31- نال ، حصل على ( صفة ، مزيّة ، رتبة ، منزلة ) . 4
32- حافظ ( على أمر وما شابهه ) . 1
يظهر من النظر في تلك المعاني مبالغة فيشر في التفريق بينها ، حتى كأنّه عدّد المعاني بحسب ما يقع عليه الأخذ ، مع أنّ المعنى واحد لكنه مختلف باختلاف المأخوذ ، ولو أخذنا بعض الأمثلة من معانيه لأيقَنّا أنّ عدم إدراكه رجوعَ كثيرٍ منها إلى معنى واحد هو بسبب جهله بالصلة المعنويّة بينها ، وهو ما جعله يفسّر اللفظ في كلّ سياق بالنظر إلى الدلالة المكتسبة من السياق لا إلى الدلالة المكتسبة من اللفظ نفسه ، ومن تلك الأمثلة :
- المعنى السادس الذي ذكره لـ ( أخذ ) : صاد ( أسر حيواناً بريّاً ) ، واستشهد عليه بنصٍّ هو :" ثعلب في جحر إنْ أقمت عليه أخذته " ، وبنصٍّ فيه :" وقد أخذوا ذئباً فأوثقوه " ، ولا يخفى أنّ المعنى لا يخرج عن المعنى الأصلي ، وليس خاصّاً بالصيد ، وإنما جاء الأخذ هنا في سياق ذكر الصيد .
- المعنى الثامن والعشرون : ( تزوّج امرأة ) واستشهد عليه بما في البخاري :" وأخذوا غيرها من النساء " ، وبما في سنن أبي داود :" لمّا أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صفيّة أقام عندها ثلاثاً " ، وجليّ عن البيان عدم صحّة هذا التفسير ، فالأخذ هنا من المعنى الأساسي ، لكنه ورد هنا لحيازة الزوجة ، أمّا التزوّج فمكتسب من السياق والحال لا من اللفظ .
ولعل من أوضح ما ينتج عن جهل الأعجمي باللغة أنْ يضطرب في التفريق بين المعنى الحقيقي والمجازي للفظ ، وهو ما وقع فيه فيشر في نموذجه الذي قدّمه ، فمع أنّه نبّه إلى بعض المعاني المجازيّة ، إلاّ أنّه ترك معاني أخرى دون تنبيهٍ على مجازيّتها ، ظنّاً منه أنّها حقيقيّة ، ومن الأمثلة على النوعين ما يلي :
الأوّل : نبّه على المعاني المجازيّة التالية :
- أصاب ( ناساً المطر وأمثاله ) ، ومثّل عليه بما في البخاري :" أخذهم المطر " و " أخذتهم السماء " ونحوه … ثمّ قال : وهو من المجاز . ص 17
- غلب ، قهر بمعانٍ مجازيّة :
أ- خلب ، أعجب ، مثل : أخذ الثوب المزخرف القلوب مأخذه .
ب- أسكر ( الشراب ) مثل : أخذ الشراب برأسه .
ج- نوّم ، واستشهد بالآية " لا تأخذه سنة ولا نوم " ، ومثل : يأخذه النوم ونحوه . ص 15
الثاني : ذكر المعاني التالية ولم ينبّه على مجازيّتها :
- عرا شخصاً ( حركات نفسانيّة ) واستشهد عليه بمثل قوله تعالى :" ولا تأخذكم بهما رأفة " ، وفي البخاري :" فأخذتني غضبة فلطمته " ، وقول عائشة :" فأخذني ما قرب وما بعد " … وغيره . ص 16
- سحر ، ومثّل عليه بقولهم : أخذته الأُخْذة وفسّرها بالسحر.ص17
- ظَفِرت شخصاً ، وقعت عليه ( العين ، الطرف ) ، واستشهد بقول العرب : وما ظَفِرتك عيني منذ زمان أي ما رأتك … ونحو : فلم تأخذ عينه أحداً غيري . ص 17
وهو معنى مجازي لم ينبّه عليه .
واضطراب الفرق بين الحقيقي والمجازي لدى فيشر هو الذي أوقعه في هذا ، ودعاه إلى تتبّع شواهد الأخذ – على كثرتها – وتصنيفها بحسب المعاني التي تدلّ عليها هذه المادّة ، وإنْ كان ما رآه معنى جديداً هو في الحقيقة راجع إلى معنى أصليّ ، لوجود صلة بينهما لم يستطع إدراكها .
وهذا المأخذ لَحَظه عبد القادر المغربي حينما قدّم فيشر تقريره إلى المجمع ، قال عن ذلك :" والمؤلّف – وإنْ أشار إلى أنّ من المعاني ما هو حقيقي وما هو مجازي – لكنه أبهم التفرقة بين المعاني الحقيقيّة والمجازيّة إبهاماً يوقع القارئ في حيرة من تفهّم ما يقرأ … ثمّ قال : ومن تأمّل كلام المؤلّف وجده في تصنيفه لمعاني ( أخذ ) قد أقام الاختلاف في الفاعل أو المفعول أو المتعلّق سبباً لجعل الفعل الواحد فعلين ، واعتبار معناه معنيين "([34]) .
وفي بحث المغربي وقف أمام كلّ معنى من الاثنين والثلاثين ، وأبان عن المعنى الذي يدخل تحته ، واستطاع أنْ يردّها إلى ثلاثة أقسام تندرج تحتها :
± قسم لشواهد المعنى الحقيقي ، وهو إمساك الشيء والقبض عليه باليد ونحوها ، وأدخل تحته المعاني التالية بأرقامها عند فيشر ( 1 ، 9 ، 13 بعض أمثلته ، 24-28 ، 30 ، 32 )
± قسم لما جاء بمعنى الحيازة والاستيلاء والغلبة والقهر ، وهو معظم كلمات الأخذ الواردة في لغة فصحاء العرب ، وأدخل تحته المعاني التالية ( 2-8 ، 11 ، 13 بعض أمثلته ، 14-21 ، 31 ) .
± قسم يجمع ضروباً من المعاني تجوّزوا فيها عن معنى الاستيلاء والغلبة ، لكنه تجوّز في غاية الخفاء واللطافة ، وتدخل تحته بقيّة المعاني ( 10 ، 12 ، 22 ، 23 ، 29 ) .
إنْ أُخِذ على فيشر خلطه بين الحقيقي والمجازي ، فإننا ندرك عذره فيه ، حيث يكتب بلغةٍ لا تمتّ إلى لغته بصلة ، ولعلمه بصعوبة إدراك المعاني والتفرقة بينها سلك فيها مسلك المعجميّين في لغته ، حيث تُذكر المعاني مستقلّة عن بعضها ، لكنه نسي الفرق بين اللغتين ، حيث تأتي المعاني – غالباً – في العربيّة متصلة بالمعنى الأصلي للمادّة ، وإنْ ظهر للناظر أنّها معانٍ مستقلّة .
وما فعله المغربي من ردّ تلك المعاني إلى ثلاثة أقسام تندرج تحتها ، هو اجتهاد منه للإبانة عن رجوع كثير منها إلى معنى يجمعها ، لكنه اجتهاد قابل للخطأ ، فبعض ما جعله داخلاً تحت القسم الثاني هو من الثالث ، لأنّه مجاز ، مثل المعنيين ( 18 ، 21 ) ، وهو دليل على الصعوبة التي يقع فيها من أراد ردّ المعاني إلى أصولها ، ولا عجب في اختلاف اثنين في ردّ معنى واحد إلى أصله ، لأنّه يتصل بقدرة الناظر في ملاحظة الدلالات الدقيقة المتعلّقة به .
وممّا أنبّه إليه هنا وجوب عدم التكلّف في محاولة ردّ المعاني المتعدّدة إلى معنى واحد يجمعها ، وإنْ أغفل أكثر المعجميّين العرب التنبيه إلى الأصول التي تعود إليها المعاني ، فإنه أُخذ على ابن فارس تكلّفه ذلك في كتابه ( معجم مقاييس اللغة ) .
ولعلّ ناظراً لو نظر في معاني ( أخذ ) التي ذكرها فيشر لردّها إلى أكثر من ثلاثة أقسام ، ومثل ما أُخذ على فيشر مبالغته في تعديد المعاني أُخذ على المعجميّين العرب تقصيرهم في هذا الجانب ، وتركهم ملاحظتَه للقارئ .
أمّا ما طُبع من معجم فيشر التاريخيّ فبالموازنة بينه وبين ما ذكره في تقريره المقدّم إلى مجمع اللغة العربيّة – والذي سبقت دراسته – يظهر التقارب بينهما ، فكلاهما سَعَيا إلى معجم تاريخيّ للغة العربيّة ، وبالاطّلاع على مقدّمة معجمه يتّضح لنا ذلك .
قال في مقدّمة معجمه واصفاً المعجم الذي يرى أنّ العربيّة محتاجة إليه ، والذي كان معجمه تلبيةً لتلك الحاجة ، قال :" ومنتهى الكمال لمعجم عصري أَن يكون معجماً تاريخيّاً ، ويجب أنْ يحوي المعجم التاريخيّ كلّ كلمة تُدُوولت في اللغة ، فإنّ جميع الكلمات المتداوَلة في لغة ما لها حقوق متساوية فيها ، وفي أنْ تُعْرَض وتستوضح أَطوارها التاريخيّة في معجماتها ، ولكنّ المعجمات العربيّة بعيدةٌ كلَّ البعد عن وجهة النظر هذه ، إذ إنها لا تعالج الناحية التاريخيّة لمفردات اللغة ، بل تقتصر على إيضاح الاتّجاه النموذجي لها ، أعني أنّ مصنفيها إنما أَرادوا التفرقة الدقيقة بين الفصيح من العربيّة وغير الفصيح ، وذلك بوضع قانون للاستعمال الصحيح للكلمات ، ويدلّ هذا الاتّجاه - دون شكّ - على إحساس لغويّ دقيق عند اللغويّين ، ولكنه عاق القوة الحيويّة الدافعة في اللغة عن التقدّم والتوسّع " ([35]).
ويتّضح من قول فيشر السابق أنّه يرى المعجم المثالي هو المعجم التاريخيّ الذي يتتبع تطوّر دلالات الكلمة عبر العصور ، دون أنْ تكون الفصاحة شرطاً لها ، فهو يرى أنّ التفرقة بين الفصيح وغيره إعاقة للغة عن التقدّم ، إلاّ أنّه كان يدرك أنّ مراعاة فصاحة الكلمة له منافع في الحفاظ على اللغة .
أمّا ما دعا إليه في مقدّمة معجمه الخاصّ من عرض الألفاظ عند دراستها على وجهات النظر السبع : التاريخيّة والاشتقاقيّة والتصريفيّة والتعبيريّة والنحويّة والبيانيّة والأسلوبية ، فلم يدعُ إليه في تقريره الخاصّ بوضع المعجم الكبير لمجمع اللغة العربيّة .
دراسة الجزء المطبوع :
تأتي هذه الدراسة مكملة لدراسة المقدّمة ، فقد كانت تلك الدراسة للجانب النظريّ من المعجم ، وتجيء هذه للجانب التطبيقيّ منه ، مع أنّ الجزء المطبوع جاء في ثلاث وخمسين صفحة إلاّ أنّه كافٍ لإعطاء صورة مختصرة عن العمل .
وفي هذا القسم حاولت جمع ما رأيت صلاحه لأنْ يكون مثالاً على أحد الجوانب في الدراسة ، وجمعت تلك الأمثلة المفرقة في المعجم وضممت المترابط منها تحت موضوعات خاصّة تتعلّق بالمعجم العربيّ وقضاياه .
وأستعرض هنا أهمّ القضايا :
الإشارة إلى أصول الكلمات واللغات :
الغرض الأساس من المعجم التاريخيّ تتبّع التطوّرات الدلاليّة للكلمة في أقدم النصوص العربيّة المعروفة ، ثمّ في النصوص التي جاءت بعدها ، حتى آخر المرحلة الزمنيّة المحدّدة .
وبيان أصول الكلمة في لغات أخرى تنتسب إلى مجموعة لغويّة ، كاللغات الساميّة التي تنتسب إليها العربيّة لا شكّ أنّه مما يميّز المعجم التاريخيّ .
ولا شكّ في أنّ ذكر فيشر الأصول الساميّة لبعض الألفاظ مفيدٌ جدّاً في معرفة صلة العربيّة بأخواتها ، وممّا أعانه على معرفة تلك الأصول إجادته لعدد من اللغات الساميّة .
مع قصر النموذج المطبوع الذي ينتهي بـ ( أبد ) ، ومع أنّه لا يعطي الصورة الحقيقة التي كان سيعطيها العمل لو قُدّر له الفراغ منه ، إلاّ أنّه لا يخلو من إشارات قيمة تدلّ على المستوى اللغويّ الذي كان سيبلغه ، ومن تلك الإشارات ما يتعلق بأصول الألفاظ ، تظهر براعة اللغويّ بقدر إجادته اللغات الأجنبيّة ، ومن تلك الإشارات التي تدلّ على قدرة فيشر في هذا الجانب :
¨ إشارته إلى أنّ الأصل في النداء أنْ يلحق بالمنادى صوت a ( آ ) ، وهذا الصوت إلى جانب صوت o ( أو ) يوجد في كثير من اللغات الساميّة في النداء ، مثل : ياربّا ، يا غلاما ، يا أبتا ، يا بنت عمّا ، في العربيّة . ص 19
¨ إشارته إلى احتمال رجوع كلمة ( أبّ ) التي وقع الخلاف في معناها إلى ( إبّا ) من الآراميّة ، وهي ترجع إلى ( إنبو ) في اللغة الأكّديّة . ص 26
¨ بعد ذكره الخلاف في أصالة نون ( إبّان ) وزيادتها ذكر احتمال كونها – أي إبّان – أُخذت من الآراميّة كما أُخذت منها ( عِدّان ) بنفس الصيغة والمعنى . ص 27
¨ بعد أنْ ذكر الأبجديّة العربيّة ذكر أنّ الحروف ما عدا ستة منها ، وهي ( ثخذ ضظغ ) ، تقابل الحروف الهجائيّة للغتين العبريّة والآراميّة ، وتطابقها تماماً في الترتيب . ص 29
¨ قال عن ( أبد ) :" قد يكون أصل الكلمة ساميّاً عامّة ، ثمّ ذكر قرابتها من كلمات في بعض اللغات الساميّة . ص 32
الكلمات الأعجميّة :
كان لإجادة فيشر العديد من اللغات الساميّة دور في إعادة الكلمات الأعجميّة المعرّبة إلى أصولها ، وفي النماذج التالية ما يدلّ عليه :
¨ آذين : كلمة فارسيّة معناها في اللغة الفارسيّة " زينة ، زخرف " و " عادة ، رسم ، قانون " … ثمّ ذكر نصاً للطبري فيه الكلمة .
¨ آزاذَمَرْد ، آزادَمَرْد : كلمة فارسيّة معناها في اللغة الفارسيّة " أصيل ، حرّ " وذكر نصين من الطبري والجاحظ .
¨ آسمانجُونيّ ، أسمانجونيّ : نسبة إلى آسمانجون معرّبة ، وهي فارسيّة آسمان كون ، وهي مركبة من آسْمان " سماء " ، وكون " لون " ومعناها " سماوي اللون مُزْرقّ " … ثمّ استشهد بعدّة نصوص من عدّة كتب .
¨ آهندال : كلمة فارسيّة معرّبة مركبة من آهَنْ :" حديد " ، ودال :" شجرة " .
¨ آئين ، آيين : كلمة فارسيّة معرّبة ، وتأتي في الفارسيّة بمعنى " عادة ورسم وقانون " كما تأتي بمعنى " زينة " ، ثمّ ذكر معانيها في العربيّة وهي عديدة ، واستشهد بنصوص لكلّ منها([36]) .
ونستخلص من الأمثلة السابقة أنّه سلك طريقة واحدة في دراسة الكلمات الأعجميّة تنتظم النقاط التالية :
- ذكر أصلها في اللغة الأعجميّة ، نحو : فارسيّة ، أو نحوها .
- ذكر معناها في لغتها الأولى .
- ذكر معناها في العربيّة بعد تعريبها إذا اكتسبت معاني أخرى .
- نقل نصوصٍ تشتمل على الكلمة للاستشهاد بها مع ذكر مراجعها .
مصادره :
ذكر فيشر في الجزء المطبوع من معجمه قائمة بالمصادر التي أخذ منها شواهده وتعليقاته ، وسردها على الترتيب الألفبائيّ بذكر المختصر الذي يشير إلى المصدر في ثنايا المعجم ، ثمّ بذكر اسمه كاملاً ، وأحصيتها فبلغت ( 292 ) مصدراً ، ومع كثرتها إلاّ أنّها لا تعدّ شاملة لعصور العربيّة أو مواضعها أو ميادينها ، فقد ذكر أنّه سيقف عند نهاية القرن الثالث الهجري ، وهو تحديد لا يعني أنّه يرى عدم تدوين ما جاء بعد ذلك الزمن ، بل إنه نبّه إلى أنّ كلّ كلمة تُدُوولت في اللغة لها حقّ التدوين ، لكنّ تحديده القرن الثالث لغرض وضع حدٍّ زمنيٍّ لمعجمه لعدم تمكّنه من شموله جميع عصور العربيّة ، ويُلاحظ على قائمة مصادره أنّه اختارها في جُلّها من المصادر المجموعة التي حقّقها ونشرها المستشرقون دون غيرهم ، لكونها المنتشرة في زمنه ([37]).
ولكثرة مصادره فلا حاجة إلى سردها ويمكن الرجوع إلى ما ذكرته سابقاً منها ، سواء مصادره التي اعتمدها في معجمه ، أو المصادر التي ذكرها في خطّة المعجم التاريخيّ الكبير في الحديث عن أسس المعجم .
طريقته في إيراد المصادر :
سلك فيشر الطريق الأسهل في ذكره مصادره ، فكان يذكرها في وسط الكلام ، ولا يذكرها في الحاشية ، ومن الأمثلة عليه :
ذكر أحد عشر مصدراً في أحد المواضع ، مع رقم الصفحة والجزء إنْ كان ذا أجزاء ، دون ما كُرّر منها. ص 5
ذكر ثلاثة عشر مصدراً في أحد المواضع . ص 40 ، وأورد بعضاً منها لتُعرف طريقته :
" مسلم 1/ 72 / 18 مآي ( ك 1 ب 45 ) في نار جهنم خالداً مخلّداً ، فيها أبداً – المقامات 1/ 239 / شرح ت : وفي الحديث : احرث لدنياك كأنّك تعيش أبداً – الطبري ، تاريخ 1/1946/16 : وإنّ البقيّة أبداً في الشدّة ..." ص 40
أمّا عن طريقته في الرجوع إلى المصادر في المعجم فتظهر من النظر في شرحه الكلمات ، فبعد أن يذكر المعنى العربيّ للكلمة يُتبعه بشرح مختصر بالإنجليزيّة ثمّ بالفرنسيّة ، ويكون الشرح المختصر باللغتين قبل ذكر الشواهد ، ويرمز إلى الشواهد بحرف ( ش ) ، ثمّ يذكر الشواهد بمصادرها على إحدى الطرق التالية :
¨ يذكر المعنى ، ثمّ يذكر المصدر وينقل منه شرح المعنى ، مثل :
أ- ذكر من معاني ( أبَدَ ) :
الدهر الطويل غير المحدود ، الراغب ، المفردات في غريب القرآن " أبد " :" الأبد : عبارة عن مدّة من الزمان الممتدّ الذي لا يتجزّأ كما يتجزّأ الزمان ، وذلك أنّه يقال : زمان كذا ، ولا يقال : أبد كذا " . ص 37
ب- أيْبَد : نبات . المخصّص 11/63/3 – والأيبد : نبات مثل زرع الشعير سواءً ، وله سنبلة كسنبلة الدخنة ، فيها حبّ صغير أصغر من الخردل أُصيفر ، وهو مَسْمَنة للمال جدّاً ، - ل 4/36/9 : والأيبد : نبات مثل زرع الشعير سواءً الخ ... ثمّ نقل عن القاموس ثمّ التاج … ص 52
¨ يذكر المعنى ، ثمّ يذكر المصدر ، وينقل منه شواهد على المعنى ، مثل :
أ- أوابد الكلام : غرائبه .
ش . الأنباري في شرح المفضليات 179/5 ، 188/7 ، 287/12 ، 862/1 : ومنه قولهم : جاء فلان بآبدة ، أي بكلمة غريبة وحشيّة لا تُعرف ، الميداني 1/86/18 : منه قول الناس : أتى فلان في كلامه بآبدة ، أي بكلمة وحشيّة . ص 49
ب- ذكر أحد معاني ( تَأبّد ) : تأبّد وحش أو ناس : عاش في القفار .
ش . البحتري 210/13 : وحشٌ تأبّد في تلك الطلولِ
أمية 63/20 :
ربّ الأنام وربّ من يتأبّد [ أي ربّ الوحوش ]…الخ الشواهد. ص 36
¨ يذكر اللفظ ومعناه والمصدر دون أيّ نقل :
ويكون ذلك إذا لم يعثر على شواهد لمعنى أو تعبير أو كلمة وردت في المعاجم العربيّة فيكتفي بذكر المعجم([38])، ومن الأمثلة عليه :
أ- " الأبد : الولد الذي أتت عليه سنة ، القاموس " أبد " . ص 43
ب- " تأبّد الوجهُ : كَلِف ونَمش ، المجمل والقاموس والتاج " أبد ". ص 37 .
ج- " إبِل أُباثى : بروك شِباع ، القاموس " أبث " . ص 28
د- " مُؤْتَبِثَة : سقاء يُملأ لبناً ويُترك فينتفخ ، القاموس " أبث " . ص 29
المعنى الحقيقي والمجازي :
من أساليب ترتيب المادّة لدى فيشر أنْ تُقدّم المعاني الحقيقيّة على المجازيّة ، لكون الحقيقي هو الأصل ، ومن الأمثلة عليه ما يلي :
¨ في مادّة ( أَبَدَ ) ذكر له ثلاثة معانٍ :
(1- أ) أبَدت البهيمة تأبُدُ وتأبِدُ أبوداً – وكذا تأبّدت : توحّشت ونفرت …
(1- ب) من المجاز : أبَدَ الشاعر يأبِد أبوداً ، وكذا أبّدَ : أتى في شعره بأوابد ، وهي غرائب لا يُعرف معناها على بادئ الرأي …
(2) أبد بالمكان … : أقام به ولم يبرحه . ص 33
يظهر هنا تقديمه المعنى الحقيقي على المجازي ، ثمّ مجيء المجازي بعد المعنى الأوّل الذي أخذ منه ، وجاء بعده المعنى الحقيقي الثاني .
¨ ذكر من معاني ( تَأبّدَ ) :
( 2- أ ) تأبّد وحشٌ أو ناسٌ : عاش في القفار …
( 2- ب ) ومن المجاز : تأبّد بمعنى تعزّب وتبتّل عن النساء . ص 36
¨ ذكر معنيي ( أبو جاد ) :
( 1 ) ذكر أنّها صيغة أخرى لـ ( أبجد ) مع التصرّف فيها عند العرب …
( 2 ) ذكر المعنى المجازي ، وهو مجيئها بمعنى مبادئ التعليم المدرسي … ص30-32
¨ ذكر معاني ( مُؤبَّد ) وهي أربعة :
ذكر المعنيين الحقيقيين وهما :
( 1 ) مؤبّد : مُخَلّد …
( 2 ) ناقة مُؤبّدة : وحشيّة معتاصة …
ومعنيين مجازيين هما :
( 3 ) مؤبّد : للشِعْر الغريب …
( 4 ) مؤبّد : للشِعْر الأغرّ … ص 53
تنوّع مادّة المعجم :
اشتملت المادّة – ممّا اشتملت عليه – على عدد من أنواع المسائل :
¨ المسائل اللغويّة ، ومنها :
- ترتيب حرف الألف في الحروف الهجائيّة ، والإشارة إلى ترتيبات أخرى للحروف ، ووجوده في اللغات الكنعانيّة الآراميّة والعبريّة والسريانيّة واليونانيّة واللغات التي أخذت أبجديّتها عن اليونانيّة ، وكذا أشار إلى اسمه في تلك اللغات للتدليل على تقارب هذه الأسماء . ص 1
- تحت ( أبجد ) تحدّث بتوسّع عن ترتيب الحروف الهجائيّة على الترتيب الأبجدي عند المشارقة والمغاربة ، وتطابُق أكثر الحروف العربيّة في الترتيب مع حروف اللغتين العبريّة والآراميّة ، وحديثه عن أصل الخط العربيّ ، والترتيب الألفبائيّ المعروف بناءً على تقارب الحروف في الرسم ، واختلاف ترتيب المشارقة عن ترتيب المغاربة بعض الاختلاف ، وكذا ترتيب الحروف على مخارجها ، وهو ترتيب معجم العين . ص 29-30
- ذكر نوعي الألف : المتحركة والساكنة اللينة ، ومخرجيهما وآراء العلماء العرب فيهما ، والعلاقة بينهما ، والعديد من القضايا المتصلة بهما . ص 2-3
¨ المسائل النحويّة ، ومنها :
- تحدّث عن ألف الاستفهام ووجودها في الحروف الساميّة القديمة .
وذكر موقعها في الجملة ، وما يأتي بعدها من حروف العطف ، وما يحذف معها ، كألف الوصل ، وما يذكر معها كألف حرف التعريف ونحوها ، سواءٌ ببقائها أو تليينها ، وتليين همزة القطع بعدها ، مع حشد من الشواهد القرآنيّة وغيرها . ص5-6
- فصّل الحديث عن أنواع الاستفهام بالألف ، وأكثر من الشواهد كثرة جليّة ، مع تفصيله فيما يتعلق بالاستفهام من قضايا ، وذكر مصادر عديدة . ص 7-14
- أورد مجيء الهمزة حرف قسم واستشهد عليه بشواهد كثيرة . ص 15
- أورد مجيء الهمزة حرف نداء ، وأنواع النداء بالهمزة وغيرها ، وفصل الحديث عنها ، واستشهد بنصوص كثيرة عن قضايا في النداء لا يستدعيها المقام . ص 16-20
شواهده :
الاستشهاد ركن من أركان معجم فيشر ؛ ذلك لأنّه قائم على أخذ اللغة من المصادر الأولى للنصوص ، وكان – في أغلب حالاته – يميل إلى جمع كثير من الشواهد للكلمة ، بل إنه يلجأ إلى استقصاء جميع شواهد الكلمة – كما ذكر ذلك – عندما يكون الحديث عن صيغٍ نادرة .
ومن الأمثلة على إكثاره من الشواهد ما يلي :
¨ أورد مجيء الهمزة حرف قسم كالواو ، ثمّ استشهد لها بما يلي :
آية واحدة ، وثلاثة عشر قولاً متنوّعة من أقوال مفسّرين ومؤرّخين ولغويّين ونحوهم .
وستة عشر مصدراً لتوثيق ما نقل . ص 15-16
¨ أورد ( إبّان ) وفسّرها بالوقت والحين، وأورد شواهدها وهي كما يلي :
أورد حديثين ، وأربعة أبيات ، وأربعة أقوال مختلفة .
وتسعة مصادر لتوثيق ما نقل . ص 27
¨ أورد مجيء ( أبداً ) في الكلام الموجب ، واستشهد لها بما يلي :
ثلاث آيات ، وحديثين ، وسبعة أبيات ، وأربعة أقوال مختلفة .
وثلاثة عشر مصدراً لتوثيق ما نقل . ص 39-40
أمّا عن طريقته في الاستشهاد فبذكر الكلمة وشرحها ، أو القاعدة أوّلاً ثمّ الشاهد ثانياً ، ويبتدئ استشهاده بحرف ( ش ) للدلالة على الشاهد أو الشواهد .
وشواهده هي الشواهد التي استعملها اللغويّون في كتبهم ، وفيما يلي أنواعها وأمثلة عليها :
القرآن الكريم :
استشهد بآيات من القرآن في مواضع كثيرة ، وطريقته - غالباً - بالرمز إلى القرآن بحرف ( ق ) ، وبعده رقمان : الأوّل للسورة ، والثاني للآية :
¨ قال : وأمّا التركيب ( أثُمّ ) فقد ورد مرّة فقط في القرآن :" أثمّ إذا [ ما ] وقع آمنتم " (10/51) ص 5
¨ استشهد على إتيان التوبيخ في الجمل المنفيّة ، ق 12/59 :" ألا ترون أنّي أوفي الكيل " ، 36/62 :" أفلم تكونوا تعقلون " . ص 9
¨ استشهد على حذف حرف النداء في المضاف : ق 2/260 :" رب أرني " ، 5/114 :" ربنا أنزل علينا مائدة " ، 12/101 :" فاطر السموات والأرض " . ص 20
الحديث :
أولى الحديث أهميَّة كبيرة من بين شواهده ، وطريقته أنْ يذكر كتاب الحديث أوّلاً ، والأرقام التي تدلّ على موقعه من الكتاب ، ثمّ يستشهد بالجزء الذي فيه الشاهد اختصاراً ، ومن الأمثلة عليه :
¨ استشهد على جواب الاستفهام الحقيقي بالهمزة بنعم أو لا أو بل أو غيرها بحديث البخاري :" أفلا نَتّكل يا رسول الله ؟ قال : لا اعملوا…" وذكر بعده عدّة أحاديث . ص 7
¨ استشهد على حذف همزة الاستفهام بحديث البخاري :" … تعلم من تخاطب مذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة ؟ قال : لا … " . ص 13
¨ استشهد على ( آبدة ) مفرد ( أوابد ) للوحوش بجزء من حديث أم زرع :" فأراح عليّ من كلّ سائمةٍ زوجين ، ومن كلّ آبدةٍ اثنتين " . ص 46
الشعر :
جاء حظ الشعر وافراً من بين الشواهد ، فأورد أبياتاً كثيرة في المطبوع وهو صغير ، وطريقته أنْ يذكر اسم الشاعر ورقمين ، الأوّل لرقم القصيدة في الديوان ، والثاني لرقم البيت ، مثل قوله عند الشاهد الأوّل : ذو الرمة ، رقم 1/3 .
ومن الأمثلة عليه ما يلي :
¨ استشهد على حذف ألف الوصل بعد الهمزة بقول ذي الرمة :
أَستحدثَ الركبُ عن أشياعهم خبرا ؟ ص 5
¨ استشهد على المنادى المنصوب بقول عبد يغوث : ص 17
فيا راكباً إمّا عرضت فبلّغنْ
¨ استشهد على مجيء ( تأبّد ) بمعنى : تعزّب أي لا يقرب النساء بقول الأعشى :
ولا تقربنّ جارةً إنّ سرّها * عليك حرامٌ فانْكِحَنْ أو تأبّدا ص 36
النثر :
استشهد بنصوص نثريّة من شتى الكتب ، ككتب التاريخ والأدب وغيرها ، ولا شكّ أنّ نصيب هذا النوع من الشواهد أقلّ لكونه ليس من الأنواع الشائعة كالقرآن والحديث والشعر والأمثال وغيرها ، وفي هذا النوع يتبين تميّز منهج فيشر وأمثاله ممن يريد الرجوع إلى النصوص التي دونت في أيّ عصر من عصور اللغة ، ذلك لأنّ اللغويّين القدماء اقتصروا على الاستشهاد بنصوص عصور الاحتجاج ، وهو ما لم يُتحْ لهم الاستشهاد بكتب التاريخ والرحلات ونحوها من الكتب التي رجع إليها فيشر ، لأنّها دونت بعد عصر الاستشهاد ، أمّا فيشر فاتّسعت دائرة نصوص الاستشهاد لديه بحيث إنه ساوى بين الشعر والنثر في الأهميَّة .
من الأمثلة على شواهد النثر ما يلي :
¨ استشهد على الاستفهام التوبيخي بنصّ من الأغاني وهو :"…أزناً وزَنْجيّة ؟ لا والله لا أفعل". ص 8
¨ استشهد على ( آذين ) الفارسيّة بنصّ من تاريخ الطبري وهو :" … هيئوا الهرمزان في هيئته ، ووضعوا على رأسه تاجاً يدعى الآذين مكللاً بالياقوت " . ص 21
¨ استشهد بنصّ من كتاب الصولي ( أدب الكتّاب ) على ( أبو جاد ) وهو :" وقد أعرب الناس أبا جاد وسعفصاً ، فقال معاذ الهراء – يخاطب رجلاً عاب النحو والعربيّة -…" . ص 32
الأمثال والأقوال :
اعتنى فيشر بهذا النوع من الشواهد فورد في المطبوع – على صغره – عدد من الأمثال والأقوال ، منها:
¨ استشهد من المفصّل وابن يعيش بالمثل :" لا عبابٍ ولا أبابٍ " . ص 24
¨ استشهد بالمثلين من مجمع الأمثال للميداني :" طال الأبد على لُبَد " ، " خير ليلة بالأبد بين الزُبانى والأسد " . ص 38
¨ استشهد من لسان العرب بالقول :" جاء فلان بآبدةٍ " أي بداهية يبقى ذكرها على الأبد .ص 40
¨ من مجمع الأمثال ورد المثل :"إنْ لم تغضّ على القذى لم ترض أبدا " . ص 41
¨ نقل من لسان العرب :" ومن الأبديّات قولهم : لا آتيك ما بلّ بحرٌ صوفةً ، وحكى اللحياني : ما بلّ البحر صوفةً " . ص 44
¨ استشهد من مجمع الأمثال بالمثل :" بمثلي تطرد الأوابد " . ص 46
اتّضح ممّا سبق عناية فيشر بالاستشهاد لأنّ نظريّته في المعجم قائمةٌ على الأخذ من المصادر الأصيلة ، أي الكتب التي حوتْ النصوص لا من المعاجم ، ومع صغر القسم المطبوع فهو يدلّ دلالة واضحة على اعتماد عمل فيش على الاستشهاد .
ب وترجيحاته :
تميّز فيشر بالقدرة العلميّة على البحث وترجيح الآراء التي فيها خلاف ، ووصوله إلى هذا القدر دليل على استيعابه وفهمه العربيّة – في جانبها المقروء – كأحد أبنائها ، ومن الأمثلة عليه :
¨ ذكر أنّ همزة النداء لم ترد في القرآن ، ثمّ قال :" وقد يتعذر علينا أنْ نوافق الفراء الذي ذهب في تفسير الآية 39/9 :" أمّن هو قانتٌ آناءَ الليلِ " - التي قرأ بعض القراء فيها : أَمَنْ بدلاً من أَمَّنْ – إلى أنّ همزة أَمَنْ حرف نداء " ، وكأنّه هنا يرجّح بقاء الهمزة في الآية همزة استفهام في القراءتين . ص 16
¨ تفسيره ما في الطبري وهو :" ووضعوا على رأسه تاجاً يدعى الآذين مكللاً بالياقوت " ثمّ قال :" ومعناها هنا على الأرجح " زينة " . ص 21
¨ ترجيحه رواية ( لآبك ) على ( لأبَّك ) بقوله بعد ذكر الروايتين وأصحابهما :"وأفضل هذه الرواية" ص 24
¨ قال بعد أنْ ذكر ( الأبّ ) في مواضع :" ومن الأرجح أنّ ( أبٌّ ) في كلّ هذه المواضع ترجع إلى ( أبّ ) التي وردت في ق [ أي القرآن ] ، ولعلها أخذت كما أخذت كلمة ٭ אּב ( إيب’ēb ) ، אּבּוֹ ( إبّو ’ibbō ) العبريّة المتأخرة ، من اللغة الأَراميّة ، يعني من كلمة אּבּא ( إبّا ’ibbā ) ( إبّا’ebbā ) אּנבּא ( إنبا’inbā ) ومعناها ثمر وفاكهة ، وهذه الصيغ ترجع حسب الظاهر إلى (enbu , inbu إنبو ) بنفس المعنى في اللغة الأكّديّة"([39]) . ص 26
¨ بعد ذكره الخلاف في زيادة نون إبّان وأصالتها قال :" يحتمل أنّ كلمة ( إبّان ) أخذت من الآراميّة كما أخذت منها ( عِدّان ) بنفس الصيغة والمعنى " . ص 27
¨ تحدّث عن الأبجديّة العربيّة ومال إلى أنّ العرب أخذوا الخطّ عن الساميين الشماليين وخاصّة الأنباط ، وذكر أنّ الحروف العربيّة تقابل حروف اللغتين العبريّة والآراميّة عدا ستة حروف هي ( ثخذ ، ضظغ ) " . ص 29-30
¨ توقعه أنْ يكون أصل ( أبد ) سامياً ، وذكر قرابتها بعدد من الكلمات في بعض اللغات الساميّة . ص 32
¨ نقل عن المعاجم اسمين لنبات ( أَبِيْد ) و ( أَيْبَد ) ، فمنهم من ذكر الأوّل ، ومنهم من ذكر الثاني ، ونقل عن بعضهم أنّ ( أيْبَد ) تصحيف ، لكنّ فيشر أكّد أنّ الصيغة الصحيحة هي ( أيْبَد ) ، واستدلّ بأقوال بعض الرحّالة والباحثين الغربيين ، حيث ذكره فورسكال Forskal بهذه الصيغة ، كذا فلبي Philby ، ونقل عن المستشرق السويسري هس Hess أنّه نقله عن عُتَيْبِيّ بهذه الصيغة . ص 52
وفي النماذج السابقة ما يعطي دليلاً على قدرة فيشر على الترجيح .
دراسة نموذج كامل :
من تمام الدراسة اختيار نموذج لإعطاء تصوّر واضح عن عمل فيشر ، بعد دراسة أمثلة متفرقة في نماذج متعددة .
اخترت حرف الألف لدراسة ما ورد فيه ، لكونه يعطي صورة مختصرة تشتمل على جزء بصورته التي بناها عليه المؤلّف .
عرضٌ مختصرٌ لحرف الألف([40]) :
آثرت دراسة أوّل الكتاب وهو شرحه حرف ( الألف ) لتفصيله الحديث فيه ، ولاشتماله على كثير من ملامح منهجه ، وسأعرض عرضاً مختصراً لما ورد في الكتاب ، مع التعليق عند الحاجة :
أوّلاً : ذكر ترتيب الألف بين الحروف العربيّة في المشرق والمغرب ، وهو الترتيب الأوّل .
ثانياً : موقع الألف – وهو الأوّل - في الحروف الهجائيّة للغات الكنعانيّة الآراميّة ، كما تدلّ عليه اللغة العبريّة والسريانيّة ، وكذلك اليونانيّة المرتبطة بالكنعانيّة ، وكلّ اللغات التي أخذت أبجديتها عن اليونانيّة .
ثالثاً : تسميته بـ ( الألف ) ترجع إلى تسميته في اللغات الآراميّة والعبريّة والسريانيّة والأثيوبيّة واليونانيّة ، فهي أسماء متقاربة في النطق ، ذكرها بنطقها .
رابعاً : أطال كثيراً في ذكر تفصيلات عن حرف الألف ، تفصيلات تدخل في علم النحو وعلم الأصوات ، ويذهب كثير من اللغويّين إلى أنّ مثل هذه القضايا لا مكان لها في معجم لغويّ يُعْنى بشرح الكلمة باختصار بحسب غرض المعجم ، ولكنْ عند الرجوع إلى هدف فيشر من معجمه وهو أنْ يكون تاريخيّاً ، فإننا نجد العذر له في كونه أراد لمعجمه أنْ يكون شاملاً ما يتعلق بالكلمة من جميع النواحي السبع التي ذكرها ( التاريخيّة والاشتقاقيّة والتصريفيّة والتعبيريّة والنحويّة والبيانيّة والأسلوبيّة ) ، ومن التفصيلات التي أوردها ما يلي :
أ- نوعا الألف :
الأوّل : المتحركة – التي تكتب مع همزة – ومخرجها من لسان المزمار ، أي من الحلق ، وذكر أنّ هذا رأي فقهاء اللغة العرب .
الثاني : الساكنة اللينة – التي تكتب ألفاً ممدودة أو مقصورة – عرفها بأنّها علامة مد لحركة الفتح ، وذكر أنّها من حروف المد وحروف اللين والعلة ، وذكر أنّها مجهورة ومن حروف الزيادة .
ذهب إلى أنّ المتحركة أقدم من الساكنة التي كتبت فيما بعد ، وعلاقتها بها كعلاقة الواو والياء المتحركتين .
ذكر أنّ المبرد أخطأ في عدم ذكره الألف من حروف المعجم حيث أسقطها لعدم ثباتها على صورة واحدة .
ذكر نوعي الألف وهما : ألف القطع وألف الوصل .
ب- خصّ ألف الاستفهام بحديث ذكر فيه ما يلي :
1- حرف من الحروف الساميّة القديمة ، وذكر مقابله في العبريّة ، وأشار إلى وجوده في كلّ اللهجات الآراميّة اليهوديّة .
2- موقعها في أوّل الجملة الاسميّة ، ومجيئها قبل حروف العطف ( و ، ف ، ثمّ ) ، وذكر شواهد من القرآن الكريم والشعر والنثر .
3- حذف ألف الوصل بعد همزة الاستفهام ، وذكر شواهد من القرآن والشعر والنثر.
4- تليين همزتي الوصل والقطع بعد همزة الاستفهام ، وذكر شواهدهما.
5- نوعا الاستفهام اللذان تعبّر عنهما ألف الاستفهام :
أ- استفهام حقيقي ، وذكر شواهده .
ب- استفهام بياني – وهو ليس استفهاماً حقيقياً ، وإنما إخبار – وذكر حالاته :
- للتوبيخ والتقريع ، ويكون للجملة معنى موجب ، على أنّ لها معنى مقدّراً يُراد به عكس منطوقها .
- توبيخي للإنكار ، وتكون الجملة للتقرير ، أي ليس بها نفي .
- للتهكم والاستهزاء .
- للتعجيب والتشويق إلى استماع ما بعده .
- للأمر أو العرض أو التحضيض .
- التوبيخ والإنكار الاستفهاميان في صيغة المضارع المرفوع المنفي .
وذكر الزيادات الصوتيّة التي تلحق آخر الاستفهام الإنكاري مثل : أزيدُنيه ، أعُمَروه ، وقد فصل الحديث فيه وذكر شواهد عديدة .
خامساً : حذف حرف الاستفهام مع بقاء الاستفهام ونغمته ، مع ذكر شواهده .
ذكر الفرق بين الاستفهام غير المعمول فيه والاستفهام المعمول فيه في أهمّ اللغات الغربيّة ، أمّا العربيّة فلا وجود للاستفهام المعمول فيه حيث إنّ ألف الاستفهام تمنع أنْ يعمل ما قبلها فيما بعدها .
سادساً : ذكر نوعين آخرين للهمزة وشرحهما بالتفصيل ، وهما :
أ- حرف القسم ( أ ) .
ب- حرف النداء ( أ ) .
وفصّل القول فيهما واستشهد لهما .
إنّ هذا النموذج يعطي صورة تقريبيّة عن معجم فيشر الذي كان يسعى إلى إنجازه ، وهو وإنْ لم يكن مماثلاً في المادّة لبقيّة المعجم ، إلاّ أنّه يقدّم خير مثال على المعجم المراد ، مع عدم خلوّه من مآخذ ، ككثرة القضايا النحويّة فيه مثل كثرة أنواع الهمزة ، وتفصيل فيشر الحديث عنها ، ولو قُدّر لأجزاء أخرى الظهور لأعطت صورة أكثر وضوحاً .
لأهميَّة هذا المعجم آثرت إجراء موازنة بينه وبين المعجم الكبير الذي يصدره مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة ، فلاحتمال تأثّره بمعجم فيشر ؛ لكون فيشر وضع خطّةً للمعجم التاريخيّ الكبير وقدّمها إلى المجمع ، لاحتمال تأثّره به تأتي أهميَّة الموازنة بينهما لإبراز جوانب الشبه إنْ وُجدت .
موازنة بين معجم فيشر والمعجم الكبير :
من المعلوم أنّ فيشر وضع خطّةً للمعجم الكبير ، قدّمها إلى مجمع اللغة العربيّة مع نموذجٍ من معاني مادّة ( أخذ ) ، ومضى زمنٌ طويلٌ بعد موت فيشر عام 1949م وانقطاع العمل في معجمه ، ثمّ ظهر الجزء الأوّل من المعجم الكبير عام 1970م ، أي بعد موت فيشر بإحدى وعشرين سنة .
وكان فيشر أهدى جزازات معجمه إلى المجمع للاستفادة منها في صنع المعجم الكبير والمعاجم الأخرى .
ويحقّ لنا التساؤل عن الشبه بين المعجمين ، وما أثرُ فيشر في المعجم الكبير ؟ .
أسئلةٌ عديدةٌ تبرز عند ذكر المعجمين ، ولكي تتّضح لنا الصورة المطلوبة سأوازن بين بداية كلٍّ منهما لمعرفة وجوه الاتفاق والاختلاف بينهما .
وممّا يجدر التنبيه إليه هنا أنّ المعجم الكبير لم يُرِد به المجمعُ أن يكون المعجمَ التاريخيّ الذي كان المجمع يسعى إلى صنعه ، وإنما جعلوه تلبيةً للحاجة الملحّة إليه ، مع عدم تمكّنهم من إخراج معجم فيشر لنقصه ، وعدم تمكّنهم من إخراج المعجم التاريخيّ المنتظر لأنّه يحتاج إلى أعمال تمهيديّة لم يُبدأ بها بعد([41]) ، والموازنة بين المعجمين مفيدة في معرفة وجوه الشبه بينهما .
المعجم الكبير([42]) :
فيما سبق من الأوراق عرض مختصر عن حرف الهمزة في معجم فيشر ، ولكي تتّضح وجوه التشابه والاختلاف بين المعجمين أعرض بداية المعجم الكبير عن حرف الهمزة لنلاحظ العلاقة بينهما :
بدأ واضعو المعجم بحرف الهمزة وذكروا أنّ المبرّد لا يعدّها في الحروف لعدم التزام صورةٍ لها ، حيث تكتب ألفاً وواواً وياءً ، بحسب موقعها ، ورجّحوا أنّها من حروف الهجاء لثبوتها في النطق ، أمّا تغيّر صورتها فبسبب تخفيفها .
وذكروا عدّة مسائل عن الهمزة أهمّها :
± وقوعها في أوّل الكلمة ووسطها وآخرها .
± القدماء عدّوها مجهورة تخرج من أقصى الحلق ، وعدّها بعض المحدثين مهموسة شديدة تخرج من الحنجرة .
± ذكروا قسميها للوصل والقطع ، مع الفرق بينهما .
± ذكروا أقسامها : الأصليّة والزائدة والمبدلة من ألف زائدة ، وذكروا إبدال الهمزة هاءً عند بعض العرب .
± مجيئها لنداء القريب ، والاستفهام ، وتأتي للاستفهام مع كونها عوضاً من حرف القسم مثل : آللهِ أكرمت أخي ؟ .
± الهمزة الممدودة تأتي لنداء البعيد أو القريب على قولين .
حينما نوازن بين ما كتبه فيشر في بداية معجمه ، وما جاء هنا في المعجم الكبير نجد الفرق كبيراً ، ففيشر أطال كثيراً في حرف الألف وأقسامه – سبق ذكر ذلك في العرض السابق قبل هذه الموازنة – أمّا الكبير ففيه اختصار واقتصار على مسائل أساسيّة .
المداخل في المعجمين :
بلغت مداخل فيشر للمبدوء بهمزةٍ ممدودة اثني عشر مدخلاً ، كما يلي :
ستةٌ لعدد من الأدوات والأصوات ، هي : ( آ ) حرف الاستفهام ، ( آ ) حرف النداء ، ( آءٌ ) وأحال فيها إلى مادة ليست في المطبوع ، ومثلها المداخل التالية دون تفسيرها ، ( آحِ ) ، ( آهْ ، آهِ ، آهٍ ، آهاً ) في مدخل واحد ، ثمّ ( آيْ ) .
وستةٌ لكلمات أعجميّة معرّبة ، لكنّها وردت عند العرب القدماء ، وأورد عليها نصوصاً من كتب عربيّة متقدّمة ، منها اثنان لنباتين ، وأربعة لمعانٍ عامّة .
وبلغت مداخل المعجم الكبير لما بُدئ بهمزة ممدودة ثلاثةً وستين مدخلاً على النحو التالي :
ستة وعشرون مدخلاً لكلمات معرّبة ، وباقيها عربيّة ، وجميع المداخل - بالمعرّب والعربيّ - تقع تحت أنواع مختلفة :
ثلاثة عشر مدخلاً لأعلامِ أشخاص .
ثلاثة عشر مدخلاً لأعلامِ مواضع .
ستة مداخل لنباتات .
وبقيّتها لموادّ لغويّة أخرى .
يتّضح ممّا سبق الاختلاف في العدد بين المعجمين ، وهو دليل على تفوّق المعجم الكبير في الحجم على معجم فيشر ، لكنّ أكثر المداخل في المعجم الكبير لا تدخل – عند كثير من الباحثين – في الموادّ اللغويّة ولا يحتاج إليها المعجم كأعلام الأشخاص والمواضع وأسماء النباتات .
ويتميّز معجم فيشر بمنهجه التاريخيّ في تتبّعه الكلمة في النصوص الواردة في مصادره لتتّضح تطوّرات المعنى .
أمّا المعجم الكبير فلا يعتني بهذا الجانب ، ولذا فشواهد فيشر منها آيات قرآنيّة وأحاديث وشعر ونصوص نثريّة من كتب أدبيّة وتاريخيّة وغيرها ، أمّا شواهد المعجم الكبير فتقتصر على القرآن والحديث والشعر والأمثال ، أمّا النصوص النثريّة فلا وجودَ يُذكر لها ، لعدم عنايته بتتبّع المعنى .
الأعلام في المعجمين :
وأعني بالأعلام أعلام الأشخاص والمواضع وما يشابهها .
أمّا معجم فيشر فلا نكاد نلحظ إكثاره منها ، أمّا المعجم الكبير فبالغ واضعوه في تعديد الأعلام ، وسبق بيان عدد أعلام الأشخاص والمواضع في الهمزة الممدودة ، وهو ستة وعشرون علماً ، وممّا يُلاحظ عليه إيراده أعلاماً أعجميّة مثل :
آدم سميث : فيلسوف اقتصادي اسكتلندي .
فهو شخص غربي لا مكان له هنا .
آريوس : صاحب نحلة ( عام 336 ) .
فهو أعجميّ قبل العربيّة ، ولم يُستعمل فيها .
آريوسية : اسم النحلة … ولم يبق لها أثر بعد القرن الرابع الميلادي .
ما الحاجة إلى ذكرها هنا ما دامت لم تنتقل إلى العربيّة ، ومكانها في موسوعات الأعلام .
الآريّ : في السنسكريتيّة آريا … : النبيل العريق : ذكروا أنّه أطلق في الهند قبل الميلاد على الطبقات الرئيسة الثلاث …
ويتّضح أنّ الكلمة لا صلة لها بالعربيّة لأنّ معناها خاصّ بمعنى أعجميّ .
وسأستعرض هنا مادّة ( أبد ) بمشتقاتها في المعجمين ، لتكون الموازنة في مادّة محدّدة :
مادّة ( أبد ) :
أَبَدَ : اتّفقا في ذكر معانيه الثلاثة : التوحّش ، والإقامة وطول المدّة ، والإغراب .
أَبِدَ : اتّفقا في ذكر معنييه : التوحّش ، والغضب .
أَبّدَ : اتّفقا في ذكر أربعة معانٍ : تنفير الدابة ، مجيء الرجل بآبدة ، وهي الأمر العظيم ، والإغراب ، وتخليد الشيء .
وزاد الكبير معنىً هو : التوحّش للحيوان … 1/25
تَأبّدَ : اتّفقا في ذكر أربعة معانٍ : أقفر المنزل ورعته الأوابد ، عاش في القفار ( للناس والبهائم ) ، تعزّب وقلّ إربه في النساء ، كَلِف ونَمِش الوجه .
وزاد الكبير : طال الزمان وامتدّ . 1/26
اتّفقا في ترتيب المشتقات السابقة ، ثمّ اختلفا بعدها ، وسأورد البقيّة على ترتيب فيشر مع ذكر ما في الكبير :
إبْد : أحال على ( إبِد ) وفي موضعها ذكر ( أَبِد و إبْد ) لغتين فيها ، وكذا الكبير ، ذكر فيشر معنى الكلمات الثلاث للأمة والفرس والناقة بمعنى وَلود ضانِئة ، أي تلد كلّ عام ، وذكر لـ ( أَبِد ) وحدها المعاني التالية : حمار الوحش المستنفر ، الرجل المتوحّش ، المنزل القفر .
أمّا الكبير ففسر ( الإبْد ) و ( والإبِد ) بـ ( الأبِد ) 1/29 ، ولكنّه لم يفسر (الأبِد ) ولم يجعل له مدخلاً .
أَبَد : اتّفقا على ثلاثة معانٍ : الدهر مطلقاً ، الدهر الطويل غير المحدود ، الولد الذي أتت عليه سنة .
وزاد فيشر معنى رابعاً هو : ذو ( ذات ) أَبَد أي دائم ( دائمة ) نقلاً عن لين ، واستشهد بقول عبيد بن عمير :" الدنيا أَمَد ، والآخرة أَبَد " وفسر ( أبَد ) بذات أبد ، وهو تفسير غير صحيح ، فالمعنى دلالته على الدهر الطويل غير المحدود ، ولا حاجة إلى وضع معنى جديد لها ، فتفسيره لها بالدوام داخل في دلالتها على الدهر الطويل غير المحدود .
أَبِد ، إبِد : سبق ذكرهما مع ( إبْد ) .
إبِدَة ، أبِدَة : أحال على ( إبِد ) ، وهو أراد به ما سبق ، أي أنثى ( إبِد وأبِد ) .
أبَدِيّ : فسّره فيشر ص 44 بـ : دائم لا ينقطع ، ولم يذكره الكبير لأنّه صيغة قياسيّة ، فهو نسبة إلى ( أبد ) ، وهو الدهر الطويل غير المحدود ، فلا حاجة إلى فصله بمدخل ، ولعل ما دعاه كونُه أصبح كالمصطلح ، فذكر أنّه كثيراً ما يرد في كتب علماء الدين والفلاسفة المتأخرين .
أبَدِيّة : ذكر فيشر لها معنيين : ديمومة لا تنقطع ، الأبَدِيّات ، وهو جمع : اصطلاح لأقوال سائرة تعبّر عن معنى ( أبداً ) .
أمّا الكبير فجعل المعنى الأوّل تحت المفرد في مدخل خاصّ ، وجعل الجمع في مدخل آخر بتفسيره . 1/29
آبِد : ذكرها فيشر اسم فاعل للفعل ( أبَدَ ) ، وعدّد المعاني ، وهي داخلة في معنى اسم الفاعل ، وهو قياسي فلا حاجة إلى جعله مستقلاً ، وكان الأولى ذكره مع فعله ، وأطال في ذكر شواهدها .
والمعنى الأخير الذي ذكر لـ ( آبِد ) : ممتاز ، واستشهد عليه بشواهد ، وهذا المعنى ليس جديداً ، وإنما هو داخل في معنى : غريب لا ممتاز .
أبِيد : أحال إلى ( أبَد ) ، حيث وردت ( أبيد ) لتوكيد ( أبَد ) .
أبُود : وحشيّ ، مبالغة ( أبِد ) ، واستشهد له ، ولم يذكره الكبير .
أيْبَد : نبات ، وذكر صورة أخرى هي ( أبِيد ) عند بعض العلماء ، ثمّ رجّح ( أبيد ) اعتماداً على عدّة أدلّة ، أمّا الكبير فجعل ( أبيد ) للنبات مدخلاً مستقلاً ، ولم يذكر ما ذكره فيشر .
مُؤبّد : ذكر معنييها : مخلّد أي دائم ، وناقة مؤبّدة : وحشيّة معتاصة ، ومعنيين مجازيين : شِعْر غريب ، شِعْر أغَرّ : أي مشهور .
ولم يذكر الكبير من المعاني الأربعة إلاّ الأوّل فقط ، وزاد معنى لم يذكره فيشر للمؤنث ( مُؤبّدة ) للعقوبة الدائمة مدى الحياة . 1/30 ، وهو معنى حديث .
مُتَأبِّد : ذكر مرادفتها لـ ( آبِد ) وهو الوحش يلزم البيداء ، مستوحش ومستنفر عن الناس ، والمعنى الآخر : راهب .
وهذا المدخل لم يذكره الكبير .
وممّا زاده المعجم الكبير على مداخل فيشر ما يلي :
أَبَّدة : بلدة بالأندلس … 1/27
الأبَدان : الإصباح والإمساء ( عن ثعلب ) . 1/29
مَأْبِد : موضع . 1/29
يتّضح ممّا سبق وضوح العلاقة بين المعجمين ، والتقارب بينهما في ذكر المعاني ، وأغلب الظنّ أنّ واضعي الكبير استعانوا بجزازات فيشر التي أهداها إلى المجمع ، وكان من الاقتراحات التي طُرحت للاستفادة منها أنْ يُستعان بها في وضع المعاجم التي يصدرها المجمع .
وممّا يرجّح استفادة واضعي الكبير من معجم فيشر أو جزازاته اتّفاقهما في عدد من الموادّ – وسبق بيانه – واتّفاقهما في بعض الآراء التي رجّحها فيشر .
كما أنّ بعض الأعضاء نظروا في معجم فيشر ومآله ، فطرح أحمد الزيات العلاقة بين المعجم الكبير ومعجم فيشر للتساؤل ، ورأى توحيد العملين في عمل واحد إذا كان ممكناً ، وذهب إلى أنّ الطريق للتوحيد بينهما يتمثّل فيما يلي :
أ- مزج طريقة المعجم الكبير بطريقة فيشر القائمة على وجهاتِ نظرٍ سبع .
ب- إدخال الزيادات التي انفرد بها فيشر في المعجم الكبير .
ج- ترتيب الجزازات وإكمالها والاستفادة منها .
د- تسجيل ذلك في مقدّمة المعجم والتنويه بمجهود فيشر .
وتداولوا حول رأي الزيات ، وانتهوا بالموافقة على اقتراحات اللجنة([43]) .
أثر فيشر على المعجميين العرب في دعوتهم إلى صناعة معجم تاريخي :
من المعاجم التي سلكت المنهج التاريخي في معالجتها الألفاظ معجم أكسفورد ، وهو أسبق من معجم فيشر ، بل إنّ فيشر نفسه كان متأثّراً بغيره في صناعة معجمه ، سواءً كان تأثّره بمعجم أكسفورد ، أم بالمستشرق ف. هيرديكن ، أم المستشرق توربيكه ، على ثلاثة آراء سبق ذكرها في بداية الدراسة .
أمّا من دعا إلى اقتفاء أثر فيشر في صناعة المعجم فهم كثير ، فقد أصبح المثل الأعلى في صناعة المعجم ، ورأى العديد منهم أنّه المعجم الذي يلبّي الحاجة القائمة ، يستوي في هذه الدعوة بعض المستشرقين الذين أُعجبوا بمعجم فيشر فتبنّوا الدعوة إليه ، ومن دعا من العرب إلى صناعة معجم تاريخيّ للعربيّة ، تأثّراً بمعجم فيشر .
ويبدو أثر معجم فيشر جليّاً لكونه بالعربيّة ، لكنّنا لا نغفل أثر معجم أكسفورد على بعض الباحثين الذين درسوا علوم اللغة في الغرب .
ومع أنّ التأثر بمعجم فيشر مستمرّاً لكني سأذكر بعض أوائل من دعا إلى وضع معجم تاريخيّ :
¨ إسماعيل مظهر :
كان يعمل في مجمع اللغة العربيّة بالقاهرة ، حينما نقل فيشر جذاذات معجمه إلى المجمع للعمل فيه ، بعد أنْ نال الموافقة عليه من المجمع ، واختاره فيشر ليعمل معه ، مع عدد من الباحثين لقراءة الكتب وجمع غريب الألفاظ ، وجمع الشواهد في جذاذات خاصة .
ولمدة عامين أشرف إسماعيل مظهر على هذا العمل ، إلى أنْ سافر فيشر إلى ألمانيا في صيف 1939م ، ولم يعد لأنّ الحرب العالميّة الثانية قامت ، وبقي في ألمانيا إلى أنْ مات .
وعمل إسماعيل مظهر في مشروع فيشر له أثر كبير في اقتناعه بحاجة العربيّة إلى معجم تاريخيّ ، لكنّ أثر معجم أكسفورد يظهر جليّاً في البحث الذي أعدّه بعنوان ( القواعد الأساسيّة في تأليف معجم لغويّ تاريخيّ )([44]) ، وقدّمه إلى لجنة المعجم في مجمع اللغة العربيّة في سنة 1939م ، ثمّ نشره عام 1945م ، وقد استخلص القواعد التي ذكرها من مقدّمة معجم أكسفورد ، وهو دليل على أثر هذا المعجم على إسماعيل مظهر .
ثم نشر بحثاً آخر يحمل الدعوة نفسها ، بعنوان ( اللغة العربيّة وحاجتها إلى معجم لغويّ تاريخيّ )([45]) ، وعلّل دعوته باقتصار المعاجم العربيّة على المعاني الحقيقيّة دون المجازيّة أو الجديدة ، وذكر أنّه وقع لكثير من اللغات الحيّة ما وقع للعربيّة .
وذكر ما حدث للإنجليزيّة ومعاجمها ، فقد اقتصرت المعاجم في بداياتها على جمع المفردات الغريبة دون ما هو معروف ، ثمّ سلك الأديب ( جونسون )