تفسير سورة الضحى
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
{وَالضُّحَى * وَالَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى * وَلَلاَْخِرَةُ خَيْرٌ لَّكَ مِنَ الاُْولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى * أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَآلاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَآئِلاً فَأَغْنَى * فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّآئِلَ فَلاَ تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}.
البسملة تقدم الكلام عليها.
{والضحى} {الضحى} هو أول النهار، وفيه النور والضياء {والليل إذا سجى} أي: الليل إذا غطى الأرض وسدل عليها ظلامه، فأقسم الله تعالى بشيئين متباينين أولهما: الضحى وفيه الضياء والنور، والثاني: الليل إذا يغشى وفيه الظلمة. {ما ودعك ربك} أي ما تركك {وما قلى} أي: وما أبغض، بل أحب الخلق إليه فيما نعلم محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا اختاره الله لأعظم الرسالات، وأفضل الأمم، وجعله خاتم النبيين، فلا نبي بعده صلى الله عليه وآله وسلم، يقول عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلّم: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا} [الطور: 48]. فعين الله تعالى تكلأه وترعاه وتحميه وتحفظه وهو الذي قال له صلى الله عليه وعلى آله وسلم {الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين} [الشعراء: 219]. فما تركه الله عز وجل بل أحاطه بعلمه، ورحمته، وعنايته وغير ذلك مما يقتضي رفعته في الدنيا والاخرة. كما قال في السورة التي تليها: {ورفعنا لك ذكرك}. [الشرح: 4]. {وللاخرة خير لك من الأولى} هذه الجملة مؤكدة باللام، لام الابتداء و{الاخرة} هي اليوم الذي يبعث فيه الناس، ويأوون إلى مثواهم الأخير إلى الجنة أو إلى النار، فيقول الله لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم {وللاخرة خير لك من الأولى} أي: من الدنيا، وذلك لأن الاخرة فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، وموضع سوط أحدنا في الجنة خير من الدنيا وما فيها، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولهذا لما خير الله نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في مرضه بين أن يعيش في الدنيا ما يعيش وبين ما عند الله، اختار ما عند الله، كما أعلن ذلك صلى الله عليه وعلى آله وسلم في خطبته حيث قال وهو على المنبر: «إن عبداً من عباد الله خيره الله بين أن يعيش في الدنيا ما شاء الله أن يعيش وبين ما عنده فاختار ما عنده»، فبكى أبو بكر رضي الله عنه وتعجب الناس من بكائه كيف يبكي من هذا،
ولكنه رضي الله عنه كان أعلم الناس برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. علم أن المخير هو الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنه اختار ما عند الله وهو الاخرة، وأن هذا إيذان بقرب أجله. {ولسوف يعطيك ربك فترضى} {ولسوف} اللام هذه أيضاً للتوكيد وهي موطئة للقسم، و{سوف} تدل على تحقق الشيء لكن بعد مهلة وزمن {يعطيك ربك} أي يعطيك ما يرضيك فترضى، ولقد أعطاه الله ما يرضيه صلى الله عليه وسلّم، فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة مقاماً محموداً، يحمده فيه الأولون والاخرون، حتى الأنبياء وأولو العزم من الرسل لا يستطيعون الوصول إلى ما وصل إليه. فإذا كان يوم القيامة، وعظم الكرب والغم على الخلق، وضاقت عليهم الأمور طلب بعضهم من بعض أن يلتمسوا من يشفع لهم إلى الله عز وجل فيأتون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، هؤلاء خمسة أولهم