجرمين } أي: ذوي جرم عظيم ألا وهو اللواط - والعياذ بالله -، فإنهم كانوا يأتون الرجال شهوة من دون النساء، فيأتون ما لم يخلق لهم، ويدعون ما خلق لهم، كما قال لهم نبيهم لوط عليه الصلاة والسلام: {وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم }، وهذه الفاحشة فاحشة نكراء، لا يقرها عقل، ولا فطرة، ولا دين، ولهذا كانت عقوبتها القتل للفاعل والمفعول به، إذا كانا بالغين عاقلين، سواء كان محصنين أم غير محصنين، بخلاف الزنى، فالزنى أهون عقوبة، لأن الزنى من لم يكن محصناً فعقوبته أن يجلد مائة جلدة ويغرب عن البلد سنة كاملة، وإن كان محصناً وهو الذي قد تزوج وجامع: فعقوبته أن يرجم بالحجارة حتى يموت،
أما هذا فعقوبته القتل بكل حال، كما جاء في الحديث: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» () ووقعت هذه الفاحشة في عهد أبي بكر - رضي الله عنه - فأمر أن يحرق كل من الفاعل والمفعول به، لأن الإحراق أعظم عقوبة يعاقب بها بنو آدم، وكذلك جاء عن بعض الخلفاء أنهم أمروا بإحراق اللوطي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: أجمع الصحابة - رضي الله عنهم - على قتل اللوطي فاعلاً كان أو مفعولاً به، لكنهم اختلفوا: كيف يقتل؟ منهم من قال: يحرق، ومنهم من قال: يرمى بالحجارة حتى يموت كالزاني المحصن، ومنهم من قال: يلقى من أعلى شاهق في البلد، يعني في مكان مرتفع، أعلى ما يكون في البلد، ثم يتبع بالحجارة حتى يموت، فالمهم أنهم متفقون على قتله، ولا شك أن قتله هو الحكمة، لأن هذه الفاحشة متى دبت في الرجال صار الرجال كالنساء، وبدأ الذل والعار والخزي على وجه المفعول به، لا ينساه حتى يموت، ثم استغنى الرجال بالرجال وبقيت النساء، لأن هذه الفاحشة - والعياذ بالله - إذا ابتلي بها الإنسان لا يلتفت إلى غيرها، لأنها مرض، فتاك ساري، فإذا أعدم هؤلاء وهم في الحقيقة جرثومة فاسدة مفسدة للإنسان، كان ذلك عين المصلحة، ثم اللواط - والعياذ بالله - لا يمكن التحرز منه، لأنه بين ذكرين لا يمكن لأي إنسان يجد ذكرين يمشيان في السوق أن ينكر عليهما اجتماعهما، ولكن الزنى إذا رأيت رجلاً مع امرأة تستنكره أو تتهمه وتتكلم معه، لذلك كانت عقوبة الإعدام في حق اللوطي أوفق ما يكون للحكمة وللرحمة، فهي رحمة بالفاعلين، يعني باللائط والملوط به، حتى لا يبقيا في حياتهما يكتسبان الإثم وتزداد العقوبة عليهما، ورحمة بالمجتمع فتكون عقوبتهما نكالاً حتى لا يفسد المجتمع، لهذا قالت الملائكة لإبراهيم: {إنآ أرسلنآ إلى قوم مجرمين } وجرمهم - والعياذ بالله - ما سبقوا عليه، كما قال لهم نبيهم {ما سبقكم بها من أحد من العالمين }.
{لنرسل عليهم حجارةً من طين مسومةً عند ربك للمسرفين} حجارة من طين، لكنه ليس الطين الذي يتفتت بل الصلب العظيم الذي إذا أصابت هذه الحجارة أحداً من الناس وضربته على رأسه خرجت من دبره، لا يردها عظم ولا لحم، لقوتها وشدتها وصلابتها - والعياذ بالله - {مسومةً عند ربك } أي: معلمة عند الله، يعني عليها علامة، لأن كل شيء عند الله بمقدار، لا تظن أن الأمور التي يقدرها الله - عز وجل - تأتي هكذا صدفة، بل هي بمقدار، حتى تباعد ما بين النجوم، وتفاوت ما بينها من الكبر والإضاءة بمقدار، لم يجىء هكذا فلتة أو جاء صدفة، كل شيء عند الله بمقدار ولابد، فهذه الحجارة معلمة عند الله، وهل هي معلمة بمعنى أن هذه مكتوب عليها مثلاً حجارة عقوبة؟ أو مسومة بالنسبة لمن تقع عليه؟ الجواب: الثاني، لأن هذا أدق، هذه الحجارة لفلان، هذه الحجارة لفلان، مسومة عند ربك {للمسرفين } أي: للمتجاوزين حدودهم، ولا شك أن اللواط مجاوزة للحد والإسراف - والعياذ بالله - قال الله تعالى: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين } أخرجناهم أي: أمرناهم أمراً قدرياً فخرجوا، قال الله تعالى للوط: {فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك }. فأخرج الله من كان فيها من المؤمنين، وهم لوط وأهله إلا امرأته، ولهذا {فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } بيت واحد، قرية كاملة يدعوهم نبيهم إلى توحيد الله وإلى ترك هذه الفاحشة ما اتبعه أحد حتى أهل بيته لم يخلصوا، فيهم من لم يؤمن بلوط، فانتبه يا أخي الداعية، لا تجزع إذا دعوت فلم يستجب لك من المائة إلا عشرة، فالرسل عليهم الصلاة والسلام يبقون في أممهم دهوراً كثيرة ولا يتبعهم إلا القليل، ولوط عليه الصلاة والسلام لم يتبعه من القرية أحد، وتخلف عن دعوته من تخلف، ولهذا قال: {فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } وهنا يتساءل الإنسان في نفسه: كيف قال: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين}،
هل المسلمون هنا بمعنى المؤمنين في الآية التي قبلها؟ ذهب بعض العلماء إلى ذلك، وقالوا: إن في هذا دليلاً على أن الإيمان والإسلام شيء واحد، وذهب الآخرون إلى الفرق، وقالوا: أما المؤمنون فقد نجوا، وأما البيت فهو بيت إسلام، لأن المظهر في هذا البيت - بيت لوط - أنه بيت إسلامي، حتى امرأته لم تتظاهر بالكفر، تظاهرت بأنها مسلمة، ولهذا قال الله تعالى في سورة التحريم: {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما } ليس المعنى خانتاهما بالفاحشة، بل خانتاهما بالكفر، لكنه كفر مستور، وهو خيانة من جنس النفاق، ولهذا يقال للمجتمع الذي فيه المنافقون: إنه مجتمع مسلم، وإن كان فيه المنافقون، لأن المظهر مظهر إسلام، إذن نقول: {فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين } إنما قال: من المسلمين، لأن امرأته ليست مؤمنة، ولكنها مسلمة.
