منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى متيجة هو منتدى ترفيهي علمي بامتياز هنا تجد كل ما تريده من تطبيقات و سريالات و العاب و فتاوة في الشريعة الاسلامية و تفسير القران و كل ما نستطيع توفيره من كتب علمية .ادبية .انسانية. وعلوم شرعية .بحوث الخ. ويوجد منتدى للفيديو يوتوب ونكت ..الخ وحتى الان
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 المعجم المجهول والفصاح المظلومات ـــ هشام النحاس

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نائب المدير
الادارة العامة
الادارة العامة
نائب المدير


عدد المساهمات : 2120
نقاط : 7058
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 06/04/2010

المعجم المجهول والفصاح المظلومات ـــ هشام النحاس Empty
مُساهمةموضوع: المعجم المجهول والفصاح المظلومات ـــ هشام النحاس   المعجم المجهول والفصاح المظلومات ـــ هشام النحاس Emptyالثلاثاء يونيو 22, 2010 12:56 am

ما المعجم العربي؟ ومن يهتم به؟!.‏

من شاهد التلفاز واستمع إلى موضوع: لغة الحاسوب في بعض برامج الدكتور آغا القلعة والجمعية السورية العلمية للمعلوماتية، فإنه يتعجب من صرخات العاتبين على وصف العربية باللغة العلمية المرنة المناسبة لعصر المعلوماتية والمطواعة للحواسيب... على الرغم من شعوره بخشية هؤلاء العاتبين وتخوفهم من إثارة أنصار (القاموس المحيط) أو أشباهه من (تاج العروس) وغيره، من مثل هذه الأقاويل:‏

وما أشك أن إخواننا من الكتّاب والمثقفين والعلماء، يعرفون أن عدد المعاجم- أو المعجمات كما يجمعها بعض علماء النقد اللغوي- من مؤلّفات التراث العربي القديم فقط، قد بلغ ألفاً وخمسمائة معجم، كما ورد في كتاب: ((معجم المعاجم)). الصادر عن مكتبة لبنان سنة 1989م من تأليف: أحمد الشرقاوي إقبال.‏

فإذا أضفنا مؤلفات المعجميين والعلماء واللغويين في عصر النهضة وفي عصرنا فلنذكر قول مؤلف منهم(1): (المعجم يُبدأ به ولكن لا يُنتهى منه).‏

وعشاق (الفيروزا بادي) المكتفون به وحده والذين كانوا السبب في إطلاق اصطلاح (القاموس) على كل معجم إطلاقاً مما جعل المجامع اللغوية ذاتها تقبله وتتخذ القرار بقبوله؛ على الرغم من أنها لفظة فارسية الأصل، ومعناها الأصلي (البحر). وقد اتخذه الفيروزابادي اسماً علماً على معجمه ليميزه من معجم الصاحب بن عباد قبله وكان الصاحب بن عباد المتوفى سنة 385هـ و 995م قد اتخذ لمُعْجَمِه الذي اتّهم بالضعف ونقص الثقة بهِ؛ اسم (المحيط). فجاء بعده ابن سِيْدَه (ت. سنة 458هـ و 1066م) يسمي معجمه: (المحكم والمحيط الأعظم). هذان وغيرهما ممن سبقوا مؤلف (القاموس المحيط) إلى تسمية معجمهم باسم البحر المحيط.‏

يُذكر أن وفاة مجد الدين الفيروزا بادي سنة 817هـ و 1415م. وقد فاقت شهرة (القاموس) شهرة أي معجم قبله ولقي من المؤلفين وعلماء النقد اللغوي اهتماماً كبيراً، ومنهم محمد بن مصطفى داود زادة من علماء القرن الحادي عشر الهجري في مخطوطه: (الدر اللقيط في أغلاط القاموس المحيط) وقد عرّفنا بهذا المخطوط د. إبراهيم السامرائي في مجلة المجمع العلمي العراقي وفي المجلد الثاني عشر الصادر في سنة 1965م، أما أشهر المطبوعات في تتبع هنات القاموس المحيط فهو (الجاسوس على القاموس) لأحمد فارس الشدياق سنة 1299هـ و 1881م في مطبعة الجوائب في استانبول ويقع في زهاء 700 صفحة من القطع الكبير(2).‏

وفي مطلع عصرنا كتب أحمد تيمور في مجلة المجمع اللغوي ما بين سنة 1334هـ و 1343هـ متتبعاً العثرات والأوهام التي يراها في كل من (القاموس المحيط) و (لسان العرب). وتجد ترجمة أحمد تيمور في أعلام الزركلي 1/95.‏

ترجم (القاموس المحيط) في إيطالية إلى اللغة اللاتينية في سنة 1632. شرح (القاموس...) وعقب عليه محمد مرتضى الزبيدي في أوسع معجم عربي هو (تاج العروس من جواهر القاموس) وقد طبع بعد قرن واحد من تأليفه أي سنة 1307هـ و 1889م واستغرقت طباعته عشرين عاماً ويطبع هذا (التاج...) الآن في وزارة الثقافة الكويتية طبعة علمية فنية محققة ومدقق فيها وموضحة.‏

وفي سنة 1869 وضع "بطرس البستاني" معجمه المؤسس على (القاموس...) وسماه (محيط المحيط). ثم اختصره للطلاب في (قطر المحيط).‏

وانتقد البستانيَّ في (محيط المحيط) الأبُ أنستاس ماري الكرملي (من سنة 1883 إلى 1938) ثم جمع انتقاداته هذه في (المعجم المساعد).‏

ولعل كثرة المخطِّئين والمنتقدين والمشتغلين بهذا (القاموس المحيط) قد أسهمت في زيادة شهرته.‏

وكذلك معجم لويس معلوف (المُنْجِد) الذي كانت طبعته الأولى سنة 1908، لقي من المخطّئين والمنتقدين ما أشهره وجعل طبعاته تتعدد أكثر من أي معجم عصري آخر؛ حتى إنني وجدت من يسمي أيّ معجم (منجداً)؛ كما سمَّوا قبله أي معجم قاموساً.‏

وقد لا يُعرف أن المعلوف مسبوق إلى اسم (المنجد)؛ فإن لعلي بن الحسن الهنائي المشهور بأبي الحسن كُراع النمل ت. سنة 309هـ و 921م. عدة مؤلفات لغوية يحمل أحدها اسم (المنجد).‏