أبو البشر، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، وهؤلاء الأربعة عليهم الصلاة والسلام من أولي العزم، كلهم يعتذرون عن الشفاعة للخلق حتى تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فيقوم ويشفع، ولا شك أن هذا عطاء عظيم لم ينله أحد من الخلق، ثم بين الله سبحانه وتعالى نعمه عليه السابقة حتى يستدل بها على النعم اللاحقة. فقال: {ألم يجدك يتيماً فآوى} والاستفهام هنا للتقرير، يعني قد وجدك الله تعالى يتيماً فأواك، يتيماً من الأب، ويتيماً من الأم، فإن أباه توفي قبل أن يولد، وأمه توفيت قبل أن تتم إرضاعه، ولكن الله تعالى تكفل به ويسر له من يقوم بتربيته والدفاع عنه، حتى وصل إلى الغاية التي أرادها الله عز وجل. وقوله: {يتيماً فآوى} وجاء التعبير ـ والله أعلم ـ بـ{فآوى} لسبب لفظي، وسبب معنوي. أما السبب اللفظي: فلأجل أن تتوافق رؤوس الايات من أول السورة، وأما السبب المعنوي: فإنه لو كان التعبير (فآواك) اختص الإيواء به صلى الله عليه وعلى آله وسلم والأمر أوسع من ذلك، فإن الله تعالى آواه، وآوى به، آوى به المؤمنين فنصرهم وأيدهم، ودفع عنهم بل دافع عنهم سبحانه وتعالى. {ووجدك ضالاً فهدى} {وجدك ضالاً} أي غير عالم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن يعلم شيئاً قبل أن ينزل عليه الوحي، كما قال تعالى: {وعلمك ما لم تكن تعلم} [النساء: 113]. وقال: {وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك} [العنكبوت: 48]. فهو صلى الله عليه وسلّم لم يكن يعلم شيئاً بل هو من الأميين {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم} [الجمعة: 2]. لا يقرأ ولا يكتب، لكن وصل إلى هذه الغاية العظيمة بالوحي الذي أنزله الله عليه، فعلم وعلَّم وهنا قال {فهدى} ولم يأت التعبير ـ والله أعلم ـ فهداك، ليكون هذا أشمل وأوسع فهو قد هدى عليه الصلاة والسلام، وهدى الله به، فهو هاد مهدي عليه الصلاة والسلام. إذاً فهدى أي فهداك وهدى بك. {ووجدك عائلاً فأغنى} أي وجدك فقيراً لا تملك شيئاً {فأغنى} أي أغناك وأغنى بك قال الله تعالى: {وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها} [الفتح: 20]. وما أكثر ما غنم المسلمون من الكفار تحت ظلال السيوف، غنائم عظيمة كثيرة كلها بسبب هذا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حين اهتدوا بهديه، واتبعوا سنته فنصرهم الله تعالى به وغنموا من مشارق الأرض ومغاربها، ولو أن الأمة الإسلامية عادت إلى ما كان عليه السلف الصالح لعاد النصر إليهم، والغنى، والعزة، والقوة ولكن مع الأسف أن الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر كل منها ينظر إلى حظوظ نفسه بقطع النظر عما يكون به نصرة الإسلام أو خذلان الإسلام. ولا يخفى على من تأمل الوقائع التي حدثت أخيراً أنها في الحقيقة إذلال للمسلمين، وأنها سبب لشر عظيم كبير يترقب من وراء ما حدث، ولاسيما من اليهود والنصارى الذين هم أولياء بعضهم لبعض كما قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض} [المائدة: 51]. وهم أعني اليهود والنصارى متفقون على عداوة المسلمين، كل لا يريد الإسلام، ولا يريد أهل الإسلام، ولا يريد عز الإسلام. ولكن سينصر الله تعالى دينه مهما كانت الأحوال، فالله تعالى ناصر دينه وكتابه، وإن حصل على المسلمين ما يحصل فإن الله يقول: {وتلك الأيام نداولها بين الناس} [آل عمران: 140].فربما يأتي اليوم الذي يجاهد فيه المسلمون اليهود حتى يختبىء اليهودي تحت الشجر فينادي الشجر يا مسلم، يا عبدالله هذا يهودي تحتي، فيأتي المسلم ويقتله، وما ذلك على الله بعزيز. ولكن المسلمين يحتاجون إلى قيادة حكيمة عليمة بأحكام الشريعة قبل كل شيء، لأن القيادة بغير الاستفادة بنور الشريعة عاقبتها الوبال، مهما علت ولو علت إلى أعلى قمة فإنها سوف تنزل إلى أسفل قعر. الهداية بالإسلام، بنور الإسلام، لا بالقومية، ولا بالعصبية، ولا بالوطنية ولا بغير ذلك، بالإسلام فقط. فالإسلام وحده هو الكفيل بعزة الأمة، لكن تحتاج إلى قيادة حكيمة تضع الأشياء مواضعها، وتتأنى في الأمور ولا تستعجل، لا يمكن أن يصلح الناس بين عشية وضحاها، ومن أراد ذلك فإنه قد أراد أن يغير الله سنته، والله سبحانه وتعالى لا يغير سنته، فهذا نبي الله عليه الصلاة والسلام بقي في مكة ثلاث عشرة سنة ينزل عليه الوحي، ويدعو إلى الله بالتي هي أحسن، ومع ذلك في النهاية خرج من مكة خائفاً مختفياً لم تتم الدعوة في مكة، فلماذا نريد أن نغير الأمة التي مضى عليها قرون وهي في غفلة وفي نوم بين عشية وضحاها، هذا سفه في العقل، وضلال في الدين. الأمة تحتاج إلى علاج رفيق هادىء يدعو بالتي هي أحسن، الأمة الإسلامية تحتاج بعد الفقه في دين الله والحكمة في الدعوة إلى الله، تحتاج إلى العلم بالواقع والفطنة والخبرة، ونظر في الأمور التي تحتاج إلى نظر بعيد، لأن النتائج قد لا تتبين في شهر، أو شهرين، أو سنة، أو سنتين، لكن العاقل يصبر وينظر ويتأمل حتى يعرف، والأمور تحتاج أيضاً إلى عزم وتصميم وصبر؛ لأنه لابد من هذا لابد من عزم يندفع به الإنسان، ولابد من صبر يثبت به الإنسان وإلا لفاتت الأمور أو فات كثير منها والله المستعان.
قال عز وجل: {فأما اليتيم فلا تقهر} هذا في مقابلة {ألم يجدك يتيماً فآوى}، فإذا كان الله آواك في يتمك فلا تقهر اليتيم، بل أكرم اليتيم، والإحسان إلى اليتامى وإكرامهم من أوامر الشريعة ومن حسنات الشريعة، لأن اليتيم الذي مات أبوه قبل أن يبلغ منكسر الخاطر، يحتاج إلى جبر، يحتاج إلى من يسليه، وإلى من يدخل عليه السرور لاسيما إذا كان قد بلغ سنًّا يعرف به الأمور كالسابعة والعاشرة وما أشبه ذلك {وأما السائل فلا تنهر} هذا في مقابل {ووجدك ضالاً فهدى} {وأما السائل فلا تنهر} أول ما يدخل في السائل، السائل عن الشريعة عن العلم لا تنهره؛ لأنه إذا سألك يريد أن تبين له الشريعة وجب عليك أن تبينها له لقول الله تبارك وتعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [آل عمران: 187]. لا تنهره إن نهرته نفرته، ثم إنك إذا نهرته وهو يعتقد أنك فوقه؛ لأنه لم يأت يسأل إلا أنه يعتقد أنك فوقه، إذا نهرته وهو يشعر أنك فوقه أصابه الرعب واختلفت حواسه، وربما لا يفقه ما يلقي إليك من السؤال، أو لا يفقه ما تلقيه إليه من الجواب، وقس نفسك أنت لو كلمت رجلاً أكبر منك منزلة ثم نهرك ضاعت حواسك، ولم تستطع أن ترتب فكرك وعقلك، لهذا لا تنهر السائل، وربما يدخل في ذلك أيضاً سائل المال، يعني إذا جاءك سائل يسألك مالاً فلا تنهره، لكن هذا العموم يدخله التخصيص: إذا عرفت أن السائل في العلم إنما يريد التعنت، وأخذ رأيك وأخذ رأي فلان وفلان حتى يضرب آراء العلماء بعضها ببعض، فإذا علمت ذلك فهنا لك الحق أن تنهره، وأن تقول: يا فلان اتق الله ألم تسأل فلاناً كيف تسألني بعدما سألته؟! أتلعب بدين الله؟! أتريد إن أفتاك الناس بما تحب سكتّ، وإن أفتوك بما لا تحب ذهبت تسأل؟!. هذا لا بأس، لأن هذا النهر تأديب له. وكذلك سائل المال إذا علمت أن الذي سألك المال غني فلك الحق أن تنهره ولك الحق أيضاً أن توبخه على سؤاله وهو غني، إذاً هذا العموم {السائل فلا تنهر} مخصوص فيما إذا اقتضت المصلحة أن ينهر فلا بأس {وأما بنعمة ربك فحدث} نعمة الله تعالى على الرسول صلى الله عليه وسلّم التي ذكرت في هذه الايات ثلاث {ألم يجدك يتيماً فآوى. ووجدك ضالاً فهدى. ووجدك عائلاً فأغنى} وبهذه الثلاث تتم النعم. حدث بنعمة الله قل: كنت يتيماً فآواني الله، كنت ضالاً فهداني الله، كنت عائلاً فأغناني الله، لكن تحدث بها إظهاراً للنعمة وشكراً للمنعم، لا افتخاراً بها على الخلق؛ لأنك إذا فعلت ذلك افتخاراً على الخلق كان هذا مذموماً. أما إذا قلت أو إذا ذكرت نعمة الله عليك تحدثاً بالنعم، وشكراً للمنعم فهذا مما أمر الله به.
