منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
يشرفنا نحن ادارة منتدى متيجة ان نرحب بك زائرنا العزيز في المنتدى ونرجوا منك ان تشرفنا بتسجيلك معنا لتفيدة وتستفيد
منتديات متيجة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتدى متيجة هو منتدى ترفيهي علمي بامتياز هنا تجد كل ما تريده من تطبيقات و سريالات و العاب و فتاوة في الشريعة الاسلامية و تفسير القران و كل ما نستطيع توفيره من كتب علمية .ادبية .انسانية. وعلوم شرعية .بحوث الخ. ويوجد منتدى للفيديو يوتوب ونكت ..الخ وحتى الان
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 لسانيات النص والمتلقي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نائب المدير
الادارة العامة
الادارة العامة
نائب المدير


عدد المساهمات : 2120
نقاط : 7058
السٌّمعَة : 15
تاريخ التسجيل : 06/04/2010

لسانيات النص والمتلقي Empty
مُساهمةموضوع: لسانيات النص والمتلقي   لسانيات النص والمتلقي Emptyالأربعاء يونيو 16, 2010 4:34 pm

أ . د . عبد الجليل غزالة .

أوليات الموضوع : كيف تتوزع انشغالات ومقاربات لسانيات النصtextual linguistics على المستوى النظري والعملي ؟ ما علاقة هذا المجال بمفهوم (( تحليل المضمون )) ؟ ما الوسائل التي شاعت في هذا التخصص بالنسبة لتحليل الخطابات المتنوعة الأجناس ؟ هل تجاوزت القضايا والموضوعات والمنهجيات التي توظفها هذه اللسانيات الطرح البنيوي والتوليدي ؟ كيف يعالج هذا القطاع مفهوم (( الكون الخطابي )) ؟ كيف تتجلى عناصر المعالجات الذهنية داخل هذا الميدان ؟ ما علاقتها بالمتلقي ومسار تحكمه في النصوص التي يقرؤها ويدركها ويفسرها ؟
انشغالات لسانيات النص ومقارباتها العلمية :
ترتكز لسانيات النص ، أثناء اشتغالاتها ومقارباتها العلمية الخاصة ، على منهجية لغوية متميزة ، تعالج من خلالها الخطابات المختلفة الأجناس . إنها تؤسس طريقتها على عدة مبادئ وعناصر نبعت من عمل معرفي دؤوب وعميق ، ورثته عن تراكم الأزمنة المنصرمة .
لذلك فإن اشتغالات ومقاربات هذه اللسانيات تتوزع على المستوى النظري والعملي إلى موضوعاتtopics مهمة جدا :
1 _ معالجة (( الكون الخطابي )) discourse universeللمتن المدروس بكل ظروف إنتاجه وسياقاته وفضاءاته الزمكانية .
2 _ تحليل المضمون ومقاصده التداولية pragmatics .
3 _ مقاربة الواقع غير اللغوي داخل المتن corpus متجاوزة بذلك الطرح اللساني البنيوي ، الداخلي ، التصنيفي ، المغلق للنصوص المتنوعة .
4 _ تحليل الموضوعات الخطابية ( = النصية ) بالاستناد إلى طرائق غير لغوية .
5 _ اعتماد بعض مفاهيم فردينان دو سوسير اللسانية البنيوية وفتحها على نظرية الخطاب المعاصرة .
6 _ استخدام منهجية الكشف الترددي _ الإحصائي .
لقد تطورت اللسانيات المعاصرة ، انطلاقا من أعمال العالم السويسري فردينان دوسوسير ؛ صاحب كتاب ( محاضرات في اللسانيات العامة ) ، الذي يعد عمدة هذا العلم وسفره الأعظم دون منازع . كانت الدراسات اللغوية السابقة المتعلقة بالنصوص الأدبية ذات طابع مدرسي ، حيث إنها كانت تسلك مسلكا نحويا معياريا ، يثير بعض الأسئلة البسيطة المتزامنة حول العمل المدروس . لذلك كانت تنعت ب(( تفسير النصوص )) . نذكر من هذه الأسئلة ما يلي :
أ _ ما الموضوعات themes والقضايا الخطابية التي يطرحها الإنتاج الأدبي ؟
ب _ ماهي قواعد (( نحو النص )) textual grammar الخاصة بكل عمل مدروس ؟
ج _ ما نوع بناه التركيبية والدلالية وخصائصها الجمالية والفكرية والفنية ؟
د _ كيف تتجلى سلطة الكاتب وسلطة النص وسلطة المتلقي ؟
كانت اللسانيات القديمة تهتم بطرق التعبير وقواعده ، أما الدراسة النحوية فإنها كانت تؤثر استخدام وسائل خاصة وتحقيق أهداف معينة تتوخى فهم النص.
تحرك لسانيات النص اللغة كنسق علمي متميز العلاقات والوظائف ، مما يسمح للمستخدم باستعمال آليات تضبط وتفسر وتحدد العناصر الصغرى المكونة للنص . لذلك فإن الخطاب الأدبي لا يعمل أبدا لو لم تكن هناك لغة واصفة metalanguage خاصة تحركه . يمثل النص الأدبي إذن كيانا فارغا يبابا من دون لغة تعمره وتبعث فيه الحياة والبناء والتطور والنمو .
لقد قدم (( تحليل المضمون )) أو (( تحليل النص )) أجوبة مختلفة تخص الأسئلة المذكورة آنفا ، مما جعل الممارسات والطرائق في التناول والمقاربة اللسانية تتنوع كثيرا . كما أن التراجع الذي شهدته بعض المنهجيات والمدارس والتيارات اللسانية على مر العصور هو أكبر دليل على نقصها وقصورها . يسري الأمر عينه على كل المنهجيات والمدارس والتيارات الفكرية الأخرى التي يبزغ نجمها ويذيع صيتها ، ثم يأفل بعد حين من الدهر فتصبح نسيا منسيا .
انتشر مفهوم (( تحليل المضمون )) contenent analysis بكل بساطة في حيز غاب عن نظر اللسانيات البنيوية ، لكن علم الاجتماع كان يرتع فيه بكل أمان وحرية . يسعى هذا المجال إلى تطبيق منهجية دقيقة من أجل معالجة التكوين المستمر الذي يحدث داخل النصوص المتنوعة بواسطة (( شبكة )) من القراءات الموضوعية ، التي تفسر نتائجها تبعا لمسار محدد :
1 _ التوفر على موسوعة من المقولات مبنية بإحكام ، حيث تستخدم لتعميم التنوع الحاصل على (( سطح النص )) حتى تتسنى المقارنة بينها .
2 _ ضبط المظاهر النصية في البداية كيفيا ، ثم كميا .
3 _ إقامة بناء نصي واضح بالاعتماد على الإحصاءات المعجمية والتراكيب الأساسية .
4 _ تمييز المتن المدروس بشكل تجريبي يستخدم لغة واصفة خاصة .
يمكن القول أن لسانيات النص قد قدمت أجوبة جديدة تهم تلك الأسئلة القديمة الخاصة بتفسير الخطابات المتنوعة ، مما خلق تصورا للتحليل ينعت ب(( ما بعد سوسير )) . سيطر البعد التجريبي والعملي على هذا القطاع اللغوي بقوة رفقة أسئلة أخرى تعد أكثر إلحاحا وعمقا ودلالة :
أ _ ما العلامات السيميائية والمقاصد التداولية التي تتحكم في الخطاب المدروس ؟
ب _ ما أنواع الدلالات والسياقات التي تحرك (( الكون النصي )) ؟
ج _ كيف يختلف معنى نص عن معنى نص آخر ؟

إن كل التراث الموجود لدينا اليوم في مجال اللسانيات ينشطر إلى شطرين كبيرين :
1 _ لسانيات غير نصية : تتبنى أطروحات لغوية صرفة فقط ( بنيوية + توليدية ) .
2 _ لسانيات نصية : تهتم بدراسة الواقعين ؛ اللغوي وغير اللغوي للعمل ( الكون النصي ، السياق ، الأبعاد النفسية والاجتماعية الخاصة بعملية الإنتاج للنصوص ) .
شاعت في مجال لسانيات النص عدة طرق ووسائل لتحليل النصوص المتنوعة الأجناس ، فمنها من يوظف تقنيات خاصة بقطاع تحليل الخطاب ( 1 ) ، ومنها من يستعين بالنظرية التداولية ، ومنها من يولي وجهه شطر السميائيات ونظريات التلقي والاتصال والسيكولسانيات psycholinguisticsوالسوسيولسانيات sociolinguistics ( 2 ) .
وظف ( زليج هاريس ) أثناء معالجته لتحليل الخطاب الاشهاري الأمريكي طريقة ( فئات التعادل ) الواقعة بين جمل النص الدعائي ( 3 ) . كما بلور ( شارل مولر ) طريقة أخرى تهتم بالإحصاء المعجمي للكلمات المتطابقة ، وهو ما يؤسس مجال(( تخطيب النص )) ( 4) ويطور الأجهزة الإحصائية المتعلقة بالمعالجة الإعلامية ( علاقة : درجة / تردد ) . يتم في هذا المجال تحديد الترددات recursions والتكرارات repetitionsالمتطابقة ومقارنتها بترددات وتكرارات أخرى . يفحص هذا الإنجاز اللساني المقابلات الموجودة بين المداخل المعجمية ، المنتمية إلى نفس المتوالية النصية ، أو إلى متواليات أخرى ترتبط بالمدخل المعجمي ذاته ( 5 ) .
لذلك فإن لسانيات النص قد تجاوزت طرح سوسير ، الذي يمنح العلاقة القائمة بين الدال والمدلول تفردا كبيرا ، فبلورتها من خلال معالجة موضوع تعدد المعاني من المنظور الدلالي الموسع . نجدها تهتم في هذا المنحى بالقضايا والموضوعات التالية :
أ _ المشترك اللفظي أو الجناس homonym
ب _ الترادف synonym أو الوجوه والنظائر .
ج _ الأضداد / التقابلات contraries / oppositions
د _ التكرار أو التردد repetitions
مازالت المنهجيات التي توظفها لسانيات النص المعاصرة تعاني من بعض التشتت المعرفي وغياب الإحاطة الشاملة بطرائق وتقنيات تنظيم النص وشبكة العلاقات ، الرابطة بين عناصره . يجري الأمر هنا كما لو أن (( سطح النص )) يمثل مجموعة من السكان الذين يتم إحصاؤهم بشكل فردي ينشد الدقة ، التي تفرط في أثر المعني المؤسس لمضمون الخطاب المحلل ( 6 ) .
لا تحل (( المنهجية الإحصائية )) العمرانية demography قضية المعنى واختلافاته من نص إلى آخر . يسعى (( تحليل المضمون )) عند كارترايت إلى الإجابة عن هذه النقطة . فالنص يمثل بالنسبة له سلسلة من الدلالات ذات مؤشرات خاصة يكتشفها الشخص الذي ينظمه بشكل تدريجي . لذلك فإن فك رموز نص معين يعني هنا وضعه ضمن مستوى الدلالة ، المتعلق بفئات التعادل . يستعمل لهذا الغرض جدول تحليلي ، بناء على حكم الشخص المنظم للنص ، فيما يخص الحضور والغياب أو قوة عرض هذا المحمول أو ذاك . تظهر بعض الجوانب المهمة في هذه المرحلة من عمل لسانيات النص :
1 _ وجود مؤشرات غير محددة بالنسبة للسانيات غير النصية ، مثل اللفظة ، العبارة المتوالية ، الموضوع الخطابي topic / theme .
2 _ تكامل الصفات النفسية ، مثل : الذكاء ، الحساسية ، مرونة الشخص الذي ينظم النص .
3 _ التكيف والتفاعل الاجتماعي .
4 – وجود أشخاص منظمين للنصوص متمرسين جيدا .
5 _ توفر نظرية للتلقي جلية المعالم .
يؤدي هذا العمل (( الجماعي )) المنظم إلى وجود قواعد عامة ونسق مرجعي ، أثناء العمل . يتفق المنظمون للنصوص على صيغها وطرق قراءتها وتلقيها reception ، (( فلا يمكن تحليل نص معين إلا في إطار نسق من القيم المشتركة ، الحاملة لمعنى يتعلق بالمنظمين وشأن طريقتهم في القراءة والتلقي )) ( 7 ) .