ولذلك أتمنى على سادتنا العلماء الأجلاء الذين يفرون من (معجم فصاح العامية)، بالسكوت والتجاهل والتباعد عنه والنجاة إلى موضوع تفانيهم في خدماتهم الجلّى من أجل اللغة والأمة، أن يتفضلوا علي وعلى كل من بحث في فصاح العامية بالتشهير وافتضاح العيوب العلمية والسقطات الموضوعية لهذه البحوث وأمثالها؛ ورحم الله امرأً أهدى إليّ عيوبي:‏

لئن ساءني أن نلتني بمساءة * * * * * لقد سرني أني خطرت ببالك‏

مصادري ومراجعي في توثيق (فصاح العامية)‏

اعتمدت في بحثي كما اعتمد أغلب الباحثين قبلي في فصاح العامية أو تفصيحها على أوثق المصادر والمراجع ومنها:‏

(معجم مقاييس اللغة) لأحمد بن فارس (ت. سنة 395هـ و 1005م). و (لسان العرب) لمحمد ابن مكرم بن منظور الأنصاري (ت. سنة 711هـ و 1311م).ومحمد مرتضى الزبيدي (ت/ 1205هـ و 1790م) وهو شارح القاموس والمستدرك عليه بالتعقيب في (تاج العروس...)، وعلى (أساس البلاغة) للزمخشري ت. سنة 538هـ و 1144م، و (المصباح المنير) للفيومي ت. سنة 770هـ و 1368م.‏

ومن المحدثين كنت أقبل على معجم مجمع القاهرة (المعجم الوسيط) ط1 سنة 1960، ثم ط2 سنة 1972م. وأوسع منه معجم (متن اللغة) للشيخ أحمد رضا العاملي وقد طبع في خمسة مجلدات في بيروت 1958- 1965 بعد وفاة مؤلفه.‏

ومن قبله أمثال (محيط المحيط) للبستاني ت. سنة 1883 و (الكليات) للكفوي (ت. سنة 1094هـ و 1683م) وقد طبعته في خمسة مجلدات وزارة الثقافة بدمشق من سنة 1981 إلى 1983م، وهي طبعة ثامنة لهذا المعجم. وموسوعة (المعجم) التي أصدر منها الشيخ عبد الله العلايلي ت. 1997 أربعة أقسام في بيروت 1954 وتوقف قبل إنهاء حرف الألف. ثم انصرف إلى تأليف معجم (المرجع).‏

وفي المعاني كنت أرجع إلى: كنز الحفّاظ في تهذيب الألفاظ لابن السكيت (ت. سنة 243 أو 246هـ و 858م) وقد هذبه "الخطيب التبريزي" (ت. سنة 502هـ و 1109م) وضبط طبعهُ الأب لويس شيخو (1896-1898م).‏

ولم آلُ جهداً في مراجعة (العين) للخليل حين كانت تتاح لي (ت. سنة 170هـ و 786م) و(الجمهرة) لابن دريد (ت. سنة 321هـ و 933م)، و (تاج اللغة وصحاح العربية) للجوهري (ت. سنة 393هـ و 1003م)، و(التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة... للجوهري) للصغاني أو الصاغاني (ت. سنة 650هـ و 1252م)، و قد طبعه مجمع القاهرة سنة 1970-1979 في ستة مجلدات. و (النهاية في غريب الحديث والأثر) لابن الأثير الجزري (ت. سنة 606هـ و 1210م)، وغيرها كثير مما أشرت إليه في موضعه من (معجم فصاح العامية).‏

علم القاموس والمعجم‏

لست أقصد إلى الإدهاش أو الادعاء أو الدعوة إلى وضع علم يضاف إلى العلوم الوضعية... أو...‏

وإنما أنا أشعر وأفكر مع من يشعرون بأن للمعجم العربي قضيته التي لا بد من التفكير فيها والإجابة عن السؤال: لماذا؟ مادام علماء العرب من أوائل واضعي المعاجم وكتب اللغة، وتعدّ مؤلفاتهم الأقدم والأوسع والأكثر والأكبر والأعمق والأدق والأقوى من بين المؤلفات اللسانية والمكتبات اللغوية للإنسان في شتى عصوره؛ ومع هذا فجمهور المثقفين العرب هم الأكثر إهمالاً من بين من أهملوا استعمال المؤلفات اللغوية؛ وقعدوا يتشكون من لغتهم المعقدة والصعبة التحصيل، ومن بحرها الذي لا يسلم فيه أمهر الملاّحين مهما ضبطوا ودققوا وتدربوا...‏

فهل شكا مثل هذه الشكوى أولئك المستشرقون الأجانب الذين اندفعوا إلى الإسهام في حركة تطوير المعجم العربي فكان منهم:‏

- المستشرق الإنكليزي إدوارد لَيْن E. W. Laine المتوفى سنة 1876. ألفّ معجماً عربياً ضخماً في ثمانية مجلدات (ترجمته في أعلام الزركلي جـ1/ 273) واسم معجمه (مدّ القاموس).‏

- والهولندي دوزي R. P. A. Dosy ت 1883 ألف معجماً يستدرك فيه على ما أهملته المعاجم العربية. طبع في ليدن بهولندة وترجم إلى العربية وعنوانه: (تكملة المعاجم العربية) أو (مستدرك المعجمات).‏

- والألماني فيشر A. Fischer ت. 1949، اهتم بالتطور التاريخي للألفاظ العربية وأصول بعضها في اللغات السامية أو العربية القديمة، في مخطوط معجم أودعه مجمع القاهرة الذي ما يزال يفكر في المجهودات التي يجب أن تبذل في تحقيقه قبل إعداده للطبع.‏

بعضنا يتناسون البديهيات وبعض الكليات ونحن في قمة حماستنا للتفاصيل الكثيرة المعقدة من قضايا الفكر؛ فنغفل عن بعض الأسباب الأساسية لتخلف أجيال من أجيالنا؛ فكرياً، وارتباطه بتخلفهم لغوياً...‏

ولذا نجد من يسخر منا حين نطالب هؤلاء الذين لا يستعملون (المعجم) في تعاملهم اللغوي... كأن صحة الفكر ليست من صحة اللغة. وكأن دقة اللغة لم تبق عادة اجتماعية راقية، وكأننا لا ندرك أن اللغة هي الأداة الفكرية الوحيدة في ترقية النفس البشرية وصياغة الفكر الإنساني الرائع وأن دقة استخدام اللغة، وإجادتها وتصويبها وتقويم اللسان بها؛ عادة من العادات الضرورية التي يُربّى عليها الفرد، من غير المتخصصين؛ وبتأثير مجتمعه إذا كان هذا المجتمع حريصاً على التربية الحضارية الراقية.‏

لا صحة فكر للأمة إلا في صحة اللغة:‏

فاللغة الصحيحة شرط التفكير الصحيح. وتحصين الحضارة والثقافة والبنيان العقلي والشعوري يبدأ بتحصين اللغة، ودعم صحتها، وسد الثغرات، وعلاج مواطن الضعف ومسارب العوز والحاجة الماسة إلى التصحيح؛ وإلى هذا قصد القائد بطل التصحيح حينما خاطب جمهور المعلمين في رسالته لتهنئتهم في عيدهم في 24 رجب سنة 1408 هـ و 12/3/1988م، وأجتزئ ها هنا بفقرة منها:‏

((أيها الإخوة المعلمون: لغتنا العربية هي عنوان هويتنا، وهي الرابطة بين الناطقين بالضاد، وهي أهم صلات الماضي بالحاضر والمستقبل. بها نعبر عن ذاتنا، وننشر في الوطن والعالم نتاج الفكر العربي، وننقل إلى أبناء الأمة العربية النتاج الفكري للشعوب الأخرى.‏

لستم جميعاً مختصين بتدريس اللغة العربية كمادة من مواد المنهاج الدراسي؛ ولكنكم جميعاً مسؤولون عن الحفاظ عليها وعلى قواعدها، فلا عجمة ولا ركاكة بل تركيب سليم وفصاحة مما اشتهرت به أمة العرب)).‏

الفصيح المهان والفصاح المجهولة المظلومة:‏

ستة عقود ونيف مضت علي وأنا أتحمس للتخلص من الازدواجية اللغوية بالفصيحة لغة العلم؛ وأناضل ما وسعني النضال في التعليم والكتابة والتصحيح والتدقيق اللغوي للكتب المدرسية والمطبوعات الأخرى من أجل وضع الفصاح في موضعها العملي الصحيح من مسار الحياة؛ حتى لا تكون الفصيحة لغة الكتابة فقط... وحتى أزيح وأبعد عن الألسنة والأفهام عاميات الجهل ولهجات التفرقة والتباعد والإغراق في إهمال الصحة والضبط والتدقيق.‏

وضحيت وبذلت من أجل العربية الموحدة وُسْعي.. وكان المعجم العربي التليد صاحبي وأليفي وموطن إدماني الذي قادني إلى اكتشاف فصاح العوام؛ وهي الفصاح التي أشعرتني أنها -على كثرة ما كتب عنها قديماً وحديثاً- بقيت منبوذة مهجورة من الفصحاء والكتّاب والمربين وكتّاب الحواريات القصصية والمسرحية؛ مع أن فصاح العامية يمكن أن تكون أهم ما في فصيح لغتنا لأنها أثبتت وتثبت أنها الأقوى على الحياة والأقدر على البقاء على الألسنة وفي الأفهام؛ فليست تحتاج إلى إحياء، وإنما تحتاج فقط إلى الدفاع عنها من أنصار الجهالة العصبية، ومن المتظاهرين باحتقار كل ما هو شعبي وحيوي... ففصاح العوام هي أساس اللغة الوسطى المنشودة، وهي جديرة باكتشافها وترويجها وإنقاذها من هذه الازدواجية اللغوية التي أصابتنا في ألسنتنا وعقولنا فجعلت بعض أطفالنا يعجزون عن فهم لغة العلم لأن سن ما قبل السادسة هي السن المناسبة لتعلّم اللغة واكتسابها بالفطرة والموهبة الغريزية التي سوف تحل محلها القدرة على بذل الجهد للتحصيل الدراسي بعد سن السادسة حينما تضمر وتنتهي الغريزة اللغوية الفطرية كما ثبت للعلماء من المربين اللغويين(3). ولذا دعوت وعملت طويلاً في تفصيح ألسنة المربيات في دور الحضانة ورياض الأطفال. وعملت أيضاً على إنصاف هذه الفصاح المظلومة؛ ضحية التنافس الحماسي أو التظاهر بالانحياز إلى الفصحى في معاركها الوهمية مع أقزام العاميات.‏

يقول لي متقرباً وممالئاً: (نعم... العامية فصحى غير قياسية). ذلك أني قدمت نفسي له فقلت: مؤلف (معجم فصاح العامية) الذي لم يسمع به أحد؛ فعلي أن أسمع غيري بنفسي. فيهشّ ويبشّ ويضحك مرحّباً للوهلة الأولى، ولكنه سرعان ما ينتبه إلى أنه قد تسرّع ولم يفكر بالعواقب الوخيمة التي ستعود عليه بالضرر البالغ إذا شوهد واقفاً مع أحد أنصار العامية، كما يتوهم... مع أني أعرف في نفسي محاربة كل فكر عامّي أو لسان عامي خاطئ جاهل منذ أن فطرت، ومع أني كتبت في مقدمات (معجم فصاح العامية) أني لا أرى في اللهجات العامية إلا انحرافات عن الفصيحة، ومفرزات الخطإ والإهمال والتجهيل والتخلف؛ فهي لهجات تعيش عيالاً على الفصيحة وتستمد منها كل مقومات حياتها، ولا يمكنها أن تصارعها؛ فالعاميات ستموت بجهلها إذا قتلت الفصيحة العلمية المتحضرة التي لن يوجد لها قتلة؛ واسألوا المجربين ممن كانوا أنصاراً للعاميات في فترات قصيرة جداً من أنشطتهم، وسرعان ما اكتشفوا أنهم ضيعوا أعمارهم وهم يطحنون الهواء ويدقون الماء وينقضون في الليل غزلهم في النهار كما قال عَزَّ مِن قائل: "كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً" -السورة 16 النحل الآية: 92.‏

اختلاف اللهجات قديم جداً:‏

لابن الأنباري (ت. 327هـ و 940م) في (كتاب- الأضداد)(4): ((53- و (وثبَ) حرف من الأضداد، يقال: وثَب الرَّجُلُ إذا نهض وَطفَر من موضع إلى موضع، وحِمِيْر تقول: وثب الرَّجُل، إذا قعد. وقال الأصمعي وغيره: دخل رجل على ملك من ملوك حِميَر، وكان الملك جالساً في موضع مُشْرِف، فارتَقَى إليه، فقال له الملك: ثِبْ، يريد: اجْلِس، فَطَفر، فسَـقط فانْدَقّت عُنُقه فقال الملك: "من دَخَل ظَفارِ حَمَّر" أي تكلَّم بلسان حِميَر" وكذلك تناقلت كتب تراثية كثيرة هذه الحادثة كمثل ياقوت الحموي في (معجم البلدان) مادة ط ف ر، وابن جنّي (ت. 392هـ- 1002م) في الخصائص(5) إذ استشهد بها على صحة فكرته التي سبقتها وهي: ((.. إنما أمر بحمل الأمور على ما تبدو وإن كان في المُغَيّب غيره، فإن لم تأخذ بها دخل عليك الشك في لغة من تستفصحه ولا تنكر شيئاً من لغته مخافة أن يكون فيها بعضُ ما يخفى عليكِ فيعترض الشك على يقينك، وتسقط بِكل اللغات ثقتك، ويكفي من هذا ما تعلمه من بُعْدِ لُغَة حِمْيَرَ من لغة ابْنَيْ نِزار..))... وبعد قصة (من دخل ظفار حَمَّرَ) يعقّب ابن جنّي عليها: "فإذا كان ذلك كذلك جاز جوازاً قريباً كثيراً أن يدخل من هذه اللغة في لغتنا وإن لم يكن لها فصاحتنا، غير أنها لُغَة عربية قديمة".‏

لقد كان الاختلاف في اللهجات واللغيّات منذ عصور سحيقة قبل الإسلام... ولكن لهجة قريش كانت المحور الذي استقطب اللهجات واللغيات فوجهها نحو طريق التوحد الذي أنجزه نزول القرآن الكريم بلغة قريش فلم يبق من اللغيات إلا بقايا تمثلت في القراءات والأحرف السبع...كما تمثلت في اتجاه الأقطار المختلفة بعد عصر الفتوحات الإسلامية إلى تطورات وتأثيرات لغوية تباعد ما بين لهجاتها... يساعد على ذلك فنون لغوية محببة من المتكلمين: كالقلب والإبدال، وأنواع من التلاعب اللفظي والتحريف والتصحيف والإمالة والإدغام والإشباع والترخيم وتخفيف الهمزة اليابسة، أي: المهموزة، بتليينها وحذف همزتها، كما في لهجة قريش أو إحلالها محل القاف في المدن أو غيرها..، أو نحت كلمات في كلمة، أو تطور دلالة المعنى بالنقل من الحقيقة الحسّيّة الماديّة إلى الصور البيانية والمجازات العقلية والتجريدية بأساليب وطرائق متخالفة من التجريد الذهني. أو حذف الموصوف وإبقاء الصفة حتى تنتقل بالاستعمال إلى أن تغدو أسماء لا مجرد صفات... وتغدو المجازات حقائق لغوية بعد طول الاستعمال، وقد تدخل في المعجم اللغوي أحياناً....‏

ولكن أخطاء الجهل والانحرافات اللغوية تباعد ما بين اللهجات العامية... ولكن تظل مهما تباعدت اللهجات تستقطبها لغة الخواص وتدقيقات العلماء فتتبع لدى المثقفين طريقاً من التطور نحو الاقتراب من اللغة الفصيحة حتى يُظهروا ثقافاتهم.. ولهذا نراهم يدعون إلى ما يسمونه: اللغة المبسّطة أو الوسطى ما بين قديم الفصاح وبين اللهجات الشعبية المحكيّة... وفي فصاح العامية ما هو أحق بالاهتمام، والمأنوس من العبارات الفصاح أجدر بالتقدير من غرائبها... والتسهيل والإيضاح واجب اللغويين والمربيّن والإعلاميين والأدباء؛ لتكون الثقافة في خدمة المجتمع، ومن أجل أن نسير على طريق الشفاء من شكوى كتّاب الفنون القصصية والمسرحية من افتقادهم لغة الحوار المناسبة والمفهومة، بسبب هذه الازدواجية اللغوية التي تقسم لغة الشخصية الواحدة بين حديث المشافهة وبين أسلوب الكتابة، فنحن نقول ما لا نكتب.‏

وفي كثير من دورات انعقاد مؤتمر مجمع اللغة العربية بالقاهرة، واتحاد المجامع اللغوية العلمية العربية، اهتم المجمعيون الأعضاء والمدعوون من العلماء بموضوع فصيح العوامّ، ونشروا البحوث فقرروا فصاحة العديد من المفرادت العامية ونشروها في أعداد مجلة المجمع؛ كما في الدورة السادسة والأربعين 1980-مثلاً- حيث قدم بحث عنوانه: (ما بين الفصحى والعامية من الوحدة في الألفاظ). ولطالما انعقدت (ندوات) و (احتفالات خطابية) من أجل هذا الغرض.‏

ولقد كنتُ ألَّفتُ بعض الحواريات الفكاهية الفصيحة الموجهة نحو تصحيح لغة المثقفين وتذكيرهم بفصيح العوّام وتمنيت أن أجد من الكتّاب للشاشة المرئية ومن المخرجين والفنانين من ينشط لمثل هذه الأعمال... وبرنامج "في رحاب العربية"، في الإذاعة، يهتم بفصاح العامية كما ألاحظ من تتبع توجّهها اللغوي في برنامجها:" في رحاب العربية"وكذلك تجد في مجلة (نهج الإسلام) الصادرة عن وزارة الأوقاف بدمشق من هذه البحوث "د. حسان الطيان" مثلاً وغيره كثير... وللأستاذ نصر الدين البحرة اهتمامات بفصيح العامة يبدو في محاضراته وفي بحوثه اللغوية ومنها ما في العدد 73 من هذه المجلة في تشرين الأول 1998.‏

من مشكلات المعجم العربي:‏

المعجم العربي يتطلّب من مستعمله والكاشف فيه... أن يعرف الجذر أو الأصل الثلاثي لمادة الكلمة... ثم أن يعرف الصيغة الصرفية للعبارة.. وقد لا يجد، بعد ذلك كله الصيغة ذاتها، فعليه أن يستخلص من معلوماته الصرفية ما يضيفه إلى معاني الصيغ الأخرى في مادة الجذر ذاته، فهناك إهمال متعمدّ لكثير من مواد اللغة القديمة التقليدية التي ما تزال تحيا على ألسنتنا وأقلامنا إلى اليوم؛ أعني: المشتقّات القياسية التي يحذف كثير منها اختصاراً؛ كمصادر الأفعال فوق الثلاثية، وكاسم التفضيل، وبعض أسماء الزمان والمكان والآلة، والمنسوبات والمصغّرات، وجموع السلامة، وصيغ المبني للمجهول وصيغ فعل الأمر وصيغتي التعجب... الخ.. وذلك تصغيراً لحجدوم معاجمنا التي يُشْتكى تضخمها، بعد أن سجّلت التطورات اللغوية الممتدّة في الزمن عشرين قرناً ونيّفاً، والشاملة من الأمكنة والناس ما يكاد يشمل أكثر من نصف شعوب العالم القديم، على امتداده المكاني والزماني وما مرّ فيه من لهجات ولحن لغوي منذ الجاهلية حتى عصر الاحتجاج... وما حدث بعده واستحدث من الألفاظ المولدة والمعربة والدخيلة و... الخ.‏

ولذلك اعتاد المعجميون أن يهملوا الكثير مما يتطلّبه المحتاج إليه اليوم من مفردات لغتنا الحديثة ومصطلحات حياتنا المعاصرة التي يستجدّ فيها الجديد يوميّاً...‏

إليك هذا المثال على حذف اسم التفضيل في مادة: (أَمِنَ): فالفعل المضارع المسند إلى ضمير المتكلم: أنا (آمَنُ)، صيغته اللفظية تجانس صيغة اسم التفضيل: (أأمن) الذي يلفظ بالتخفيف آمن كما في المثال المشهور: (بيتك آمَنُ لك من مسالك المهالك)؛ وأما المضارع المسند إلى ضمائر لا تغير من صيغته فإليك مثاله عن الآية الكريمة (هل آمَنُكم عليه إلا كما أَمِنْتُكم على أخيه) السورة 12 يوسف. الآية 64.‏

ومن مظاهر إهمال كثير من المشتقات أنك لا تكاد تجد (الأوامر) الجمع الذي مفرده (الآمرة) وهوالمصدر الذي وزنه: فاعلة، إلا في القليل من المعجمات. وكأن (الأوامر) نادرة في ألسنتنا.‏

ولكن هذه الإهمالات كثيراً ما تؤدي إلى جعل مراجعي المعجم من العلماء أو ممن يكونون على مستوىً علميّ كاف ليستغنوا عما حذف أو أهمل.. ومع ذلك فإن توهم الخطإ في استعمال القياسي الذي أهمله المعجم كان سبباً لتضخم كتب الخلافات اللغوية ومعجمات الغلطات والأخطاء الشائعة، ولتناقضها، وانظر في خلافاتهم حول جمع: معجم على معاجم أم معجمات؟ وجمع زهرة على زهور أم أزهار... وغيرها كثير... كثير... وكم أهملت جموع فصاحٌ مهمة كثيرة الاستعمال شائعته، كما أهمل بعض المعاجم -مثلاً- جمع: (القاضية) بمعنييها المتخالفين على: (قواضٍ). أما (الآوِنَة) فجمع مفرده: (الأوان). فكيف يدركه المبتدئ الذي علينا أن نغرس فيه عادة استعمال المعجم منذ الصغر؟‏

ولعلني أنظر إلى ألفَي مؤلّف معجمي ونيّف في لغتنا العريقة على أنهم من المتفانين الذين يبذلون حياتهم ويذوّبون عبقرياتهم من أحل تسهيل استخدام المعجم والتيسير على طلبة العلم البادئين الشُّداة المتشوقين إلى بلوغ المعرفة السهلة السائغة الميسرة... ولكنهم يجدون في إعادة لمّ هذه الشوارد والمحذوفات مايؤدي إلى مزيد من التضخم في حجم المعجم فيزداد النفور منه... وطلبة العلم الأجانب يحملون في جيوب ألبستهم موسوعات (اللاروس مثلاً) مصغّرات في مثل حجوم صغار المصاحف التي نتقنها -غفر الله لنا- ويكاشفونها في مجادلاتهم وهم في وسائل المواصلات أو في الحدائق سواء أكانت مجادلاتهم في جِدّ أم لهوٍ يُمْتِعُ ويفيد.‏

ونظام الترتيب الجذري المعجمي للمداخل يحوي بقايا الفوضى في الخلاف على الجذور حتى في قديم المعرّبات -مثلاً- فالمغناطيس، يُدرِجه (محيط المحيط) في الجذر: غ ط س كالقاموس المحيط. أما معجم مجمع القاهرة (.. الوسيط) فيدرجه في الجذر: م غ ن، وكذلك جذره في (المعجم العربي الأساسي) الصادر عن (لاروس) لحساب المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في جامعة الدول العربية 1988، وهذا على خلافات في ضبط شكل الميم بين هذه المعجمات.. ويصل الخلاف على الجذور الثلاثية إلى الاختلاف بين الألف الواوية الأصل، وبين اليائية الأصل، أو الألف اليابسة غير اللينة؛ أي: الألف المهموزة. فشهر (آب) في المعاجمم التي تأخذ برأي (لسان العرب) لابن منظور المصري في: أو ب. ولكنه في معجم مجمع مصر (الوسيط) في أأب. والفعل: (آلَى إيلاء) في (القاموس...) وفي (محيط المحيط) واويّ، ولكنه يائيّ في (المعجم الوسيط) أمّا سهولة الوصول إلى: (الآلاء) القرآنية الدارجة في تسمية الفتيات في أيامنا... فحدّث عنها ولا حَرَج... ولمفردها صِيَغ... منها: (الأَلْو)، و (الإلَى)؛ بمعنى: النِّعْمة. ومنها: (الَّلأْي)؛ بمعنى: الجهد أو الحاجة إلى الناس وتصغيرها: (لُؤَيّ) قلّ أن يذكره معجم.‏

والفضل في نقل (المتحف) من باب: و ح ف إلى: ت ح ف، يعود إلى (القاموس المحيط) الذي لم يترجم له، ولكنه ترجم لـ (التحفة) في ت ح ف ثم نصَّ على أن أصلها من: و ح ف، وعلى أنه سوف يترجم لها في الواو؛ ثم لم يفعل! وقد تابعهُ (محيط المحيط)، أما الذي أضاف (المُتْحَف) (فالمعجم الوسيط) وقد أورده في باب التاء، وبقرار معجميّ.‏

وعلينا أن نطلب ضمير المتكلم المفرد (أنا) في باب النون من معجمات الترتيب حسب الأواخر (كالقاموس واللسان والتاج...) وفيه أن الألف بعد النون زائدة؛ للوقوف عليها بالسكوت، ولفظها في غير الوقف لغية أو لغة رديئة.‏

وعلينا أن نطلب (التراث والإرث) من ورث. و (الاسم) من س م و. و (الهبة) من و هـ ب. و (تترى) في القول: جاء القوم تترى؛ ليست فعلاً مضارعاً، ولكن هي اسم منصوب لأنه حال؛ ولأن التاء منقلبة عن واو: وَتْرَى، مثل: (مَرْضى): وزناً. ومعنى: (وَتْرَى): تِباعاً متتابعين.‏

والمعاجم المستحدثة في لبنان والتي هجرت نظام الترتيب الجذري للمداخل؛ وَرَتَّبَتْها أَلِفْبائيّاً دون حذف للأحرف المزيدة من مثل (المعجم الرائد) لجبران مسعود 1965 و (المعجم العربي: لاروس) لخليل الجر 1987. و (المنجد الأبجدي) الذي أعيد ترتيبه، أول طبعة، مختصراً عن (المنجد) 1967 فإنها ظلت تتأثر بإعادة المعتلّ بالألف اللينة إلى أصلها الواويّ أو اليائيّ قبل ترتيبها. وقد سمعنا بمعاجم اتبعت مثل هذا الترتيب في تونس والمغرب... وقد طبع (الرائد) لجبران مسعود سبع طبعات حتى 1992.‏

فصاح مظلومات! على أنها الأشدّ حيوية:‏

وقد يحذف مؤلفو المعجم من المحدثين اختصاراً ما يظنونه غير مستعمل في لغتنا الحديثة، ويكون مستعملاً في إحدى العاميات التي قد لا نعرفها لتفرُّقنا في أقطارنا.. ولأن أغلب هذه العاميات غير مسجلة وغير مدروسة وغير معروفة إلاّ عند أبنائها وفي بيئتهم مع أنها قد تكون حافلة بـ (فصاح العامية)، وأول ما لفت نظري من فصيح العوام كان فيما كان يُظَنّ أنه الأبعد عن الفصاح، في الجزائر، فنشرت في هذه المجلة بعنوان (قبس من اللغة: الفصاح في العامية الجزائرية) في العدد المزدوج 27-28 السنة السابعة 1407هـ و 1987م من (التراث العربي) كان هذا حصيلة ثمانية عشر عاماً من التنقيب. وذكرت أني أتمنى أن أجد من العارفين بفصاح العاميات كلها من يجمعها لإضافتها إلى المعجم العصري الذي عليه أن يحافظ على ما لايزال حياً من فصاح الأمة. وفي صحيح الحديث الشريف: (رأس الحكمة بعد الإيمان بالله مُداراة الناس) والفعل (دارى يداري مداراة) وارد في لهجاتنا العاميات، ولكن المعاجم الحديثة التي تتبع الفيروزا بادي في (القاموس...) أهملته لأنه أهمله. وكدت أتورّط وأخطّئ عالماً يروي عن عالم (قَوْلَتَه) إذ لم أجد القولة في مصادر الفعل (قال) في (المعجم الوسيط)، ولكن حين كاشفت (محيط المحيط) وما هو أقدم وجدت (القَوْلَة والقِيْل والقال). والفعل (خبّط) المشدد الباء؛ أي: المضعّف العين لا تجده في المعجم إلا عند المستشرق دوزي في (مستدرك المعجمات) حيث يذكر أن العالم الأندلسي ابن جزلة استعمله في مخطوط له في الأدوية. ولكني وجدت عبد الواحد بن علي اللغوي. ت 351 يذكر المضعف (خَبَّط) في (كتاب الأضداد من كلام العرب) الذي طبعه مجمع دمشق 1382هـ و 1963م بتحقيق د. عزة حسن. وعبد الواحد يرويه عن قُطْرُبَ... وهذان أقدم من بعض المعجمات...‏

ومن فصاح العامية الشامية القديمة المهجورة حديثاً، قولهم لدى الانصراف من عند قوم: (أَوْدَعْناكُم) و (أَوْدَعْناكنّ) على الإيجاز في حذف المفعول الثاني لأنه مفهوم بالفطرة والبديهة؛ وقد هجر أكثر الشاميين تحية التوديع هذه منذ أن كانت تستعملها في الحواريات التمثيلية (أم كامل: التي كان يمثلها بشخصيتها الفنان المرحوم أنور الباب). فتركوا استعمالها وفي ظنهم أنها عبارة مغرقة في العامية، مع أن الصحيح أنها مغرقة في الفصاحة، وهي مثال من أمثلة كثيرة على مالم أكتب عنه من قبل.‏

أما الثلاثي (وَدَعَ) فقد كتبت عمن رأوه فعلاً مُماتاً في صيغة الماضي مع أنهم ساقوا الشواهد عليه ومنها قراءة من القراءات وحديث نبوي شريف! ومن هؤلاء سيبويه في (الكتاب) قبل (القاموس المحيط) وغيرهما... وأما من رفضوا الادعاء بالموت على الماضي الثلاثي ودع فمنهم ابن جنّي في (الخصائص) وابن منظور في (لسان العرب) والفيومي في (المصباح المنير) والمُطَرِّزيّ في (المُغْرِب في ترتيب المعرِب) ومنهم أيضاً عوامّنا الذين حافظوا على حياته بلفظه ومعناه.‏

التصويب والتخطئة... وتخطئة المخطّئين:‏

ومنذ بدايات عصور التدوين في القرنين الثاني والثالث الهجريين؛ أي: الثامن والتاسع الميلاديين، ومع كثرة تدوين كتب اللغة؛ بدأت تؤلف الكتب والبحوث العديدة في تتبع أخطاء العوامّ، وبدأت أيضاً مؤلفات التنبيه على ما أنكره قوم على العامة وله وجه في اللغة.. فتكوّن الاتجاه نحو فصيح العوامّ.. وفي عصرنا تكاثرت هذه المحاورات والبحوث والنقود اللغوية... بسبب اختلاف المراجع المعجميّة الكثيرة بين أيدي هؤلاء الباحثين والنقاد، وقد بَيَّنْت هذا في دراسة جعلتها في مقدمات(6)( معجم فصاح العامية).‏

من كُتُبِ / ما مضى عليه اثنا عشر قرناً‏

- (الفَاخر) لابن سلمة:‏

المفضّل بن سلمة بن عاصم المتوفى سنة 291 يفتتح مقدمة كتابه (الفاخر)(7) فيقول ((هذا كتاب معاني ما يجري على ألسنة العامَّة في أمثالهم ومحاوراتهم من كلام العرب وهم لا يدرون معنى ما يتكلمون به من ذلك فَبَيَّنّاهُ من وجوهه على اختلاف العلماء في تفسيره ليكون من نظرَ في هذا عالماً بما يجري في لفظه ويدور في كلامه)).‏

- (بحر العّوَّام فيما أصاب فيه العَوَامّ):‏

لابن الحنبلي، رضي الدين، محمد بن إبراهيم بن يوسف المتوفى 971هـ. دراسة وتحقيق د. شعبان صلاح. طبعة دار الثقافة العربية في القاهرة 1410هـ- 1990م. وقد تجدد في هذه الطبعة التحقيق الذي كان قام بما أتيح له منه أستاذنا المجمعيّ عز الدين علم الدين التنوخي قبله باثنين وخمسين عاماً ثم نشره في عددين من مجلة المجمع العلمي العربي (مجمع اللغة العربية بدمشق) 1937 المجلد الخامس عشر.‏

وفي مقدمته: ((مُشتملاً على ما يعتقد الجاهل أو الناس أنه من أغلاط عوّام الناس، وليس في شيءٍ من الغلط..)) ويذكر المؤلف 223 قولاً من أقوال العامة؛ يثبت صحتها ومن ذلك قول العامة -مثلاً-: فلان وفلان حضروا، وهو قول جار على ماورد في التنزيل، وهو قوله تعالى: هذان خصمان اختصموا.‏

ومن بعض ما وصلت إليه من هذه البحوث:‏

- (قاموس العوام) لحليم دموس المتوفى 1957 لوضع المقابل الفصيح للمفردات العامية الخاطئة طبع في دمشق 1923م قال فيه: ((ما هو إلا مجموعة مطالعات ومراجعات بل هو فهرس ما انتقدته أقلام الأدباء منذ سنوات)) ومنهجه استبدال ألفاظ صحيحة بالألفاظ العامية الفاسدة.‏

- الشيخ أحمد رضا: ((رد العامي إلى الفصيح)): محاولة لتوجيه العوامّ نحو التفصيح جمع فيه أكثر من ألف وأربعمائة مادة كان أشار إليها في حواشي المعجم الذي ألفه بتكليف من مجمع دمشق (متن اللغة) بعد أن نشر بحثه في أخطاء معجم الشرتوني... (أقرب الموارد إلى فصح العربية والشوارد). وقد طبع (رد العامي...) في حياة مؤلفه قبل طبع المعجم. وأتم أحمد رضا تسويد: (رد العامي إلى الفصيح) 1365هـ- 1946م. والطبعة الثانية من بيروت 1401هـ- 1981م وعرّف على الغلاف أنه ((قاموس يرد الكلمات العامية إلى صحيحها أو إلى ما تحتمله من الوجوه ويأتي بمرادفاتها من الفصيح بتحقيق وتدقيق لها قيمتها اللغوية)).‏

- الأمير شكيب أرسلان في: (القول الفصل في رد العامي إلى الأصل) شرحه وعلق حواشيه محمد خليل الباشا لإبراز ما في العامية من الفصاح وتفصيح وتصحيح ما يمكن تفصيحه. طبع 1988م في المختارة: بلبنان: الدار التقدمية.‏

- بقايا الفصاح: مقالات شفيق جبري (شاعر الشام) في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق من المجلد 17 لعام 1942 حتى المجلد 54 لعام 1979.‏

- د. عبد المنعم سيد عبد العال: (معجم الألفاظ العامية ذات الحقيقة والأصول العربية). وقد جمع فيه ((ألفاظ منعزلة عن تحريراتنا الأدبية ولا نستخدمها في كتاباتنا، ونخطّئ طلابنا إذا عمدوا إلى استعمالها في كتاباتهم بحجة عاميتها مع أنها لا غبار على فصاحتها)).‏

الطبعة لأولى بالقاهرة 1391هـ- 1971م والطبعة الثانية 1392هـ- 1972م.‏

- (معجم فصيح العامة) 1990م دار العلم للملايين بيروت و (قاموس المصطلحات والتعابير الشعبية) في مكتبة لبنان: ناشرون 1987 لأحمد أبي سعد.‏

- وكنت أحياناً أتلقّط من (حوادث دمشق اليومية) لأحمد البديري الحلاق 1154-1175هـ و1741-1762م. كذلك من بعض المطالعات في ألف ليلة وليلة والتراث الشعبي ومن بعض مصطلحات الصوفية وغيرهم...‏

- وقد أفدت واستمددت مادة لغوية هامة من شهاب الدين أحمد الخفاجي المصري ت 1069هـ ومؤلفه (شفاء الغليل فيما في كلام العرب من الدخيل) ط1 القاهرة 1371هـ و 1952م بتحقيق محمد عبد المنعم خفاجي.‏

- وفي عصرنا: أفادتني كتب النقد اللغوي المتكاثرة من مثل: (نحو وعي لغوي) تأليف د. مازن المبارك ط. بيروت 1399هـ و 1979م. مؤسسة الرسالة.‏

- وأفدت من البحوث والمتابعات التي ينشرها في (مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق) رئيس المجمع د. شاكر الفحام. ومن الباحثين الآخرين في المجامع اللغوية ومطبوعاتها...‏

- وكذلك أفدت من المواد والبحوث اللغوية في العديد من الكتب مثل كتاب: د. مسعود بوبو‏

(أثر الدخيل على العربية الفصحى في عصر الاحتجاج). ط. وزارة الثقافة بدمشق 1982، وكذلك من بحوثه المنشورة في الدوريّات.‏

- وللأستاذ الباحث محمود أمين العالم اهتمامات في البحث اللغوي ظهرت في العدد الخاص الذي صدر من السلسلة العلمية التي يشرف الأستاذ العالم على إصدارها: (قضايا فكرية) وموضوعه: (لغتنا العربية في معركة الحضارة): الكتاب السابع عشر والثاني عشر منها: مايو- أيار 1997 بالقاهرة. ولقد كتبتُ إليه فأجابني وأخبرني أن لأخيه المرحوم محمد شوقي أمين أحد العلماء الأربعة المشاركين في وضع (المعجم الوسيط) معجم مجمع القاهرة؛ مسوّدات لبحوث في فصاح العامية.‏

- وما أكثر البحوث التي تفوتنا ممّا لم نسمع به من قبل؛ أو سمعنا به ولم يصل إلينا من مثل: (نحو تفصيح العامية في الوطن العربي) لعبد العزيز بن عبد الله. وغيره مما لا يحضر في ذاكرتي الآن...‏

الخطّة:‏

انتقيت المجهول من فصاح العامية لكي أتمكن من الإنجاز وأختصر العمل، ففي لغة الحياة الكثير من العبارات المعروفة بين الناس بفصاحة أصلها لو تحركت سواكنها، كمثل المفردات والعبارات عن الدراسة والعلم والتفكير والتذكر والتنقل والقيام والنوم والطعام والشراب واللبس وشتى مرافق العيش والتعاطف و... إلى ما لانهاية له... فالأصل أن العاميات انحرفت عن أمها الفصحية وتشردّت... والناس يعرفون ما أصله فصيح من هذه وغيرها... وقد كان غرضي أن أبرهن على الفصاحة المجهولة في طائفة من الألفاظ العامية التي يتجنبها الكتّاب والأدباء والمربّون والفصحاء... وقد جمعت جذاذات من هذه الفصاح في زهاء ستة وعشرين عاماً، وكتبت عنها في ثلاثة أعوام تالية وطبع في: مكتبة لبنان ناشرون 1997م، مع أني لم أستطع أن أنجز كتابة أكثر من نصف كمية المواد التي جمعتها... متّكلاً على أن للباحثين أن يستكملوا مثل هذا العمل ويغنوه ويجوّدوه، أو أن يدلّوني على أخطائي وعيوبي، ولكني لم أجد من قرأ ما كتبت إلا ممن اهتموا بإخراجه إلى نور الطباعة وقد شهدوا أن الأسلوب جذاب ومشوّق، ذلك لأنني تعمّدت أن أروي قصصاً عن تطور هذه الألفاظ بأسلوب يمزج الشاعرية بالفكر العلمي الموضوعي؛ فقرّاؤنا يحبون القصة والشعر والمسلسلات المشاهدة على الشاشة، وقد أكثرت من فحص لغة هذه المسلسلات وأشرت إلى فنانيها... وبحثت في الفصاح في ألفاظ محاوراتهم لأنها المادة الأساسية في اللغة الرائجة في عصرنا؛ لغة الإعلام المرئي، فهي لغة مؤثرة أشد التأثير في لغتنا اليومية المعاصرة.. ولا يستطيع آلاف الأساتذة في المدارس والمعاهد وفي الكتب والمطبوعات أن ينشروا تعبيراً صحيحاً كما ينشره إعلامي فنان على الشاشة المرئية... وانظر إلى ما كتبته في هذا الشأن في مجلة (المعلم العربي) الصادرة عن وزارة التربية بدمشق: العدد الثاني لسنة 1986 أي السنة التاسعة والثلاثين لصدور هذه المجلة، وما بين الصفحات 71و 75 بالعناوين الفرعية: وللإعلام التأثير الأكبر -ترسيخ التربية اللغوية إعلاميّاً- والجفاء بين المثقفين والمعجم، والعنوان الأصلي: التربية اللغوية والمعجم المدرسي.‏

نحو تسهيل التوجه إلى معجم التطور التاريخي العلمي المتكامل ليتابع الترقيّ‏

إننا لنتفاءل... ويسرنا تكاثر المعاجم والقواميس اللغوية والاختصاصية ومعاجم المصطلحات في علوم وفنون شتّى... في عصر الحاسوب الذي غدا قادراً على التقامها وغدا العلماء قادرين على تلقيمه إياها... ومن ثمَّ تنظيم عملية تنقيحها وتحقيقها والنظر في الخلافات بينها لحسمها، والتوفيق بين أنظمتها.. ثم إعادة تأليف النتائج في معجم كبير يتتبع تاريخ التطور اللغوي وقصة حياة كل عبارة...‏

ولقد بدأ العمل في هذا الاتجاه في عدد من المؤسسات العلمية والمعلوماتية كالموسوعة العربية في دمشق، وكمراكز البحوث والدراسات العلمية والمجامع اللغوية واتحادها والوزارات المختصة في دمشق وفي عواصم ومراكز عربية... وغير عربية... والأمل معقود على بعضٍ من ألوان التعاون بين هذه المراكز والمؤسسات والوزارات والمجامع والمعاهد والهيئات العلمية والمعلوماتية.. والجامعات ومكتب تنسيق التعريب حيث بحوث ونشرات (اللسان العربي) في الرباط ونشرات عن مشروعات معاجم المصطلحات العلمية والفنية والحضارية... ليكون لتعاون هذه الجهات المتباعدة جغرافياً... أساس تنظيمي موجه نحو الإنجاز المطلوب للمعجم الكبير الذي بدأ به مجمع القاهرة منذ زهاء سبعين عاماً، وأصدر منه ما مكّنته الإمكانيات التي كانت تتاح له.‏

لقد حلّ التطور الإلكتروني أكثر مشكلات التفكير والذاكرة المسجلين في السجلات البشرية طوال العصور... ولكنني أسائل المختصين: أيكون بمقدور الحاسوب أن يفكر ويكتشف، كما اكتشفت، مثلاً أن إبدال القاف إلى همزة -كما في لهجات بعض المدن- مما أجد له أمثلة في قديم الفصيح حيث كتبت بعنوان: (أدّى أو قدّى يؤدّي أو يقدي؛ بمعنى يكفي ويوفي) في ص 118. وكذلك بعنوان: (الأَرْش والمُؤَارَشَة والمقارشة والمحارشة والمهارشة والموارشة ص121) و (أَرَمَ وقَرَم ص 123) على الرغم من أن حرف القاف ليس من أحرف الإبدال التي حصرها العلماء ولم يتحدث عنه أي لغوي سوى أن بعضهم تحدث من خلال نادرة غريبة عن إبدال القاف غيناً والغين قافاً في لهجة قديمة(8).‏
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
المعجم المجهول والفصاح المظلومات ـــ هشام النحاس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» المعجم التاريخيّ لدى المستشرق الألماني أوجست فيشر : دراسة تقويمية : ندوة المعجم التاريخي للغة العربية بفاس
» سيرة ابن هشام
» لسان العرب المعجم اللُّغويّ العربيّ الكبير في التراث العربيّ ـــ د.عمر موسى باشا
» وظائف المعجم مخطط عام
» في نظام المعجم العربي ـــ د.جعفر دك الباب

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات متيجة :: دراسات ادبية ولغوية :: الدراسات التراثية :: معجميات-
انتقل الى: