بسم الله الرحمن الرحيم
{مآ أصاب من مصيبة في الأَرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأهآ إن ذلك على الله يسير } يعني جميع المصائب التي تصيب الإنسان في الأرض أو في نفسه قد كتبت من قبل. والمصيبة في الأرض كالجدب، وقلة الأمطار، وغور المياه وصعوبة منالها، وربما يقال أيضاً الفتن والحروب وغيرها {ولا في أنفسكم} أي: في نفس الإنسان ذاته من مرض، أو فقد حبيب، أو فقد مال، أو نحو ذلك، حتى الشوكة يشاكها {إلا في كتاب}، هذا الكتاب هو اللوح المحفوظ، كتب الله فيه مقادير كل شيء، لما خلق الله سبحانه وتعالى القلم قال له: اكتب قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة () . سبحان الله ما أعظم هذا اللوح الذي يسع كل شيء إلى يوم القيامة، ولكن ليس هذا بغريب على قدرة الله - عز وجل -، لأن أمر الله تعالى إذا أراد شيئاً، يقول له: كن. فيكون، ولقد كان الإنسان يتعجب من قبل ولكن لا يستبعد أن يكتب في هذا اللوح مقادير كل شيء، فقد ظهر الآن من صنع الآدمي قطعة صغيرة يسجل فيها آلاف الكلمات وهي عبارة عن لوحة صغيرة كالقرص تسجل فيها آلاف الكلمات، وقد يسجل فيها جميع كتب الحديث المؤلفة، أو جميع التفاسير، أو جميع كتب الفقهاء وهي من صنع الآدمي، فكيف بصنع من يقول للشيء كن فيكون، ولما قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. كتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فالمصائب التي تصيب الناس هي في أمر سابق، ولهذا قال: {إلا في كتاب من قبل أن نبرأهآ}، وقوله: {نبرأهآ} قيل: إنها تعود على المصيبة، وقيل: على الأرض، وقيل: على النفس، وقيل: على الجميع، والصحيح أنها على الجميع، أي من قبل أن نبرأ كل هذه الأشياء، أي: أن نخلقها، وذلك لأن الله كتب مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، {إن ذلك على الله يسير } يعني إن كتابة هذه المصائب يسير على الله - عز وجل - لأنه قال للقلم اكتب فكتب وهذا يسير، كلمة واحدة حصل بها كل شيء {إن ذلك على الله يسير }، كل شيء فهو يسير على الله، لأن الأمر كلمة واحدة كن فيكون، أرأيتم الخلائق يوم القيامة تبعث بكلمة واحدة، قال الله عز وجل: {إن كانت إلا صيحةً واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون } وقال - عز وجل -: {فإنما هي زجرة واحدة } أي: على وجه الأرض خرجوا من القبور، هذا يسير، ولما قال زكريا لله - عز وجل - حين بشره بالولد قال: {قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعآئك رب شقياً } يعني من الكبر {وقد بلغت من الكبر عتياً } قال الله - عز وجل -: {كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً } فالله - عز وجل - لا يعجزه شيء، ولا يستعصي عنه شيء، ولا يتأخر عن أمره الكوني شيء، {لكيلا تأسوا على ما فاتك} أي: أخبرناكم بأن كل مصيبة تقع فهي في كتاب، {لكيلا تأسوا} اللام للتعليل، وكي بمعنى أن، أي: لأن لا تأسوا، ومعنى تأسوا تندمواعلى ما فاتكم مما تحبون {ولا تفرحوا بما آتاكم} أي: لا تفرحوا فرح بطر واستغناء عن الله بما آتاكم من فضله، فإذا علمت أن الشيء مكتوب من قبل فلا تندم على ما فات لأنه مكتوب، والمكتوب لابد أن يقع، ولا تفرح فرح بطر واستغناء إذا آتاك الله الفضل، لأنه من الله مكتوب من قبل، فكن متوسطاً لا تندم على ما مضى، ولا تفرح فرح بطر واستغناء بما آتاك الله من فضله، لأنه من الله، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف». القوي في إيمانه وليس القوي في بدنه، وأصحاب الرياضة يجعلون هذا عنواناً: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف» ويقول: المراد بالمؤمن القوي في بدنه. وهذا غلط، (المؤمن القوي) هنا وصف يعود إلى ما سبقه وهو الإيمان، «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير»، وهذا يسميه البلاغيون الاحتراس، بمعنى أنه قد يظن الظان أن الضعيف لا خير فيه، قال: «وفي كل خير» ثم قال: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» () والإنسان إذا علم أن كل شيء مقدر ولابد أن يقع رضي بما وقع، وعلم أنه لا يمكن رفع ما وقع أبداً، ولهذا يقال: دوام الحال من المحال، وتغيير الحال - بمعنى رفع الشيء بعد وقوعه - من المحال، {والله لا يحب كل مختال فخور }، مختال في فعله، فخور في قوله، ومن الاختيال في الفعل أن يجر ثوبه، أو مشلحه، أو عباءته، أو غير ذلك مما يدل على الخيلاء، حتى وإن لبس ثوباً وإن لم يكن نازلاً لكنه يعد خيلاء فهو خيلاء، الفخور هو المعجب بنفسه الذي يقول: فعلت وفعلت وفعلت، يفخر به على الناس، لأنك مادمت فاعلاً الشيء تريد ثواب الله فلا حاجة أن تفخربه على الناس، بل اشكر الله عليه، وحدِّث به على أنه من نعمة الله عليك. ثم ذكر الله تعالى أوصافهم فيما بعد فقال {الذين يبخلون} أي: يمنعون ما يجب عليهم بذله من مال، أو جاه، أو علم، مثال الأول: الذي يبخل بالزكاة وهي أعظم وأوجب ما ينفق، والإنفاق على من تجب نفقته من الأقارب والزوجات. ومثال الثاني: أن يجد الإنسان شخصاً مسلماً واقعاً في مظلمة يتطلب المقام أن يشفع فيها، ليرفع عنه هذا الظلم ولكنه يبخل، فهذا بخل بجاه. ومثال الثالث: أن يبخل بتعليم الناس مما علمه الله - عز وجل - وأن يبخل بالجواب والفتوى إذا استفتي عن مسألة دينية وتعين عليه أن يفتي فيها، وفي حديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «البخيل من إذا ذكرت عنده ولم يصلِّ عليَّ» () اللهم صلِّ وسلم عليه، وهذا نوع من البخل، لأنه بخل بما يجب عليه، إذ إن القول الراجح أنه إذا ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجب على من سمعه أن يصلي عليه، بدليل الحديث الذي في السنن أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «رغم أنف امرء ذكرت عنده فلم يصلِّ عليك. قل: آمين. فقال: آمين» () {ويأمرون الناس بالبخل} أي: يقولون للرجل: لا تنقص من مالك، لا تتعب نفسك في الشفاعة لفلان، لا تتعب نفسك في تعليم العلم، فهؤلاء أمروا بالبخل فصاروا - والعياذ بالله - فاسدين مفسدين، قال الله - عز وجل -: {ومن يتول} أي: يعرض عن طاعة الله، {فإن الله هو الغنى الحميد}، من يتول فإن الله ليس بحاجة إليه فهو - عز وجل - غني بذاته عن جميع مخلوقاته، وهوالحميد، أي: المحمود على غناه، لأنه ليس كل غني يكون محموداً، فالغني البخيل غير محمود، لكن الله - عز وجل - غني حميد يحمد على غناه؛ لأن الله - عز وجل - واسع العطاء، كثير العطاء، وفي هذه الآية دليل على أن الإنسان الذي يتولى عن طاعة الله إنما يضر نفسه، ولا يضر الله شيئاً، فإن الله غني، وفي الحديث القدسي:
«يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً» () .
{لقد أرسلنا رسلنا بالبينات} هذه جملة مؤكدة باللام وقد، والقسم المقدر، والتقدير: والله لقد أرسلنا رسلنا بالبينات، ولعل قائلاً يقول: كيف يقسم الله - عز وجل -؟ وكيف يؤكد الله خبره بالقسم وهو الصادق بدون ذلك؟
والجواب أن يقال: القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين، واللسان العربي المبين يؤكد الأشياء الهامة، أو الأشياء المنكرة بأنواع المؤكدات حتى يطمئن المخاطب ولا يرتاب المرتاب، وهذا يذكر في القرآن كثيراً، والتوكيد هنا ليس منصباً على إرسال الرسل، لأن إرسال الرسل معلوم {وإن من أمة إلا خلا فيها نذير } لكنه منصب على قوله بالبينات أي أن الرسل جاءوا بالبينات، والبينات صفة لموصوف محذوف، والتقدير بالآيات البينات أي العلامات البينة الدالة على صدق رسالتهم وصحتها، فإن الله تعالى ما بعث نبياً إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهذا من الحكمة والرحمة، أما كونه من الحكمة فليس من الحكمة أن يأتي رجل من بني آدم ويقول للناس: أنا رسول الله إليكم بدون آية، بدون بينة، ولو كلف الناس بالإيمان برسل الله بدون بينة لكان في ذلك مشقة عظيمة، ومن رحمة الله أن الله أيد الرسول بالآيات البينات الظاهرة، قال العلماء: والله تعالى من حكمته ورحمته جعل لكل نبي من الآيات ما يتبين به رسالتهم، مثال ذلك أرسل الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام إلى فرعون وأعطاه آيات بينات، قال الله تعالى: {ولقد ءاتينا موسى تسع ءايات بينات} منها العصا العجيبة، عصا عادية فيها آيات من آيات الله، منها أنه لما اجتمع السحرة الفجار بأمر فرعون ومساندته وألقوا حبالهم وعصيهم، وصارت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين أرهبت الناس حتى موسى عليه الصلاة والسلام أوجس في نفسه خيفة، لأنها فوق ما يتصور، سحرة مهرة أتوا بكل قوتهم وألقوا فملؤوا الأرض حبالاً وعصياً، فجعلت هذه الحبال والعصي كأنها حيات وثعابين، {فلمآ ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءو بسحر عظيم }، أوحى الله إليه أن يلقي العصا، فانقلبت هذه العصا حية، وجعلت تلقف ما يأفكون. كل الحبال التي جاءوا بها أكلتها هذه الحية، فهذه من آيات الله العظيمة، كيف تكون هذه الحية تأكل كل هذه الحبال والعصي، أين تذهب؟ لكنها - والله أعلم - بمجرد ما تأكلها تكون كالبخار، وإلا فبطن هذه الحية لا يسعها، لكن هذه آية، ونحن نتصور هذه الواقعة خبراً، ولكن لو رأيناها نظراً كان الأمر أشد وأعظم، فنحن الآن لا نتصورها إلا في الخبر وفي الذهن فقط، ولكن لو شاهدت عرفت أن الآية عظيمة. والآية الثانية في هذه العصا أن موسى استسقاه قومه وطلبوا منه الماء فضرب حجراً من الحجارة فتفجر عيوناً، اثنتا عشرة عيناً، لأن بني إسرائيل كانوا اثنتي عشرة قبيلة، والآية الثالثة: أن موسى عليه الصلاة والسلام لما أدركه فرعون وحشره إلى البحر أيقن أصحاب موسى عليه الصلاة والسلام أنهم هالكون، وقالوا: إنا لمدركون، ليس لنا مفر، البحر أمامنا، إن خضناه غرقنا، وفرعون وجنوده خلفنا سيقضون علينا، قال أصحابه: إنا لمدركون. ولكن انظر إلى الإيمان واليقين، قال: {كلا} لن ندرك، {إن معى ربي سيهدين } أي: سيدلني على ما فيه النجاة. فأوحى الله إليه بأن اضرب بعصاك البحر فانفلق، فضرب البحر مرة واحدة بالعصا فانفلق اثني عشر طريقاً على عدد قبائل بني إسرائيل، وكان كل فرق كالطود العظيم أي كالجبل، وانظر إلى الإيمان أيضاً كيف دخلوا في هذه الطرق والمياه على أيمانهم وعلى شمائلهم ولكنه الإيمان، لأنهم عرفوا أنهم ناجون ولابد. وعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام أعطاه الله تعالى آيات بينات، كان يبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله، وهذان المرضان لا حيلة للأطباء فيهما إلى الآن، اللهم إلا الأكمه، وكان يحيي الموتى بإذن الله، يقول للجنازة أمام الناس: احيي. فتحيا بإذن
الله، وكان يخرج الموتى من قبورهم، يقف على القبر ويأمر صاحب القبر بأن يخرج ويخرج حيًّا، من يستطيع هذا إلا الله - عز وجل - وجعله آية لهذا النبي عليه السلام. وكان يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخه فيطير، قال الله - عز وجل -: {فيكون طيرًا بإذن الله} وفي قراءة ثانية: (يكون طائراً)، وإذا جمعت بين القراءتين صار المعنى طيراً بإذن الله يطير، لأنه ما كل طير يطير، فالنعامة لها جناح ولكنها لا تطير، لكن يكون طيراً يطير يشاهد في الجو وهو خلقه من طين، وهذا لا يقدر عليه إلا الله، وجعله الله آية لعيسى.
فإن قال قائل: لماذا خص الله موسى بالعصا وخص عيسى بإحياء الموتى وخلق الطيور؟
قال أهل العلم: إن الله - عز وجل - حكيم يجعل لكل نبي من الآيات ما يناسب الوقت، وحال الناس حتى يعجزهم، فالسحر ترقى إلى حد بعيد في عهد موسى عليه الصلاة والسلام فأراهم الله آية يعجزون عنها بالسحر، ولهذا السحرة في قصة موسى العارفون بالسحر ما ملكوا أنفسهم إلا أن يؤمنوا، ألقي السحرة ساجدين، كأنهم بغير اختيار، فسجدوا وقالوا إعلاناً: {قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون} وعيسى عليه الصلاة والسلام ترقى في عهده الطب ترقياً عظيماً فأعطاه الله آية لا يستطيع الأطباء أن يأتوا بمثلها، أما محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه بعث في زمن البلاغة العظيمة التي ترقت إلى أعلى ما يكون في العرب واللسان العربي المبين أفصح الألسنة وأدلها على ما في الضمير، فبعثه الله - عز وجل - بقرآن كريم أعجز العرب أن يأتوا بمثله، ولن يأتي أحد بمثله لا الجن ولا الإنس، قال الله - عز وجل -: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرءان لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا} وصدق الله - عز وجل - فالقرآن كلام الله فكما أن الله ليس كمثله شيء، فكلامه ليس مثله كلام، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ما بعث نبيًّا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر حتى تقوم الحجة، قال: «وإنما الذي أوتيته وحي أوحاه الله إليَّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً» () ، وحصل ما توقع والحمد لله، لأن آيته الكبرى هي القرآن العظيم، والقرآن العظيم باق، وكل الناس يقرأونه ويستنتجون منه من الآيات ما يزدادون به إيماناً، ويعلمون به صدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فإن قال قائل: ما الحاجة إلى إعطاء الأنبياء آيات؟ فنقول: الحاجة واقعة بل للضرورة، بل العقل أيضاً، لأنه ليس من العقل أن يأتي شخص ويقول: إنه رسول ثم يتبع، لابد أن يكون هناك بينة تدل على أنه رسول، ولو جاء إنسان في غير أمة محمد عليه الصلاة والسلام وقال: إنه رسول ولم يأت بآية، فالناس معذورون إذا لم يتبعوه، وإلا لكان كل واحد يدعي أنه رسول، أما بعد النبي صلى الله عليه وسلم فالنبوة انقطعت؛ لأنه كان خاتم النبيين، لذلك لابد أن يكون مع الأنبياء آيات تدل على صدقهم وعلى صحة ما جاءوا به من الشريعة {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} الكتاب: هو الوحي الذي أوحاه الله تعالى إليهم وما من رسول إلا معه كتاب، بخلاف النبي، فالنبي قد لا يكون معه كتاب، لكن الرسول لابد أن يكون معه كتاب، لأن الرسول لابد أن يعطي الناس الذين يدعوهم ما يشاهدونه بأعينهم. وفيه الأمر والنهي، والخبر والقصص وغير ذلك مما تقتضيه الحال. وقوله: {الكتاب} المراد الجنس، يعني الكتب، وقوله: {والميزان} أي: العدل الذي توزن به الأشياء ويعرف قدرها وحالها، وهذا يدل دلالة واضحة على أن القياس الصحيح مما بعث به الرسل، لأن القياس تسوية فرع بأصل في حكم لعلة جامعة، وقد قال الله - عز وجل -: {وأنزلنا معهم الكتاب والميزان} أي: العدل والمقايسة بين الأمور {ليقوم الناس بالقسط} أي ليقوم الناس في الدين والدنيا بالقسط بالعدل في حق الله، وفي حق العباد، والعدل في حق الله ما ذكره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال له: «أتدري يا معاذ ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟» قال: الله ورسوله أعلم، قال: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً» (). يعني أن لا يعذب من يعبده ولا يشرك به شيئاً، أما حق المخلوق، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأت منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس ما يحب أن يؤتى إليه» () هذا الشاهد، أي: أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، ولو أننا عاملنا الناس بهذا لاستقام العدل ولم يتجرأ أحد على ظلم أحد، ولو أننا شعرنا للناس بما نشعر به لأنفسنا لحلت في قلوبنا الرحمة والتواضع، لأن كل إنسان يحب أن يعامله الناس بالرحمة والتواضع، فعامل الناس أيضاً بالرحمة والتواضع.
فاللام في قوله {ليقوم} للتعليل يعني أرسلنا الرسل وأنزلنا معهم الكتاب، وأنزلنا معهم الميزان لهذه الحكمة، ليقوم الناس بالقسط، ولهذا لا تجد أعدل من دين الله - عز وجل - في كل زمان ومكان، وكل ما خالف دين الله - عز وجل - فهو جور وظلم، ولهذا أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أن أظلم الظلم أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك. ثم سئل: أي الظلم أعظم؟ قال: «أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك» () فلو مشى الناس على شريعة الله لقاموا بالقسط، لكن كل من لم يتمش على شريعة الله فهو جائر، قال الله تعالى: {وعلى الله قصد السبيل ومنها جآئر} يعني من السبيل ما هو جائر وهو سبيل الظالمين، ثم ذكر الله تبارك وتعالى ما يحصل به النصر من جهة أخرى، لأن النصر يكون بالوحي ويكون بالبأس وهو ما ذكره في قوله: {وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس} أنزلنا الحديد يعني خلقناه لهم من المعادن واستنبط بعض العلماء من قوله: {وأنزلنا الحديد} على أن المعدن إذا كان في قمم الجبال فهو أقوى وأنفع مما إذا كان في أسفل، لأن النزول إنما يكون من أعلى،
فالله أعلم هذا يرجع إلى علم الجيولوجيا، لكن أنزلنا بمعنى وضعنا لهم الحديد، وهو معدن معروف من أقوى المعادن {فيه بأس شديد} أي: في الحرب، تصنع منه السيوف والخناجر وجميع آلات الحرب، وإنما ذكره بعد ذكر الكتب، لأن الدين لا يقوم إلا بهذا: بالدعوة والقتال. فإذا أبى الكفار أن يكون دين الله هو العالي فحينئذ يقاتلون، بالحديد {ومنافع للناس} جمع المنافع لأنها لا تحصى أجناسها، فضلاً عن أنواعها وأفرادها، فمن يحصي المنافع التي تحصل بالحديد؟! ولهذا جاءت بالجمع المعروف بصيغة منتهى الجموع، {ومنافع للناس} دينية ودنيوية، فردية وجماعية {وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب} معطوفة على {ليقوم الناس بالقسط} والمراد علم الظهور الذي يترتب عليه الثواب أو العقاب، أما علم أنه سيكون، فهذا سابق على إرسال الرسل وإنزال الكتب، لأنه سبحانه لم يزل ولايزال عالماً بكل شيء، ولكن لا يشكل عليك الأمر، لا تقل: إن الله لا يعلم إلا بعد هذا، نقول: العلم علمان: علم بالشيء قبل وجوده، وعلم بالشيء بعد وجوده. والعلم السابق لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب حتى يمتحن للناس، {من ينصره}، أي: ينصر دينه، وليس المعنى ينصر نفس الله، لأن الله غني عن العالمين، ولهذا قال الله تعالى: {ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم}. فلو قال قائل: كيف تفسر الآية ينصر دينه والله يقول: {من ينصره} هذا تفسير مخالف للفظ وأنتم تنكرون على من يفسر القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ، فما الجواب؟ فالجواب: نحن لا ننكر على الناس إذا فسروا القرآن بما يخالف ظاهر اللفظ إذا كان ذلك بدليل، ولهذا إذا قال قائل في قوله تعالى: {فإذا قرأت القرءان فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم } المعنى إذا قرأت القرآن أي أردت قراءته، فهذا فسره بخلاف ظاهره، ولكنه تفسير صحيح، لأن الإنسان يستعيذ بالله إذا أراد أن يقرأ، وليس إذا تم القراءة. بدليل فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولأن هذا هو الذي يفيد أن يستعيذ الإنسان بالله قبل أن يقرأ ليقرأ والشيطان بعيد عنه، على كل حال إذا قال لك قائل: كيف تفسر قوله تعالى: {من ينصره} أي من ينصر دينه وأنت تنكر على من يفسر القرآن بخلاف ظاهره، فالجواب: أننا لا ننكر على من يفسر القرآن بخلاف ظاهره إذا كان في ذلك دليل صحيح، والدليل على أن المراد ينصر دينه قوله: {إن الله قوى عزيز } ليس به حاجة، ولا يحتاج إلى أحد، فهو قوي عزيز غالب، غالب بقوة، لا يلحقها ضعف، وقوله - عز وجل -: {ورسله} نصر الرسل، إذا كان الرسول حيًّا فالمراد ينصر الرسول نفسه وشريعته، وبعد موته ينصر شريعته، وفي هذا دليل على أن نصر الشريعة نصر لمن جاء بها، فلا يشكل على هذا أن الله سبحانه وتعالى قد يميت الرسول قبل أن يرى النصر الواسع له، لأننا نقول: نصر شريعته نصر له، وقوله: {بالغيب} أي: أنه ينصر الله - عز وجل - وينصر رسله وهو لم ير الله، لأن الله تعالى ينصر ولا يُبصَر في الدنيا، ولهذا قال بعض السلف: (ينصرونه ولا يبصرونه) تفسيراً لقوله: {بالغيب} ينصرونه ولا يبصرونه، فالمراد لا يبصرونه في الدنيا، أما في الآخرة فنظر الله تعالى حق ثابت بالقرآن والسنة وإجماع الصحابة - رضي الله عنهم - إذن بالغيب، أي: ينصرون الله وهو غائب، ويحتمل أن يكون المعنى بالغيب، أي: بغيبتهم عن الناس، فيكون في هذا دليل على إخلاصهم، وأنهم ليسوا ممن يعبدون الله إذا كانوا بين الناس، بل يعبدون الله تعالى في الغيب والشهادة {إن الله قوى عزيز } هذه الجملة استئنافية لبيان أن نصر الله - عز وجل - ليس عن ضعف ولا عن قهر، بل هو قوي عزيز لا يحتاج إلى أحد ينصره بنفسه، ولكن النصر لدينه، نسأل الله أن يجعلنا من أنصار دينه إنه على كل شيء قدير.
{ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات، الأول: القسم المحذوف.
والثاني: اللام. والثالث: قد، ونوح عليه الصلاة والسلام هو أول الرسل عليه الصلاة والسلام من أولي العزم الخمسة، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام هو أبو الأنبياء من بعده، وإليه يرجع الأنبياء، أي: إلى ملته، ولهذا يتنازع فيه المسلمون واليهود والنصارى، فاليهود يقولون: إنه يهودي، والنصارى يقولون: إنه نصراني، والمسلمون يقولون: إنه حنيف مسلم، وهذا هو الحق، والعجب أن اليهود والنصارى يقولون: إنه يهودي أو نصراني، وما كانوا يهوداً ونصارى إلا من بعده، ولكنهم ليس لهم عقول، {وجعلنا في ذريتهما} أي: ذرية نوح وإبراهيم عليهما الصلاة والسلام النبوة والكتاب، يعني الرسل عليهم الصلاة والسلام. وفي هذا دليل على أن آدم ليس برسول، وأن إدريس ليس قبل نوح كما ذكره بعض المؤرخين، وهو خطأ مخالف للقرآن الكريم، فليس قبل نوح رسول، وآدم نبي مكلم كلمه الله - عز وجل - بما شاء من وحيه، ثم سار على نهجه بنوه من بعده، فلما انتشر الناس وكثروا صار بينهم اختلاف، كما قال - عز وجل -: {كان الناس أمةً واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه}. وقوله: {الكتاب}، المراد الجنس، لأن كل رسول معه كتاب، كما قال - عز وجل -: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب} {فمنهم مهتد} أي: بعضهم مهتد، وحذفت الياء كما هي القاعدة في اللغة العربية، وأصلها مهتدي بالياء، لكن حذفت للتخفيف {وكثير منهم فاسقون } أي: غير مهتدين، وهذا هو الواقع أن بني آدم أكثرهم ضال، كما قال - عز وجل -: {وإن تطع أكثر من في الأَرض يضلوك عن سبيل الله}. {ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وءاتينه الإنجيل} قفينا بمعنى اتبعنا، مأخوذ من القفا، لأن من يمشى من قفاك هو تابع لك {على آثارهم} أي: آثار نوح وإبراهيم ومن كان من الرسل الآخرين عليهم الصلاة والسلام {برسلنا} أي: التابعين لهم، {وقفينا بعيسى ابن مريم} نص على عيسى عليه السلام لأنه ليس بينه وبين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم رسول، بل ولا نبي أيضاً، ليس بينه رسول ولا نبي، وما يقال: إن خالد بن معادن وغيره له النبوة فكله كذب، {وءاتينه الإنجيل} هو كتاب أنزله الله - عز وجل - على عيسى، ويعتبر مكملاً للتوراة، لأن التوراة هي أم الكتب في بني إسرائيل، {وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفةً ورحمةً ورهبانيةً ابتدعوها}، ثلاثة أشياء جعلها الله في قلوب النصارى الذين اتبعوا عيسى {رأفةً} الرأفة نوع من الرحمة ولكنها أرق وألطف {ورحمةً} فهم من أرق الناس قلوباً، وأرحمهم بالخلق لما كانوا على شريعة عيسى عليه السلام، ولكن بعد أن كفروا بمحمد صاروا أغلظ الناس، أو من أغلظ الناس، كما جرى بين المسلمين وبين النصارى في الحروب الصليبية وغيرها {ورهبانيةً} الانقطاع عن الدنيا للعبادة، {ابتدعوها} يعني من عند أنفسهم، كما فعلت بعض فرق المسلمين، ابتدعوا رهبانية ما أنزل الله بها من سلطان، لكن معهم رقة ورحمة {ما كتبنها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله} يعني أنا لم نفرضها عليهم، ولكن هم طلبوا رضوان الله، ولهذا نقول: {إلا ابتغاء رضوان الله} استثناء منقطع، ولكن مع كونهم ابتدعوها واختاروا بأنفسهم {فما رعوها حق رعايتها} يعني ما قاموا برعايتها الواجبة من إحسان هذه الرهبانية التي ابتدعوها، وإنما تصرفوا فيها كما يشاؤون، {فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم} أي: ثوابهم {وكثير منهم فاسقون } أي: كثير من هؤلاء النصارى فاسق، أي: خارج عن طاعة الله - عز وجل -، وفي هذا دليل على أن الإنسان إذا ابتدع بدعة فإنه لا يوفق لإقامتها، فيكون ضالاًّ في الأصل، وضالاًّ في الفرع، حتى لو اجتهد، حتى لو خشع، إنك تجد كثيراً من الناس الذين ابتدعوا أذكاراً، أو صلوات، أو أدعية، أو ما أشبه ذلك تجدهم خاشعين، قلوبهم باكية، قلوبهم خاشعة لكن لا ينفعهم ذلك، لأنهم على ضلال، نسأل الله السلامة والعافية.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم } يا أيها الذين آمنوا، المراد بهم هذه الأمة، فيكون قوله: {اتقوا الله وآمنوا برسوله} يعني اثبتوا على الإيمان، ولا تبدلوا الإيمان، لأن الإيمان قد حصل، حيث قال {يا أيها الذين آمنوا}، فيكون المعنى {يا أيها الذين آمنوا} بقلوبكم {اتقوا الله} بجوارحكم {وآمنوا برسوله} أي: حققوا الإيمان واثبتوا عليه، وليس كل من آمن يكون مؤمناً حقًّا، وهذا هو ما يعنيه العلماء بقولهم، هذا نفي كمال الإيمان مثل قوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» () ، ليس المراد نفي مطلق الإيمان، بل نفي الإيمان المطلق الكامل، وقد زعم بعض المفسرين أن هذه الآية في أهل الكتاب، لأنه قال: {وآمنوا برسوله}، ولكن هذا قول ضعيف جدًّا، ولا يمكن أن ينادي الله - عز وجل - أهل الكتاب وهم كفرة بوصف الإيمان أبداً، لا يمكن أن يكون المراد بقوله: {يا أيها الذين آمنوا} يا أيها اليهود والنصارى، لأنهم حين نزول القرآن إذا بقوا على يهوديتهم ونصرانيتهم ليسوا بمؤمنين، والمراد برسوله هنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم يتضمن الإيمان بجميع الرسل، كما قال - عز وجل -: {آمن الرسول بمآ أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملئكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله} يعني في الإيمان به، لا في الاتباع، ففي الاتباع نفرق بين الرسل، فتبع منهم محمداً صلى الله عليه وسلم ، لكن الإيمان كلهم على حد سواء، نؤمن بأنهم رسل الله حقًّا، {يؤتكم كفلين من رحمته} أي: نصيبين من رحمة الله، ولهذا مثل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، هذه الأمة بالنسبة لما قبلها كرجل استأجر أجراء، منهم طائفة من أول النهار إلى نصف النهار، وطائفة من نصف النهار إلى العصر، وطائفة من العصر إلى غروب الشمس، فالطائفة الأولى أعطى كل واحد منهم ديناراً، والطائفة الثانية أعطى كل واحد ديناراً، والثالثة أعطى كل واحد دينارين فاحتج الأولون: لماذا تعطي هؤلاء دينارين، وهم أقل منا عملاً؟ فأجابهم بقوله: «هل نقصتكم من أجركم شيئاً»؟ قالوا: لا، قال: «ذلك فضلي أوتيه من أشاء» () ، فالحمد لله هذه الأمة لها مثل أجر الأمم السابقة مرتين، {ويجعل لكم نوراً تمشون به}، أي: أنكم إذا آمنتم وحققتم الإيمان مع التقوى يثبكم ثوابين {ويجعل لكم نوراً تمشون به} أي: علماً تسيرون به إلى الله - عز وجل - على بصيرة، وفي هذا دليل على أن التقوى من أسباب حصول العلم، وما أكثر الذين ينشدون العلم، وينشدون الحفظ، ويطلبون الفهم، فنقول: إن تحصيله يسير، وذلك بتقوى الله - عز وجل - وتحقيق الإيمان، الذي هو موجب العلم، فاعمل بما علمت يحصل لك علم ما لم تعلم، فتقوى الله - عز وجل - من أسباب زيادة العلم ولا شك، ولهذا قال{ويجعل لكم نوراً تمشون به} أي: تسيرون به، أي: بسببه سيراً صحيحاً يوصلكم إلى الله - عز وجل - {ويغفر لكم} أي: يسترها عليكم، ويعفو عنكم، فلا عقاب ولا فضيحة {والله غفور رحيم } أي: ذو مغفرة ورحمة، كما قال الله - عز وجل -: {وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم} وقال - عز وجل -: {وربك الغفور ذو الرحمة} فالغفور يعني ذا المغفرة، والرحيم يعني ذي الرحمة، وذلك أن الإنسان محتاج إلى مغفرة ذنوب وقعت منه، وإلى رحمة تسدده ويتجنب بها المعاصي، ويهتدي إلى التوبة إن عصى، ثم قال: {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله} أي: جعل لكم هذا الثواب، ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله، وأنهم لا يستطيعون أن يحسدوكم على ما آتاكم اللهمن فضله، مع محاولتهم الشديدة أن يحسدوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما قال تعالى: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارًا حسدًا من عند أنفسهم} فيقول - عز وجل - هنا {لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على
شيء من فضل الله} لا إعطاء ولا منعاً {وأن الفضل بيد الله} - عز وجل - وهو المدبر لكل ما يريد على حسب ما تقتضيه حكمته {والله ذو الفضل العظيم } أي: صاحب الفضل العظيم، وما أعظم فضل الله - عز وجل - على عباده، فقد قال تعالى: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجئرون } نسأل الله تعالى أن يؤتينا من فضله، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
انتهى تفسيره رحمه الله .