هذه كلمات يسيرة على هذه السورة العظيمة، وما نقوله نحن أو غيرنا من أهل العلم فإنه لا يستوعب ما دل عليه القرآن من المعاني العظيمة، نسأل الله أن يرزقنا الفهم في دين الله، والعمل بما علمنا إنه على كل شيء قدير.
تفسير سورة الشرح
{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }
{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * الَّذِى أَنقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}.
البسملة تقدم الكلام عليها.
قال الله سبحانه وتعالى مبيناً نعمته على نبيه محمد صلى الله عليه وسلّم: {ألم نشرح لك صدرك} هذا الاستفهام يقول العلماء إنه استفهام تقرير، واستفهام التقرير يرد في القرآن كثيراً، ويقدّر الفعل بفعل ماضٍ مقرون بقد. ففي قوله {ألم نشرح لك} يقدّر بأن المعنى قد شرحنا لك صدرك؛ لأن الله يقرر أنه شرح له صدره، وهكذا جميع ما يمر بك من استفهام التقرير فإنه يقدر بفعل ماضٍ مقرون بقد، أما كونه يقدر بفعل ماضٍ؛ فلأنه قد تم وحصل، وأما كونه مقروناً بقد؛ فلأن قد تفيد التحقيق إذا دخلت على الماضي، وتفيد التقليل إذا دخلت على المضارع، وقد تفيد التحقيق، ففي قول الناس: (قد يجود البخيل) قد هذه للتقليل، لكن في قوله تعالى: {قد يعلم ما أنتم عليه} [النور: 64]. هذه للتحقيق ولا شك. يقول الله تعالى: {ألم نشرح لك صدرك} أي: نوسعه، وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه، حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان؛ وذلك لأن الشرع فيه مخالفة للهوى فيجد الإنسان ثقلاً في تنفيذ أوامر الله، وثقلاً في اجتناب محارم الله، لأنه مخالف لهوى النفس، والنفس الأمارة بالسوء لا تنشرح لأوامر الله ولا لنواهيه، تجد بعض الناس تثقل عليه الصلاة كما قال الله تعالى في المنافقين: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} [النساء: 142]. ومن الناس من تخف عليه الصلاة بل يشتاق إليها ويترقب حصولها كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «جعلت قرة عيني في الصلاة»، إذاً فالشرع فيه ثقل على النفوس، كاجتناب المحرمات، فبعض الناس يهوى أشياء محرمة عليه كالزنا وشرب الخمر وما أشبه ذلك فتثقل عليه، ومن الناس من ينشرح صدره لذلك ويبتعد عما حرم الله، وانظر إلى يوسف عليه الصلاة والسلام لما دعته امرأة العزيز بعد أن غلقت الأبواب وقالت: هيت لك وتهيأت له بأحسن ملبس وأحسن صورة، والمكان آمن أن يدخل أحد، غلقت الأبواب، وقالت: هيت لك، قال: معاذ الله، استعاذ بربه لأن هذه حال حرجة، شاب وامرأة العزيز، ومكان خالٍ وآمن، والإنسان بشر ربما تسوّل له نفسه أن يفعل ولهذا قال: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه} [يوسف]. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في طاعة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه»، والشاهد من هذا قوله: «رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله» فشرح الصدر للحكم الشرعي معناه قبول الحكم الشرعي والرضا به وامتثاله، وأن يقول القائل سمعنا وأطعنا، وأنت بنفسك أحياناً تجد قلبك منشرحاً للعبادة تفعلها بسهولة وانقياد وطمأنينة ورضا، وأحياناً بالعكس لولا خوفك من الإثم ما فعلت، فإذا كان هذا الاختلاف في الشخص الواحد فما بالك بالأشخاص.
وأما انشراح الصدر للحكم القدري، فالإنسان الذي شرح الله صدره للحكم الكوني تجده راضياً بقضاء الله وقدره، مطمئناً إليه، يقول: أنا عبد، والله رب يفعل ما يشاء، هذا الرجل الذي على هذه الحال سيكون دائماً في سرور لا يغتم ولا يهتم، هو يتألم لكنه لا يصل إلى أن يحمل هًّما أو غمًّا ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيراً له»، إذاً شرح الصدر يعني توسعته وتهيئته لأحكام الله الشرعية والقدرية، لا يضيق بأحكام الله ذرعاً إطلاقاً، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلّم له الحظ الأوفر من ذلك، ولهذا تجده أتقى الناس لله، وأشدهم قياماً بطاعة الله، وأكثرهم صبراً على أقدار الله، ماذا فعل الناس به حين قام بالدعوة؟ وماذا يصيبه من الأمراض؟ حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا يعني من المرض يشدد عليه يعني كرجلين منا، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو يوعك، فقلت: يا رسول الله إنك توعك وعكاً شديداً، قال: «أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم». وحتى أنه شدد عليه عند النزع عند الموت عليه الصلاة والسلام حتى يفارق الدنيا وهو أصبر الصابرين، والصبر درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر عليه، أما الشيء اليسير البارد فلا صبر عليه، لهذا نجد الأنبياء أكثر الناس بلاء ثم الصالحين الأمثل فالأمثل. {ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك} قد يقول قائل: إن بين الجملتين تنافر، الجملة الأولى فعل مضارع {نشرح} والثانية فعل ماض {وضعنا} لكن بناء على التقرير الذي قلت وهو أن {ألم نشرح} بمعنى قد شرحنا يكون عطف ووضعنا عطفه على نظيره ومثيله {ووضعنا عنك وزرك} وضعناه أي طرحناه وعفونا وسامحنا وتجاوزنا عنك {وزرك} أي إثمك {الذي أنقض ظهرك} يعني أقضه وآلمه؛ لأن الظهر هو محل الحمل، فإذا كان هناك حمل يتعب الظهر فإتعاب غيره من باب أولى، لأن أقوى عضو في أعضائك للحمل هو الظهر، وانظر للفرق بين أن تحمل كيساً على ظهرك أو تحمله بين يديك بينهما فرق، فالمعنى أن الله تعالى غفر للنبي صلى الله عليه وسلّم وزره وخطيئته حتى بقي مغفوراً له، قال الله تبارك وتعالى: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً ليغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر}. [الفتح: 1، 2]. وقيل للنبي صلى الله عليه وسلّم وهو يقوم الليل ويطيل القيام حتى تتورم قدماه أو تتفطر قيل له: أتصنع هذا، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، فقال: «أفلا أكون عبداً شكوراً»، إذاً مغفرة الذنوب المتقدمة والمتأخرة ثابتة بالقرآن والسنة، وهذا من خصائص الرسول عليه الصلاة والسلام، لا أحد من الناس يغفر له ما تقدم وما تأخر إلا الرسول صلى الله عليه وسلّم، أما غيره فيحتاج إلى توبة من الذنب، وقد يغفر الله له سبحانه وتعالى بدون توبة ما دون الشرك، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام نجزم بأنه قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولهذا قال: {ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك}. فإن قال قائل: هذه الاية وما سقناه شاهداً لها يدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلّم قد يذنب فهل النبي صلى الله عليه وسلّم يذنب؟ فالجواب: نعم، ولا يمكن أن نرد النصوص لمجرد أن نستبعد وقوع الذنب منه صلى الله عليه وآله وسلم، ونحن لا نقول الشأن ألا يذنب الإنسان بل الشأن أن يغفر للإنسان، هذا هو المهم أن يغفر له، أما أن لا يقع منه الذنب فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: «كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون»، لابد من خطيئة لكن هناك أشياء لا يمكن أن تقع من الأنبياء مثل الكذب والخيانة، فإن هذا لا يمكن أن يقع منهم إطلاقاً، لأن هذا لو فرض وقوعه لكان طعناً في رسالتهم وهذا شيء مستحيل، وسفاسف الأخلاق من الزنا وشبهه هذا أيضاً ممتنع، لأنه ينافي أصل الرسالة، فالرسالة إنما وجدت لتتميم مكارم الأخلاق كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، فالحاصل أن الله سبحانه وتعالى وضع عن محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وزره، وبين أن هذا الوزر قد أنقض ظهره أي أقضه وأتعبه، وإذا كان هذا وزر الرسول عليه الصلاة والسلام فكيف بأوزار غيره، أوزارنا تقض ظهورنا وتنقضها وتتعبها، ولكن كأننا لم نحمل شيئاً، وذلك لضعف إيماننا وبصيرتنا وكثرة غفلتنا، نسأل الله أن يعاملنا بالعفو، في بعض الاثار أن المؤمن إذا أذنب ذنباً صار عنده كالجبل فوق رأسه وإن المنافق إذا أذنب ذنباً صار عنده كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا، يعني أنه لا يهتم، فالمؤمن تهمه خطاياه وتلحقه الهم حتى يتخلص منها بتوبة واستغفار، أو حسنات جليلة تمحو آثار هذه السيئة، وأنت إذا رأيت من قلبك الغفلة عن ذنوبك فاعلم أن قلبك مريض، لأن القلب الحي لا يمكن أن يرضى بالمرض، ومرض القلوب هي الذنوب كما قال عبدالله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانهاوترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها فيجب علينا أن نهتم بأنفسنا وأن نحاسبها، وإذا كان التجار لا ينامون حتى يراجعوا دفاتر تجارتهم، ماذا صرفوا، وماذا أنفقوا، وماذا كسبوا، فإن تجار الاخرة ينبغي أن يكونوا أشد اهتماماً؛ لأن تجارتهم أعظم، فتجارة أهل الدنيا غاية ما تفيدهم إن أفادتهم هو إتراف البدن فقط، على أن هذه التجارة يلحقها من الهم والغم ما هو معلوم، وإذا خسر في سلعة اهتم لذلك، وإذا كان في بلده مخاوف: قطاع طريق، أو سراق صار أشد قلقاً، لكن تجارة الاخرة على العكس من هذا {يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم. تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار} [الصف: 10 ـ 12]. تنجي من العذاب، ويغفر الله بها الذنوب، ويدخل بها الجنات، جنات عدن أي جنات إقامة، ومساكن طيبة في جنات عدن، مساكن طيبة في بنايتها وفي مادة البناء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما»، والله لو يبقى الإنسان في سجدة منذ بلغ إلى أن يموت لكان هذا ثمناً قليلاً بالنسبة إلى هذه الغنيمة العظيمة، ولو لم يكن إلا أن ينجو الإنسان من النار لكفى، أحياناً الإنسان يفكر يقول ليتني لم أولد أو يكفيني أن أنجو من النار، وها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: ليتني شجرة تعضد، ليت أمي لم تلدني، لأن الإنسان يظن أنه آمن لأنه يصلي، ويصوم، ويتصدق، ويحج ويبر الوالدين وما أشبه ذلك، لكن قد يكون في قلبه حسيكة تؤدي إلى سوء الخاتمة، ـ والعياذ بالله ـ كما قال النبي صلى الله عليه وسلّم: «إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع» يعني مدة قريبة لموته ما هو إلا ذراع في العمل؛ لأن عمله كله هباء، هو يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار كما جاء في الحديث الصحيح، لكن قوله: «حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع» ليس معناه أن عمله أوصله إلى قريب من الجنة، وإنما المعنى حتى لا يبقى عليه إلا مدة قليلة في الحياة «ثم يعمل بعمل أهل النار فيدخلها» لكن هذا فيما إذا كان عمل الإنسان للناس كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار»، والإنسان إذا مر على مثل هذه النصوص يخاف على نفسه، يخاف من الرياء، يخاف من العجب، يخاف من الإذلال. {ورفعنا لك ذكرك} رفع ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لا أحد يشك فيه؛ أولاً: لأنه يرفع ذكره عند كل صلاة في أعلى مكان وذلك في الأذان: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمد رسول الله.
ثانياً: يرفع ذكره في كل صلاة فرضاً في التشهد، فإن التشهد مفروض، وفيه أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
ثالثاً: يرفع ذكره عند كل عبادة، كل عبادة مرفوع فيها ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك لأن كل عبادة لابد فيها من شرطين أساسيين هما: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة للرسول عليه الصلاة والسلام، ومن المعلوم أن المتابع للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم سوف يستحضر عند العبادة أنه متبع فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا من رفع ذكره.
قوله: {فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً} هذا بشارة من الله عز وجل للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولسائر الأمة، وجرى على الرسول عليه الصلاة والسلام عسر حينما كان بمكة يضيق عليه، وفي الطائف، وكذلك أيضاً في المدينة من المنافقين فالله يقول: {فإن مع العسر يسراً} يعني كما شرحنا لك صدرك، ووضعنا عنك وزرك، ورفعنا لك ذكرك، وهذه نعم عظيمة كذلك هذا العسر الذي يصيبك لابد أن يكون له يسر {فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً} قال ابن عباس عند هذه الاية: «لن يغلب عسٌر يسرين»، وتوجيه كلامه ـ رضي الله عنه ـ مع أن العسر ذكر مرتين واليسر ذكر مرتين. قال أهل البلاغة: توجيه كلامه أن العسر لم يذكر إلا مرة واحدة {فإن مع العسر يسراً. إن مع العسر يسراً} العسر الأول أعيد في الثانية بال، فال هنا للعهد الذكري، وأما يسر فإنه لم يأت معرفاً بل جاء منكراً، والقاعدة: أنه إذا كرر الاسم مرتين بصيغة التعريف فالثاني هو الأول إلا ما ندر، وإذا كرر الاسم مرتين بصيغة التنكير فالثاني غير الأول، لأن الثاني نكرة، فهو غير الأول، إذاً في الايتين الكريمتين يسران وفيهما عسر واحد، لأن العسر كرر مرتين بصيغة التعريف {فإن مع العسر يسراً} هذا الكلام خبر من الله عز وجل، وخبره جل وعلا أكمل الأخبار صدقاً، ووعده لا يخلف، فكلما تعسر عليك الأمر فانتظر التيسير، أما في الأمور الشرعية فظاهر، ففي الصلاة: صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب، فهذا تيسير، إذا شق عليك القيام اجلس، إن شق عليك الجلوس صل وأنت على جنبك، وفي الصيام إن قدرت وأنت في الحضر فصم، وإن لم تقدر فأفطر، إذا كنت مسافراً فأفطر، في الحج إن استطعت إليه سبيلاً فحج، وإن لم تستطع فلا حج عليك، بل إذا شرعت في الحج وأحصرت ولم تتمكن معه من إكمال الحج فتحلل، وافسخ الحج واهدِ لقول الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي [البقرة: 196]. إذاً كل عسر يحدث للإنسان في العبادة يجد التسهيل واليسر. كذلك في القضاء والقدر، يعني تقدير الله على الإنسان من مصائب، وضيق عيش، وضيق صدر وغيره لا ييأس، فإن مع العسر يسراً، والتيسير قد يكون أمراً ظاهراً حسيًّا، مثل: أن يكون الإنسان فقيراً فتضيق عليه الأمور فييسر الله له الغنى، مثال آخر: إنسان مريض يتعب يشق عليه المرض فيشفيه الله عز وجل، هذا أيضاً تيسير حسي، هناك تيسير معنوي وهو معونة الله الإنسان على الصبر هذا تيسير، فإذا أعانك الله على الصبر تيسر لك العسير، وصار هذا الأمر العسير الذي لو نزل على الجبال لدكها، صار بما أعانك الله عليه من الصبر أمراً يسيراً، وليس اليسر معناه أن ينفرج الشيء تماماً فقط، اليسر أن ينفرج الكرب ويزول وهذا يسر حسي، وأن يعين الله الإنسان على الصبر حتى يكون هذا الأمر الشديد العسير أمراً سهلاً عليه، نقول هذا لأننا واثقون بوعد الله. {فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب} أي إذا فرغت من أعمالك فانصب لعمل آخر، يعني اتعب لعمل آخر، لا تجعل الدنيا تضيع عليك، ولهذا كانت حياة الإنسان العاقل حياة جد، كلما فرغ من عمل شرع في عمل آخر، وهكذا؛ لأن الزمن يفوت على الإنسان في حال يقظته ومنامه، وشغله وفراغه، يسير ولا يمكن لأحد أن يمسك الزمن، لو اجتمع الخلق كلهم ليوقفوا الشمس حتى يطول النهار ما تمكنوا، فالزمن لا يمكن لأحد أن يمسكه، إذاً اجعل حياتك حياة جد، إذا فرغت من عمل فانصب في عمل آخر، إذا فرغت من عمل الدنياعليك بعمل الاخرة، فرغت من عمل الاخرة اشتغلت بأمر الدنيا فإذا قضيت الصلاة يوم الجمعة فانتشر في الأرض وابتغِ من فضل الله، وصلاة الجمعة يكتنفها عملان دنيويان {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} يعني وأنتم مشتغلون في دنياكم {فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله}
[الجمعة: 9، 10]. فإذا فرغنا من شغل اشتغلنا في آخر، وإذا فرغنا منه اشتغلنا في آخر وهكذا ينبغي أن يكون الإنسان دائماً في جد.
فإذا قال قائل: لو أنني استعملت الجد في كل حياتي لتعبت ومللت.
قلنا: إن استراحتك لتنشيط نفسك وإعادة النشاط يعتبر شغلاً وعملاً، يعني لا يلزم الشغل بالحركات ففراغك من أجل أن تنشط للعمل الاخر يعتبر عملاً، المهم أن تجعل حياتك كلها جدًّا وعملاً. {وإلى ربك فارغب} يعني إذا عملت الأعمال التي فرغت منها ونصبت في الأخرى، فارغب إلى الله عز وجل في حصول الثواب، وفي حصول الأجر، وفي الإعانة كن مع الله عز وجل قبل العمل وبعد العمل، قبل العمل كن مع الله تستعينه عز وجل، وبعده ترجو منه الثواب. وفي قوله: {إلى ربك فارغب} فائدة بلاغية {إلى ربك} متعلقة من حيث الإعراب بـ(ارغب) وهي مقدمة عليها، وتقديم المعمول يفيد الحصر، يعني إلى الله لا إلى غيره فارغب في جميع أمورك، وثق بأنك متى علقت رغبتك بالله عز وجل فإنه سوف ييسر لك الأمور، وكثير من الناس تنقصهم هذه الحال أي ينقصهم أن يكونوا دائماً راغبين إلى الله، فتجدهم يختل كثير من أعمالهم؛ لأنهم لم يكن بينهم وبين الله تعالى صلة في أعمالهم. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممتثلين لأوامره، مصدقين بأخباره، إنه على كل شيء قدير.
انتهى تفسيره رحمة الله عليه .