الخطبة الأولى:
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}[102آل عمران]
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا }[1النساء]
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}[70-71 الأحزاب]
أما بعد فإن خير الحديث كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، أما بعد:
أيها المسلمون: لقد أكرم الله الصحابة بالثناء عليهم في كتابه وأكرمهم الرسول عليه الصلاة والسلام بالثناء عليهم في سنته، ففي القرآن الكريم آيات كثيرة في بيان فضل الصحابة وقبولهم عند الله ورضا الله عنهم، وفي السنة المطهرة مئات الأحاديث الصحيحة في الثناء عليهم.
ألا وإن من الصحابة آل بيت النبوة فهم داخلون في الثناء العام على الصحابة وأيضاً أثنى الله عليهم وخصهم بذلك وخصهم رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام فآل بيت النبوة لهم مناقب كثيرة ومزايا وخصائص عظيمة المطلوب أن يعرفها المسلمون من أجل أن يعرفوا ما لآل بيت النبوة من حقوق شرعية وفي هذا المقام نذكر ما تيسر من ذلك:
يقول رب العالمين في كتابه الكريم : { يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا (32) وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا (34)} [32-34 الأحزاب]
وآل الرجل زوجاته وذريته فهؤلاء هم أقرب آل الرجل، فزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم من آله – خلافاً لمن يزعم أنهن لسن من آله - بنص هذه الآيات وورودها فيهن ونزولهن فيهن وذكرها لهن ولما قال ربنا: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ } عمّ الله في هذه الآية وأدخل غير أزواج النبي عليه الصلاة والسلام فقد بين النبي هذا العموم، فقد جمع علياً رضي الله عنه والحسن والحسين وفاطمة وقال اللهم إن هؤلاء أهل بيتي فبين الرسول أن من آل بيته أيضاً الحسن والحسين وعلي وفاطمة ومن آل بيته أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه من حديث زيد بن أرقم قَالَ: (قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ أَلَا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ثُمَّ قَالَ وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي فَقَالَ لَهُ حُصَيْنٌ وَمَنْ أَهْلُ بَيْتِهِ يَا زَيْدُ أَلَيْسَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ قَالَ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ قَالَ وَمَنْ هُمْ قَالَ هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَبَّاسٍ قَالَ كُلُّ هَؤُلَاءِ حُرِمَ الصَّدَقَةَ قَالَ نَعَمْ)
فهذا الحديث بين لنا أن آل بيت النبي عليه الصلاة والسلام مجموعة كبيرة أما الشيعة فيحصرون آل بيت النبوة في أربعة أشخاص في الحسن والحسين وعلي وفاطمة وهذا تحكم في الأدلة وإبعاد للدليل عن موطنه ومصادمه للقرآن الكريم فلهذا الشيعة لا يقيمون وزناً لآل بيت النبوة كلهم الذين جاءت الشريعة بذكرهم أنهم من آل النبي عليه الصلاة والسلام.
أيها المسلمون: لا شك ولا ريب أن علي بن أبي طالب والحسن والحسين وفاطمة رضي الله عنهم هم من أجل آل بيت النبوة وممن نالوا مرتبة رفيعة فنذكر بعضاً مما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام في بيان مناقب هؤلاء الذين فقد جاء في الحديث المتواتر الذي رواه كما ذكر بعض العلماء أثنين وعشرين صحابياً وبعضهم ذكر خمسة وعشرين صحابياً أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال في علي: (مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ)
فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى أن نتولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعنى الولاية لعلي أننا نحبه الحب الشرعي وأننا نذكره بمناقبه وفضائله وأفعاله الحميدة وأقواله السديدة رضي الله تعالى عنه وأننا ندافع عنه ونقتدي به فيما كان عليه من هدى وتقى وصلاح رضي الله تعالى عنه.
الرسول عليه الصلاة والسلام دعانا إلى أن نوالي علياً، ما الذي كان عليه علي حتى استحق الموالاه من الله ورسوله والمؤمنين؟
الذي كان عليه علي ما جاء في البخاري ومسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غداً رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ويحبه الله ورسوله)
وهذا يفيد كمال حب علي لله وكمال حب علي لرسول الله عليه الصلاة والسلام ولا يتكامل حب عبد لربه ولرسوله ونبيه صلى الله عليه وسلم إلا بتكامل الإتباع لسيد الأولين والآخرين عليه الصلاة والسلام.
إذا فعلي يُحَبُ ويُكرم ويُعظم ويُحترم ويُدافع عنه لأنه كان على خير عظيم ولهذا جاء عن علي عند أحمد وغيره أنه قال: (وَلَا تَتَّبِعُونَ شَيْئًا أَفْضَلَ مِنْ سُنَّةِ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
انظروا علي يدعو إلى ماذا ويحث على ماذا ويسير على ماذا؟
يدعو ويحث ويسير على منهاج النبوة رضي الله تعالى عنه فهنا يحب ويعظم لما هو عليه من كمال الخير والصلاح والتقى رضي الله تعالى عنه وكان من عظيم اتباعه للرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يتحرى هدي الرسول وما جاء به الرسول في كل أموره وشئونه في حال الرضا والغضب في حال الوفاق والخصام في حال الشدة والرخاء.
ومما أكرم الله به هذا الرجل أنه لما قتل عثمان رضي الله عنه هرع الصحابة رضي الله عنهم إلى علي واجتمعت كلمتهم على اختياره خليفة لهم وقالوا يا علي: هلم لنبايعك على الخلافة .
قال: دعوني لست حول هذا الأمر، إني أحب أن أبتعد عنه.
قالوا يا علي: لا نرى أفضل منك على وجه الأرض، ولن ندعك فأنت أهل لذلك.
فلما رأى علي إصرار الصحابة على مبايعته، لم يقل لهم الرسول قد أمركم أن تبايعوني وأن تختاروني خليفة لا ولكن قال إن أصررتم على ذلك فسأبايع في المسجد حتى لا تكون بيعتي سراً فذهب إلى المسجد فتوجه المسلمون إلى مبايعته فعلي لم يقل لهم أنا خليفة لأن الرسول قد ذكرني ومدحني وقال من كنت مولاه فعلي مولاه، وإنما كان يعلم أن هذا الحديث وأمثاله لا تدل على أنه خليفة وإنما كان يزهد في الملك وكان يهرب من التلطخ بشيء من أمور الدنيا فقد كان زاهداً عن الخلافة ليس مقبلاً عليها ولا باحثاً عنها رضي الله عنه.
وتولى الخلافة فاستمر على ما هو عليه من صلاح فلم يغير ولم يبدل ولم يظلم ولم يبتدع ولم يقبل على المال ليستأثر به نفسه وأهله، واستمر على العدل يحكم بالعدل يحكم بكتاب الله وبسنة رسول الله قالوا له: يا علي بما نقضي قال: اقضوا كما كان يقضي من قبلكم إني أكره الاختلاف.رواه البخاري.
وقد حصلت في خلافته فتن معلوقة كانت بسبب تغير أحوال كثير من الناس لا بتغيره هو حتى قال الإمام أحمد في علي: (زان الخلافة ولم تزنه الخلافة).
وجاء الموت علياً وقتل شهيداً رضي الله عنه فلم يقل الحسن خليفة بعدي ولم يوص بها لا للحسن ولا للحسين لأنه يعلم أنهم لم يخصوا بذلك.
ومات كما مات أبو بكر وعمر وعثمان ولم يوصوا بالخلافة لأحد من أولادهم مع ما كان في أولادهم من خير وصلاح لعلمهم أن هذا لا يجوز فهذا من كمال صلاحه فيُحَبَّ ولا يبغض ويوالى ولا يعادى ويذكر بالخير لا بالشر ويدافع عنه ولا يترك لمن يتطاول عليه رضي الله تعالى عنه.
أما الغلاة فيه والجفاة عنه فحسبهم أن يسمعوا من أمير المؤمنين علياً قوله: ليهلكنَّ فيَّ طائفتان طائفة تغلوا في حبي وطائفة تجفوني وتبغضني.
ونحن نبرأ إلى الله ممن يبغضه وممن يغلوا فيه، فأول من غلى فيه عبد الله بن سبأ وحزبه حتى قالوا: فيه أنه الله، فقال لهم يا قوم أنا رجل مثلكم آكل كما تأكلون وأشرب كما تشربون وأنكح النساء كما تنكحون لست الله، قالوا بل أنت الله فلما أصروا على ذلك أحرق كثيراً منهم بالنار وقد صحت الآثار فيما ذكرنا.
وقد تبعت الرافضة السبئية في الغلو في علي والحسين وبعض ذرية الحسين وأول من جفا عنه الخوارج الذين كفروه واستباحوا دمه وماله وعرضه فنبرأ إلى الله من هذا التعدي من كلا الطائفتين.
والرسول عليه الصلاة والسلام دعانا إلى أن نعرف حقوق الحسن والحسين فقد جاء في الحديث المتواتر الذي ذكر بعض العلماء أنه جاء عن ستة عشر صحابياً أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ) بما ساد الحسن والحسين أمة الإسلام في الدنيا والآخرة؟
الجواب : بالخير والصلاح والتقى ولهذا نذكر نبذة من سيادتهما ومن ذلك:
أن الحسن بن علي كان خليفة بعد أبيه علي باختيار المسلمين، لا لإنه طلب منهم أن يختاروه ولا لإنه ادعى أن الرسول قد أوصى له بذلك والعلماء يقولون إن خلافة الحسن كانت ستة أشهر وكانت مكملة لخلافة أبيه ست سنوات رضي الله تعالى عنهم.
وجاءته الخلافة وهناك فتن عظيمة فماذا صنع هذا السيد الكريم؟
جاء عند الإمام أحمد في فضائل الصحابة وعند بن سعد في الطبقات أن الحسن رضي الله عنه خطب بعد أن ولي وبعد أن اختاره من اختاره من المسلمين خليفة وقال:
أيها الناس والله ما أحببت أن ألي من أمر أمة محمد ما يزن مثقال حبة من خردل وأن يصاب في ذلك محجمة دم.
ولما قامت الفتنة وعظمت واشتدت بين الحسن وبين معاوية وتحركت جيوش الفريقين وكان جيش الحسن يرى أوله ولا يرى آخره، فما الذي جرى من الحسن لقد وقف موقفاً يعجز عنه كثير من خيار المسلمين وفضلائهم.
فجاء أبو بكرة - وهو أحد الصحابة - إلى الحسن بن علي وقال له : يا حسن أما إني سمعت رسول الله على أعود منبره يقول: (إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ)
فما كان من الحسن عندما سمع هذا الحديث الذي يدعوه فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى التنازل عن الخلافة إلا أنه أعلن تنازله عن الخلافة لما رأى أن دماء المسلمين ستسفك وأن الأرواح ستزهق وأن الكلمة ستتفرق وأن الأمة سيطمع فيها أعدائها وأن الأمة ستجلب على نفسها الويلات والنكبات، آثر ما عند الله ويدل على هذا قوله: (تنازلت عن الخلافة وجماجم العرب بيدي لو شئت لدككت بها الأرض ولكن تركت ذلك ابتغاء مرضاة الله).
قال الحافظ بن حجر وقال المناوي: (الحسن تنازل عن الخلافة ليس من قلة ولا من ذلة ولا من علة ولكن من رحمة) فبتنازل الحسن اجتمعت كلمة المسلمين وصلح حال المسلمين وأمن المسلمون وذهبت الفتن المتلاطمة بحمد الله وشكر المسلمون الحسن وازداد رفعة وزاد قدره وحبه وتعظيمه في قلوبهم وعلموا أن هذه كمال السيادة التي يعجز عنها الكثير والكثير من المسلمين بل ومن الصالحين.
هذا هو الحسن الذي طُلِب منا أننا نحبه وأننا نذب عنه وندافع عنه وأن نعرف حقه الذي جاءت به الشريعة، ومن سيادة الحسين أنه لم يخرج عنه رأي الحسن في التنازل عن الخلافة مما سهل تحقيق الإصلاح الذي دعا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام.
وأما فاطمة ابنة سيد الأولين والآخرين فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام لها: (أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة).
فهي إحدى الأربع من سيدات نساء أهل الجنة فيوالى آل بيت النبوة حباً وتعظيماً ودفاعاً ونصرةً وكذلك أيضاً تنشر مناقبهم وتذكر مآثرهم وبحمد الله أهل السنة آخذون من هذا القسط الأوفر بالطريق السديد والسير الرشيد، فمؤلفات أهل السنة في مناقب آل بيت النبوة بلغت العشرات بحمد الله، وهكذا مواقفهم ودعوتهم ومحاضراتهم وخطبهم يبينون فيها مناقب آل بيت النبوة استغفر الله إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وأصحابه أما بعد:
أيها المسلمون : وآل بيت النبوة لا يزالون إلى أن تقوم الساعة ولكن من بعد عصر السلف صار المنتسبون إلى الرسول وإلى علي وإلى فاطمة على قسمين:
قسم متبع وقسم مبتدع قسم محق وقسم مبطل قسم ينصر دين الله وقسم ينصر الرفض والاعتزال وهم كثر .
و لما حصل هذا الانقسام أهل السنة والجماعة بينوا أن من كان على ما كان عليه الرسول وآل بيته فله حقوقه الكاملة ومن حاد وتمرد وخرج عن الإتباع لمنهاج النبوة فإنهم يحبونه بقدر خيره ويكرهونه بقدر شره ويوالونه بقدر خيره وشره، هذا منهج أهل السنة والجماعة وهو المنهج الحق الذي جاء به القرآن الكريم وجاءت به السنة المطهرة والرسول عليه الصلاة والسلام قد حذر صلى الله عليه وسلم آل بيته من أن يفتنوا بالملك ومن أن يفتنوا بالدنيا وهذه فتنة كثير من انحرف من آل بيت النبوة، فقد جاء عند الإمام أحمد وعند البزار والطبراني وغيرهم من حديث معاذ بن جبل ، قال : لما بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن ، خرج معه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيه ومعاذ راكب ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم تحت راحلته فلما فرغ ، قال : « يا معاذ ، إنك عسى أن لا تلقاني بعد عامي هذا ، لعلك أن تمر بمسجدي وقبري » فبكى معاذ خشية فراق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم التفت رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو المدينة ، فقال : « إن أهل بيتي هؤلاء يرون أنهم أولى الناس بي ، وإن أولى الناس بي المتقون ، من كانوا حيث كانوا ، اللهم إني لا أحل لهم فساد ما أصلحت ، وايم الله ليكفؤون أمتي عن دينها كما يكفأ الإناء في البطحاء »
وجاء من حديث أبي هريرة عند البخاري في الأدب المفرد وعند ابن ابي عاصم
أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: ( إن أوليائي يوم القيامة المتقون وإن كان نسب أقرب من نسب ألا وإن الناس يأتوني بالأعمال يوم القيامة فلا تأتوني بالدنيا تحملونها على رقابكم فتقولون يا محمد – اشفع لنا ، ارحمنا – فأقول هكذا وأعرض) أي أنه سيعرض يوم القيامة عن من مالت به الدنيا إلى الملك فأجج الفتن من أجل الملك والجاه
لهذا كان آل بيت النبوة علي والحسن والحسين ومن تبعهم كعلي بن الحسين زين العابدين والباقر محمد بن علي وجعفر الصادق وغيرهم ممن تبعهم كانوا على هدى وكانوا بعيدين عن الملك ولا يبحثون عنه ولا يريدونه لما يعلمون ما في ذلك من الفتن المتلاطمة لكن من فتن ممن ينتسب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بما يتعلق بطلب الملك وإرادة الملك يرتكب الصعب الذلول ويسلك المسالك الوعرة ويرتكب المحرمات وينتهك الحرمات ليتوصل إلى الملك وهذا أمر معروف في التاريخ ممن سلكوا هذا المسلك ولا يزال من سلك هذا المسلك يجعل مناقب آل بيت النبوة لتدعيم الملك وللوصول إلى الملك ولدعوى الأحقية بالملك هذا هو الحاصل وهذه دعوة باطلة فإن الرسول لم يكن يربي آل بيت النبوة من أجل أن يكونوا أرباب أطماع وأرباب شهوات وأرباب فتن وإنما رباهم ليكونوا أجلّ من كثير من المسلمين رضي الله تعالى عن آل بيت النبوة.
أيها المسلمون قال الله: { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ }
الذين فتنوا بالملك يقولون : آل بيت النبوة مطهرون طهرهم الله وهذا ليس بصحيح قال غير واحد من المفسرين: (إنما يريد الله ليأمركم وينهاكم من أجل أن يطهركم باستجابتكم لأمره ونهيه وهذا التطهير يتحقق لكل من آمن بالله واتقاه قال تعالى: { ما يريد الله أن يجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم}).
فمتى يتطهر من كان من آل بيت النبوة؟
يتطهر عندما يأتمر بأوامر الله وينزجر بزواجر الله ورسوله عندما يتق الله ويخش الله ويراقب الله سبحانه وتعالى، هنالك يتطهر من الرجس، والرجس هي المعاصي قال غير واحد من العلماء: الرجس هو كل مستقذر تعافه النفوس وأقذر المستقذرات المعاصي انظروا إلى من فتنوا بالملك ممن يدعون أنهم من آل بيت النبوة فتجد عندهم من البوائق ما الله به عليم من أمور السحر التنجيم إلا من رحم الله، وتجد عندهم استحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم وتجد عندهم سب كثير من الصحابة بل وتكفير كثير من الصحابة وتجد عندهم من إثارة الفتن والقلاقل والثوارات والانقلابات الشيء الكثير. أهؤلاء هم آل البيت الذين يُحبون ويُكرمون ويُحترمون ويُنصرون ويُؤازرون ويُعانون!!!
لا والله فالنسب الشريف لا ينفع الرجل الخبيث، النسب النبوي أشرف الأنساب وأجل الأنساب وأعظمها فمن كان نسبه الى آل بيت النبوة نقول له نسبك أشرف الأنساب ولكن أين نصيبك من التقوى والله يقول: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فلهذا ندعو من كان نسبه صحيحاً إلى الرسول وإلى آل بيته إلى أنه يحقق التقوى ونجعله على روؤسنا ونفضله على أنفسنا تفضيلاً شرعياً وليس تفضيلاً اعتباطياً.
أما الشيعة فإنها جعلت آل بيت النبوة للغلو فيهم ونبرأ إلى الله من ذلك ولهذا ندعو من كان يريد أن يحضى بشفاعة الرسول وبالإكرام الإلهي باتباع الرسول وأن يعود إلى منهاج النبوة، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لفاطمة ابنته يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك فإني لا أملك لك من الله شيئاً لم يقل لها أنت طاهرة ما عليك ذنوب ولا عليك توبة بل دعاها إلى التوبة وهي دعوة الله إلى كل المؤمنين فقد قال: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }وقال:{ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.