فضيلة العلامة عبد المحسن بن حمد العباد :
عقيدة " أهل السنة والجماعة " وسط بين الإفراط والتفريط ، والغلو والجفاء في جميع مسائل الاعتقاد ، ومن ذلك عقيدتهم في آل بيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فإنهم يتولَّون كل مسلم ومسلمة من نسل عبد المطلب ، وكذلك زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - جميعًا ، فيحبون الجميع ، ويثنون عليهم ، وينزلونهم منازلهم التي يستحقونها بالعدل والإنصاف ، لا بالهوى والتعسف ، وتعرفون الفضل لمن جمع الله له بين شرف الإيمان وشرف النسب ، فمن كان من أهل البيت من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه ، ولصحبته إيَّاه ، ولقرابته منه - صلى الله عليه وسلم - .
ومن لم يكن منهم صحابيًا ، فإنهم يحبونه لإيمانه وتقواه ، ولقربه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ويرون أن شرف النسب تابع لشرف الإيمان ، ومن جمع الله له بينهما فقد جمع له بين الحسنيين ، ومن لم يوفق للإيمان ، فإن شرف النسب لا يفيده شيئًا ، وقد قال الله - عز وجل - : ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) . [ الحجرات : 13 ] .
وقال - صلى الله عليه وسلم - في آخر حديث طويل رواه مسلم في " صحيحه " : (2699) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - : ( ومن بطأ به عمله لم يُسرع به نسبُه ) .
وقد قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - في شرح هذا الحديث في كتابه : " جامع العلوم والحكم " : ( ص 308 ) : ( معناه أن العمل هو الذي يبلغ بالعبد درجات الآخرة ، كما قال تعالى : وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ .
فمن بطأ به عمله أن يبلغ به المنازل العالية عند الله تعالى لم يسرع به نسبه ، فيبلغه تلك الدرجات ؛ فإن الله رتب الجزاء على الأعمال لا على الأنساب ، كما قال تعالى : فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ .
وقد أمر الله تعالى بالمسارعة إلى مغفرته ورحمته بالأعمال ، كما قال : وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ .
وقال : إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ . وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ . وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ . أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ) .
ثم ذكر نصوصًا في الحث على الأعمال الصالحة ، وأن ولاية الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما تنال بالتقوى والعمل الصالح ، ثم ختمها بحديث عمرو بن العاص - رضي الله عنه - في " صحيح البخاري " : (5990) ، و " صحيح مسلم " : (215) ، فقال : ( ويشهد لهذا كله ما في الصحيحين عن عمرو بن العاص أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن آل أبي فلان ليسوا لي بأولياء ، وإنما وليي الله وصالح المؤمنين ) .
يشير إلى أن ولايته لا تنال بالنسب وإن قرب ، وإنما تنال بالإيمان والعمل الصالح ، فمن كان أكمل إيمانًا وعملاً فهو أعظم ولاية له ، سواء كان له منه نسب قريب أو لم يكن ، وفي هذا المعنى يقول بعضهم :
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه ... فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس ... وقد وضع الشرك النسيب أبا لهب.