الاستبدال(Subsitution ): ودوره في التماسك النصّي
أ. إبراهيم محمد عبدالله مفتاح
"عملية تتم داخل النصّ، إنه تعويض عنصر في النصّ بعنصر آخر"(1 ) ويعدُّ الاستبدال صورة من صور التماسك التي تتم في المستوى النحوي - المعجمي بين كلمات أو عبارات على أن معظم حالات الاستبدال النصّي "قبلية" أي علاقة بين عنصر متأخر وعنصر متقدم، ولهذا يُعد الاستبدال مصدراً من مصادر تماسك النصّ(2 ) والاستبدال "شأنه شأن الإحالة - في كونه- علاقة اتساق، إلا أنه يختلف عنها في كونه يتم في المستوى المعجمي بين كلمات أو عبارات، بينما الإحالة علاقة معنوية تقع في المستوى الدلالي"( 3) ويستحيل فهم ما تعنيه عناصر مستبدلة- إلا بالعودة إلى ما هي متعلقة به قبلياً - وهذا معنى الاستبدال- البحث عن الاسم، أو الفعل، أو القول الذي يسد هذه الثغرة، وهذه الحقيقة تؤكد مساهمة الاستبدال في تماسك النصّ(4 )، فالاستبدال "في أساسه أي ارتباط بين مكونين من مكونات النصّ أو عالم النصّ يسمح لثانيهما أن ينشط هيكل المعلومات المشتركة بينه وبين الأول"( 5) وقد "لجأ هارفج إلى الاستبدال عن طريق الأشكال البديلة كوسيلة هامة، لإنشاء الرابطة بين الجمل، وشرط الاستبدال في النصّ أنْ يتم استبدال وحدة لغوية بشكل آخر يشترك معها في الدلالة، حيث ينبغي أن يدل كلا الشكلين اللغويين على الشيء غير اللغوي نفسه، مثلاً:
"اسْتَلْقَى القط ميمي على الكَنَبَة، إنَّه يَشْعُر براحَة، هذا الحيوان المُنْتَفِش غمز بعينه"( 6) فكلمة الحيوان لا يمكن فهمها إلا بالرجوع إلى مذكور سابق "القط".
ويُعرِّف "دوبريز" منهج الاستبدال بأنه "منهج يتكون من إقامة تنوعات متشابهة ومتطابقة في اللغة، وفي الوقت نفسه تتضمن كل عنصر في النصّ"(7 ).
"فالمعلومات التي تمكّن القارئ من تأويل العنصر الاستبدالي توجد في مكان آخر في النصّ"(8 ).
فعلاقة الاستبدال التي تختلف عن الحذف "تترك أثراً، أثرها هو وجود أحد عناصر الاستبدال....فالمستبدل يبقى مؤشراً يستر شد به القارئ للبحث عن العنصر المفترض، مما يمكّنه من ملء الفراغ الذي يخلفه الاستبدال(9 ) وينقسم الاستبدال إلى ثلاثة أنواع( 10):
أ- استبدال اسمي:
ويتم باستخدام عناصر لغوية اسمية مثل "آخر، أخرى، آخرون، نفس"
ب- استبدال فعلي:
ويمثِّله استعمال العنصر "Do" "يفعل" ( 11 )
ج- استبدال قولي:
ويستعمل فيه "Not, So" "ذلك، لا"( 12) وقد مثل هاليداي ورقية حسن لهذا النوع من الاستبدال بالمثال التالي:
"لا شك أنَّك توافق على وقوعِ معركة؟ قال توبلدوم بصوت هادئ: "افترض ذلك" أجاب الآخر مستاءً - زاحفاً خارج المظلَّة.
ففي هذا المثال حلّ العنصر "ذلك" محل قول برمته، وهو افتراض الموافقة على وقوع المعركة(13 ).
ومن أمثلته في القرآن الكريم: قالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَاْرْتَدَّا عَلَى آَثَارِهِمَا قَصَصاً" سورة الكهف 64.
فكلمة ذلك جاءت بدلاً من الآية السابقة عليها مباشرةً أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ.. الكهف 63.
فكان هذا الاستبدال عاملاً على التماسك النصّي بين الآيات الكريمة(14 )
وأشير في النهاية إلى حقيقة مساهمة الاستبدال بشكلٍ أساسي في تحقيق الترابط الدلالي، فهو يتطلَّب وجود علاقة معنوية بين عنصرين إحداهما متقدم والآخر متأخر، كما أشير إلى أن الاستبدال لا يعني البدل في النحو العربي فهو شيء مختلف.