إن المنهجيات التي تعتمد عليها لسانيات النص ليست لسانية بنيوية structuralداخلية مغلقة ، أو توليدية generative، تتجاوز البني اللغوية السطحية الظاهرة لتغوص في تأويلات مقعدة تخص البنى العميقة المضمرة ومعرفة المتكلم المثالي _ المتخيل بلغته ، بل إنها تحمل أبعادا غير لغوية تنتمي إلى المجال النفسي والاجتماعي والسيميائي والعرقي ethnographyوالسلالي ethnologyوالسردي narrative وغيره ( 8 ) .
يفترض التحليل الوثائقي منذ البداية تحديد (( فئات التعادل )) equivalent class بصورة جوهرية تستند إلى قاعدة نسقية و تهتم بصيغ معينة ، تدرج المعلومات الضرورية في الذهن ؛ أي تلك التي ترتبط بتحليل وثيقة معينة .
تمثل عملية إنتاج الخطابات المتنوعة التي تعالجها لسانيات النص مجموعة من الاواليات الصورية التي تبني النصوص ضمن ظروف خاصة . لذلك فإن دراسة عملية إنتاج النصوص تطرح نسقين يرتبطان بالبحث في هذا المجال اللساني :
أ _ نسق التنوعات ( دلالية ، نصية ، تداولية ) ( 9 ) .
ب _ نسق (( الكون الخطابي )) : يضم ظروف الإنتاج والسياق والفضاء الزمكاني للنص المدروس .
تملك الأنظمة اللغوية وغير اللغوية البانية للمتون التي تقاربها لسانيات النص مجموعة من الوظائف التي يفعلها الخطاب العملي التداولي . يصبح النص المدروس هنا عبارة عن (( جنين )) ينمو باستمرار خلال مراحل تكون الخطاب ؛ أي منذ البداية وحتى النهاية . إنه يتحرك على مستوى الإنجاز ضمن نسق جمالي وفكري وفني ، مستندا إلى (( حرية المتكلم )) وتنميطاته modalizations ، المتنوعة الحالات .
يشكل الخطاب المدروس بالنسبة لهذه اللسانيات إوالية خاصة وتفاعلات تداولية pragmatics ، تحركها قواعد خالصة ، ترتبط ببنى أيديولوجية سياسية واجتماعية ، ذات ظروف إنتاج محددة ، بناء على الأقوال speech acts والأفعال الإنجازية performative verbs كما حددها ج . أوستين.
يعد موقع المتكلم جوهريا في مجال لسانيات النص ، الأمر الذي يدفعه ضمن
عملية التلفظ إلى اختبار موقع المخاطب ، مما يجعل عمله فاصلا بالنسبة لتخيل المخاطب وتوقعاته وحدسه ، وهو ما يؤسس الخطاب المنشود بكل مقاماته ومقاصده .
تتعامل لسانيات النص مع عدة ظواهر وقضايا دلالية propositionsوموضوعات خطابيةtopics تمثل أفعالا واشتغالات خاصة ، تعتمد على وجود (( كون خطابي )) يرتبط بالسياقات والفضاءات الزمكانية المتعددة بالإضافة إلى تعاملها مع الأبعاد اللسانية الداخلية ، المغلقة ، التصنيفية المعروفة عند البنويين والتوليديين اللسانيين الأوائل .
يقوم (( الكون الخطابي )) بخلق عدة سياقات ومواقف ، تولد مجموعة من
الخطابات المتنوعة دلاليا وبلاغيا . لا يمكن تحليل الخطاب المدروس على أنه نص أو متوالية sequenceمغلقة على نفسها ، بل باعتباره مجموعة من الترابطات والعلاقات التركيبية والدلالية والمقامية .
تمثل النصوص التي تعالجها هذه اللسانيات مجموعة من الخطابات الواقعية الفعلية النابعة من مواقف خاصة ، ترتبط بظروف انتاج وسياقات وفضاءات بانية ل(( كون ))
univers فكري معين .
مازالت لسانيات النص ، التي انضمت مؤخرا إلى كوكبة الإشكاليات اللسانية المعاصرة ، لم تتجاوز بعض الأوليات والصعوبات المزمنة ، المتمثلة في :
أ – بناء منهجية خالصة يتفرد بها حقلها المعرفي ، دون ترقيع أو استطرادات أو تكامل .
ب _ تأسيس موضوع دراسة رصين ومتسق .
ج _ خلق التجانس والوحدة النظرية بين مكونات وعناصر المجال اللساني الخاص .
تظهر أحيانا على السطح بعض الطفيليات والاقتباسات والتداخلات مع الحقول والمفاهيم والتصورات والمنهجيات الأخرى ، مما يقصي توفر صرامة علمية كافية بالنسبة لأغلب المقاربات النصية . نجدها تقتبس كثيرا من نظرية التلفظ والتداول والدلالة بالاعتماد على أعمال زليج هاريس ورومان جاكبسون وإميل بنفنيست وغيرهم .
لقد درس زليج هاريس ، في إطار تحليله للخطاب الاشهاري بأمريكا ، متواليات لغوية وملفوظات clauses مترابطة ومتعادلة ، تتجاوز حدود الجملة الواحدة المعزولة عن السياق ، فكان بذلك أول لساني توزيعي يذيع بشكل منسق قواعد لسانيات النص . لكن الملاحظ في بناء الإطار النظري لهذه اللسانيات الجديدة هو اختلاف السياق الأيديولوجي والمسلمات والمنهجيات بين أربابها المنتشرين في القارتين الأوروبية والأمريكية . لذلك ، فإن طريقة إميل بنفنيست وجاكبسون تخالف طريقة زليج هاريس كثيرا : إنهما كانا يبحثان جاهدين عن طرق تنميط المتكلم لخطاباته ، من خلال تحمله المسؤولية أم لا ، أثناء عملية التلفظ . يرى بنفنيست أن المتكلم يضع بعض الشروط والقيود بالنسبة لعلاقته بملفوظه وبالعالم . لقد ساعد هذا التصور الجديد على تأسيس لسانيات النص والخطاب عن طريق بوابة نظرية التلفظ ( 10 ) . برزت على إثر ذلك رؤية متطورة لمعالجة النصوص :
أ _ مقاربة تضمينات واقتضاءات النصوص المتنوعة .
ب _ بلورة مقاصد المتكلم بالنسبة للنص .
ج _ الاواليات والتفاعلات الخاصة بالملفوظات اللسانية .
د _ المواقف والسياقات والمقامات المرتبطة بالخطاب .
تهتم لسانيات النص عند مقاربة المتون المتنوعة بإبراز وتأويل أبعادها اللسانية الداخلية الصرفة immanente والاجتماعية والنفسية . إنها تدرس المضامين باستخدام نظرية خطابية خاصة تمثل في هذا المنحى علامة تحول بارز بالنسبة لقوانين النص وسلطه القديمة المعروفة .
تكثر التعاريف والتحديدات المتناقضة والمتداخلة ، المستوردة من حقول معرفية متنوعة . لكن الأرجح عند المتخصصين هو استعمال مفهوم ( النص ) كمعطى عملي _ متنوع الاشتغالات التداولية ، مما يؤهله لترويج إنجازات فعلية محددة المقاصد والدلالات .
لذلك فإن الاشتغالات والمقاربات النصية تراعي في هذا الحقل العلمي جل الخصائص الجمالية والفكرية والفنية ، المرتبطة بالملفوظات الاتفاقية الدالة conventionalوالمواقف والسياقات الاتصالية بين المتخاطبين ، مما يؤسس خطابات ذات خصائص ودلالات معينة .
تتعدد وتتكرر الدراسات والبحوث اللسانية النصية التي تستخدم مقاربات قد ذاع صيتها وانتشر عطاؤها الجديد منذ أمد ليس بالبعيد :
1 _ المقاربة التركيبية .
2 _ المقاربة المعجمية الإحصائية .
3 _ المقاربة التلفظية .
4 _ المقاربة النصية .
يتفق الباحثون والمتخصصون في مجال لسانيات النص بأن الاشتغالات والمقاربات الحقيقية في هذا المجال تدور حول دراسة متواليات طويلة مترابطة ومتراصة ، تتجاوز حدود الجملة الواحدة الحاملة للمعنى التام ، الذي يحسن السكوت عنه . لذلك فإن هذه الاشتغالات النصية تهتم هنا بمستوى الفقرة والصفحات المتعددة المتراصة والعبارات التابعة لبعضها والحكاية المترابطة العناصر والتسلسل الجملي .
لا تهتم المقاربة المعجمية الإحصائية كثيرا بالبنى الفعلية للملفوظات النصية . كما أن المقاربة التركيبية – التوزيعية قد تقوض بعض النصوص وتهدم كيانها ، مثلما نجد عند زليج هاريس . تتعلق المشكلة في هذا المستوى بثنائية : الجملة / النص ، حيث يقع التعامل مع الأعمال المتنوعة من منظور دلالي بصورة لاشعورية . يتم ضبط النص فيصبح سطحه موحدا ويقصى هنا تعدد الأصوات والصيغ والأزمنة والاقتضاء والتضمين والتنظير الخطابي . يتحرك الجانب الأيديولوجي من خلال موضوعات الاقتضاء والتضمين ، أكثر مما هو عليه بالنسبة لمضمون الوحدات المعجمية ( 11 ) .