{وتركنا فيها آيةً للذين يخافون العذاب الأَليم } تركنا فيها آية أي علامة، فما العلامة؟ أهي علامة حسية، أم علامة معنوية، أم علامتان معنوية وحسية؟ والقاعدة المفيدة في التفسير: (إذا احتملت الآية أكثر من معنى لا مرجح لأحدهما على الآخر ولا منافاة بينهما، وجب حملها على المعنيين جميعاً) فهذه الآية حسية ومعنوية، أما الحسية: فما نشاهد مكان قريتهم التي تسمى بحيرة لوط، فإن هذا كان موضع القرية، كل يمر به ويراه ويشاهده، كما قال تعالى: {وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون} وآية معنوية كل من قرأ قصتهم في جميع ما وردت فيه من السور الكريمة اعتبر واتعظ وخاف، لكن من الذي ينتبه لهذه الآيات؟ ومن يتعظ؟ {للذين يخافون العذاب الأَليم } أما المنكرون الذين قست قلوبهم فإنهم لن ينتفعوا بالآيات، قال الله تعالى: {وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } نسأل الله أن يجعلنا من المنتفعين بالآيات.
{وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين } يعني في موسى آيات من آيات الله عز وجل، حين أرسله الله تعالى إلى فرعون، وفرعون علم جنس على كل من حكم مصر وهو كافر، وموسى بن عمران عليه السلام أفضل أنبياء بني إسرائيل، وهو في المرتبة الثالثة من الفضل بالنسبة لأولي العزم الخمسة، فإن أفضلهم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم نوح، وعيسى عليهم الصلاة والسلام، أرسله الله تعالى {بسلطان مبين }، أي: بحجة بينة في نفسها مبينة لغيرها، فالآيات التي جاء بها الأنبياء بينات واضحة لكل ذي عدل وإنصاف، وهي أيضاً مبينة لصدق ما جاءت به الرسل، ولهذا اعلم أنه كلما جاء في القرآن كلمة: (مبين) فهي بمعنى مبين في ذاته، مبين لغيره، إلا ما دل السياق أن المراد البين في ذاته، فمن الآيات العظيمة التي جاء بها موسى، عصا موسى، التي كان يستعملها ويتوكأ عليها عند الحاجة، ويهش بها على غنمه أوراق الشجر عند رعيها، وله فيها حاجات أخرى، كما قال هو عليه الصلاة والسلام لما سأله الله {وما تلك بيمينك يموسى قال هي عصاى أتوكؤا عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مأرب أخرى}. فهي آية في كونه إذا وضعها على الأرض صارت ثعباناً مبيناً، أي: حية عظيمة تخيف من رآها، ولهذا رهب منها موسى عليه الصلاة والسلام حين ألقاها وولى هارباً، فناداه الله - عز وجل - (لا تخف) ومنها أنه يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء في الحال، بيضاء لكن بدون سوء. أي بدون عيب يعني ليست بيضاء برص، ولكنها بيضاء مخالفة للون جلده في الحال، حقيقة لا تخيلاً، وقال الله تعالى في سورة الإسراء: {ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات } المهم أنه أتى إلى فرعون بسلطان مبين وحجة دامغة بالغة، لكنه - والعياذ بالله - {فتولى بركنه } أي: بقوته وسلطانه وجنده، أعرض عن موسى استكباراً وجحوداً وظلماً وعدواناً، قال الله تعالى: {وجحدوا بها واستيقنتهآ أنفسهم ظلماً وعلواً }. {وقال ساحر أو مجنون } يعني أنه اتهم عليه الصلاة والسلام بأنه ساحر، لأنه أتى بآيات تشبه ما يصنعه السحرة، عصا من خشب توضع في الأرض وتكون ثعباناً مبيناً، ويد تدخل في الجيب وتخرج بيضاء في الحال، هذا يشبه السحر، أو {مجنون }، وذلك بكونه يدعي أن الله وحده خالق السموات والأرض وهو الرب وهو الإله، لأنهم كانوا لا يعرفون الإله إلا فرعون، فإذا جاء شخص يقول: إن الله هو رب العالمين، وأن فرعون ليس إلهاً ولا ربًّا. فإنهم يرمونه بالجنون، هذا مجنون خرج عما نعهد، قال الله تعالى: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم } أي طرحناهم فيه، واليم هو البحر، والبحر الذي هلك فيه فرعون هو البحر الأحمر، الذي بين آسيا وأفريقيا، وذلك أن فرعون جمع جنوده وحشدهم وأراد أن يقضي على موسى وقومه، فخرج موسى عليه السلام وقومه من مصر متجهين إلى الشرق، ولكن حال بينهم وبين مرادهم البحر، فلما وصلوا إلى البحر كان البحر بين أيديهم، وفرعون وقومه خلفهم، فقال قوم موسى: {إنا لمدركون } يعني هلكنا، لأن فرعون خلفنا والبحر أمامنا فكيف النجاة؟! فقال موسى: {كلا إن معى ربي سيهدين }. وهذه معية خاصة، تقتضي النصر والتأييد، قال: {سيهدين } ولم يقل: سوف يهدين، بل قال: {سيهدين } إشارة إلى قرب هذا الحصر وأنه سيزول قريباً، وهذا هو الذي حصل، فأوحى الله تعالى إليه أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق اثنتي عشرة طريقاً في الحال ويبس في الحال، وصار صالحاً للمشي عليه في الحال، كما قال عز وجل: {فاضرب لهم طريقاً في البحر يبساً لا تخاف دركاً ولا تخشى }. فعبر موسى وقومه من هذه الطرق العظيمة التي كان الماء بينها كالجبال ولما انتهوا خارجين كان فرعون في أثرهم وانتهوا داخلين، فأمر الله - عز وجل - بقدرته وسلطانه البحر أن يعود إلى ما كان عليه، فانطبق على فرعون وقومه فهلكوا عن آخرهم والحمد لله، ولهذا قال: {وهو مليم } أي: فرعون فاعل ما يلام عليه ولا شك أن رده للرسالة الإلهية، وادعائه أنه الرب وقوله: {ما علمت لكم من إله غيرى }
وما أشبه ذلك من الكلمات لا شك أنها كلمات يلام عليها، لأنه قد تبين له الحق، ولكنه عاند وأبى أن ينقاد للحق، كما قال له موسى: {لقد علمت } يعني يا فرعون {مآ أنزل هؤلآء إلا رب السماوت والأَرض بصآئر وإني لأَظنك يفرعون مثبورًا}
ثم قال تعالى: {وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } يعني وفي عاد آيات {إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } عاد في جنوب الجزيرة العربية، وكانوا قوماً أشداء حتى إنهم قالوا: {من أشد منا قوةً } فقال الله تعالى: {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوةً }. فأصابهم القحط والجدب، فجعلوا يترقبون المطر، فأرسل الله عليهم الريح العظيمة الشديدة {فلما رأوه عارضاً مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا } قال الله تعالى: {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم }. فأرسل الله عليهم هذه الريح العقيم التي ليس لهم فيها ثمرة ولم تحمل ماء: كالمرأة العقيم التي لا تلد، هذه أيضاً ريح عظيمة لا تحمل سحاباً ولا مطراً، هذه الريح العقيم هي الريح الغربية، كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام: «نصرت بالصبا، وأهلكت عاد بالدبور» () أي: بالريح الغربية، أرسل الله عليهم هذه الريح العقيم {ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم } كل شيء تأتي إليه تجعله كالرميم هامداً، حتى إنها تأخذ الرجل - والعياذ بالله - إلى فوق ثم ترده إلى الأرض {كأنهم أعجاز نخل خاوية }. {كأنهم أعجاز نخل منقعر }. هلكوا عن آخرهم، تأمل الآية، قوم عاد قوم أقوياء أشداء هلكوا بهذه الريح اللطيفة، التي لا ترى لها جسماً، وإنما تحس بها بدون أن ترى شيئاً، ومع ذلك قضت عليهم بأمر الله - عز وجل -، ولهذا قال تعالى: {ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم} فهذا فيه آيات من آيات الله - عز وجل -، أرسل الله عليهم هذه الريح، فأهلكتهم عن آخرهم.
{وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين } ثمود هم الذين أرسل الله إليهم نبيه صالحاً - عليه الصلاة والسلام -، فوعظهم وذكرهم، وجعل لهم آية وهي الناقة التي شرفها الله تعالى بإضافتها إلى نفسه الكريمة، حيث قال تبارك وتعالى: {فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقيها } أي احذروا ناقة الله أن تعبثوا فيها، أو أن تنكروها، وهذه الآية (لها شرب) تشرب من البئر التي تسمى بئر الناقة، ولهم شرب يوم معلوم يشربونه، فالناقة تشرب يوماً وهم يشربون يوماً، وهذه الناقة ذكروا أنهم: ما جاء أحد يستقي من هذا البئر في يومها التي تشرب منه إلا أخذ بدل شربها شيئاً من لبنها بقدر ما شربت، فالله أعلم: هل هذا هو الواقع أو يختلف؟ لكن على كل حال هذه الناقة لا شك أنها ناقة ليست كسائر النوق، إذ إنها آية من آيات الله - عز وجل -، لكنهم كذبوا وأبوا وتوعدهم عليه الصلاة والسلام أن يتمتعوا في دارهم ثلاثة أيام، ولكنهم مازالوا على كفرهم وإنكارهم، ولهذا قال: {وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين } وديارهم معروفة الآن، موجودة في مكان يسمى الحجر، ويسمى الآن ديار ثمود، وقد مر بها النبي صلى الله عليه وسلم في ذهابه إلى تبوك، لكنه عليه الصلاة والسلام أسرع حين مر بهذه الديار وقنع رأسه، ونهى أمته أن يدخلوا إلى هذه الأماكن، أماكن المعذبين إلا أن يكونوا باكين، قال: «فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوها أن يصيبكم ما أصابهم» () وقوله: «أن يصيبكم ما أصابهم». لا يلزم منه أن يراد به ما أصابهم من العذاب الجسمي قد يكون المراد ما أصابهم من العذاب الحسي، وما أصابهم من الإعراض والكفر.
فلو قال قائل: إنه يوجد أناس يذهبون إلى هذه الأماكن وهم غير باكين ولم يصابوا بشيء.
فنقول: الجواب عن هذا من وجهين:
أولاً: أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يؤكد أن يصابوا بهذا، ولكن قال: «حذار أن يصيبكم مثل ما أصابهم» () .
الوجه الثاني: أن نقول: لا يتعين أن يكون المراد بذلك أن يأخذوا بما أخذ به هؤلاء من العقوبة الحسية الظاهرة، وهي الرجفة والصيحة التي أماتتهم عن آخرهم، فقد يكون المراد مرض القلب، الذي هو الاستكبار والإعراض ورد الحق.
{إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين }، هذا الحين هو ثلاثة أيام {فعتوا عن أمر ربهم } أي: فأبوا ولم يرجعوا عن غيهم {فأخذتهم الصاعقة } التي صعقتهم، وهي رجفة وصيحة، {وهم ينظرون } أي: ينظر بعضهم إلى بعض يتهاوون ويتساقطون أمواتاً {فما استطعوا من قيام } أي: ما استطاعوا أن يقوموا {وما كانوا منتصرين }، أي: لم يتمكن بعضهم أن ينصر بعضاً، بل كلهم هلكوا عن آخرهم، وهكذا يفعل الله تعالى بمن كذب أولياءه، وهكذا يفعل الله تعالى بمن كذب رسله عليهم الصلاة والسلام، إلا أن العذاب المستأصل رفع عن هذه الأمة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا ربه سبحانه وتعالى ألا يأخذهم بسنة بعامة، أي بعقوبة عامة، لكن ابتلوا بشيء آخر وهو أن يقتل بعضهم بعضاً، ويسبي بعضهم بعضاً () ، والأمر كذلك وقع، فإن هذه الأمة لم تصب بعذاب عام كما أصيبت به الأمم التي قبلها، لكن أصيبت بأن جعل الله بأسهم بينهم منذ زمن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لما اختلفوا على عثمان وعلي - رضي الله عنهما - وحصلت الفتن تتوالى إلى يومنا هذا، ثم هذه الأمة التي جُعل بأسها بينها ليست هي أمة الإجابة فقط، بل أمة الإجابة وأمة الدعوة، ولهذا نقول: ما حصل من الفتن والبلاء في الأرض مشارقها ومغاربها من الكفار وغير الكفار فإنما هو نتيجة للمعاصي، وهي عقوبة هذه الأمة أن الله يذيقهم بأس بعض.
{وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوماً فسقين } يعني اذكر قوم نوح من قبل، وهم أول أمة أرسل إليهم الرسول، ولكنهم كذبوا، ونوح عليه الصلاة والسلام بقي فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم إلى الله ويذكرهم ويعظهم، ولكنهم - والعياذ بالله - لم يؤمنوا، ما آمن معهم إلا قليل حتى أنه عليه الصلاة والسلام يقول: {كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم }، جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا ما يقول، واستغشوا ثيابهم أي تغطوا بها لئلا يبصرون، نسأل الله العافية، وهذا غاية ما يكون من البغضاء لما يقول ولما يفعل، {وأصروا} على باطلهم {واستكبروا استكباراً } فكان آخر ما قال عليه الصلاة والسلام: {رب لا تذر على الأَرض من الكافرين دياراً } ودعا ربه أني مغلوب فانتصر، قال الله تعالى: {ففتحنآ أبوب السماء بماء منهمر وفجرنا الأَرض عيوناً فالتقى الماء على أمر قد قدر} ولهذا والله أعلم سيكون عليهم نصيب من عذاب المكذبين لأنهم هم أول أمة كذبت الرسل، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة () ، كما أن من قتل نفساً فإن على ابن آدم الذي قتل أخاه كفلاً ونصيباً من عذاب القاتل إلى يوم القيامة () .
ثم قال عز وجل: {والسماء بنينها بأيد وإنا لموسعون } السماء مفعول لفعل محذوف والتقدير، وبنينا السماء، وقوله: {بأيد } أي: بقوة، كما قال الله تعالى: {وبنينا فوقكم سبعاً شداداً } فالأيد هنا أي القوة، وليست جمع يد كما يتوهم بعض الناس، ويظنون أن الله تعالى بنى السماء بيديه عز وجل؛ لأن الأيد هنا مصدر آد يئد بمعنى القوة، كما يقال باع يبيع بيعاً، ولهذا لم يضف الله هذه الكلمة إلى نفسه الكريمة كما أضافها إلى نفسه الكريمة في قوله تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينآ أنعماً } فمن فسر الأيد بالقوة هنا فإنه لا يقال: إنه من أهل التأويل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، بل هو من التأويل الصحيح، والإنسان إذا تأمل وتفكر في السماوات عرف أنها قوية شديدة عظيمة، وأن قوتها تدل على قوة بانيها - عز وجل - {وإنا لموسعون } أي: لموسعون لأرجائها، لأنها واسعة عظيمة، ولهذا كانت السماوات أكبر بكثير من الأرض، وهي محيطة بالأرض من كل جانب، وعلى هذا فتكون أوسع من الأرض، وليست الأرض بالنسبة للسماء إلا شيئاً يسيراً، {والأَرض فرشنها } أي: فرشنا لأهلها، جعلناها لهم كالفراش يأوون إليها ويتمتعون بها، لم يجعلها الله تعالى صعبة ولا سهلة، بل هي متوسطة لو كانت لينة رخوة ما تمكن أحد من البقاء عليها، ولو كانت صعبة ما تمكن أحد من الانتفاع بها، ولكنها كانت كما وصفها الله - عز وجل -: {هو الذي جعل لكم الأَرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} .
{فنعم المهدون } أثنى على نفسه تبارك وتعالى بذلك، لأنه أهل للثناء، وقد جعل الله تبارك وتعالى الأرض على مستوى نافع للعباد، ليست بالقاسية التي يعجز الناس عن الانتفاع بها، وليست باللينة التي لا يستقرون عليها، بل هي مناسبة تماماً لهم، على أن فيها اختلافاً في الليونة وفي الصلابة، لكن هذا لا يمنع الانتفاع بها.
{ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } خلق الله تبارك وتعالى من كل شيء زوجين متقابلين، حتى تتم الحال وتصلح باجتماع بعضهما إلى بعض، فالحيوان كله من إنسان وغيره يكون من زوجين بين ذكر وأنثى، كما قال الله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبآئل لتعرفوا } إلا أن آدم عليه الصلاة والسلام خلقه الله بيده من غير أم ولا أب، وحواء خلقت من أب بلا أم، وعيسى ابن مريم خلق من أم بلا أب، ولهذا ينقسم الناس إلى أربعة أقسام: الأول: من خلق بلا أم ولا أب وهو: آدم، والثاني: من خلق من أب بلا أم وهي: حواء، والثالث: من خلق من أم بلا أب وهو: عيسى، والرابع: بقية البشر خلقوا من ذكر وأنثى، فمن كل شيء خلق الله زوجين، اليابس والرطب، والحرارة والبرودة، واللين والقسوة، وغيره مما إذا تأمله الإنسان عرف بذلك حكمة الله سبحانه وتعالى {لعلكم تذكرون }، أي: بينا ذلك لكم، لأجل أن تذكروا وتتعظوا بآيات الله تبارك وتعالى، فإن الإنسان كلما كان أعلم بآيات الله الكونية أو الشرعية كان أكثر اتعاظاً واعتباراً، ولهذا حث الله على النظر في الآيات الكونية فقال تعالى: {قل انظروا ماذا في السماوت والأَرض وما تغنى الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون }. وقال تعالى: {أولم يتفكروا في أنفسهم ما خلق الله السماوت والأَرض وما بينهمآ إلا بالحق } ومدح الله تعالى الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض بقوله: {إن في خلق السماوت والأَرض واختلاف الليل والنهار لأَيات لأُولى الأَلباب الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوت والأَرض ربنآ ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار}. لهذا ينبغي الإنسان أن يتعظ ويتذكر ويتدبر آيات الله سبحانه وتعالى الكونية والشرعية.
{ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين } هذا كأنه على لسان النبي صلى الله عليه وسلم أي قل لهم {ففروا إلى الله إني لكم منه } أي: من الله،والفرار إلى الله يكون بالقيام بطاعته واجتناب نواهيه، لأنه لا ينقذك من عذاب الله، إلا أن تقوم بطاعة الله، فكأن الإنسان إذا قام بطاعة الله عز وجل كأنه فر من عدو، أرأيت لو أن وادياً عرماً يهدر، أقبل عليك فإنك لن تقف أمامه، بل تهرب منه وتفر منه، كذلك لو أن حريقاً ملتهباً أقبل إليك فإنك لن تقف بل تفر، كذلك نار جهنم أشد وأعظم وأولى بالفرار منها، ولهذا قال: {ففروا إلى الله }، أي: من عذاب الله {إني لكم منه نذير مبين } أي: منذر {مبين } أي: مظهر لما أنذر به ومبين له، فهو عليه الصلاة والسلام نذير من الله تعالى لعباده، ينذر من خالف أمره بالعذاب، ومع هذا هو صلى الله عليه وسلم بشير لمن آمن وأطاع بالجنة والسعادة في الدنيا والآخرة، كما قال الله تعالى: {من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياةً طيبةً ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } لكن الله تبارك وتعالى يذكر الإنذار فقط في مقام التهديد والوعيد، وهذه السورة كلها ذكر للأمم السابقين وما حل بهم من العقوبة لمخالفتهم أمر الله تبارك وتعالى، {ولا تجعلوا مع الله إلهاً ءاخر }، أي: لا تجعلوا معه معبوداً تعبدونه، والمعبود أنواع وأصناف، فمن الناس من يعبد الشمس، ومنهم من يعبد القمر، ومنهم من يعبد النجوم، ومنهم من يعبد الحيوان، ومنهم من يعبد الشجر، ومنهم من يعبد الحجر، ومنهم من يعبد المال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «تعس عبدالدينار، تعس عبدالدرهم، تعس عبدالخميصة، تعس عبدالخميلة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط» () فبين الرسول عليه الصلاة والسلام أن الذي ليس لهم همٍّ إلا المال فإنه عابد له في الحقيقة، وإن كان لا يركع له ولا يسجد، لكن تعلق قلبه به واهتمامه به، وكونه يرضى لحصوله، ويسخط لمنعه، لا شك أنه قد استولى على قلبه استيلاء تامًّا، لكن المعبود تختلف عبادته في الحكم، فإن كان يصرف له شيء من العبادة، فهذا شرك أكبر، وإن كان لا يصرف له شيء من العبادة، ولكنه يتعلق به القلب تعلقاً كاملاً حتى إنه ليدع الواجبات ويقع في المحرمات من أجل الحصول عليه، فهذه عبادة لا تخرج من الدين لكنها حقًّا عبادة {إني لكم منه نذير مبين } كرر ذلك لأهمية الموضوع، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا الاتعاظ والانتفاع بآيات الله تعالى، إنه على كل شيء قدير.
{كذلك مآ أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } يعني أن الأمر الذي حصل لك يا محمد حصل لمن قبلك، فقوله (كذلك) خبر مبتدأ محذوف، والتقدير: الأمر كذلك، يعني أن أمر الأمم السابقة كأمر هؤلاء الذين كذبوك يا محمد، وفسر {كذلك } بقوله: {مآ أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون } يعني ما أتاهم رسول إلا قالوا كذا، و(من) في قوله (من رسول) زائدة من حيث الإعراب، كقوله تعالى: {أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير } والمعنى ما جاءنا بشير ونذير، لكن تزاد الحروف في بعض الجمل للتأكيد، فما أتى الذين من قبلهم من رسول يعني ما أتاهم رسول إلا وصفوه بهذين الوصفين إلا قالوا: ساحر أو مجنون، ساحر باعتبار تأثيره وبيانه وبلاغته، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن من البيان لسحراً» () أو مجنون يعني أو قالوا مجنون باعتبار تصرفاته، لأن هذا التصرف في نظر هؤلاء المكذبين جنون، نسأل الله العافية، وفي هذا تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام، لأن الإنسان إذا علم أن غيره أصابه ما أصابه تسلى بذلك، وهان عليه الأمر، ولهذا قالت الخنساء تماضر وهي ترثي أخاها صخراً:
ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي
وما يبكون مثل أخي ولكن أسلي النفس عنه بالتأسي
وقد دل لذلك قول الله تبارك وتعالى: {ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون }. لأن الإنسان إذا شاركه غيره في العذاب هان عليه، لكن يوم القيامة لا ينفع الإنسان أن يشاركه غيره في عقوبته، والمهم أن في هذه الجملة بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام تسلية حتى لا يحزن، فإن ما أصابه قد أصاب غيره، وفيها أيضاً دليل على أن المكذبين للرسل طريقهم واحدة، ولو تباعدت أزمانهم، ولو تباعدت أقطارهم، لأن المجرم أخو المجرم، فالطريقة واحدة، قال الله تعالى: {أتواصوا به } أي بهذا القول {بل هم قوم طاغون } يعني هل هؤلاء المكذبين للرسل الذين اتفقوا على وصف الرسل بأنهم سحرة ومجانين، هل هم تواصوا بذلك؟ يعني هل كل واحد من هؤلاء الأمم كتب وصية إلى الأمم اللاحقة: أن قولوا لأنبيائكم: إنكم سحرة ومجانين؟ الجواب: لا، ولهذا قال: {بل هم قوم طغون } وهذا إضراب إبطال يعني لم يحصل تواصٍ، ولكن تواردت الخواطر، لأن الهدف واحد وهو تكذيب الرسل، فاتفقت الكلمة، وفي قوله (طاغون) وصف بأن هؤلاء طغاة معتدون، وهذا من أعظم الطغيان - والعياذ بالله - أن يوصف دعاة الحق بأنهم سحرة ومجانين، قال الله تعالى: {فتول عنهم } أي: أعرض عن هؤلاء ولا تهتم بهم {فمآ أنت بملوم } يعني لا أحد يلومك لأنك بلَّغت الرسالة، وأدَّيت الأمانة، وصبرت وصابرت، فلقد صبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وصابر على أذى قريش وامتهانهم إياه، ولكنه كانت له العاقبة ولله الحمد، ولهذا قال: {فتول عنهم }، بمعنى أنك لا تتعب نفسك بهم، ولا تهلك نفسك فيهم، فأنت في هذه الحال لا تلام على ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم قام بما يجب عليه، وفي قوله {فتول عنهم فمآ أنت بملوم } أمران:
الأمر الأول: عذر النبي عليه الصلاة والسلام وإقامة العذر له.
والثاني: تهديد هؤلاء المكذبين: فالله تعالى يهددهم بتولي الرسول عنهم، لأنهم لا خير فيهم.
ثم قال: {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين } أي: ذكر الناس بآيات الله وبأيامه، وشرائعه وما أوجب الله على العباد. وبأيامه: عقابه تبارك وتعالى للمكذبين وإثابته للطائعين، لكن أطلق الله الذكرى وقال: {وذكر } ولم يقل: وذكر المؤمنين، لكن بين أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون فقال: {فإن الذكرى تنفع المؤمنين } لأن المؤمن إذا ذكر فهو كما وصفه الله عز وجل: { والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً } بل يقبلونها بكل رحابة صدر وبكل طمأنينة، وفي الآية الدليل على وجوب التذكير على كل حال، وفيها أن الذي ينتفع بالذكرى هم المؤمنون، وأن من لا ينتفع بالذكر فهو ليس بمؤمن: إما فاقد الإيمان، وإما ناقص الإيمان، وهنا فتش عن نفسك: هل أنت إذا ذكرت بآيات الله وخوفت من الله عز وجل هل أنت تتذكر أم يبقى قلبك كما هو قاسياً، إن كانت الأولى فاحمد الله فإنك من المؤمنين، وإن كانت الثانية فحاسب نفسك، ولا تلومن إلا نفسك، وعليك أن ترجع إلى الله - عز وجل - حتى تنتفع بالذكرى، وفي الآية دليل على أنه كلما كان الإيمان أقوى كان الانتفاع بالذكرى أعظم وأشد، وذلك من قاعدة معروفة عند العلماء، وهي: أن الحكم إذا علق بوصف ازداد بزيادته ونقص بنقصانه.
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } أي ما أوجدتهم بعد العدم إلا لهذه الحكمة العظيمة، وهي عبادة الله تبارك وتعالى، وحده لا شريك له، واللام في قوله {ليعبدون } للتعليل، لكن هذا التعليل تعليل شرعي، أي لأجل أن يعبدون، حيث آمرهم فيمتثلوا أمري، وليست اللام هنا تعليلاً قدرياً، لأنه لو كان تعليلاً قدرياً للزم أن يعبده جميع الجن والإنس،
لكن اللام هنا لبيان الحكمة الشرعية في خلق الجن والإنس، والجن عالم غيبي خلقوا من نار، لأن أباهم هو إبليس كما قال الله تعالى: {أفتتخذونه وذريته أولياء من دونى وهم لكم عدو } فسموا جنًّا لأنهم مستترون عن الأعين، حيث إنهم يروننا ولا نراهم، هذا هو الأصل أنهم عالم غيبي، لكن قد يظهرون أحياناً، والأصل فيهم أنهم كالإنس منهم المسلمون، ومنهم غير المسلمين، ومنهم الصالحون ومنهم دون ذلك، لكن الإنس يفضلونهم بأنهم أحسن منهم من حيث الابتداء، حيث إنهم خلقوا من الطين، من التراب، من صلصال كالفخار، وأما أولئك الجن فخلقوا من النار، كذلك يمتاز الإنس عنهم بأن منهم الرسل والأنبياء، وأما الجن فليس منهم رسل، ولكن منهم نُذر، يبلغونهم الرسالات من الإنس، كما في قول الله تعالى: {وإذ صرفنآ إليك نفراً من الجن يستمعون القرءان فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين } فانظر إلى أدبهم في قولهم: أنصتوا ثم بقائهم حتى انتهى المجلس، ثم ذهبوا دعاة لما سمعوا، قالوا: {أنصتوا فلما قضى ولوا إلى قومهم منذرين } {قالوا يقومنآ إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى } إلى آخر الآية، وأما الإنس فهم بنو آدم البشر، هؤلاء خلقوا لشيء واحد، لعبادة الله، لا لأجل أن ينفعوا الله بطاعتهم، ولا أن يضروه بمعاصيهم، ولا أن يطعموه، ولهذا قال: {مآ أريد منهم من رزق ومآ أريد أن يطعمون } يعني ما أطلب منهم رزقاً أي عطاءً أنتفع به، ولا أن يطعمون فأنتفع بإطعامهم، قال الله تبارك وتعالى: {قل أغير الله أتخذ ولياً فاطر السماوات والأَرض وهو يطعم ولا يطعم }، فهو سبحانه وتعالى له الجود والغنى والكرم وهو غني عما سواه، فالحكمة من خلق الجن والإنس العبادة، فلم يخلقوا لأجل أن يعمروا الأرض ،ولا لأجل أن يأكلوا، ولا لأجل أن يشربوا، ولا أن يتمتعوا كما تتمتع الأنعام، وإنما خلقوا لعبادة الله، وخلق لهم ما في الأرض، فنحن مخلوقون للعبادة، وكل ما في الأرض مخلوق لنا، {هو الذي خلق لكم ما في الأَرض جميعاً } والعجب أن قومنا الآن اشتغلوا فيما خلق لهم عما خلقوا له، وهذامن السفه أن يشتغلوا بشيء خلق لهم، عن شيء خلقوا من أجله. والعبادة تطلق على معنيين:
المعنى الأول: التعبد، يعني فعل العبد، فيقال: تعبد لله عبادة.
والثاني: المتعبد به، وهذا المعنى قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: إنه (اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة)، فهي اسم جامع لكل شيء، فالصلاة عبادة، والصدقة عبادة، والصوم عبادة، والحج عبادة، والأمر بالمعروف عبادة، والنهي عن المنكر عبادة، وكل ما يقرب إلى الله من قول، أو فعل فإنه عبادة. {إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين } هو الرزاق يعني هو صاحب العطاء الذي يعطي، فالرزق بمعنى العطاء، ومنه قوله تعالى: {وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه } أي: أعطوهم، وكلمة (الرزاق) أبلغ من كلمة (الرازق)؛ لأن (الرزاق) صيغة مبالغة تدل على كثرة الرزق، وعلى كثرة المرزوق، فرزق الله تعالى كثير باعتبار كثرة المرزوقين، فكل دابة في الأرض على الله رزقها، من إنسان وحيوان، ومن طائر وزاحف، ومن صغير وكبير، ولا يمكن أن نحصي أنواع المخلوقات على الأرض، ولو قلت لك أحص العوالم التي في الأرض ما استطعت، فضلاً عن أفرادها، فكل فرد منها فإن الله تعالى متكلف برزقه {وما من دآبة في الأَرض إلا على الله رزقها } فإذا كان الأمر كذلك صار رزق الله كثيراً باعتبار المرزوق، مَن يحصي المرزوقين؟ لا أحد يحصيهم أبداً، ورزقه كثير باعتبار الواحد، فكم لله عليك من رزق كثير لا يحصى، رزق الله لك دارٍّ عليك ليلاً ونهاراً، رزقك عقلاً، وصحة، ومالاً، وولداً، وأمناً وأشياء لا تحصى، {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }، ولهذا جاء اسم الرزَّاق بالتشديد الدال على الكثرة، وقوله: {ذو القوة } أي: صاحب القوة التي لا قوة تضادها،
كما قال = الشاعر الجاهلي:
أين المفر والإله الطالب والأشرم المغلوب ليس الغالب
فقوة الله عز وجل لا يضاهيها قوة، قوته - عز وجل - لا يعتريها ضعف، بخلاف قوة المخلوق، فقوته تنتهي إلى ضعف، كما قال الله تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير } أما الرب عز وجل فقوته لا يلحقها ضعف بأي وجه من الوجوه، ولما قالت عاد: من أشد منا قوة؟ قال الله؟ {أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوةً } وصدق الله - عز وجل - وقوله: {المتين} يعني الشديد، شديد في قوته، شديد في عقابه، شديد في كل ما تقتضي الحكمة الشدة فيه، انظر إلى قول الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأَخر وليشهد عذابهما طآئفة من المؤمنين }. هذه شدة، والله - عز وجل - أرحم الراحمين، ومع ذلك ينهانا أن تأخذنا الرأفة، في الزانية والزاني {ولا تأخذكم بهما رأفة }، وهذا دليل على القوة، ومن قوته - عز وجل - أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ولم يعِ بخلقهن، ومن قوته وقدرته أنه جل وعلا يبعث الناس كنفس واحدة {فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة} والأمثلة على هذا كثيرة، فهو جل وعلا له القوة البالغة التي لا يمكن أن تضاهيها أي قوة.
ثم قال الله تعالى: {فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون } أي:الذين ظلموا بالكفر لهم {ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم } والذنوب في الأصل هو الدلو، أو ما يستقى به، وشاهد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «أريقوا على بوله ذنوباً من ماء» () والمعنى: هؤلاء الظالمون لهم نصيب مثل نصيب من سبقهم {فإن للذين ظلموا ذنوباً مثل ذنوب أصحابهم } أي نصيباً من العذاب مثل نصيب أصحابهم، وانظر كيف سمى الله تعالى السابقين بأزمان بعيدة أصحاباً لهؤلاء، وذلك لاتفاقهم في التكذيب، ورمي الرسل بما لا يستحقون، فهم أصحاب في الواقع وإن تباعدت الأزمان والأماكن {فلا يستعجلون }، النون هنا مكسورة على أنها نون الوقاية وحذف الضمير: الياء، وأصله فلا يستعجلوني، فحذفت الياء تخفيفاً، ولهذا لا يشكل على الإنسان فيقول: كيف كانت النون مع أن (لا) ناهية؟ والجواب أن نقول: هذه النون ليست نون الإعراب، ولكنها نون الوقاية، فالفعل إذاً مجزوم، والنون للوقاية، والياء التي هي المفعول محذوفة، وفي قوله: {فلا يستعجلون } تهديد واضح أن هؤلاء سيأتيهم العذاب لا محالة، ولكن لا يستعجلون الله - عز وجل - لأن الله تعالى يملي للظالم ويمهله حتى إذا أخذه لم يفلته، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» () وتلا قوله تعالى: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد}.
{فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون } ويل: بمعنى الوعيد والعذاب، يعني أنه يتوعدهم - عز وجل - من هذا اليوم الذي يوعدون وهو يوم القيامة؛ لأنهم سيجدون ما أرسل إليهم حقًّا، وسيجدون الذل والعار {يوم تبيض وجوه وتسود وجوه }. {ونحشر المجرمين يومئذ زرقاً }. فيكونون من بين هذا العالم - نسأل الله العافية - على هذا الوجه، ولهذا قال: {فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون } وسيكون هذا اليوم يوماً عسيراً عليهم، لأنهم كفرة والعياذ بالله.
انتهى تفسير الشيخ -رحمه الله -.