آراء ابن مضاء في تعلق شبه الجملة
يرى ابن مضاء القرطبي أن النحويين قد التزموا مالا يلزم ، وتجاوزوا القدر الكافي فيما أرادوه من وضعهم للنحو ؛ فضعفت حجتهم ، وقد رأى أنهم تكلفوا في أمور عدة ،و من بين هذه الأمور موضوع هذه الدراسة وهو تعلق شبه الجملة .
يعترض ابن مضاء على التقدير ، وفي رأيه أنه لا حاجة للتقدير والتكلف فيه إذا ما كان المعنى مفهوماً ؛ ففي نحو : " زيد في لدار " يرى أن الكلام تام مركب من اسمين دالين على معنيين ، وبينهما نسبة دلت عليها " في " ؛ فلا حاجة إلى غير ذلك .
أما رأي النحاة فهو غير هذا ؛ فهم يرون أن تركيب: " زيد " ليس " في الدار " ، و " في الدار " لا تمثل زيداً ، لذا وجب أن يكون هنالك متعلقٌ للجار والمجرور تقديره " استقر " ، وقد دحض ابن مضاء هذه الحجج في كتابه " الرد على النحاة " ، أما ما أورده مما يخص التعلق فقوله : (( ومما يجري هذا المجرى من المضمرات التي لا يجوز إظهارها ، ما يدعونه في المجرورات التي هي أخبار أو صلات أو صفات أو أحوال ، مثل " زيد في الدار " و" ورأيت الذي في الدار " و " مررت برجل من قريش " و " رأى زيدٌ في الدار الهلال في السماء " فيزعم النحويون أن قولنا :" في الدار " متعلقٌ بمحذوف تقديره " زيد مستقرٌ في الدار " ، والداعي لهم إلى ذلك ما وضعوه من أن المجرورات إذا لم تكن حروف الجر الداخلة عليها زائدة فلابد لها من عامل يعمل فيها ؛ إن لم يكن ظاهراً كقولنا : " زيد قائمٌ في الدار " كان مضمراً كقولنا : " زيدٌ في الدار " ، ولا شك أن هذا كله كلام تام مركب من اسمين دالين على معنيين بينهما نسبة ، وتلك النسبة دلت عليها " في " ولا حاجة بنا إلى غير ذلك ، وكذلك يقولون في " رأيت الذي في الدار " تقديره : " رأيت الذي استقر في الدار " وكذلك " مررت برجل من قريش " تقديره : " كائن من قريش " وكذلك " رأيت في الدار الهلال في السماء " تقديره : " كائناً في السماء " ، وهذا كله كلم تام ، لا يفتقر السامع له إلى زيادة " كائن "
ولا " مستقر " وإذا بطل العامل والعمل فلا شبهة تبقى لمن يدعي هذا الإضمار )) (1) ومجمل قول ابن مضاء أنه لا حاجة للتكلف والإضمار إذا ما كان التركيب بيناً واضحاً ، والمعنى تاماً والإفادة حاصلة ، ولا شبهة في مقصود القول ، فليس هنالك ما يدعو إلى تقدير محذوف بكائن أو استقر وما إلى ذلك من تقديرات للمحذوفات . ولم تحدث آراؤه تأثيراً في زمانها ، ولم تؤثر في النحاة اللاحقين ، واستمر التأليف على ما هو عليه ، ولم تظهر آثار آرائه إلا في أوائل القرن العشرين (2 ) ؛ إذ لاقت آراؤه قبولاًً عند بعض اللغويين المحدثين الذين ينادون بتجديد النحو كإبراهيم مصطفى في كتابه : " إحياء النحو " الذي يتضمن دعوته لإلغاء نظرية العامل ، والنظر إلى النحو من الوجهة التي نظر منها ابن مضاء (3).
وتعد نظرة ابن مضاء للتركيب النحوي نظرة وصفية إذا ما قيست بالمناهج اللغوية الحديثة ، كالمنهج الوصفي الذي يقوم على وصف الظاهرة اللغوية كما هي ، ولا يعتمد التقدير والتأويل ، فهذا المنهج التقى معه في رفضه للعامل وإلغاء التقدير(4) ، إن نظرة ابن مضاء اللغوية الخالصة باعتماده على الواقع اللغوي نفسه لوصف الحقائق اللغوية كما يراها هو دون تدخل الظنون والآراء الشخصية والتقديرات التي هي جهد عقلي محض أهم ما يميز منهجه الذي يغض النظر عن التأويل والتقدير(5) ، ولا يمكن القول إن الدراسة المعتمدة على التقدير والتأويل قد أهملت ؛ فنرى بعض الاتجاهات الحديثة كالنحو التوليدي والتحويلي تولي الحذف والتقدير والعامل والمعنى الاهتمام الكبير . وسيتم تناول تعلق شبه الجملة من منظورٍ حديث يتمثل في أهم اتجاهين في الدرس الألسني : المنهج الوصفي ، والمنهج التوليدي التحويلي