لا يعتد الباحثون المتخصصون في هذا المجال اللساني كثيرا بالبناء الكلي للنصوص وقوانين تطوره ، مما يجعل أمر اللجوء إلى عملية الاستدلال والبرهنة ضرورية لمعرفة جوانب الترابط الداخلي . لذلك فإن لسانيات النص تهتم في الأساس :
أ _ بالعمليات الدلالية ، من خلال أبعادها النصية .
ب _ بالسياقات المتنوعة في علاقتها بالاستدلال والبرهنة ومواقع القول .
د _ بالقيود الخارجية ، التي تضبط عمليات البناء والترابط داخل النصوص .
تتنوع استفادات لسانيات النص كما أسلفنا من منهجيات تداولية pragmaticsواجتماعية ( وليام لايبوف ، جوشوا فيشمان وغيرهما ) ولسانية تركيبية ونظريات أخرى تهتم بالأبعاد الاتصالية اللغوية ( رومان جاكبسون وأتباعه ) .
تتعرض هذه اللسانيات إلى نصوص مكتوبة ومروية ، تتنوع فيها الاشتغالات بين اللغة المكتوبة والمحكية . لقد درست في هذا المستوى العلاقات والفروق الشكلية بين اللغتين وتم التمييز بين عدة مفاهيم : الجملة / المتوالية ، النص/ الخطاب ، الحكاية / الأسطورة ، التلفظ / الملفوظ . لقد استخدمت عدة قواعد قياسية نصية خلاقة creativeومنتهية ، تستند إلى السياقcontext .
تهتم لسانيات النص بكل المتكلمين والمتحاورين والمساهمين في عملية الاتصال ، الحاصلة بين طيات النصوص المتنوعة . إنها تنطلق في البداية من مقاربة لسانية وصفية شكلانية ، ثم تتداخل الحقول اللسانية مع تطبيق بعض القيود عليها . يثير الكتاب والمتكلمون والساردون موضوعات وفرضيات ومعلومات ذات بنى معينة ، تخص العمل المدروس . كما يستعملون الإحالات والضمائر العائدة المتنوعة anaphoria ، مما يدفع المتلقي إلى تطويق العمل بآليات التأويل والاستنتاج . تعتمد هذه اللسانيات على دراسة الظواهر من خلال سياقات الاتصال بمنهجية واقعية ، متفادية كل طرح فردي خاص . لذلك تتم هنا دراسة المظاهر اللغوية المعبرة عن المضامين النصية ، ذات الوظيفة التعاملية والمظاهر المعبرة عن العلاقات والمواقف الاجتماعية والشخصية ، ذات الوظيفة التفاعلية . يحدد هذا النمط من الدراسة اللسانية سمات الباحث أوالمحلل في مجال لسانيات النص :
1 _ اهتمام الباحث في هذا التخصص بالتسجيل الصوتي وطرح الملامح التقطيعية والتطريزية والملاحظات المرتبطة بسياقات العمل المحلل .
2 _ ربط مفهوم النص كتسجيل لفظي للحدث الاتصالي بالتجربة الشخصية نظرا للاختلافات بين الأفراد في هذا المستوى .
3 _ افتراض التجانس بين وجهات النظر من أجل تحقيق التفاهم .
تعالج هذه اللسانيات دور السياق وملامحه في عملية الفهم والتأويل والقياس للنصوص المتنوعة ، حيث تركز على السياق النصي والسياق الموسع ( 12 ) . كما تستند إلى عملية الإحالة والافتراض والاستنتاج والمقام . إنها تطرح موضوعات وإشكاليات تتعلق بتمثيل مضمون الخطاب ، بناء على مقاطعه وفقراته من أجل ضبط وتحديد تلون مفهوم الموضوع الخطابيtopic وتصوير محتواه ومشكلات قضاياه الدلالية .
تطرح لسانيات النص تحديدا جديدا لمفهوم ((الجملة )) ، حيث تربطه بمستوى الكلام والإنجاز ، وليس بمستوى اللغة أو القدرةcompetence اللسانية . إنها تتعرض إليها من خلال افتراضاتها المسبقة وملاءمتها الحوارية للموضوع المطروح ، الذي يبلوره المتكلم . كما تعالج علامات الترقيم والتنغيم التي تبرز حدود الموضوعات والفقرات .
تسلك هذه اللسانيات منحى ذهنيا جديدا بالنسبة لتحديد محتوى الخطابات المحللة ، حيث توسع وتغربل أطروحات نحو الجملة . يتم تمثيل النص المدروس من خلال شبكة من العلاقات التركيبية والدلالية بين الجمل المترابطة والفقرات المتراصة كما في القول التالي :
كان صاروخ هائل لونه أسود وأصفر منصوبا في صحراء العراق .

هائل أسود و
أصفر
أداة تفكير


أداة التنكير
صاروخ كان منصوبا
في
صحراء



تصبح العلاقات النحوية في الشبكة علاقات تصورية :

أصفر
أسود


أسود


صاروخ


منصوب موقع
في
صحراء



تتعقد الشبكة التصورية بالنسبة لهذا التحليل عندما يكون النص طويلا مثخنا بالتفاصيل . كما أن تمثيل الموضوع يبرز بالاعتماد على المقاطع النصية المذكورة ، حيث إن أن كلمة ( الصاروخ ) تشكل حلقة مشتركة بين كل الجمل النصية :


قدم

منتصب
صحراء
العراق


أصفر
طوله

فارغ
طن
خمسة


في

قدر+مادة
وزن
أسود صاروخ
الكحول
طن

هائل
يحمل
وقود


أوكسجين
سائل



( عن كتاب : النص والخطاب والعمل لصاحبه دي بوجراند ، لندن ، لونغمان 1980 ، الصفحات 43 و 93 ) .
تتنوع القضايا والموضوعات الخطابية التي تعالجها لسانيات النص ، حيث نجد موضوع عملية الإخراج staging والتصور الذهني للنصوص ، الذي يطرح مشكلة تسلسل القول داخل الأعمال المحللة وعلاقتها بالموضوع الخطابي topic وبأفكاره الأساسية وجوهره وعملية صياغة المعلومة أو المحمول النصي textualcomment وإخراجه .كما أنها تتعرض هنا إلى دور النظام الطبيعي للنصوص عند عرض الوقائع المترابطة المحكية .
يطرح بناء المعلومات النصية من منظور صوتي وظيفيphonological وذهني متميز جدا . إنها تصنف إلى معلومات جديدة وقديمة من منظور تنغيمي يحدد وحداتها ومقاطعها اللفظية ، ذات النبرات الخاصة ، مثلما نجد عند هاليداي ورقية حسن (13) . يتم من هذا المنظور الصوتي المتطور تحديد النغمة واللفظة ومواطن الوقف الصوتي ووظيفة الطبقة الصوتية عند البروز . تعالج لسانيات النص طرق التركيب النحوي للجمل المترابطة والمتواليات المتنوعة والفقرات المسترسلة ، من خلال وظائفها الصوتية .
تهتم هذه اللسانيات أيضا بأنواع الإحالات والضمائر العائدة وبعض الصيغ الاسمية وأنواع المسند السابق ( 14 ) ، حيث تضبطها بمعية ضبطها لأنماط النصوص ، بناء على ترابطها وتسلسلها . كما تعالج موضوع الاستبدال وطرق تصور الخطاب وبعض التعبيرات النكرة المحلية ( 15 ) .
تتطرق لسانيات النص إلى التماسك النصي textual coherenceالمعنوي ودوره في الفهم والتأويل عند المتلقي ، حيث تبرز الوظيفة الاتصالية للعمل المحلل بكل أقوالها وأفعالها الإنجازية التداولية وأثر استعمال المتلقي لمعرفته بالعالم وأنواع تحليلاته ( 16) وطرق تصوير المعلومات العامة .
تبرز هنا الرصانة والحصافة العلمية لبعض المعالجات الذهنية الخاصة بالنصوص المدروسة في هذا المجال ؛ حيث نجد :
أ _ الإطارات المعرفيةframes : تخزن المعلومات عن النصوص في الذاكرة على شكل بيانات نموذجية تتكيف مع الواقع والظروف ، حيث يتم تغيير بعض التفاصيل تبعا للحاجة الملحة .
ب _ المدارات scripts: يتم رصد العلاقة بين المواقف والسلوك لتسود عملية الفهم على شكل تصورات تابعة دلاليا .
ج _ المخططات الذهنية scenario : تساعد على خلق مجال مرجعي موسع ، يسهم كثيرا في تأويل النصوص المكتوبة . تراعى الظروف المحيطة والسلوكيات النفسية المختلفة ، المتعلقة بسياق الموقف context of situation
د _ الأنساق الذهنية s chemata: تخلق (( نحوا)) ذهنيا محددا اجتماعيا وثقافيا بالنسبة لكل عمل مدروس . إنها تمثل خلفية معرفية تجعل المتلقي يتنبأ بمظاهر محددة عند تأويله لخطاب معين .
ه _ النماذج الذهنية schema : إنها عبارة عن تمثيل يتخذ شكل نموذج داخلي لواقع الأمر كما تعرضه المتواليات والملفوظات الخطابية . لذلك فهي تقوم بربط اللغة بالعالم ، من خلال القوة الذهنية العقلية ، مما يخلق عدة تمثلات .
توظف أيضا هنا بعض الاستنتاجات اللازمة والاستدلالات التي تخلق علاقات غير تلقائية وتسد الفراغات التي قد تظهر بين طيات عملية الفهم والتأويل للنصوص المتنوعة .
المتلقي ولسانيات النص :
ذكرنا فيما سبق أن لسانيات النص تمثل تجاوزا للمدرستين اللسانيتين ؛ البنيوية والتوليدية . لذلك فهي تمثل مشروعا لغويا جديدا يقع ما بعد الحداثة ، حيث إنها عايشت محطتين فكريتين رئيسيتين ، هما :
1 _ نظرية التلقي .
2 _ استراتيجية التفكيك .
لقد وقع تحول كبير في منتصف سبعينيات القرن الماضي بالنسبة للسانيات النص ، حيث ظهرت على الساحة النقدية العالمية مدارس جديدة ، اشتد عودها مع بداية الثمانينيات ؛ مثل التاريخية الجديدة والماركسية الجديدة والمادية الثقافية والنقد النسوي وما بعد الكلونيالية والنقد الثقافي .
تأثرت نظرية التلقيreception theory ببعض الأطروحات الوافدة من الفلسفة وعلم النفس ، وخاصة المدرستين الألمانيتين ؛ الظاهراتيةphenomenologyوالتأويليةhermeneutic .
تقوم الخطابات المتنوعة التي تدرسها لسانيات النص على أنظمة لغوية محددة العلاقات والوظائف بين العناصر والسياقات وظروف الإنتاج والفضاءات الزمكانية . لذلك فإن (( العلامات النصية )) تحتاج في هذا المجال إلى شخص يتلقاها لكي يمنحها دلالاتها ومقاصدها التداولية ويتجاوب معها لأنه لاوجود ولا حياة للنصوص المتنوعة ولا قيمة لمعناها من دون المتلقي ، الذي قد يكون فعليا أو ضمنيا implied reader. فهو الذي يمنحها معانيها الحقيقية ، من خلال إدراكه ووعيه الخاص . تتظافر في هذا المستوى ثلاث سلط للقيام بهذه المهمة الشائكة :
أ _ سلطة الكاتب .
ب _ سلطة النص .
ج _ سلطة المتلقي .
لذلك فإن المتلقي المتمرس يلعب دورا مهما في مجال لسانيات النص ؛ إذ أنه يستخدم استراتيجيات قراءة معينة لصناعة معاني الخطابات التي تصادفه . يملك هذا المتلقي (( نطاق توقعات )) ، أو (( مؤسسة تأويل )) اتفاقية يستهل بها عملية الفهم والتأويل للنصوص . يستلزم هذا الأمر توفر بعض الشروط الجوهرية :
1 _ وجوب امتلاك المتلقي المتمرس لشفرة أو استراتيجيات تفسير ونقد ملائمة للنص المحلل .
2 _ ربطه لعلاقة النص برؤيته للعالم والفرضيات النظرية والاهتمامات الخاصة والتجربة الذاتية .
3 _ بناؤه واكتشافه للمعنى عن طريق منح الدلالة مشروعية تأويلية على المستوى النقدي .
4 _ قدرته على ملء فراغات النص المفسر وتكملته .
يمثل هذا المتلقي (( قدوة )) لأنه يستطيع الربط بين تجربته في القراءة للنصوص وبنية القصد .
يبذل المتلقي في مجال لسانيات النص جهودا متواصلة عند كل مرحلة من المراحل السابقة لإعادة البناء والتركيب والتكملة ، وهو ما ننعته ب(( مسار العروج )) . إنه هو الذي يعضد وينقح ويقوم في كل مرحلة عمليات بناء متراصة من أجل الربط بين تجربة المتلقي في قراءة النص والعلامات الهيكلية للنص وقصد الكاتب و(( نطاق التوقعات)) الاتفاقية أو (( مؤسسة التأويل )) العامة .
يقدم هذا المتلقي قراءة نقدية غير استهلاكية ، حيث يتجاوز رصد المعاني اللفظية ليتوغل في أعماق دلالات ومقاصد النصوص . إنه يركز على السياقات الثقافية للعمل ، فيميز بين أساليب مختلف العصور والمدارس والمؤلفات ويسبر أغوار المنطق الداخلي للإنتاج ، من خلال تذوقه الجيد . كما يضبط الأصوات والإيقاعات والألوان والخطوط البانية للإبداع تبعا للمنطق والعقل والموضوعية . يتعقب المتلقي هنا الخصائص الحسية فيربط المعاني بتجربته الخاصة ليصل في النهاية إلى تحديد الخصائص الأسلوبية المؤطرة للعمل برمته( 17 ) .
يمثل المتلقي في مجال لسانيات النص ذاتا متميزة ، تحمل تجربة خاصة ترتبط بقراءة أو( مشاهدة ) نص يجسد موضوعا حيا ، الأمر الذي يجعل الاثنين يتوحدان معا ، فيصبح الفصل بينهما صعبا جدا . ينتقل المعنى هنا من داخل النص إلى داخل المتلقي . لذلك تغدو العلاقات والوشائج متينة بين المتلقي والنص ، أكثر منها بين المتلقي والكاتب . لكن لايمكن للمتلقي فهم وتأويل النصوص في هذا المجال اللغوي بمعزل عن قصد الكاتب . فهما يساهمان معا في بناء الرسالة التي يقدمها النص .
إن طرح لسانيات النص لسلطة المتلقي ، من خلال علاقتها بالنص قد قضى على فكرة النص المغلق كما كان عند البنيويين ، لكنه فتحه بطريقة موضوعية وواعية . فالعلاقة بين الطرفين هنا جدلية ، حيث تتعدد أسئلتها ومثيراتها ، التي تدفع المتلقي إلى إنتاج نص نقدي حول نص إبداعي .
تبقى سلطة المتلقي متعادلة ومتكاثفة مع سلطة الكاتب وسلطة النص . فهي لا تقوم لمجرد التفسير فقط ، بل تتوخى الكشف عن الشروط التي تمنح النص تأثيرات متنوعة والكاتب وجودا فعليا موضوعيا ووضعيا . يوسع هذا المتلقي قصد الكاتب ويطوره بفعل القراءة التفسيرية (( الطيبة )) ، حيث يؤول نسق العلامات النصية ليمنحها معانيها التداولية ويتجاوز وجودها المادي واللفظي .
يرتبط مفهوم ( القصد ) intentionعند الكاتب بمغزى نصه الإبداعي ، الذي يروم إيصال رسالة مفهومة ومحددة الوظائف اللغوية ، التي تستند إلى وعي المتلقي .
لقد ارتبطت لسانيات النص بتحولين مهمين وقعا ما بعد الحداثة ؛ هما :
أ _ التحول في مسار العلامة اللسانية بعد وفاة فردينان دو سوسير.
ب _ التحول الكبير في المرجعية التي لم تعد قارة .
إن الأحداث الثقافية التي سيطرت على مرحلة ما بعد الحداثة كانت هي السبب في جل هذه التحولات التي لحقت لسانيات النص . أدت أسباب ونتائج هذه التحولات إلى ضرب سلطة النص المدروس . لذلك فقد أصبحت هذه السلطة تقف في مفترق الطرق بين عالم الواقع وتجربة المتلقي ، التي تمنح في النهاية الخطاب وجودا ومعنى جديدا . تعددت في هذا المنحى قدرات النص على تحقيق تعدد الدلالة وكثرت المراوغات وانتهت عملية التوحد بين الدال والمدلول .
لقد قامت لسانيات النص في فترة ما بعد الحداثة لتفصل في أمر هذه الفوضى والترف الساذج ، حيث ركزت في اشتغالاتها ومقارباتها للخطابات المتنوعة الأجناس على كل ما من شأنه أن يوسع مدارك المتلقي ويوجه فهمه وتأويله بالنسبة للمحتوى الإبداعي فينصاع له بوعي وإدراك ، مما يكثف مساهماته ومسؤولياته في التنميط وتنوع الردود . طورت هذه اللسانيات طريقة نظرة المتلقي إلى النصوص باستخدام معيار الثبات وطمس جل المراوغات الدلالية لتخلق الدهشة واللذة والمتعة . إنها قد ساوت وعادلت بين سلطة الكاتب وسلطة النص وسلطة المتلقي ، دون إيثار أو تحيز لواحدة على الأخرى . لا يحدد هذا المجال اللغوي الجديد معاني النصوص بمعزل عن قصد منتجيها . إنه يوظف مفهومي (( المتلقي العادل )) و(( القراءة الطيبة /الوسط )) . نجد من طبيعة الحال عدة قراءات أخرى غير محايدة ، لا يعنينا أمر تحديدها حاليا .
مسار التحكم النصي عند المتلقي :
من المسلم به في هذا المجال اللساني الجديد أن تحديد دلالة النصوص يرتبط بالكاتب والخطاب والمتلقي ، بناء على عملية ثلاثية جدلية متلاحمة يسودها التعادل والمساهمة المتضافرة . يسعى هذا التخصص هنا إلى الحد من عملية الشك بتفسيرات المتلقي وفوضى الدلالة وأزليتها . لذلك فهو يهتم بما يعرف ب(( مسار التحكم النصي عند المتلقي )) ، حيث نجد :
1 _ سيادة المتلقي المتمرس / القدوة .
2_ استخدام نطاق توقعات أو (( مؤسسة تأويل )) اتفاقيةconventional ومعممة بين الكاتب والنص والمتلقي .
3 _ التوسع في الموضوعية والتقليل من الذاتية .
إن فعل القراءة هو فعل ذاتي ، لكن ممارسته بوعي تجعل المتلقي يفهم نفسه ويسيطر عليها بشكل جيد . إنه يمارس ، أثناء معالجته للنصوص المتنوعة ، نشاطا رمزيا توجهه رغباته المعقلنة ، التي تنتج عن الاختلاف الاجتماعي أو عن طريق تمثلاته التي يحملها عن نفسه . فمن خلال هويته واستجابات شخصيته المحايدة يقدم رؤية لهوية الكاتب والنص المحلل . كما أنه يضع نفسه داخل عقل الكاتب فيعيد خلق فعل الخلق ، الأمر الذي يمنح عملية التفسير صفة الشفافية ، التي تحيط علما بشكل فعلي بقصد الكاتب وتضعه في الواجهة . تصبح عملية التلقي هنا (( طيبة )) ولاعلاقة لها ب(( بالتواطؤ والاغتصاب )) أو (( التعطيل والإخصاء )) لمعنى النصوص المفسرة . يمارس المتلقي عدة مستويات من القراءة للنصوص التي يتعامل معها :
أ _ قراءة في جمالية النص .
ب _ قراءة في تاريخه .
ج _ الربط بين أفق الماضي والحديث للقراءة .
إن مهمة لسانيات النص بشكل عام هي تقصي وضبط الوسائل والطرائق التي تقنن تفسير الخطابات المتنوعة . فالتحليل اللساني في هذا المجال ليس ذاتيا ولا موضوعيا برمته ؛ إنه مزيج بين الاثنين بصورة متعادلة و متوازية و معقلنة ومعللة . لاتخلق النصوص من فراغ ولا يمكن أن تعيش في وسط يعج بفوضى التفسيرات والترف التأويلي التافه ، المعبر عن الخواء الحضاري وانعدام المسؤولية وضوابط التنميط والمساهمة في الإنتاج . لذلك فإن هذه اللسانيات تعيد الأمور إلى نصابها بشفافية وعمق وموضوعية ومسؤولية ، مراعية جل أخلاقيات البحث العلمي وأدبياته ، حيث تمنح سلطة الكاتب وسلطة النص وسلطة المتلقي قيمتها الجمالية والفكرية والفنية ، دون إيثار و طغيان و تبجح وحذلقة وترف أجوف متسول بالنسبة لسلطة على أخرى .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
لسانيات النص والمتلقي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» معنى الإحالة في اصطلاح علماء لسانيات النص
» الجملة والنصّ في إطار لسانيات النصّ
» كتاب مضمرات النص والخطاب .
» جدوى منهج نحو النص ومدى أهميته
» الإحالة وأثرها في دلالة النص وتماسكه

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات متيجة :: دراسات ادبية ولغوية :: الدراسات الحديثة :: اللسانيات-
انتقل الى: